بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن قرار المحكمة العسكرية في قيادة المنطقة الجنوبية للجيش الصهيوني التي برّأت الضابط الذي قتل الطفلة إيمان الهمص (13عاماً) في الخامس من أكتوبر من العام 2004 في رفح مستغرباً، لكنه -وعلى الرغم من ذلك- يكشف مدى الاستهتار بأرواح الفلسطينيين ليس المقاومين فحسب، بل حتى الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة.
ضوء أخضر للقتل
إيمان التي قُتلت بدم بارد استشهدت أثناء مرورها من أمام أحد أبراج المراقبة الصهيونية، وهي تحمل حقيبتها المدرسيةº إذ أطلق الضابط الصهيوني ما يزيد عن عشرين رصاصة على جسدها، بحجة الاشتباه بوجود متفجرات في حقيبتها.
يحدّثنا شقيقها إيهاب معقباً على هذا القرار فيقول: لقد كان هذا القرار متوقعاً من قبل حكومة الاحتلالº لأن هذا القاتل قبل ثلاثة أشهر أخذ وسام الشجاعة على قتله للأطفال، وبخاصة إيمان، ولذلك كان عندنا شعور بأن قرار القضاء لن يكون في صالحنا.
ويضيف إيهاب بأن هذا القرار يمنح الجنود ضوءاً أخضر لقتل الأطفال الفلسطينيين، واصفاً ذلك بالإرهاب.
ويقول إيهاب: إن هذا القرار لن يمر مرور الكرام، ولن يُسكت عنه، مضيفاً " لقد قدّمنا استئنافاً للمحكمة والقضاء، وإذا لم ينصفنا سنلجأ للقضاء الدولي".
ودعا المحامين العرب إلى الوقوف بجانبهم ليس في هذه القضية فحسب، بل في كافة القضايا التي تخص الشعب الفلسطيني.
صك مفتوح
حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وعلى لسان مشير المصري الناطق الإعلامي باسمها قالت: إن هذا القرار يؤكد مدى التواطؤ الحكومي والرسمي مع الجنود والضباط المجرمين، ومع عصابات الإرهاب الصهيونية.
ويضيف المصري: إن هذا القرار يؤكد أن هناك سياسة صهيونية ممنهجة لقتل كل ما هو فلسطيني، ويؤكد على العقلية الصهيونية التي تتعامل مع الفلسطينيين، وهي عقلية الإجرام والإرهاب، مشيراً إلى أن قرار البراءة الذي أصدرته المحكمة يعطي الجنود الصهاينة مزيداً من الجرأة لارتكاب المزيد من الجرائم، لاسيما أن هذا القرار الصهيوني بمثابة غطاء وصك مفتوح لجنود وضباط الاحتلال ليستبيحوا كل ما هو فلسطيني.
وحمّل حكومة الاحتلال مسؤولية ما يترتب من تبعات على هذا القرار، موضّحاً أن العقلية الصهيونية والإجرام الصهيوني لن يُقابل بالخنوع من قبل الشعب الفلسطيني، مضيفاً "يجب أن يدرك العالم أن المشكلة في الاحتلال الذي يستهدف ويستبيح دماء أطفال الشعب الفلسطيني وهو الذي يقتل الأبرياء".
دولة عنصرية
أما حركة المسار الوطني الإسلامي فقالت في بيان صحفي: إنه بالرغم من اتهام النيابة العسكرية الصهيونية لهذا الضابط بإفراغ ذخيرة سلاحه الأوتوماتيكي في جثة الطفلة "الهمص"، إلا أنها برّأته، موضحة أن القرار جاء منسجماً وملائماً لسياسة إرهاب الدولة، الذي تنتهجه حكومات الاحتلال المتعاقبة، ضد الشعب الفلسطيني أطفالاً ونساء وشيوخاً دون تمييز.
وتضيف الحركة: إن هذه الأفعال تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأن دولة الاحتلال هي دولة عنصرية على الرغم من إدعاءاتها الكاذبة أمام العالم بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنها تتمتع بنزاهة القضاء.
وطالب البيان بضرورة تفعيل قرارات محكمة العدل الدولية في لاهاي، والقاضية بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة الذين ارتكبوا المجازر بحق المواطنين في فلسطين، وفي مقدمتهم ارئيل شارون، رئيس الوزراء الصهيوني.
ودعا البيان المجتمع الدولي إلى الضغط على الحكومة الصهيونية من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
يتلاءم مع إرهاب الدولة
وزارة الداخلية والأمن الوطني اعتبرت قرار المحكمة قراراً عنصرياً يتلاءم ويتوافق مع سياسة وعقلية ممنهجة يرتكز إليها إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه سلطات الاحتلال الصهيوني في تنفيذ عدوانها وجرائمها المستمرة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وهو ما يشجع جنود الاحتلال على ممارسة شهوة القتل بدم بارد، وخارج إطار القوانين الإنسانية والضوابط العسكرية التي كفلتها اتفاقية جنيف الرابعة وغيرها من المواثيق الدولية.
قتلت مرتين
وبكلمات لا تخلو من السخرية يقول الكاتب أحمد دحبور في مقال له بعنوان "قتل النفس مرتين": "ولكن للإنصاف لا بد من الاعتراف بأن ذوي الدم الأزرق من شعب الله المختار المتعالين على البشر جميعاً، يمكن أن يقتادهم القضاء في حالات معينة إلى المحاكم..من ذلك ما تردّد أخيراً من أنباء محكمة قد استغرقت عاماً كاملاً - أرأيتم العدل؟ - مثل خلالها الضابط الذي قتل الطفلة إيمان الهمص، بعد أن التبس عليه الأمر، فظن حقيبتها المدرسية عبوة متفجرات؟؟ بقي أن نذكر أن إيمان بنت السنوات العشر هي تلميذة في مدرسة ابتدائية".
ويوجه الكاتب هجوماً لاذعاً للقضاء الصهيوني فيقول: "ومع ذلك فقد نطق الناطق بالحكم.. الضابط بريء، وقد كاد له بعض الجنود الذين يغارون من وسامته وشجاعته ورتبته. مع أن المسكين لم يفعل - باعترافه - إلا انه أطلق النار على الطفلة ظناً منه أنها إرهابية، ثم كشف القضاء العادل النزيه غير العنصري أن الطفلة ليست إرهابية، ولكن راحت في كيسها.. ولم يبق أمام القضاء غير المطالبة برد الاعتبار والشرف العسكري إلى الضابط.. لم يحصل هذا في جنوب افريقيا أيام حكم الابرتهايد، ولم يحصل في زيمبابوي عندما كان اسمها روديسيا.. بل حدث في الشرق الأوسط بعد أن قرر الرئيس الأمريكي أن يفرض الديمقراطية على الشرق الأوسط الكبير بمذابح القائم والرمادي والحلة وكربلاء ومدينة الصدر. ولعلي لا أتخابث إذا تساءلت عما إذا كان الرئيس الأمريكي سيمنح شخصياً وسام الشجاعة الديمقراطية لقاتل الطفلة إيمان الهمص.. والآن، وحسب هذا الحكم القراقوشي العنصري كم ميتة تقدرون للطفلة الشهيدة؟.. لقد استشهدت حين أرداها مجرم الحرب، هذا الوحش البشري بدم بارد وهي بين لداتها وأترابها في طريقها إلى المدرسة.. ثم استشهدت هذه الأيام، أي بعد عام من موتها، حين رأى القضاء الصهيوني العنصري أن الجنود لا يدانون إذا كان ضحاياهم من الفلسطينيين".
إعلامي وقانوني
وحول رأي القانون التقينا المحامي ضياء المدهون - مدير مركز التجمع للحق الفلسطيني- فقال: يجب أن ندرك أن القضاء الصهيوني في مثل هذه الحالات يأخذ القرارات التي تعطي الضوء الأخضر لاستمرار إرهاب الدولة المنظم، من خلال هذه القرارات التي تبرئ القتلة أو تحكم عليهم بأحكام بسيطة.
وعما يمكن فعله قانونياً في مثل هذه الحالة يقول المدهون: ما يمكن فعله هو الاستئناف، وهو يقدم من جهتين: إما من الجاني - وهو في حالة كهذه لن يقدم على هذه الخطوة لأن القرار في صالحه -، والجهة الثانية هي النيابة العامة الصهيونية، وهي لن تفعل ذلك.
ويضيف بأن عائلة الضحية ليس بيدها أن تفعل شيئاً إلا المطالبة بالتعويض، وذلك لا يتم إلا إذا أُدين القاتل.
وعن دور المؤسسات الحقوقية يقول:
المؤسسات الحقوقية تخوض غمار هذه المعركة باتجاهين:
الأول: إعلامي ويتمثل في رصد وتوثيق الممارسات الصهيونية وفضحها.
والثاني: قانوني ويتمثل في مخاطبة المحاكم الدولية، ومطالبة الدول الموقعة على اتفاقية جنيف بأخذ دورها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد