أبعاد الحملة الأوروبية على المدارس الإسلامية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أقدمت الحكومة الإيطالية تحت ضغوط من حزب رابطة الشمال المعروف بتعصبه وعنصريته على إغلاق المدرسة الإسلامية الوحيدة بمدينة ميلانو التي يتردد عليها نحو 500 تلميذ معظمهم من المصريين بدعوى افتقارها للنظافة والشروط الصحية مع عدم الاعتراف بالشهادات التي تمنحها ومعادلتها بشاهدات المدارس الإيطالية.

وقد أيد وزير الداخلية الإيطالي جوسيبي بيزانو القرار مشيراً إلى أنه ينبغي على التلاميذ المسلمين في إيطاليا الالتحاق بالمدارس العامة حيث يمكن التحقق من أهلية مدرسيها. تأتي الخطوة الإيطالية تزامنا مع قرار مماثل من حكومة بافاريا الألمانية و حكومة توني بلير في بريطانيا بإغلاق 3 مدارس من المدارس الإسلامية في البلدان الثلاثة، وقد تذرعت الحكومات الثلاث بحجج متشابهة وهي عدم توافر الكوادر الفنية والإمكانات البشرية والمالية اللازمة لتشغيل مثل هذه المدارس وعدم وفاء أصحاب هذه المدارس بالالتزامات التي فرضتها وزارات التعليم والهيئات المحلية في الدول الثلاث. ولا شك أن مثل هذا القرار يفتح الباب واسعاً أمام السعي لمعرفة واقع المدارس الإسلامية في أوروبا ومشاكلها ومستقبلها.

في البداية يجب أن نعرف أن المدارس الإسلامية في أوروبا لها صورتان: الأولى هي مدرسة إسلامية خالصة تهتم باللغة العربية والعلوم الشرعية إضافة إلى العلوم المدنية التي يدرسها البلد الأوروبي المقامة فيه، وهذا النوع موجود بكثافة في معظم الدول الأوروبية خصوصا البلاد الإسكندنافية في السويد والنرويج والدانمرك، إضافة إلى بريطانية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، فيما يوجد النوع الثاني من المدارس في هولندا وبلجيكا والنمسا، وهي البلاد التي تقوم بتدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية في مدارسها العامة إذ تسمح لمواطنيها المسلمين بإنشاء مدارس خاصة بهم علاوة على مدارس إسلامية يقتصر نشاطها على تعليم اللغة العربية والعلوم الإسلامية ويتوجه إليها الطلبة العرب والمسلمون في أوقات الفراغ، أو أيام العطلة لتحصيل اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم. وقد استفاد مسلمو أوروبا الذين يزيد تعدادهم على 16 مليونا من القوانين الغربية التي تحترم حرية المعتقد وهو ما أتاح للمسلمين فتح مدارس دينية خاصة بهم، وتضطلع بمهمة تعليم الدين الإسلامي واللغة العربية لأبناء الجالية العربية والإسلامية، ولا تتدخل السلطات السياسية في شؤون هذه المدارس خصوصاً في الدول الإسكندنافية بل إنها، أي السلطات، تقدم دعماً كبيرا لهذه المدارس الإسلامية، وتتيح للطالب الحق في الانتقال إلى أي مدرسة عامة أو العكس كي تتيح له الوصول إلى الجامعة هناك لو حصل على الشهادات المؤهلة للانضمام من مدرسته الإسلامية، ويلجأ الكثير من المدارس الإسلامية في الغرب إلى الجمع بين التعليم الإسلامي وتعليم المواد المقررة في الغرب ليتسنى للطالب المسلم أن يلتحق بأي جامعة غربية وتكون لديه قاعدة إسلامية صحيحة.

 

استقلالية

وقد استمر دور المدارس الإسلامية في أوروبا التي تزيد أعدادها عن 75 مدرسة موزعة على الدول الأوروبية في أداء دورها ولم تتأثر سلباً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل عملت الدول الأوروبية على الحفاظ على استقلال هذه المدارس خصوصاً في السويد التي ظلت بمنأى عن هذه الزوابع رغم أن المدارس الإسلامية موجودة في المدن السويدية كافةº فالعاصمة استوكهولم توجد فيها مدرستان إحداهما سنية وأخرى شيعية وتحمل الأولى اسم مدرسة الإيمان والثانية مدرسة منار الهدى ويتولى التدريس في هذه المدارس الإسلامية والعربية عشرات المدرسين من مختلف الجنسيات العربية وتعتبر مادة القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي والأحكام الفقهية من المواد الضرورية في مناهج هذه المدارس إضافة إلى المناهج السويدية من قبيل اللغة السويدية والرياضيات وغيرها من المواد باعتبارها ضرورية للطالب العربي والمسلم على اعتبار أن المدارس العربية والإسلامية تضطلع بتدريس المرحلة الابتدائية والمتوسطة، ولا توجد إلى الآن ثانوية عربية وإسلامية ويحق للطالب العربي والمسلم أن ينتقل تلقائياً إلى الثانوية العامة بعد إتمام دراسته في المدارس العربية بل إن بعض المدارس العربية والإسلامية تفتقد إلى المرحلة المتوسطة فيضطر الطالب أن يغادرها إلى مدرسة عامة بها صفوف متوسطة.

وتتلقى معظم المدارس العربية والإسلامية في أغلب البلدان الأوروبية ملايين من اليورو تصرف على رواتب العاملين في هذه المدارس ويدفع منها إيجار المدارس ومصاريفها الإدارية وحسب معلومات مؤكدة فإن هذه المساعدات لم تنقطع البتة وتلزم بها الدول الأوروبية نفسها في مواعيدها المحددة سلفا.

 

سلبيات

الرصد السابق لا يعني بأي حال من الأحوال أن هذه المدارس لا تعاني من مشاكل، بل هناك مشاكل فنية تهدد استمرار هذه التجربة ناهيك عن التأثير السلبي لتفجيرات مدريد ولندن على أوضاع كل المؤسسات الإسلامية في القارة العجوز، ويأتي على رأس هذه المشاكل افتقار معظم المدارس لاشتراطات المبنى التربوي، فمعظمها مقامة في كنف جمعية أو مركز إسلامي وقد تسبب هذا في تعرض هذه المدارس لانتقادات شديدة بل إن بعض البلديات الأوروبية أعطت بعض المدارس مهلة زمنية لمعالجة مشكلة المبنى وهددت باحتمال تعرضها للإغلاق إذ لم تصل لحل هذه المشكلة.

 

كوادر محلية

وتفتقد المدارس الإسلامية في أوروبا كذلك للكوادر اللازمة للقيام بالتدريس نظرا للاعتياد على الإمام أو الشيخ في المسجد لتعليم العلوم الشرعية أو استقدام أساتذة ومعلمين من العالمين العربي والإسلامي ولا يدرك هؤلاء طبعاً عقلية المسلم الأوروبي، ولا تفكير الجيل الجديد، وتحاول المدارس الإسلامية حالياً توفير كوادر محلية عبر التجربة التي تتبناها الكلية الإسلامية في لندن عبر تدريسها لكوادر من أبناء الجالية المسلمة في بريطانيا لإعداد معلمين محليين قادرين على تدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية..وقد تخرج في الكلية الإسلامية العديد من الكوادر القادرة على تلبية حاجة المدارس الإسلامية إلى حد كبير لكن التجربة مازالت في مهدها وقد لاحظت بعد الدراسات التي قيمت أداء المدارس الإسلامية التي جمعت بين المنهج الإسلامي والمنهج الغربي في التعليم أن الكثير من التلاميذ ونسبة كبيرة أصبحوا ضعفاء في ثقافتهم العربية والإسلامية وفي الثقافة الغربية على حد سواء حيث لم ينجحوا في اكتساب منهجين لا يربط بينهما شيء.

 

أغراض مادية

كما لوحظ أن التلميذ الذي ينتقل من مدرسة عربية أو إسلامية إلى مدرسة عامة في البلد الذي يقيم فيه يكون مستواه العلمي والتحصيلي ضعيفاً يحتاج إلى مساعدة إضافية ليدرك أقرانه في الصف ويرجع هذا العيب إلى أن معظم من يقومون بالتدريس أو الذين أسسوا هذه المدارس ليسوا متخصصين في مجال التربية، بل إن بعضهم لجأ إلى إقامة هذه المدارس للحصول على المساعدات الكثيرة التي تقدمها البلديات الأوروبية لأصحاب المشاريع التربوية باعتبار أن جزءاً كبيراً من هذه الميزانيات في الغرب يذهب إلى ثلاثة هي الصحة والتعليم والبيئة، ويعد ضعف المحتوى الديني المقدم إلى طلاب المدارس الإسلامية في أوروبا من أكبر المشاكل التي تواجه طلاب هذه المدارس التي يركز التعليم فيها على محورين أساسيين هما تعليم القرآن الكريم واللغة العربية وفي كثير من الأحيان يلجأ الأستاذ إلى تحفيظ التلاميذ قصار السور من جزء >عم< كمداخل لتعويد التلاميذ على اللغة العربية التي توليها المدارس الدينية في الغرب اهتماماً خاصاً وكثيراً باعتبار أن أكثر من 60% من أبناء المسلمين ولدوا في الغرب واحتكاكهم باللغة العربية ضئيل للغاية وكثير منهم نسي اللغة العربية لكن هذا الأمر لم ينجح في خلق علاقة وثيقة بين أبناء الجاليات المسلمة في أوروبا وبين الثقافة العربية والأوروبية لدرجة أن أكثر من نصف أعداد أبناء المهاجرين من المسلمين والغرب لم يستطيعوا إجادة العربية بشكل تام كما تتسم ثقافتهم الإسلامية بالضحالة.

 

شكوك

أما أهم المشاكل التي تواجه المدارس الإسلامية حالياً في أوروبا فهي وجود حالة متنامية من الشكوك في هذه المدارس ودورها في خلق أجيال متطرفة قد تهدد أمن واستقرار الدول الأوروبية خصوصاً بعد تفجيرات مدريد ولندن، حيث اكتشف أن اغلب المتورطين في هذه التفجيرات درسوا في مدارس إسلامية سواء في بريطانيا أو باكستان ومنذ تلك اللحظة وهناك حرب شعواء على المدارس الإسلامية، وقد جاءت ذروة هذه الحرب في الاجتماع الذي عقده وزراء مالية الاتحاد الأوروبي واتفقوا خلاله على تجفيف منابع الدعم المالي الرسمي الذي تقدمه الحكومات الأوروبية والولايات والسلطات المحلية لهذه المدارس إلى أقصى درجة، ووضع اشتراطات معقدة من حيث المباني والكوادر والمناهج وضرورة التزام هذه المدارس بمناهج الدول المقامة على أراضيها، وفيما تشير مصادر إلى أن الحملة على المدارس الإسلامية ستزداد اشتعالاً لأغراض أمنية بحتة حيث إن هناك تياراً متعاظماً في القارة يزعم أن هذه المدارس ما هي إلا معمل لتفريخ أجيال من الإرهابيين وقد سبقت الهجمة على المدارس تشديد الإجراءات على جلب الدعاة للمساجد والمراكز الإسلامية وتشديد الحصار على هذه المراكز والمدارس الإسلامية والتدقيق في حسابات هذه المؤسسات.

 

حملات إعلامية

وفيما يخص المدارس تتذرع الدول الأوروبية بعدم التزام هذه المدارس بالاشتراطات اللازمة وعدم توفير الكوادر المناسبة للقيام بالتدريس، وهى حجج كلها غير مبررة للحملة التي تشن على هذه المدارس لدرجة يشعر البعض معها أن هذه الحملة متسقة يراد بها التضييق على المدارس الإسلامية لدرجة أن دولا كالسويد والنرويج كانت معروفة بتسامحها الشديد مع المدارس الإسلامية أصبحت تفرض رقابة مشددة عليها وتضع اشتراطات لتقديم الدعم المالي لها بعد أن كانت تقدم هذا الدعم بلا حساب، ويلعب اللوبي الصهيوني دورا متعاظما في هذه الحملة، وهو ما ظهر جليا في الحملات الإعلامية المكثفة التي شنت على هذه المدارس في كبريات الصحف الأوروبية واتهامها بأنها الرافد الأول لإخراج متطرفين لا هم لهم إلا هدم الحضارة الأوروبية وهو ما وجد آذانا صاغية لدى الكثير من النخب الأوروبية وأن أوروبا يمكن أن تدفع ثمنا باهظا في التسامح مع الجاليات الإسلامية وتعد وجهة النظر هذه انتصارا للتيار اليميني المتشدد على وجهة النظر الأخرى التي كانت تنظر إلى المدارس الإسلامية بوصفها عاملا من عوامل دمج المهاجرين العرب والمسلمين في المجتمعات الأوروبية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply