بعد اغتيال عماد مغنية من اخترق من؟


  

بسم الله الرحمن الرحيم

قد تكون مسيرة القائد العسكري في حزب الله اللبناني عماد مغنية (الحاج رضوان) لم تنته باغتياله يوم الثلاثاء 12 فبراير الماضي في دمشق جراء انفجار سيارة مفخخة، بل بدأت ملامحها ترسم من جديد على وقع الصراع المفتوح والمعلن بين حزب الله وإسرائيل في المستقبل القريب.

عماد مغنية من مواليد 1958م أو 1962م حسب المصادر المستقاة من مسقط رأسه في بلدة "طير دبة" في جنوب لبنان، التحق بصفوف المقاومة الفلسطينية في السبعينيات في عز شبابه وعنفوانه قبل المشاركة في تأسيس تنظيم "الجهاد الإسلامي" اللبناني في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وهو التنظيم الذي ترك بصماته "الدموية" - كما جاء في إحدى التقارير الاستخباراتية الأمريكية - ضد المصالح الغربية - خاصة الأمريكية والفرنسية -، ومن بعد ذلك ضد الوجود الإسرائيلي في بيروت والجنوب، ومن أحشاء الجهاد الإسلامي أطل حزب الله إلى الوجود في عام 1982م.

الحاج عماد مغنية لم يكن يعرف عنه الكثير ملامحه الشخصية، حتى إن الصورة المذاعة من طرف الشرطة الفدرالية الأمريكية في قائمتها للمطلوبين والمشهورة باسم (most wanted) قديمة ومؤرخة في 1980 (أي كان يبلغ من العمر حوالي 22 سنة).

واعتبر مغنية أحد أهم وسطاء إيران في لبنان، حيث كان يقضي جل وقته متنقلاً بين دمشق وطهران، بعيداً عن أرض لبنان لضرورات المهام الأمنية والاستخبارية.

كان مغنية محل بحث من طرف الشرطة الدولية "الإنتربول" بعد اتهامه في حادث تفجير الجمعية الإسرائيلية في الأرجنتين (AMIA) في 1994م في بيونس أيرس (85 قتيل وحوالي 300 جريح) التي جاءت في سياق انتقام حزب الله بعد مقتل الأمين العام السابق للحزب عباس الموسوي، وفي نظر المخابرات الغربية والإسرائيلية فإن عماد مغنية يعتبر من "أشد الإرهابيين خطراً في العالم".

وفي هذا الإطار، وفي قائمة "الإرهابيين" الأكثر بحثاً من طرف الشرطة الفدرالية الأمريكية (FBI)º يحتل عماد مغنية مرتبة أدنى بقليل عن مرتبة زعيم القاعدة أسامة بن لادن الرقم الواحد في القائمة، وقد اتهم أيضاً عماد مغنية بسلسلة من عمليات الخطف والقتل ضد الغربيين في بيروت عاصمة لبنان خلال الحرب الأهلية (1975 - 1990) تحت راية الجهاد الإسلامي، وكذلك العملية الفدائية ضد سفارة إسرائيل في الأرجنتين في 1992م (28 قتيلاً).

إنه "الرجل المفتاح" في تنظيم حزب الله، كان يمثل الرابط العملي بين الحركة الشيعية اللبنانية وإيران حسب مراسل قناة (FRANCE 24) في بيروت، ورغم اضطراره إلى التخفي والعمل السري تحول عماد مغنية خلال العشرين سنة الأخيرة إلى الهاجس الأمني الأول لمصالح الشرطة والاستخبارات الغربية.

وجاء اغتيال مغنية في سياق ظرف سياسي وأمني مضطرب في لبنان، والذي يعيش من دون رئيس للجمهورية منذ نهاية شهر نوفمبر 2007م، وبرلمان مغلق منذ حوالي سنة ونصف، واحتقان سياسي وطائفي وأمني لا مثيل له منذ الحرب الأهلية (1975م - 1990م).

كان حزب الله الأول الذي أعلن عن اغتيال القيادي العسكري في تنظيمه، واتهم مباشرة إسرائيل بالوقوف وراء العملية "الغادرة"، متوعداً برد مزلزل في الوقت والمكان المناسبين ضد المصالح الإسرائيلية واليهودية في الخارج، وفي رد على سؤال من مراسل قناة (FRANCE 24) أشار مصدر مقرب من قيادة الحركة الشيعية أن حزب الله "مصدوم" من العملية.

وأضاف المصدر من جنوب لبنان أن "إسرائيل تقف وراء هذه التصفية التي تهدف إلى تفكيك حزب الله، وتحرمه من أحد قياداته البارزة"، وكان عماد يواجه خطر عملية إسرائيلية قد تستهدفه في أي لحظة، "لهذه الأسباب في المدة الأخيرة كان يتنقل دون توقف بين إيران وسوريا، وقد قلل من تحركاته في لبنان بحجة أن البلد أصبح غير آمن".

ولن يترك حزب الله العملية التي استهدفت مغنية تمر دون رد فعل موازي لحجم الجريمة، لكن قد يستغرق الرد بضعة أشهر: فالوقت لم يحن بعد لفتح جبهة أخرى مع إسرائيل في وقت يعاني لبنان من انقسامات حادة في المواقف والأهداف والأولويات.

ومن مصادر مقربة ذكرت بعض الوكالات الإعلامية أن مغنية ساهم بشكل مباشر في التخطيط لعملية حزب الله في خطف الجنديين الإسرائيليين في يوليو 2006م بالقرب من الحدود اللبنانية، وهي ذات العملية التي كانت أحد الدوافع الرئيسة في حرب إسرائيل المدمرة في لبنان.

 

* من قام بتصفية عماد مغنية؟

من المستفيد من عملية التصفية؟ ومن هي الأجهزة الاستخبارية التي كانت تراقب وتخطط لاغتيال قادة المقاومة الإسلامية، والشخصيات السياسية داخل حزب الله وغيرها من قوى الممانعة؟

مجمل الفضائيات العربية وعلى رأسها فضائية المنار الناطقة باسم حزب الله، وبعد وصول نبأ اغتيال عماد مغنيةº اتهمت مباشرة إسرائيل بالوقوف وراء العملية، وأنها المستفيدة الأولى من الاغتيال.

وهنا نتساءل: هل نسى حزب الله ما جاء في تقرير "فينوغراد"، والانتقادات اللاذعة الموجهة إلى مصالح الاستخبارات الإسرائيلية بجميع فروعها، المتهمة بالتقصير وعدم فعاليتها في تحديد القوة الفعلية لحزب الله، أو متابعة قادتها من الصف الأول لتصفيتهم أو أسرهم (حوالي 100 شخصية)، والكشف عن الصواريخ، ومكان تخزينها وإطلاقها؟

ونستغرب السرعة في الإعلان عن الجهة المتهمة قبل أن تبدأ التحقيقات، أو تصل إلى نتائج معينة، رغم التفاؤل الذي أعلن عنه الوزير السوري وليد معلم بالانتهاء قريباً من نتائج التحقيق، والتبليغ عن مرتكبيها.

وفي هذا السياق كيف نقرأ المعلومات التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام العربية والغربية من جهات مطلعة في الحزب أنه أوفد إلى سوريا فريقاً للتحقيق في الجريمة بمعية الفريق الإيراني لمساعدة السلطات السورية في تحقيقاتها للوصول إلى الجاني الفعلي!! فهل هناك شكوك تراود الحزب من أن اختراقاً ما حدث في دمشق حتى لا يثق في النتائج المنتظرة من الجميع أولها إسرائيل؟ أم أن مخاوف الحزب تتجه إلى أن الاستخبارات السورية أصابها نوع من الإهمال والاتكالية ما جعلها تخفض من درجة الاحتياط والانتباه والمراقبة؟ وهل أصاب الجهاز السوري الاستخباراتي "القوي" اهتراء ما في جانب ملفه اللبناني على حساب الملف العراقي أم ماذا؟

ويتساءل مصدر غربي أكثر "إطلاعاً" في بيروت: ما إذا كان السوريون قد "باعوه" (أي عماد مغنية) في مقابل ماذا؟ هناك الكثير من الجهات: الأمريكية، الأوروبية والإسرائيليةº قد يقبلون "الهدية" كما هي، وبالتالي سوف يأخذون بعين الاعتبار هذا "الكرم" السوري عندما تكون دمشق في حاجة إلى الرد بالمثل أو القبول بهدايا من نوع خاص (المحكمة الدولية، العقوبات الدولية، العلاقات بين سوريا والغرب، العلاقات السورية الإيرانية، المحادثات السورية الإسرائيلية بموضوع هضبة الجولان، المساعدات الاقتصادية ودورها الإقليمي في المنطقة).

فكيف تمكنت مثل هذه المصالح الإسرائيلية الاستخبارية "المُنتقدة" بشدة داخلياً من تشكيل أو إعادة تكوين شبكات جديدة في لبنان، سوريا، وإيران في وقت قليل جداً؟ هذا لا ينفي بأي حال من الأحوال إمكانية تورط الموساد الإسرائيلي في الاغتيال فعلاً وهي سابقة تحسب له - في هذا الوقت -، مع تهاوي القدرات الاستخبارية الإسرائيلية وفشلها باعتراف أعلى السلطات السياسية والعسكرية بعد نكسة حرب يوليو 2006م، إذا علمنا في نفس الوقت أن الجهات الشيعية - المتماسكة مذهبياً وجغرافياً وسياسياً - يصعب اختراقها.

إذن من قام بالعملية؟ الولايات المتحدة؟ ممكن، إذا علمنا أن عماد مغنية كان دائماً هدفاً رئيسياً للاستخبارات الأمريكية منذ أكثر من عقدين من الزمن، حتى إن رأسه كان يساوي 5 ملايين دولار لترتفع بورصته بعد ذلك إلى 25 مليون دولار أسوة مع ابن لادن والظواهري.

ولماذا لا يكون الطرف اللبناني متهماً هو أيضاً؟ على الأقل الجهة المناوئة لحزب الله، والمعادية للوصاية السورية - الإيرانية، الذين يملكون شبكاتهم الاستخبارية الخاصة بهم التي لا يخفى على أحد أنه دربت في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية - خاصة فرنسا -، ودون أن ننسى فن المساومات في القضايا الأساسية الذي اشتهر بها الطرف المعروف بـ"الموالاة"؟

وأياً ما كان فإن جهازاً واحداً استخبارياً - أو أكثر - متطوراً يستطيع أن ينظم عملية بهذا الحجم والقوة وفي عاصمة "معادية"، أما الحديث عن مجموعة أو أفراد فهذا بعيد المنال.

ولا يجب علينا كمحللين أيضاً تجاوز فرضية تقاعس أو تهاون - على أقل تقدير - مصلحة الاستخبارات التابعة لحزب الله التي اخترقت بهذه العملية الكبيرة، رغم أنها أثبتت منذ ظهورها في الماضي كفاءتها العالية والمهنية في تجاوز كل العقبات الاستخبارية التي واجهتها كمقاومة إسلامية في مواجهة قوة كبيرة وعظيمة مثل إسرائيل منذ حوالي العقود الثلاثة الماضية (1982م- 2008م)، وحرب تموز 2006م أكبر دليل على ذلك، حيث إن القوات الإسرائيلية لم تستطع اغتيال أو أسر أي شخصية قيادية في هرم القيادة الحزبية التي يتراوح عددها حوالي 100 شخصية.

على أي حال هذه التصفية ضربة قاسية لآلية الحرب والمواجهة التي وضعها إيران وحزب الله بداية من لبنان وانتهاء بدمشق.

وعلى حزب الله بالدرجة الأولى أن يأخذ الدروس السريعة بعد وقوع الجريمة، لأن هذه التصفية تحمل توقيع جهاز مخابرات متخصص، تابع وراقب وسجل كل تحركات مغنية، ذهاباً وإياباً منذ أشهر ولم لا منذ سنوات ليضع في الأخير الخطة المحكمة في تفاصيلها ووسائل تنفيذها، ليتم إسقاط الصيد الثمين بعد ذلك، فهل من منتبه؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply