لماذا افتعلت إيران أزمة البحارة البريطانيين؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

فيما رآه المراقبون تكشيراً عن الأنياب الإيرانية، اعترضت القوات البحرية الإيرانية ثلاثة زوارق حربية بريطانية.

ووقع الحادث في منطقة شط العرب التي تشكل نقطة التقاء نهري دجلة والفرات, وترسم الحدود بين العراق وإيران في هذه المنطقة.

ونقلت وسائل الإعلام عن مصادر إيرانية رسمية قولها: إن القطع الثلاث دخلت المياه الإقليمية قرب الحدود مع العراق، وتم احتجازها في منطقة شط العرب، كما ذكرت السلطات الإيرانية أنها عثرت على أسلحة وخرائط داخلها.

ومن اللافت للنظر في هذه الحادثة أنها ليست المرة الأولى التي تدخل فيها زوارق حربية بريطانية المياه الإقليمية الإيرانية، بل تكرر ذلك مرات مختلفة ولكن الحكومة الإيرانية كانت تكتفي في كل مرة بإنذار إعلامي باحترام مياهها الإقليمية، وعدم الدخول في حدودها، فمن المعلوم أن القوات البريطانية تسيطر على مناطق جنوبي العراق حول مدينة البصرة، وتقوم بدوريات في أجزاء من شط العرب باستخدام قوارب صغيرة، وكبيرة في بعض الأحيان، كما أنه من المعلوم أيضاً حجم التسهيلات التي قدمتها إيران للحكومتين الأمريكية والبريطانية لغزو العراق.

ويأتي هذا الحادث في وقت شهدت فيه العلاقات بين البلدين توتراً خلال الأسابيع الماضية على خلفية مشاركة بريطانيا مع دول أخرى بالأمم المتحدة في اتهام إيران بأنها لا تتعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تحقق في البرنامج النووي الإيراني.

ونظمت عناصر إيرانية سلسلة من المظاهرات الغاضبة خارج السفارة البريطانية في طهران خلال الأسابيع الأخيرة احتجاجاً على الموقف البريطاني.

كما وجهت انتقادات شديدة لبريطانيا لدورها في المساعدة في صياغة قرار شديد اللهجة حول إيران أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا.

ورغم وجود تحسن ملحوظ في العلاقات البريطانية منذ وصول الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة في مايو 1997, وقيام وزير الخارجية البريطاني جاك سترو في 24 سبتمبر الماضي بزيارة إلى إيران كانت الأولى لوزير خارجية بريطاني لهذا البلد منذ الثورة الإيرانية عام 1979م، وجاءت هذه الزيارة في إطار الجهود البريطانية لحشد التأييد للحملة الأمريكية على ما يسمى بـ'الإرهاب' عقب الهجمات التي ضربت نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر الماضي.

وقيام سترو في 22 نوفمبر الماضي بزيارة ثانية إلى طهران أجرى فيها محادثات تركزت على الوضع الأفغاني، رغم هذا التحسن إلا أنه قد وجد ما يعكر الصفو بين الحين والآخر.

فمنذ عدة أشهر استدعت إيران سفيرها في لندن مرتضى سرمدي بعد قرار محكمة بريطانية بتوقيف هادي سليمان بور السفير الإيراني السابق المطلوب للأرجنتين بتهمة تفجير المركز اليهودي في بيونس آيرس عام 1994م، والذي أسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 200 آخرين.

ورغم نفي الخارجية البريطانية أن يكون لهذا الموقف أي علاقة بخفض مستوى العلاقة بين البلدينº فقد قالت إيران في حينها: إن القضية تحرك سياسي لا يستند إلى أساس قانوني، ووعدت باتخاذ إجراء قوي، وحذرت بريطانيا من أن المسألة ستؤثر على العلاقات الثنائية بين البلدين، وطالبت الصحف الإيرانية بطرد السفير البريطاني من طهران، إلا أن الموقف لم يلبث أن حل وانفرجت الأزمة.

كذلك فقد استدعت وزارة الخارجية الإيرانية يوم 25\6\2003 السفير البريطاني في طهران ريتشارد دالتون، بعد تصريحات رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التي عبر فيها عن دعمه للتظاهرات الإيرانية.

وعبر نائب وزير الخارجية لشؤون أوروبا الغربية وأمريكا علي أهاني عن احتجاج جمهورية إيران على تصريحات بلير التي تشكل تدخلاً في شؤون إيران الداخلية.

وأوضح المسؤولون الإيرانيون أن هذه التصريحات تتعارض مع سياسة بريطانيا بعدم التدخل في شؤون إيران الداخلية، وتعزيز العلاقات الثنائية، وطلب المسؤول الإيراني 'توضيحات' الدبلوماسية البريطانية على ذلك.

ويرى بعض المراقبين أن لهذه الأزمة [أزمة البحارة البريطانيين]  أهدافاً أخرى غير تلك المعلنة إعلامياً.

فمن ذلك ما ذكرته بعض وسائل الإعلام من أن سبب هذا الحادث هو وجود بعض الإيرانيين المعتقلين في العراق، وأنهم تحت السيطرة البريطانية، وأن القوات الأوكرانية كانت قد اعتقلتهم وسلمتهم للبريطانيين، وذكرت صحيفة الشرق الأوسط أن أحد المسئولين بالحرس الثوري الإيراني كان قد توجه إلى أوكرانيا للمحادثة بشأن فك أسرهم، وتقول بعض وسائل الإعلام: إن هؤلاء الإيرانيين عددهم أربعين إيرانياً يعملون تبعاً لمنظمة تكريم الاستشهاديين، كما يرى البعض أن هناك إرادة إيرانية لإنهاء أزمة مقتدى الصدر في العراق بصورة نهائية، وأن استغلال هذا الحدث بشكل أمثل قد يساعد في تحريك تلك القضايا.

ورغم العلاقة الحسنة التي يراها البريطانيون تربط بين كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني وجاك سترو الوزير البريطاني،  والتي يرونها قادرة على حل مثل هذه الأزمات، فإن المطلع بالأحوال الإيرانية يدرك تماماً أن هناك في الدولة الإيرانية أكثر من رأس لتوجيه تلك السياسات،  فخرازي ينتمي إلى حزب  الإصلاحيين الذين قد منوا بخسارة ثقيلة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة على يد المحافظين، ولا شك أنه ستوجد أصوات محافظة متشددة في الحكومة الإيرانية أو خلف الكواليس تطالب باستغلال تلك الحادثة إلى أكبر قدر ممكن لكي تثبت للبريطانيين مدى الصلابة والقدرة على الأداء المؤلم عند الحاجة.

على مستوى آخر فإن السياسة الإيرانية أرادت استغلال مثل هذا الحدث لتحريك الملف النووي الإيراني تحريكاً إيجابياً لصالح إيران، خصوصاً مع علمها  برغبة الحكومة الأمريكية في تصعيد لغة الانتقادات قبيل الانتخابات الأمريكية لأسباب انتخابية معلومة، وكان جون كيري المرشح الأمريكي قد تطرق إلى الحديث عن الملف النووي الإيراني، وأبدى أن  الخلاف يتركز حول أنشطة إيران النووية، وحول برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وكذلك فقد فتحت الخارجية الأمريكية نقاشاً حول ذات الملف الذي تقول طهران عنه: إن هدفه هو إنتاج وقود يورانيوم متدني الدرجة لاستخدامه لأغراض مدنية، وتؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الحاجة لمزيد من التفتيش للوقوف على حقيقة الأمر، في حين تؤكد طهران أنها تتابع برنامجاً نووياً لتوليد الطاقة فحسب [من المعلوم أن إيران ضمن البلدان الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والتي تراقبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة, وبالتالي فإيران ملزمة بالإعلان عن منشآتها النووية، وإمكان متابعتها من قبل مفتشين تابعين للوكالة الذرية ].

غير أن بعض المراقبين يرى أن طهران قد تنحو منحى كوريا الشمالية الذي انتهجته في يناير بالانسحاب من المعاهدة.

وأخيراً فإن سياسيين يرون أن أزمة البحارة البريطانيين قد حلت منذ وقت قريب، دون أن تحدث تصعيداً على أي من المستويات وذلك لرغبة السياسي الإيراني في الاحتفاظ بعلاقات حسنة مع بريطانيا فيما يخدم مصالحه المختلفة فيما يراه مقبلاً من أيام، ويدل على ذلك التصريحات الإيرانية المتتابعة والتي قصرت الأمر على الاعتذار الذي يمكن أن يقدم من لندن، وتوضيح أن الأمر كان عرضياً.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply