الحرب بين إثيوبيا والمحاكم الإسلامية بين الاحتمال والاستبعاد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تسعى الأمم المتحدة بالإعلان عن تقريرها حول قيام مجموعة من الدول العربية والإسلامية بدعم قوات اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال بالأسلحة، وقيام مجموعة دول أخرى بدعم قوات الحكومة المؤقتة إلى التأكيد على وجود أطراف خارجية تلعب في المشهد الصومالي، على الرغم من وجود حظر دولي على توريد الأسلحة إلى هذه الدولة التي تعاني من غياب الدولة المركزية، لما يزيد على 15 عاماً بعد سقوط نظام الرئيس السابق "سياد بري".

كما تهدف الأمم المتحدة بالإعلان عن تقريرها هذا إلى بعث رسالة تحذيرية لتلك الدول على اعتبار أن هذا الدعم المقدم يمثل تأجيجاً للصراع الدائر في الصومال، تتحمل هذه الدول جزءاً كبيراً من أسبابه، واستمراره، ونتائجه، وهو ما يمكن أن يؤثر سلبياً على صورة هذه الدول، ووضعها في المجتمع الدولي.

ويتضمن التقرير اتهاماً صريحاً لكل من مصر، وليبيا، والسعودية، وإيران، وجيبوتي، وسوريا، و"حزب الله"، وإريتريا، بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على الصومال، ودعم اتحاد المحاكم الإسلامية بالأسلحة، فيما يتهم إثيوبيا واليمن وأوغندا بتسليح الحكومة الانتقالية.

وفي حين التزمت بعض الدول بالصمتº حيال هذه الاتهامات، بادرت دول أخرى بالرد والنفي، ومنها إيران وسوريا وإريتريا، الذين اعتبروا أن مثل هذه التقارير عارية تماماً عن الصحة أياً كان مصدرها، وهو ما أكده رئيس مجلس شورى المحاكم "حسن طاهر عويس" الذي نفى صحة التقرير الأممي، محذراً المنظمة الدولية من خسارة مصداقيتها مع نشر هذا التقرير.

وبحسب التقرير الأممي فإن الوضع متأزم أكثر من أي وقت مضى، ويضم كل المقوماتº لاندلاع نزاع عسكري عنيف وشامل وطويل في الصومال، يمكن أن يؤدي إلى تطور وإلى نزاع مباشر بين إثيوبيا وإريتريا، وإلى أعمال "إرهابية" في دول أخرى في المنطقة، - خاصة - وأن لكل من إثيوبيا وإريتريا آلاف العسكريين في الصومال على الرغم من نفي البلدين الأمر.

غير أن الأهم في التقرير الأممي أنه يثير من جديد التساؤل حول احتمالات اندلاع حرب عسكرية شاملة فيما بين قوات اتحاد المحاكم الإسلامية، التي تمكنت من السيطرة على مناطق كبيرة من البلاد، والقوات الإثيوبية - العدو التقليدي للمحاكم، والداعم الأساس لقوات الحكومة المؤقتة في نزاعهما الدائر في الوقت الراهن -.

 

إرهاصات الحرب:

لقد جسدت التظاهرات الحاشدة التي قام بها مؤخراً آلاف الصوماليين احتجاجاً على وجود القوات الإثيوبية على الأراضي الصومالية مدى ما وصلت إليه حالة الاحتقان بين الأغلبية من الصوماليين المؤيدين لاتحاد المحاكم الإسلاميةº وإثيوبيا التي لم تفتأ تتدخل في الشئون الصومالية لحسابات ترتبط بتحقيق مصالحها الخاصة، والتي تقتضي بقاء الحالة الصومالية الراهنة على ما هي عليه.

وجاءت هذه التظاهرات استجابة لنداء اتحاد المحاكم الإسلامية التي دعت مجدداً إلى الجهاد ضد إثيوبيا وقواتها، حيث خاطب الشيخ "محمد عمر مرسال" زعيم الحركة الإسلامية في منطقة جوبا السفلى الحشد الذي تجمّع في مدينة "جيليب" قائلاً لهم: لن نتحمل بعد اليوم أن تستعمر إثيوبيا بلدنا، والمعركة متواصلة حتى انتصار المحاكم الإسلامية ودين الله.

وفي رسالة وجهتها المحاكم إلى الوسطاء والمراقبين الدوليين الموجودين في الخرطوم قالت المحاكم: إن إثيوبيا أعلنت الحرب على الصومال، وقامت بالفعل بتوغل كبير في الأراضي الصومالية، مشيرة إلى أن ذلك لا يهدد فقط مسيرة المصالحة، بل أيضاً يهدد بشدة السلام والأمن في الصومال، وفي كامل المنطقة.

ولا تقتصر اتهامات المحاكم الإسلامية لإثيوبيا عند حد محاولات توغل القوات الإثيوبية داخل الأراضي الصومالية، بل تشمل كذلك اتهامات بتقديم الدعم العسكري للقوات التابعة للحكومة الصومالية المؤقتة التي تتنازع السلطة مع المحاكم الإسلامية.

وفي المقابل أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي 'مليس زيناوي' أن بلاده في حالة حرب من الناحية الفنية مع الإسلاميين في الصومال، وأن أثيوبيا أرسلت بضع مئات من المدربين العسكريين المسلحين للصومالº لدعم الحكومة المؤقتة في مواجهة الإسلاميين.

وحاول زيناوي تبرير التدخلات الإثيوبية باتهام المحاكم الإسلامية بالتخطيط لما وصفه "باعتداءات إرهابية" في الصومال وإثيوبيا، زاعماً أن بلاده تحاول تجنّب حرب مباشرة مع المحاكم، وإيجاد وسيلة أخرى لتسوية النزاع على الرغم من إعلانات الحرب المتكررة الصادرة عن إثيوبيا.

وتحمل هذه التصريحات المتبادلة بين الطرفين إشارة قوية إلى أن ثمّة حرب يمكن أن تندلع بين لحظة وأخرى بين قوات المحاكم الإسلامية والقوات الإثيوبية التي تتأهب باستمرار خشية أن تتمكن المحاكم الإسلامية من فرض هيمنتها الكاملة على كامل الصومال، وتسقط الحكومة المؤقتة التي ترتبط بعلاقات قوية مع الحكومة الإثيوبية.

 

دوافع الحرب:

يعيد توتر الأجواء فيما بين الصومال وإثيوبيا - إلى الذاكرة - تلك الحرب التي اندلعت بين البلدين خلال عهد الرئيس الإثيوبي "منجيستو" والصومالي "سياد بري" عام 1978، والتي عرفت باسم "حرب الأوجادين"، حيث أسفرت عن مقتل الآلاف من الطرفين، فضلاً عن تشريد آلاف أخرى دون أن تتمكن إحداهما من تحقيق انتصار نهائي.

وبالتالي فإن التوتر القائم بين الحكومة الإثيوبية والصومال ليس وليد الحاضر، بل إنه تعبير عن مرحلة طويلة من الصراع والنزاع المسلح، وهو ما دفع القوات الإثيوبية إلى التفكير جدياً في خوض هذه الحرب لعدة أسباب منها: ذلك التخوف من أن تترك الساحة في الصومال خالية أمام إريتريا، التي تعتقد أنها تقدم الدعم العسكري لقوات المحاكم الإسلامية برغم نفي إريتريا لذلك، وهو ما يرجح انتصارها على الحكومة المؤقتة.

كما يرغب رئيس الوزراء الإثيوبي "ميليس زيناوي" في أن يقدم الدعم اللازم للرئيس الصومالي الانتقالي "عبد الله يوسف" في مواجهة المحاكم رداً للجميل، حيث سبق وأن أكرم يوسف والدة "زيناوي" ووالده خلال إقامتهما في المنفى في الصومال أيام حكم "منجيستو"، فضلاً عن حرص إثيوبي على عدم تحقق النصر للمحاكم التي - بكل تأكيد - ستسعى للحصول على حقها المغتصب في "أوجادين".

 

المخاوف الإثيوبية:

على الرغم من أن رئيس الوزراء الإثيوبي "زيناوي" قد أعلن مراراً أن بلاده في حالة حرب مع المحاكم الإسلامية الصومالية من الناحية الفنيةº إلا أن هذه التصريحات ربما لا تعدو عن كونها رداً نظرياً فحسب على تصريحات مماثلة، صادرة عن المحاكم الصومالية، وحتى لا يسري اعتقاد بأن إثيوبيا تتخوف فعلاً من اندلاع هذه الحرب، فأديس أبابا تضع في حسبانها مجموعة من الاعتبارات، لا يمكنها أن تتغافل عنها إذا ما اندلعت هذه الحرب من جديد، يأتي على رأس هذه الاعتبارات أن نصف الشعب الإثيوبي تقريباً من المسلمين والذين ربما يتعاطف الكثير منهم مع المحاكم الإسلامية الصومالية - خاصة -، وأن قطاعاً كبيراً من المسلمين يشعرون بالغبن نتيجة انتقاص حقوقهم السياسية والاقتصادية لحساب المسيحيين، الذين يتولون المواقع القيادية في أجهزة الحكم بإثيوبيا طوال تاريخها.

ومن هذه الاعتبارات أيضاً أن إثيوبيا تسيطر على إقليم "أوجادين" الذي ضمه الاحتلال البريطاني بالقوة إلى إثيوبيا في الخمسينات من القرن الماضي بعد اقتطاعه من الصومال، والذي ما زال يشكل سكانه من أصل صومالي الأغلبية، وهو ما يرجح أن ينقلب هؤلاء على الدولة الإثيوبية عند نشوب هذه الحرب.

كما تشمل الاعتبارات الإثيوبية ذلك الامتداد الجغرافي لخمسة من القبائل الرئيسة في الصومال وهي (جريد - دارود - هويه - در - رحنوين في إثيوبيا والدول المجاورة)، وهم بطبيعة الحال من المسلمين، والذين سيتعاطفون مع المحاكم الصومالية، وقد يثيرون القلاقل في الخطوط الخلفية للجبهة العسكرية.

وتتضمن الأسباب التي تدفع إثيوبيا للتردد في خوض هذه الحرب أنها ما زالت في حالة حرب مع إريتريا على الحدود بين البلدين، حيث قامت إريتريا بإرسال قوات إلى المنطقة العازلة على الحدود احتجاجاً على عدم تنفيذ إثيوبيا لحكم محكمة التحكيم الدولية عام 2002 بأحقية إريتريا في بلدة "بادمي" المتنازع عليها، وفي محاولة منها للضغط على المجتمع الدوليº للتحرك لإجبار إثيوبيا على تنفيذه، وهو ما يجعل إثيوبيا تتحسب من دخول إريتريا لهذه الحرب.

يضاف إلى ذلك أن خوض إثيوبيا لحرب مع المحاكم الإسلامية ربما يدفع الصوماليين - بمختلف انتماءاتهم - إلى تقديم الدعم والتأييد لقوات المحاكم الإسلامية التي تتنازع مع الحكومة المؤقتة على فرض السيطرة على الصومال، وهو ما يرجح في نهاية الأمر كفة المحاكم.

 

اعتبارات المحاكم:

وفي المقابل فإن اعتبارات أخرى تدفع المحاكم الإسلامية إلى التفكير مراراً قبل خوض هذه الحرب، من بينها أنها لم تفرض سيطرتها بعد على الأراضي الصومالية في نزاعها مع القوات التابعة للحكومة، كما أن هناك أجزاءً أخرى تم اقتطاعها من الصومالº لتأسيس ما يُعرف "الصومال لاند"، والتي ربما تنحاز في هذه الحرب إلى إثيوبيا بغية التخلص من المحاكم التي ستسعى حالما يتحقق لها النصرº لتوحيد الصومال.

كذلك لم تنس المحاكم الإسلامية أنه رغم الاعتبارات التي تمنع أثيوبيا من خوض الحرب فقد تمكنت من عبور الحدود عدة مراتº لضرب مواقع قوات الاتحاد الإسلامي الصومالي في الجنوب الغربي، كما استطاعت في عام 1999 من ضرب معاقل "حسين عيديد" زعيم ميليشيا ووزير الأمن الداخلي الحالي في "بيداوة" بحجة وجود مقاتلين من الجبهات الإثيوبية المعارضة هناك، وطردت "عيديد" وقواته منها انتقاماً لتحالفه مع إريتريا لتسهيل دخول آلاف من المعارضين للنظام في أديس أبابا إلى الأراضي الإثيوبية عبر الصومال بأسلحتهم.

كما تعتقد المحاكم الإسلامية أنه يوجد قوات إثيوبية بأعداد كبيرة تشارك في القتال مع قوات الحكومة، وساعدتها على الاستيلاء على "بورهكابا"، قبل أن تنسحب منها، فضلاً عن اعتراف زيناوي - نفسه - بوجود مدربين عسكريين إثيوبيين في بيدواةº لدعم قوات الحكومة الصومالية.

وتدرك المحاكم الصومالية - أيضاً - أن تسليحها لا يسمح لها بالدخول في معركة غير متكافئة مع الجيش الإثيوبي الأفضل تدريباً وتسليحاً، وأنهم إذا قاموا بمهاجمة القوات الإثيوبية حتى لو كان بدعم إريتريº فستكون ذريعة لإثيوبيا لتوجيه ضربات جوية لقوات المحاكم، بالإضافة إلى تشكيل تحالف إثيوبي - كيني ضد المحاكم، حيث يتخوف الدولتان من قيام نظام حكم إسلامي في الصومال ربما يقوم بإيواء قيادات الجماعات المسلحة المعارضة الإثيوبية، أو يدعمها داخل أراضي إثيوبيا، أو يطالب بعودة إقليم "أوجادين" أو إقليم "أنفدا" الشمالي الشرقي الكيني إلى الصومال، وهو ما يمكن أن يدفع في نهاية الأمر إلى تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبرعاية أمميةº لضرب الوجود الإسلامي في الصومال، خاصة وأن واشنطن تزعم أن قوات المحاكم تأوي بين صفوفها عناصر إسلامية محسوبة على تنظيم القاعدة، وبإيواء المتهمين بتفجير سفارتيها في نيروبي، ودار السلام عام1998.

وأخيراً: فهل يمكن أن تتناسى كل من الحكومة الإثيوبية، وقوات المحاكمº تلك الاعتبارات، وتقع الحرب في لحظة، أم أنهما سيسعيان جدياً إلى تفادي وقوع مثل هذه الحرب التي ربما لا تفرز مُنتصِراً، وتكون نتيجتها طرفين خاسرين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply