الحب بين المشروع والممنوع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن طوائف عديدة قد اعتنقوا أفكاراً شيطانية تحت مسميات شرعية فتوهموا الخير في الحرام فاشتغلوا به عن الحلال وظنوا المنافع في الباطل فعايشوه دون الحق، وصاروا يستخدمون المصطلحات المحترمة في موضوع غير محترم، فهاموا في بحار العشق المادي والعنفوان الجنسي باسم <الحب> وهم في ضلال وغي وسفه وانحلال·

ما الحب؟

الحب في اللغة بضم الحاء وكسرها الوداد والألفة، وتحبب إليه يعني تودد ويأتي الحبيب يعني المحبة وتارة بمعنى المحبوب، ويقال للرجل فلان <حِبُ> فلان وللأنثى <حبَة>، وجمع <الحِبَ>أحباب وحبان وحبوب وحببة(1)·

ويمكن أن نعرفه بأنه حال ميل وجذب تقع بين طرفين هما المحبوب والمحب بكيفية معينة حسب مقتضى المحبة ودرجاتها ومنحنى الميل ومراتبه ولو كان ذلك بين الإنسان والجمادات فهذا بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جبل أحد حيث قال: <أحد جبل يحبنا ونحبه>(2)· والحب نقيض البغض، وهو بهذا المعنى منه ما هو مشروع بل مفروض أحياناً ومنه ما هو ممنوع بل محرَّم أحياناً كثيرة·

 

أولاً: الحب المشروع

1 ـ الحب من أهم مراتب التوحيد لقوله - تعالى -: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين>(3)·

2 ـ المؤمنون أشد حباً لقوله - تعالى -: (والذين آمنوا أشد حباً لله)(4)·

3 ـ حلاوة الإيمان نتيجة حب الله ورسوله لقوله - صلى الله عليه وسلم -: <ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان>(5) منها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما·

4 ـ الحب مرتبط بالإيمان لحديث <والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنون حتى تحابوا>(6)·

5 ـ الحب الحقيقي ـ حب الله ورسوله ـ مبشِّر عظيم بدخول الجنة لحديث أنس أن أعرابياً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متى الساعة؟ فقال الرسول: ما أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله ـ قال: <أنت مع من أحببت> متفق عليه واللفظ لمسلم (7)·

6 ـ الحب موجب لظل الله يوم القيامة لحديث: < سبعة يظلهم الله في ظله··· ذكر منهم ورجلان تحابا في الله····>(8)·

هذه خطوط عريضة لجانب من جوانب المحبة المشروعة فهناك محبة الصحابة من المهاجرين والأنصار وآل البيت والتابعين والعلماء والصالحين والوالدين والأقربين بل جميع المسلمين لله وفي الله وفيها من الأحاديث والآثار مالا عدد له ولا حصر، كذلك لو اعتنى المسلم بالحب المشروع أظله الله بكل خير وفتح له باب كل خير من فضله وكرمه ولاستغنى به عن كل ما يغايره(9)·

 

ثانياً: الحب الممنوع

إن الله - تعالى - لم يحرم علينا أن نستخدم عواطفنا فالإنسان يتأثر ويؤثر ويحزن ويفرح ويبكي ويضحك وديننا الحنيف لم يجعل صلة الإنسان بربه قانونية عقلية فحسب، بل يقوم بما فرض عليه من فرائض أو بما أوجب عليه من واجبات أو بما سن له من سنن يدفع ضرائبه ويخضع أمامه ويطيع أوامره وأحكامه، بل إنها كذلك صلة حب وعاطفة لابد أن يرافقها ويقترن بها ويتحكم فيها حنان وشوق وهيام ولوعة وتفانٍ, وتهالك بدوافع الإيمان والاحتساب النابعة من الشعور الحقيقي بربوبيته وألوهيته وإفراده بالعبادة والوحدانية، ولكنه - تعالى - جعل لهذه العاطفة ضوابط شرعية فيحب العبد لله ويبغض لله ويعطي لله ويمنع لله، وهكذا كما في الحديث ولكن كثيراً من الناس استعملوا هذه العواطف في المخالفات الشرعية فجعلوا الحب مقتصراً على مفهوم العلاقة بين الجنسين الذكر والأنثى وعلى وجه الخصوص من هم في سن المراهقة والشباب فصار الشخص يتعلق بفتاة تملك عليه فؤاده بل جميع جوارحه وكذلك تعلق الفتاة بالفتى فمن قائل:

نظرة، فابتسامة، فسلام

فكلام فموعد فلقاء

ومن قائل: الحب من أول نظرة·

ومن قائل:

لي في محبتكم شهود أربع  * * * وشهود كل قضية إثنان

خفقان قلبي واضطراب جوانحي * * * ونحول جسمي وانعقاد لساني

وأرباب هذه الأنواع من الحب هم الأدباء والشعراء الذين قال فيهم الحق: (والشعراء يتبعهم الغاوون····)(10) فلقد خاض هؤلاء غمار الحب الممنوع ونظموا حكاياته وأفلامه نثراً وشعراً وكتباً ومقالات ومسرحيات وخيالات أغرقوا فيها شباب الأمة المسلمة فضيعوهم حتى إننا غدونا نسمع عن شاب انتحر بسبب الحب, وفتاة حملت سفاحاً بسبب الحب فانتشر في الأوساط الإسلامية كثير من الفواحش والمعاصي التي نسأل الله أن يحفظ الأمة الإسلامية منها، ومازال هؤلاء يعيثون فساداً في أرض الإسلام تحت مسمى الثقافة والتحرير والتنوير والحرية الشخصية فيا حسرتا على العباد، وهذا شائع أمامنا والاستفاضة فيه تجعلنا نبادر إلى إيجاد الحلول الشافية الكافية لأبنائنا وبناتنا·

ثالثاً: المخرج للشباب من هذه الفتن:

1 ـ التقرب إلى الله - تعالى - بالنوافل بعد الفرائض لحديث <وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه····>(11)·

2 ـ إيثار ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه وتهواه كما أسلفنا·

3 ـ مراقبة الله - تعالى - في كل حال، ومحاولة معرفة الحرام والحلال وتحري الدقة في ذلك خصوصاً ما يجوز وما لا يجوز في مسائل الاختلاط بالنساء والخلوة, وما حدود الشرع في كل ما يتعلق بالعلاقة بين النساء والرجال والفتيات والشباب من أهل وجيران وأصدقاء وزملاء وغير ذلك·

4 ـ مجالسة الصالحين المحبين الصادقين لحديث <مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير·····>(12)·

5 ـ ملازمة المساجد وكل بيئة صالحة لحديث <إن بيوت الله في الأرض المساجد وإن حقاً على الله أن يكرم من زاره فيها>(13)·

6 ـ مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله - عز وجل - مهما عظم ذلك السبب·

7 ـ معالجة أحوال القلب وإزالة الشبهات عنه ومداومة الدعاء والذكر والتلاوة···

أسأل الله أن يعافي كل مبتلى ويحفظ كل مسلم من داء حب غير الله، وأن يقي المسلمين جميعاً شر هذا الداء·

 

---------------------------------------

(1) من لسان العرب بتصرف لابن منظور (2/347)

(2) البخاري رقم (2889)، مسلم رقم (3308)

(3) الآية (24) التوبة·

(4) الآية (165) البقرة·

(5) الحديث ـ للبخاري رقم (16، 21)، مسلم (66، 67)

(6) الحديث ـ في مسلم رقم (54، 55)، الترمذي (2689)

(7) البخاري رقم (1716 ـ 6167ـ 3688) ومسلم رقم (2639 ـ 2640)

(8) الحديث في البخاري رقم (6479 ـ 1423)

(9) راجع كتاب المحبة من منظور إسلامي ـ للكاتب ـ نشر مكتبة الباز بمكة والرياض·

(10) الآية (224)الشعراء·

(11) البخاري رقم (2056)·

(12) الحديث في البخاري رقم (1012) ومسلم رقم (2628)

(13)الحديث عن الطبراني في الكبير رقم (10324) وعبد الرزاق في المصنف رقم (20584).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply