زلزال الثامن من أكتوبر ما له وما عليه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ما زال الشعب الباكستاني يعيش حالة من الخوف والحزن في آن واحد منذ الثامن من أكتوبر، حين ضرب الزلزال المدمر الجزء الشمالي من البلاد. وعلينا كأمة بالإضافة إلى تقديم كل مساعدة ممكنة لإخواننا المتضررين أن نعود إلى الله ونحاسب أنفسنا فرادى وجماعات، وأن نتوب إلى الله ونستغفره، وأن نجدد العهد الذي عاهدناه حين أقمنا دولة باكستان بأن نجعل كلمة الله هي العليا، وأن نطبق أحكامه في البلاد.

ألم يحن الوقت بعد لنسأل أنفسنا: ماذا عملنا بذلك العهد الذي أخذناه على أنفسنا؟

وهبنا الله - سبحانه وتعالى - الاستقلال والحرية، فماذا فعلنا في المقابل؟ خضعنا أمام القوى السياسية والاقتصادية والحضارية غير الإسلامية. منحنا الله - سبحانه وتعالى - الفرصة ليكون تجديد هذا الدين على أيدينا حين قامت دولة باكستان، ولكننا بدلاً من ذلك وقفنا جنباً إلى جنب مع القوى التي دمرت البلاد الإسلامية وجيوشها، وساعدناها على إطلاق النار على إخواننا من على أكتافنا.

والنتيجة أن تلك البلاد تعيش اليوم بين الدم والنار في رعب وخوف وانعدم الأمن والأمان.

عصينا الله - سبحانه وتعالى - وأعرضنا عنه وأصبحنا نعتمد في حياتنا الفردية والجماعية على الربا والقمار والرشا والظلم والكسب غير المشروع، فأدى كل ذلك إلى تخلفنا وزيادة نسبة الفقر في بلادنا حتى وصلت 40%، وأقل من 2% فقط يعيشون في ترف وإسراف لا يمكن تصورهما. جعلنا من النظام التعليمي في بلادنا آلة لترسيخ عبوديتنا الفكرية والحضارية للآخرين، وأجرمنا في حق الأجيال الجديدة حين غفلنا عن تربيتهم الخلقية والفكرية.

بعد زلزال الثامن من أكتوبر يتحتم علينا كأول واجب أن نهب فوراً إلى نجدة إخواننا المتضررين ونعيد إعمار المدن والقرى المدمرة، وأن نتوب إلى الله ونستغفره، وأن نحاسب أنفسنا على أعمالنا وسلوكنا الفردي والرسمي. ستنتج عن ذلك صحوة تمكن الشعب من الخروج من ظلمات الغفلة والضلال وعصيان أوامر الله وأكل حقوق الناس والظلم والاستغلال والاستبداد، وتساعدنا على السير في طريق طاعة الله والاهتمام بحقوق الله وحقوق العباد والأمن والأمان والعدل والإنصاف والثقة بالنفس والاعتماد عليها والاستقلال والعزة والوقار.

الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية:

إن ردة الفعل التي أظهرتها فئات الشعب المختلفة تدعو إلى العجب، فقد رأينا الشعب بكافة فئاته يهب من رقاده ويلبي نداء الواجب. ثم حين بدأت آثار الزلزال تظهر رأيناهم وخاصة شباب الجامعات والكليات والمدارس الحكومية والدينية من خيبر إلى كراتشي يهرعون لنجدة إخوانهم وأخواتهم في المناطق المنكوبة، وانهمرت أعطياتهم لإخوانهم كالمطر الغزير فقدموا كل غال ونفيس. وهذه لعمري هي الأشعة التي تنذر بقرب طلوع الفجر بعد ليل طويل بإذن الله.

وفي مقابل هؤلاء نجد أولئك الذين بأيديهم الأمر والنهي والسلطة والنفوذ واتخاذ القرارات، الذين كان من المفروض عليهم أن يدركوا الحجم الحقيقي للكارثة التي حلت بالبلاد، ويضعوا كل الإمكانيات الحكوميةº مدنية وعسكرية في خدمة المتضررين من الزلزال.

ولكننا رأيناهم يقعون في حيص بيص، فبعد الزلزال مباشرة أعلن وزير الإعلام الباكستاني قائلاً: إن عجلة الحياة لم تتأثر بالزلزال، وإن كل شيء على ما يرام. وقال أحد المسئولين العسكريين: لم هذه الضجة؟ إن عدد القتلى لا يتعدى الألف فقط. وحتى رئيس الوزراء قال إن الصحف والمجلات تبالغ في وصفها للأحداث، وأنها سلبية في عرضها للأحداث.

حين سقطت إحدى المراكز السكنية الكبرى في إسلام أباد بعد الزلزال وهي عاصمة البلاد لم تجد الحكومة والجيش إلا رافعة واحدة فقط لرفع الأنقاض المتراكمة لإنقاذ المدفونين تحتها. وصلت قوات الطوارئ السريعة من بريطانيا واليابان خلال أربعة وعشرين ساعة إلى المناطق المنكوبة ولكن القوات العسكرية الباكستانية احتاجت إلى أكثر من ثلاثة أيام للوصول من كراتشي!

وصلت إلى البلاد فرقة الإنقاذ الإسبانية خلال أربعة وعشرين ساعة فقط، ولكنها اضطرت إلى الانتظار في المطار ثمانية وأربعين ساعة بسبب الإجراءات!

أعلنت الحكومة إفلاسها في مواجهة هذه الكارثة وأظهرت عجزها أمام مرأى ومسمع الجميع. ليست لدينا آلات لقطع المواد الصلبة كما أنه ليست لدينا آلات تعرفنا فيما لو كان هناك أحياء تحت الأنقاض لنتمكن من إنقاذهم! حتى الشرطة والجيش لا يملكان شيئاً من ذلك ولم يتم تدريبهم على مواجهة مثل هذه الكوارث.

في كل بلاد العالم نجد نظاماً لمواجهة الطوارئ يدرب الأفراد على مواجهة مثل هذه الحوادث، أما عندنا فلا يوجد شيء من ذلك. في عام 1952م صدر قانون الدفاع المدني، وفي عام 1958م صدر قانون الحماية من الآفات الموسمية القومية، وفي عام2000م أسس قسم في وزارة الداخلية لمواجهة الكوارث الوطنية يرأسه أحد القادة العسكريين المتقاعدين الكبار، وقد خصص لهذا القسم مبلغ 155مليون روبية كميزانية للسنوات الخمس الماضية، ولكن كل ذلك على الورق فقط، لأنه حين مست الحاجة إلى هذا القسم لم نجد إلا الأيدي المتجردة ترفع الأنقاض أو الأيدي التي جاءتنا من الخارج بخبراتها الفنية وآلاتها الحديثة.

هذه هي استعداداتنا وهذه هي إمكانياتنا على المستوى القومي. إذا انسد شارع أو طريق من الطرق الأساسية أمام المارة فإننا نحتاج إلى أشهر أو أسابيع لنفتحه من جديد، ننتظر الفرق الأجنبية تأتي لتفتحه لنا، ربما مات الآلاف ونحن ننتظر!

وهكذا..وجدنا تلك الرغبة العارمة في الخير والحماس النادر الذي لا مثيل له وهو الأعم الأغلب، ومن الناحية الأخرى وجدنا الغفلة الشديدة من قبل الجهات الرسمية.

ومن الناحية الثالثة تلك التصرفات الإجرامية حتى في ظل هذه الظروف الصعبة.كل هذا يعكس جانبين متباينين من حياتنا الاجتماعيةº جانب الخير وجانب الشر. ونستطيع أن نستنتج من كل ذلك أيضاً أنه يمكننا أن نغير أحوالنا إلى الأفضل بتشجيعنا قوى الخير وتنظيمها والتضييق على قوى الشر فينا.

بعد الزلزال تحركت السلطات الرسمية ولكن بعد غفلة دامت أياماً وتحرك الجيش، ولكن ما فعلاه حتى الآن أقل بكثير من المتوقع منهما، وهذا لا يعني أن الحكومة والجيش لم يفعلا شيئاً، فهذا غمط للحق. ولكنه لا يعد شيئاً أمام المطلوب منهما، ولا يعد شيئاً يذكر أمام حجم الكارثة التي حلت بالبلاد.

من أهم الأمور التي نفقدها اليوم التخطيط العام لعملية الإغاثة، والتقنيات الحديثة والكفاءات المدربة. ومن الأمور المهمة كذلك فقدان التواصل بين الجيش والسلطات المدنيةº المركزية والإقليمية والمحلية والقطاع الشعبي العريض في مساعدة المتضررين في المناطق المنكوبة. لابد من التدارك السريع لهذا النقص حتى تؤتي الجهود التي تبذل ثمارها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply