بسم الله الرحمن الرحيم
أو ما يُحَرِّكُكَ الذي يجري لنا *** أو ما يثيرك جرحنا الدفّاق
أمر مهم يجب على الأمة أن تدركه وأن تنتبه له وهو أننا نحن المسلمين عامة وأفراداً ومجتمعات مسئولون عن استمرار مآسي ومذابح الأمة إن لم نصدق مع الله ونلتزم بأوامرهº لأننا بتقصيرنا واستمرارنا في الذنوب وتركنا الجد في الدعوة إلى الله والإصلاح نكون سبباً في ضعف الأمة، وبالتالي نكون سبباً في عجز الأمة عن حماية أبنائها ووضع حل جذري لهذه المآسي، فنكون من أسباب استمرار مذابح المسلمين.
يقول الشيخ المجاهد محمد محمود الصواف - رحمه الله - ((فبينما نحن معشر المسلمين أمة قاهرة ظاهرة في الأرض لنا الملك والسلطان والسيف والصولجان، ولنا الكلمة العلياº إن قلنا أصغت الدنيا لقولناº وإن أمرنا خضعت الأمم لأمرنا وسلطاننا...
فلما تركنا أمر ربنا وخالفنا قواعد ديننا وتنكبنا الطريق المستقيم الذي رسمه الله لنا وخط لنا خطوطه واضحة بينة قوية وأمرنا بالسير فيه وسلوكه، لما سلكنا السبيل المعوج صرنا إلى ما صرنا إليه من الفرقة والشتات والذل والهوان. وهل في الدنيا والآخرة شر وداء وبلاء إلا وسببه الذنوب والمعاصي وترك الأوامر والنواهي)).
يقول سماحة العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في رسالة له عنوانها (أسباب نصر الله للمؤمنين على أعدائهم) كلمة عظيمة ينبغي لكل الأمة ولكل فرد من أفرادها أن ينتبه لها:
((ومتى فرط المؤمنون في هذه الأمور فهم في الحقيقة ساعون في تأييد عدوهم في نصره عليهم، والمعنى أن معاصي الجيش عون لعدوهم عليهم كما جرى يوم أحد فعلى المؤمنين جميعاً في أي مكان أن يتقوا الله، وأن ينصروا دينه، وأن يحافظوا على شرعه وأن يحذروا من كل ما يغضبه في أنفسهم، وفيمن تحت أيديهم وفي مجتمعهم)).
وأحب أن أؤكد أن سماحة الشيخ - رحمه الله - لا يقصد بكلماته أن المسلمين الذين يسعون في تأييد عدوهم بارتكاب المعاصي هم فقط أفراد جيش المسلمين عندما يكونوا في ساحة القتال، فإن ما يقصده عام ويشمل المسلم ولو كان في خارج ساحة المعركة، فهو بتقصيره يكون سبباً في أن تكون العزة والمنعة والغلبة لأعداء الدين وسبباً في هزيمة الأمة وتأخر نصرها، بل إن أكثر كلامه في هذه الرسالة كان عن سلوك المسلمين في كل حياتهم، وعن تطبيقهم لأوامر الله وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليرجع إليها من أحب الاستزادة.
وما أعظم هذه الكلمات للشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - من كتابه القيم المهم "حصاد الغرور" والتي تستحق أن تكتب بماء الذهب، وهي وإن كان على ما يبدو أن الشيخ يقصد أكثر ما يقصد بها الذين يقللون من أهمية الدين والتدين والذين يضيعون على المسلمين أحكام دينهم ويساعدونهم على التخلي عنها ويضيقون على الدين وأهله، إلا أن مدلول كلمته عام ويشمل كل مفرط في التزامه بأوامر الدين لأنه بذلك كما ذكر الشيخ ي - رحمه الله - يعين أعداء الدين على المسلمين. وقد أشار الشيخ في مواضع عدة في هذا الكتاب إلى أثر الذين يفرطون في الالتزام بالدين على تحقيق التمكين للكافرين.
واسمحوا لي أن أقول مذكراً إخواني المسلمين وأخواتي المسلمات ليتنا نكتب كلماته القادمة على باب كل مذنب ولاهٍ,º لأنه لا يذنب فقط في حق نفسه بل في حق أمته جمعاء وحق اليتامى والثكالى والمذبحين، بل نكتبها على باب كل من أهمل واستهان بالدعوة إلى الله بينما الأمة أمس الحاجة لها، بل نكتبها على باب الدعاة الذين يقصرون في دعوتهم وهم يرون أمتهم بها ما بها ثم لا يبذلون غاية جهدهم، بل وغيرهم وغيرهمº لأن كل هؤلاء يؤخرون نصر الدين ويؤخرون الفرج على المسلمين.
يقول الشيخ الغزالي في كلمته الهامة هذه:
((إن الدين بالنسبة لنا نحن المسلمين ليس ضماناً للآخرة فحسب إنه أضحى سياج دنيانا وكهف بقائنا.
ومن ثم فإني أنظر إلى المستهينين بالدين في هذه الأيام على أنهم يرتكبون جريمة الخيانة العظمى، إنهم – دروا أو لم يدروا – يساعدون الصهيونية والاستعمار على ضياع (بلداننا) وشرفنا ويومنا وغدنا..!!
فارق خطير بين عرب الأمس وعرب اليوم، الأولون لما أخطؤوا عرفوا طريق التوبة، فأصلحوا شأنهم، واستأنفوا كفاحهم، وطردوا عدوهم..))
ويقول الشاعر الأستاذ محمد الوقداني في هذه الأبيات المعبرة عن كيف أننا بحق نساعد الاعداء بتقصيرنا:
نحن ساعدنا الأعادي *** بالتواني والرقاد
لو رأوا صفا قويا *** مستعدا للجهاد
لأنابوا واستجابوا *** ثم ثابوا للرشاد
غير أن الضعف يغري *** كل عاد بالتمادي
ولا شك أن أقوى ما تستعد به الأمة هو صدقها مع الله وطاعتها له - سبحانه - ، فهي أساس النصر وهي التي تحفز المسلمين وتطلقهم للجهاد ولإعداد العدة اللازمة له، لكي يحموا إخوانهم وأنفسهم ويستعيدوا مجدهم المضيع.
أخي المسلم: هل أدركت الموضوع تماما، وبيقينك الجازم.
إنها كالمعادلة: ذنوب نرتكبها بإصرار ومجاهرة.. ينتج بسببها أمة إسلامية ضعيفة.. تعجز عن حماية أبنائها.. مما يؤدي إلى استمرار ذبح إخواننا.. (وقد يأتينا الدور! نسأل الله السلامة والعافية)..
والحل هو العودة إلى الله والدعوة (عودة ودعوة)، وأي تقصير منك ذلك يعني ذبحاً لإخوانك!!
ولنستمع بقلوب مصغية لهذا النداء المؤثر في القرآن الكريم العظيم، كلام ربنا - سبحانه - ، مستشعرين جلال وعظمة ورهبة هذا التوجيه الرباني من ربنا وخالقنا المنعم علينا والغني عنا، القوي الجبار - سبحانه - ، قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) الأنفال 27.
ورد في تفسير هذه الآية الكريمة ما ذكره ابن كثير (والخيانة تعمّ الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية).
وتشمل كما ذكر سيد قطب في الظلال (التخلي عن حمل أمانة الدين والدعوة إليه والجهاد في سبيله).
وخالقنا العظيم يخاطبنا بقوله: (وأنتم تعلمون) وهي كلمة يعجز اللفظ عن استيفاء مدلولاتها وإيحاءاتها العظيمة التي تلقيها في النفس، ولا شك أنها تشمل في وقتنا هذا علمنا بواقع أمتنا ومآسيها، فربنا ذو الجلال يعاتبنا - سبحانه - عن تخلينا.. ونحن من العالمين.
وأعتقد أنه لا عذر اليوم للمسلمين.. لا عذر اليوم للمسلمين..
بعد أن رأوا ما رأوا.. بعد أن رأوا ما رأوا..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد