إن الموازنةَ بين الحريةِ واستشعارِ المسؤوليةِ يضعُ حداً لاعتقاد البعضِ ممارسة حرياتهم على حساب الآخرين وبغير حق.
إن السماح بوجود الحرية دون الشعور بالمسؤولية يعني أن تكون الحريةُ أقربَ إلى الفوضى، وإذا عمت عم الفساد الذي نهى الإسلام عنه، وحذر أهله منه. [وَلا تُفسِدُوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِهَا] وقال - تعالى -: [وَاللَّهُ لا يُحِبٌّ الفَسَادَ] ويقول - تعالى -: [أَيَحسَبُ الإِنسَانُ أَن يُترَكَ سُدًى] ويقول: [أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثاً].
هل حولت الحياة في نظر القوم إلى عبثية وأنها حركة كونية لا علة لها ولا هدف، زينة وتفاخر، متاع حيواني كما هو السلوك البهيمي، أما الإنسان السوي يعرف الغايات والأهداف، ويرتقي به ذلك في سلم الإنسانية، حتى يربط الأحداث، ويسمو بالتصور.
إنها نقلة عظمى في تاريخ البشرية تكشف عوار الفلسفات القديمة والحديثة: [أَلَم يَكُ نُطفَةً مِن مَنِيٍّ, يُمنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنهُ الزَّوجَينِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى].
ماذا يريدون، حرية الفكر أم حرية الكفر؟!
إن معنى المسؤولية كقيمة هو شعور الإنسان دائماً قيامَه بواجبه تجاه دينه وأفراد مجتمعه، وتجاه وطنه وأمته. وهنا نقول لمن يتجاوز الحد إلى البغي على الله وعلى رسله وعلى رسالاته باسم الحرية: أين أنتم من الدعاوى البراقة التي تنادي بحقوق الإنسان؟ وتنادي بخروق المرأة لا بحقوقها، وبتجريرها لا بتحريرها، أي إنسان أعظم من محمد - صلى الله عليه وسلم -؟!
فمنظمات العالم تؤكد على احترام الرسل، وعلى احترام الشرائع السماوية، واحترام الآخرين وعدم الطعن فيهم بلا بيِّنة وقد حرم اتفاق (فينا) المساس بالأديان، وإذا استطاع اليهود على قلتهم أن يدرجوا من سب السامية ضمن مجرمي الحرب الذين تجب ملاحقتهمº فهل يفعلها المسلمون بما لهم من ثقل عالمي وأثر بالغ في ميزان القوى؟ ولذا فإنَّ الحرية المزعومة فيها انتهاكٌ لدين الإسلام، وسخريةٌ برسول الله، وإخلالٌ بحقوق الآخرين، فإذا كانوا أحرارا بالقول فنحن أحرار بالرفض ولا يستطيع أحد أن يمارس الوصاية علينا أو يحدد موقفنا.
إن الفئة الليبرالية التي استبدلت كلمة الكافر بالآخر تسامحًا، وهو تخاذل وتغيير وتبديل لكلام الله الذين سماهم الكفار - أرادت لنا هذه الفئة أن نتعايش مع اللقب الجديد كي تذهب العداوة -إذا ذهب اللفظ- فجاء الآخر (الكافر سابقاً) وأهان أعظم رجل في الدنيا لم تحيدهم التسميةº بل زادت الآخر شراسة وظلماً.
هذا هو الآخر الذي يدافع عنه بعضُ بني قومي ويردد عقلانيته وحياده وإنسانيته، وهذا مسمار في نعش الحرية وحوار الحضارات تحول إلى هجوم على المقدسات، وإرهاب في قالب التعبير وحرية الصحافة.
تأصيل حب النبي - صلى الله عليه وسلم -:
هل قصرنا في البلاغ وضُلِّلت شعوب إلى هذا المستوى، نحن درسنا المخترعين في الصفوف الأولى لكثرة ما يشاد بهم وما قدموا للبشرية، فماذا عن منقذ البشرية؟! إننا بحاجة إلى تأصيل حب النبي - صلى الله عليه وسلم - في القلوب، عبر برامجَ ومناهجَ ومواقفَ تعطي أثراً إيجابياً محبتُه التي تكون باتباع شرعه، والائتمار بأمره، والانتهاء عن نهيه. محبته التي تكون بمعرفة سيرته، ومعجزاته، وأخلاقه، محبته التي تكون بتوقيره ونصرته والدفاع عنه في حياته وبعد مماته، والذب عن سنته والرد على أعدائه. إن حبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل من أصول هذا الدين، لا يستقيم إيمانُ إنسان بدونه، ولا يسعُ مسلمٌ أن يتجاوزه أو يتردد فيه، فهو مرتبط بمحبة الله - سبحانه -، قال الله - تعالى -: [قُل إِن كُنتُم تُحِبٌّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُم اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم].
قال ابن كثير: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادَّعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمديةº فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرعَ المحمدي.
روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين". وفي الصحيح عن عبد الله بن هشام: كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر، فقال عمر: يا رسول الله: لأنت أحبٌّ إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك، قال عمر: فإنه الآن، لأنت أحبٌّ إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر".
وهنا يأت السؤال لك أيها المسلم؟ أنت الذي تعلن حبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ونصرته ومتابعته وتوقيره، كم في بيتك من مخالفة لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، (رفع الصور في البيوت، أكل الربا، قطيعة الرحم، والكذب والغيبة والنميمة، والظلم والتعدي، والكبر والخيلاء وغمط الناس. إسبال الثياب، وحلق اللحى، وسماع الغناء وآلات الموسيقى، وإلقاء الأذى في الطرقات...
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه * هذا محالٌ في القياس بديعُ
لو كان حبٌّك صادقاً لأطعتَه * إن المحبَّ لمن يحبٌّ مطيعُ
خبيب بن عدي - رضي الله عنه - لما أخرجه أهلُ مكة من الحرم ليقتلوه قال له أبو سفيان: " أنشدك اللهَ يا خبيب! أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك يُضرب عنقُه، وأنك في أهلك"؟.فقال خبيب: "والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، وإني جالس في أهلي".
فقال أبو سفيان: " ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ, محمدًا".
وسئل عليٌّ بنُ أبي طالب - رضي الله عنه -: كيف كان حبٌّكم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان - والله - أحبَّ إلينا من أموالنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ.
وكان عمرو بن العاص - رضي الله عنه - يقول: ما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفَه ما أطقتº لأني لم أكن أملأ عيني منه.
وفي بار من بارات الهند، وأناس من الكفار وبعضِ عصاة المسلمين ممن ابتلوا بالفسق والفساد في الفكر والأخلاق، وبينما كانوا يتناولون كؤوس الخمر ويتراقصون مع المائلات إذ تجرأ أحد الكافرين فشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - بحضرة السكارى، فتحركت نزعة من إيمان أحد المسلمين واستيقظ من سبات السكر، لأن نبيه محمداً قد شتم، فقذف بيده كأس الخمر في وجه الشاتم، ودافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكتف بذلكº بل أعلنها توبة إلى الله وأوبة إلى دين رسول الله انتصاراً لهذا النبي العظيم. [قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ, فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ] (التوبة: 24).
الموقف ممن يلتمس العذر للكفار:
قال الله - تعالى -: [هَاأَنتُم هَؤُلاءِ جَادَلتُم عَنهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنهُم يَومَ القِيَامَةِ أَم مَن يَكُونُ عَلَيهِم وَكِيلاً]. رسالة واضحة للمخذلين الذين يسارعون في الاعتذار والدفاع عن خونة الأديان والله - تعالى -يقول: [وَلا تَكُن لِلخَائِنِينَ خَصِيماً] أي: محاميًا.
هناك أناس يعدون أنفسهم: مثقفين ومتنورينº لكنهم مفتونين. حقيقةً أتعجب! لقد خدعونا طوال سنين طويلة.. لماذا لا يخدعونا الآن. فانج بنفسك أيها المسلم فقد أجمع العلماء على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين فهو كافر مرتد يجب قتله.
وهذا الإجماع حكاه غير واحد من أهل العلم كالإمام إسحاقُ بن راهويه وابنُ المنذر والقاضي عياض والخطابيٌّ وغيرُهم. دلَّ على هذا الحكم: الكتاب والسنة. روى أبو داودَ (4362) عَن عَلِيٍّ, - رضي الله عنه - أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَت تَشتُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقَعُ فِيهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَت، فَأَبطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَمَهَا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول (2/126): حديث جيد.
سبٌّ النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعظم المحرمات، وهو كفر وردةٌَ عن الإسلام بإجماع العلماء، سواء فعل ذلك جاداًّ أم هازلاً. وفاعله يقتل ولو تاب، مسلما كان أم كافراً. ثم إن كان مسلماً وتاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل، فإن هذه التوبةَ تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله له. يقول ابن تيمية: إنَّ من سبَّ الله أو سبَّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - كَفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السَّاب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده. والقول بقتله ولو تاب من ذلك راجع إلى أن سب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعلق به حقانº حق لله، وحق لآدمي. فأما حق الله فهو القدح في رسالته وكتابه ودينه. وأما حق الآدمي فإنه أدخل المَعَرَّة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا السب، وأناله بذلك غضاضة وعاراً. والعقوبة إذا تعلق بها حق الله وحق الآدمي سقط عنه حق الله - تعالى -بالتوبة، وبقي حق الآدمي لا تسقطه التوبة حتى يعفو عنه مستحقٌّه. وقد تَعَذَّر عفوُه - صلى الله عليه وسلم - بموته، فبقي قتل الساب حقاًّ محضاً لله ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقٌّه، فيجب إقامته. (الصارم المسلول 2/438).
قال الله - تعالى -: [إنَّ الذين يُؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدٌّنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مُّهيناً. والَّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً] ففرَّق الله - عز وجل - في الآية بين أذى الله ورسوله، وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً، وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد له العذاب المهين، ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجلد، وليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل.
ومن هنا نعلم أيضاً خطورةَ الاستهزاء بالدين وأهله، سواء عبر ما يعرض في المسلسلات والأفلام الهابطة التي تصور أهل العلم والفضل أو الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو شعائر الدين في صور لا تليقº بل وربما تعدى الأمر في ذلك إلى الهمز واللمز والاستهزاء، وما يصاحبه من تشويه وانتقاص لمقام أهل الدين والفضل.
فهل يعي من يتجرأ على الدين وأهله خطورة ما أقدم عليه؟ وهل بعد هذا الجرم العظيم إلا الوقوع في الله ورسله وأنبيائه.
وأخيراً، هل ينبري الغيارى على أمتنا بإعلان مبادرة ترشد الغضبة، وتوحد الهدف، وتحتوي التجاوزات، وترتقي بها عن الوقتية إلى الأمدية. وبرغم تخلف هذا أو تأخره فسيعمل كل على شاكلتهº فاستبقوا الخيرات. والله لا يضيع أجر المصلحين، ولا يصلح عمل المفسدين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد