الخمس أكبر خدعة في تاريخ الشيعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 


الحديث عن الخمس في الواقع لا يكفيه مقال واحد، بل يحتاج إلى مجلدات، فهذه الفريضة المزعومة هي أكبر خدعة في التاريخ الشيعي، فهي تثبت من جهة خبث القادة والرموز، ومن جهة أخرى حماقة الأتباع، وسوف نقسم الحديث عن هذه الركيزة في عدة نقاط، تتناول تعريفا مختصرا لها، وكيفية جمعها وتقسيمها، وأثرها على المذهب الشيعي، بما يوضح في النهاية لماذا يعد الخمس بمفرده المحرك الخفي للصراع بين قم والنجف..



أولا: أصل الخمس.. قصة الاختراع وأهم المعالم:

الدليل الواضح على كون الخمس فريضة مخترعة، على الرغم من مكانتها الهائلة وتأثيرها البالغ في تاريخ المذهب الشيعي، هو أنه حتى أواخر القرن الخامس الهجري لم يكن هناك شيء في الفقه الشيعي يسمى الخمس، وجميع كتب الفقه في المذهب التي ألفت قبل هذا التاريخ ليس بها باب أو حتى مسألة تتحدث عن هذه الفريضة المزعومة، وأحد مؤسسي الحوزة العلمية في النجف، واحد أكبر فقهائهم، والذي يطلقون عليه شيخ المذهب: محمد بن حسن الطوسي، لم يذكر في كتبه الفقهية الأشهر لدى الشيعة أي شيء عن فريضة الخمس هذه، رغم أنه عاصر أوائل القرن الهجري الخامس..

وقد بدأ الحديث عن الخمس إبان الخلافة العباسية، التي لم تكن تفرض لعلماء الشيعة أي أعطيات أو مخصصات لعدم اعترافها بمذهبهم، ولم تكن الأموال الموقوفة من أثرياء الشيعة كافية، وكانت النتيجة أن الفقهاء وطلاب العلم في المذهب كانوا يعانون من الفقر والعوز الشديدين، وكان المخرج الذي تفتقت عنه الأذهان وقتها تقديم تفسير جديد مخترع للآية الكريمة (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) وهذا التفسير البدعي المزعوم يعني أن يدفع الإنسان خمس ما يغنمه في الحرب أو في غير الحرب حسب التقسيم المذكور في الآية، فالخمس إذن واجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارة وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك، و الأصل لدى الشيعة أنه يدفعها للإمام، ولأن الإمام غير موجود فهو يدفعها لنائبه، أي المرجع الديني الذي يقلده..



ولما كان إلزام الشيعة بهذا المبدأ المبتدع يبدو عسيرا بالدعوة المجردة، أضيفت طائفة من المقبلات والمشهيات، فظهرت فجأة النصوص التي تهدد وتتوعد من يتخلف عن دفع الخمس بعذاب النار الأبدي وأنه يصير من الكفار، وبرزت أحكام عجيبة تتحدث عن عدم إقامة الصلاة في دار الشخص الذي لا يستخرج الخمس من ماله، أو الجلوس على مائدته وهكذا..

ومع الوقت ترسخت الفريضة في المذهب، وصارت من ركائزه الأساسية، وانتعشت وأثرت المرجعية الدينية التي تحولت إلى دولة موازية للدولة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في مناطق انتشار المسلمين الشيعة وبالأخص في إيران، وتبلغ ميزانية بعض المراجع المتولدة من نسبة الخمس الآن حدًا من الضخامة يجعله يزيد عن ميزانيات دول في العالم الثالث، لكن يظل هناك عدم إعلان عن أرقام هذه الميزانيات..



ومن المهم هنا أن نذكر أن فقهاء الشيعة في مقابل تضييقهم على أتباعهم بفرض الخمس في أموالهم، فتحوا لهم المجال واسعا بإباحتهم أكل أموال أهل السنة - والذين يسميهم الشيعة بـ\" الناصبة \" - واعتبار ذلك من الأعمال المندوب إليها، ويذكرون في ذلك نصوص ينسبونها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف زورا وبهتانا، مثل: \" خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس\"، \" مال الناصب وكل شيء يملكه حلال\" وجاء في كتب الفقه عندهم \"إذا أغار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم فالأحوط بل الأقوى إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة ولو في زمن الغيبة وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة \" (العروة الوثقى) ومن المسلم به أن مفهوم الكفار عند الشيعة الإثنى عشرية يشمل كل المسلمين ما عدا طائفتهم..



ثانيا: الخمس نصفه الأول للمرجعيات، والنصف الآخر.. للمرجعيات:

قرر فقهاء الشيعة أن الخمس يقسم ستة أسهم، سهم لله وسهم للنبي - عليه الصلاة والسلام -، وسهم للإمام، وهذه الثلاثة تدفع لصاحب الزمان يعني المهدي الغائب المنتظر لاحظ أنها لم تكن تدفع من الأصل لأي من الأئمة الإثنى عشر في حياتهم وطالما أنه لم يظهر بعد، فإن نصيبه يذهب مؤقتا للفقيه الشيعي المجتهد، أما الأسهم الثلاثة الأخرى للأيتام والمساكين وأبناء السبيل، فيوزعها الإمام أيضا بمعرفته وعن طريق وكلائه المنتشرين في بقاع جغرافية في أنحاء العالم، ويشترط أن توزع على الشيعة الإمامية لا غيرهم..



ويقول الدكتور علي السالوس: \" ومن واقع الجعفرية في هذا الأيام نجد أن من أراد أن يحج يقوم كل ممتلكاته جميعاً ثم يدفع خمس قيمتها إلى الفقهاء الذين أفتوا بوجوب هذا الخمس وعدم قبول حج من لم يدفع، واستحل هؤلاء الفقهاء أموال الناس بالباطل \" ويعتبر كثير من المختصين أن حرص حكومة الملالي على زيادة أعداد حجاجها سنويا هو بغرض تعظيم نسبة الخمس التي يدفعها هؤلاء قبل حجهم..



ثالثا: تأثير الخمس في المذهب الشيعي:

يمكن بثقة أن نقول والله أعلم أنه لولا الخمس لاندثر المذهب الشيعي منذ زمن بعيد، فقد كان المال المتدفق من هذه الفريضة هائلا للدرجة التي حولت المرجعيات الدينية الشيعية إلى أباطرة يحكمون كقادة الدول، ويتحكمون في العباد وأحوالهم، ويقدرون على أن يُسيروا في ركاب مذهبهم من يغريه بريق الذهب، فصادف المذهب مراحل انتعاش كبرى وتوسعت دائرة أتباعه، ولكن مع ملاحظة أن عددا كبيرا منهم كان العامل المشترك بينهم الاستجابة للبريق الأصفر..

والحال هكذا أصبح منصب المرجع منصبا تهفو إليه القلوب وتتطلع له الأنظار، لأنه مصب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وأصبحت البلد التي تجمع كبار المرجعيات وتعد عاصمة المذهب الشيعي وقبلته العلمية، مدينة خليقة بأن توضع في مصاف الدول، كونها تجمع بقوة المال نفوذا وسلطانا هائلين، وقد تمكن الخميني بفضل قوة المرجعية الشيعية في قم وإمكاناته المالية الهائلة من إسقاط نظام الشاه في إيران، ومن ثم فتح المجال واسعا لضخ كميات هائلة من الأموال إلى خزائن المرجعيات في قم في غيبة تامة للنجف..



وهذه القدرة التمويلية هي التي غذت وتغذي دور النشر التي تقذف سنوياً بمئات النشرات والكتب والمراجع المليئة بما هو ضد الأمة الإسلامية السنية ودينها، والتي كانت الصبغة الإيرانية واضحة عليها طيلة السنوات الخمس والعشرين الماضية، حتى أن كثيرا من ذوي التطلعات والراغبين في الإثراء من الكتاب والصحفيين والإعلاميين بصفة عامة، وبعض رجال الدين والنافذين في مجالات مختلفة، كانوا يسعون لتقديم خدماتهم للمارد المالي الشيعي، ولو بتحولهم إلى دعاة للمذهب الشيعي في بلادهم..



ويمتد أثر هذا المال المتراكم إلى العلاقة بين الشيعة والسنة، حيث يقول د. علي السالوس: \" وأعتقد أنه لولا هذه الأموال لما ظل الخلاف قائماً بين الجعفرية وسائر الأمة الإسلامية إلى هذا الحد، فكثير من فقهائهم يحرصون على إذكاء هذا الخلاف حرصهم على هذه الأموال \"..



ويذكر بعض الباحثين أن توافر المال بهذه الصورة بين أيدي علماء الشيعة جعلهم عن طريق أتباعهم - يحاولون السيطرة على معظم الأعمال التجارية والشركات ومواد التموين في البلاد التي يتواجدون فيها، حتى يتحكموا بأقوات الناس وضرورياتهم..



رابعا: الخمس أفسد مرجعيات الشيعة:

في ظل الخمس تحول المرجعيات الدينية إلى ما يشبه شركات الجباية المنظمة، حيث يفتتح المرجع له في عدد كبير من الدول مكاتب ويتخذ وكلاء يقومون بتقديم الفتاوى للمقلدين بصفة ثانوية، وبجمع أموال الخمس منهم بصفة رئيسة، ويحدث بين هذه المكاتب والوكلاء تنافس محموم على جذب الأتباع المغفلين الذين يقدمون خمس أموالهم إلى المرجع الديني وهم يتمنون الرضا، وقد أصبحت منزلة المجتهد محل منافسة شديدة ويتكالب عليها أعداد كبيرة من علماء الشيعة، واللافت هنا انه لا توجد أي رقابة على المرجع في تسلمه للأموال أو كيفية إنفاقه لها، ويقول بعض الباحثين في الشأن الشيعي أن: \" الفقه الشيعي المفبرك الذي اخترع فريضة الخمس واستحدث لها نصوص موضوعة، لم يتحدث عن كيفية متابعة أو رقابة المجتهد في إنفاقه لهذه الأموال، بل تتحدث المراجع عن حرية مطلقة في هذا الباب \" ولذلك انتشر الفساد بين رجال الدين الشيعة بسبب هذه الأموال، ويقول الباحث محمد مال الله: \" أعرف مجتهداً من مجتهدي الشيعة لا زال على قيد الحياة وقد ادخر من الخمس ما يجعله زميلا لقارون الغابر أو القوارين المعاصرين، وهناك مجتهد شيعي في إيران قتل قبل سنوات معدودة كان قد أودع باسمه في المصارف مبلغا يعادل عشرين مليون دولار أخذها من الناس طوعا أو كرها باسم الخمس والحقوق الشرعية، وبعد محاكمات كثيرة استطاعت الحكومة الإيرانية وضع اليد على تلك الأموال كي لا يقسمها الورثة فيما بينهم \"..



وعلى صعيد التنازع بين قم والنجف، فقد كان محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر الزعيم الشيعي البارز حاليا، مرجعا دينيا في العراق في عهد صدام حسين، وكان معارضا وناقما على السيطرة الإيرانية على منصب المرجع في العراق، واتهم مراجع النجف بالفساد في إدارة أموال الخمس، وكشف أن العراقيين لا يستفيدون من هذه الأموال الطائلة التي تجبى منهم كل عام، بل إن أهالي النجف أنفسهم حيث يعيش المرجعيات يعانون من الفقر وشظف العيش في ظل مرجعيات تتحكم بعشرات الملايين من الدولارات، وقد كانت هذه المعارضة من صادق الصدر والتهديد بسلب مراجع النجف الإيرانيين مصدر قوتهم وعزتهم سببا رئيسا في اغتياله عام 1999م كما يرجح كثير من الباحثين على أيدي هذه المراجع وعلى رأسهم السيستاني والحكيم، وليس بأيدي مخابرات صدام حسين، وهو ما يفسر سبب العداء الواضح بين مقتدى بن صادق الصدر وهذه المراجع في الوقت الحالي، ومعروف أن أتباع الصدر قتلوا عبد المجيد الخوئي أحد معارضي نظام صدام، وابن المرجع الخوئي المعروف مات عام 1993 م وكان الخوئي الابن قد قدم بغداد في حماية قوات الاحتلال للاضطلاع بدور في عهد ما بعد صدام لكنه قتل على باب منزل مقتدى الصدر وبأيدي أتباعه، والخوئي المقتول كان يدير مؤسسة الخوئي العالمية من لندن بعد أن ورث أموال الخمس بعد مقتل أبيه، وهي تعد حسب التقديرات غير الرسمية بعشرات الملايين من الدولارات التي لم يستطع أحد أن يسترجعها منه..



ونذكر مثالا لما يكتبه بعض المثقفين الشيعة المعارضين لتلك الحال الفاسدة، حيث يقول الكاتب الشيعي سالم علي متحدثا عن تسلسل الفساد في المرجعية بدءا من الخوئي: \" ورث المنصة المرجعية - السيد الخوئي، وموقفه لا يحتاج إلى بيان، والمليارات التي ورّثها لأولاده وأرحامه لا تأكلها النيران، والجاه والنعيم الذي يعيشه أولئك فوق الخيال، بل يكفي أن يتأمل أحد كيف كان يعيش ولده مجيد في لندن، بل وكيف كان يحيا صهره جلال وأولاده الذين جابوا شرق الدنيا وغربها وهم ينثرون حقوق الفقراء من الشيعة على ملاذهم وملاهيهم \" ويوسع الكاتب دائرة الاتهام لتشمل المرجعيات الإيرانية في العراق والتي يقول أنها كانت موالية لنظام صدام حسين ولذلك: \" لا غرو أن تتضخم ثروات هؤلاء المراجع، وتزداد قدراتهم، وتمتد شبكاتهم، وتجند لتحقيق هالاتهم الكثير من الأقلام المأجورة، والنيات الساذجة، حين تطارد اللعنة والاتهامات، بل والقتل غيرهم \"، ثم يوجه سهام نقد خاصة للسيستاني: \" واليوم تطل علينا مرجعية لا يجهل حقيقتها إلا السذّج والبسطاء، انتقلت إلى يديها قدرات مادية ضخمة، وشبكات معقدة تمتد إلى أنحاء العالم، ومصالح مادية متشابكة ستكشفها الأيام، باتت ووفق سياسة لم تعد خافية تتحدث جزافاً وظلماً باسم شيعة العراق، ودون وجه حق، أو حجة منطقية خلا ما يروج له اتباعها ومريدوها \"..



وقبل ذلك كان نجل أبو الحسن الأصفهاني أحد المراجع الشيعية السابقة قد قتل لأسباب تتصل بالأموال الشرعية للمرجعية..

ولنا أن نتخيل عددا محدودا من رجال الدين يتحكمون في أرصدة تقدر بمئات الملايين من الدولارات غير معروفة على وجه الدقة ثم تبدأ فئات جديدة من رجال الدين في الظهور، وتسلك مسلكا تنافسيا لسلب هؤلاء نفوذهم، وسحب البساط السحري من تحت أقدامهم، إن الصراع الذي ينشب في هذه الحالة خليق بأن يشكل الحدث الأبرز في تاريخ الشيعة المعاصر..



خامسا: المرجعيات والدجاجة الخليجية والذهب:

لا توجد في الخليج مرجعية دينية مؤهلة لتقليدها وجمع أموال الخمس من الأتباع، ولذلك يتوزع شيعة الخليج بين مختلف المراجع الدينية، فهناك من يتبع السيستاني إيراني - في العراق، وآخرون يتبعون خامنئي المرشد الإيراني أو الشيرازي و التبريزي وهم إيرانيون مقيمون في إيران، وقلة تتبع محمد حسين فضل الله في لبنان..

وهذا يعني أن الخمس الخليجي المتضخم يصب جزء كبير منه في جيب الإيرانيين، وهذا لعمري نفوذ هائل ومزرعة دجاج لا تتوقف عن بيض الذهب، وبدونه ستفقد قم مصدر دخل كبير لا يعوض، وهذا الفقد سيأتي في المقام الأول من المنافسة الواعدة للنجف العراقية، حيث الانتماء العربي له تأثير في هذا المجال، كما أن الفقه العراقي الشيعي يتميز عن مثيله الإيراني بالسهولة والبساطة إلى حد ما، ما يعني أن بوصلة التقليد والاتباع في الفتاوى ستبدأ في تغيير وجهتها نحو النجف، وهو ما يحفر أخاديد هائلة في خفايا العلاقة بين مرجعيات المدينتين الشيعيتين الأكبر.



وقد أثمر هذا الصراع الخفي بين قم والنجف في ظهور دعوات بين شيعة الخليج تطالب بمرجعيات دينية خليجية تتسلم أموال الخمس وتفتي أتباع المذهب بعيدا عن التنافس العراقي الإيراني على أموالهم، ولتظل البيضة داخل العش..

وهناك عوامل من شأنها أن تسعر هذا الصراع، منها أن تزايد معدلات استخراج النفط العراقي من شأنه أن يساهم في زيادة متوسط الدخل، ولو انتعش اقتصاد الدولة، فإن ذلك يعني زيادة هائلة في مدخولات الخمس التي يدفعها الشيعة العراقيون سواء إلى قم أو النجف..

ولا ينتهي الصراع بين النجف وقم عند الزعامة أو الولاية أو الخمس، فهناك ركائز أخرى لهذا الصراع المشهود.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply