هل ( فعلا ) نحن المسلمين إرهابيون ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عنوان هذا المقال مثير، ويوحي بأنّ كاتب هذا المقال وقع في الفخّ الذي يريد أن يلصق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، لكني أكتب وأنا في كامل الوعي متسائلاً مثلي مثل آلاف بل ملايين المسلمين الذين يعيشون تحت مطرقة الإعلام العالميّ التي تضرب أسماعهم بصواعق من التّهم، بأنّ المسلمين إرهابيّون، وأنّ الإسلام يشجّع الإرهاب، وأنّه يشجّع العُنف والقتل والوحشيّة.

وننبري بدافع غريزة الدفاع عن النفس، وعن المعتقد ونحاول إما التبرير لما يحدث أو مقارنته بعنف أمريكا وإسرائيل وإرهابهما الأعمى، أو نلجأ إلى نصوص القرآن والسّنة التي تحثّ على السّلم والمعاملة بالحسنى والتسامح، وغيرها من المواقف اللحظيّة العفويّة أو المقصودة ولكنها جزئيّة ارتداديّة لموجة الهجمات العنيفة علينا من قبل القوى الكبرى ووسائل الإعلام، وافتراءات أعداء الإسلام وأعداء الأمّة، وننسى في غمرة ردود الأفعال وحالة الانفعال أن نحتكم إلى كتاب الله - تعالى -، وأن نرى من خلاله حالتنا الراهنة، وموقعنا من موجة الإرهاب العالميّة التي نتعرّض لها من غيرنا، أو التي يقوم بها بعض المسلمين بوعي أو بغير وعي، ويساهمون بها في تقديم المبرّرات للذئب ليأكل الحمل بتهمة أنّ أباه فعلها، كما هي القصّة المشهورة في التّراث الشّعبي.

ولهذا بودّي أن أتساءل عن موقع القرآن في تشكيل وعينا بالأحداث وبطريقة فهمها والتعامل معها، وفي هذا السياق نجد قول الله - تعالى -في القرآن الكريم: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالقِسطِ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ, عَلَى أَلَّا تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ) [المائدة: 8]

علينا أن ننظر لظاهرة الإرهاب العالميّ بطريقة قرآنيّة، وأن نلتزم بالإنصاف تجاه من قام أو يقوم بها، وتجاه نتائجها وما يترتّب عليها بنظرة مبدئيّة واستراتيجيّة في آن واحد. وبخاصة ما حدث في 11/9 وما تلا ذلك.

 

 

فئة ترهن مصير أمّة ودين:

وفي هذا الإطار نقول: إنّه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن يتسبّب عدد قليل من أتباعه كما هو معترف به من قبل من قاموا بتفجيرات 11/9- في أن يصبح الإسلام والمسلمون ممقوتين ومكروهين في مختلف بقاع الأرض، وخاصّة في الغرب وخارج بلاد الإسلام التقليديّة، فالملايين من المسلمين الذين لجؤوا إلى أمريكا الشماليّة وأوروبا الغربيّة فرارًا بدينهم من استبداد الأنظمة، ومن الفقرّ والجوع والمرض، ومن الذين ذهبوا طلبًا للعلم والعمل وبناء حياة جديدة، ومن البعثات الدّعويّة والباحثين والدّعاة، صاروا هدفًا للكراهية والقتل، وصاروا أخطارًا محتملة في أعين الغربيين، ونقص التعاطف الذي كان يلاقيه المسلمون في الغرب.

أما داخل العالم الإسلاميّ فقد استأسدت الدكتاتوريّات والسلطات المستبدّة، وأجهزت على هامش الحريّة الضئيل بحجة مكافحة الإرهاب. وإنّ الحملة الأمريكيّة على الإرهاب بتحالف الأنظمة المستبدّة معها لتهدد الجهود التحررية الناشئة في العالم الإسلامي، وتحاصر القوى الوطنيّة الإسلاميّة الأصيلة وتحدّ من فعاليّتها، كما أنّ هامش الحريّات السياسية والدّعويّة والاجتماعيّة والثقافيّة سيشهد نكوصًا رهيبًا من خلال تعاون الحكام المستبدين مع الحملة الأمريكيّة الظالمة، وسيستغلون مشاركتهم في الحرب على الإرهاب لإرهاب وتخويف كلّ من ينتقد الفساد السياسيّ والماليّ، وكل من يتبنى خطّ المعارضة الحقيقيّة، ويخرج من ديمقراطيّة الديكور، والأحزاب التي تسخّن الطبل للحاكم، وتسبّح بحمده.

هذا ما جنته "غزوة نيويورك" و"غزوة منهاتن" كما يحلو للبعض تسميتهما، فأصبح المسلم في أي بقعة من الأرض يخاف أن يقضي حاجته في مرحاض عموميّ، أو يسافر من بلد إلى بلد، أو أن يحوّل أموالا من بلد إلى آخر، أو أن يساهم في مشروع خيريّ فيقع تحت طائلة دعم الإرهاب.

فيا ترى من كلّف فئة من الناس أن تقرّر مصير أمة بأكملها، فلو كان "الوحي أمرك بهذا" لكان السّمع والطّاعة هو الجواب كما قال الصّحابة رضوان الله عليهم لسيد الخلق - عليه الصلاة والسلام - يوم بدر، ولكنّها "الرأي والحرب والمكيدة" وليس الرّأي الحصيف، ولا الحرب المخطط لها، ولا المكيدة البالغة الدّقة كانت متوفرة في 11/9. بل كانت مغامرة في المجهول، وها نحن كأمة- نتحمّل وزرها.

قد يكون من قام بهذا مخلص النّية، ولكن لا صواب فيها أبداº لأن الصواب تحدّده السّنن: سنن الواقع والتاريخ والاجتماع، وكل السّنن تقول: إنّ ما وقع كان على غير صواب. إنّ الاستنكار في هذا السّياق لا يكفي، بل لا بدّ من تغيير في نمط التفكير والاجتهاد، وأن يوكل الأمر للعلم والاجتهاد، وليس للعاطفة والجهاد، ذلك أنّ الرأي قبل شجاعة الشجعان.

 

اضطراب في المواقف لاضطراب في المدارك:

إنّ 11/9 وما تلاها من إرهاب عالميّ، وعلى رأسه إرهاب الدولة الذي تمارسه أمريكا في أفغانستان والعراق، وإرهاب العصابات الصهيونيّة في فلسطين، وإرهاب السلطات الحاكمة في العالم العربيّ على وجه الخصوص جعل مواقفنا مضطربة: هل نفرح بما وقع أم نحزن له؟ هل نؤيّد ما وقع في نيويورك وواشنطن أم نشجبه؟ هل نساند ابن لادن أم نعارضه؟ هل نحارب أمريكا أم نهادنها؟

إن الاضطراب الذي حصل في المواقف ولا يزال، إنما بسبب ضبابيّة في الرؤية، واضطراب في المنهج، وخلل في تركيبتنا النفسيّة، والعقليّة والفكريّة. فلأنّنا لا نعرف ما نريد بدقّة، ولأنّ رؤيتنا للأمور مشوّشة فإنّنا لم نحدّد رسالتنا للعالم بدقّة، وبالتالي فإنّ المنهج الذي نريد به أن نحقّق حضورنا وتميّزنا وعزتّنا لم يتحدّد بعدº فأنتج ذلك خللاً في تركيبتنا النفسيّة والعقليّة والفكريّة، فنفسيًّا نشعر بالقهر أمام أمريكا وأمام إسرائيل ونريد أن نخرج من هذه الحالة لكن كيف؟ هل يكفي أن نموت في سبيل مبادئنا من أجل الموت، أم نموت لتحيا المبادئ وتحيا الأمّة وتتجدّد الحياة؟

وعقليًّا: هل نريد أن نبني حياتنا وفق الإسلام، وبالتالي نقدّم أنفسنا بديلاً حضاريًّا عقلانيًّا قائمًا على إنجاز عمليّ في الواقع، وندخل في حوار متمدّن مع الغالب المهيمن على العالم، ونحاول أن نفكّ خيوط الأزمة بأقل الخسائر ونرسم منهج نهضتنا؟ أم لا بد من تحطيم كلّ النّسق الحضاريّ القائم حاليًّا على أساس بعضه شرك وبعضه ليس بشرك؟

وفكريًّا صار كل من يستطيع الخطابة والتعبئة يملأ الدنيا جلبة ويقود الجماهير ويهيمن على الخطاب. ومتى كانت العامّة تغيّر التاريخ؟ ومتى كان الخطاب العاطفيّ وحده يحدث التّغيير؟ فتاهت مفاهيمنا الفكريّة بين الولاء والبراء: الولاء لمن والبراء ممّن؟ والأخذ ممّن والترك ممّن؟ وهكذا سادت فوضى الأفكار، ووقعنا "بين مطرقة الأفكار الميّتة، وسندان الكفار القاتلة" بتعبير الأستاذ مالك بن نبيّ عليه رحمة الله.

 

بين الخسائر والمكاسب:

إنّ الوصف بالإرهاب الذي تحاول أمريكا وإسرائيل وأعوانهما في العالم الإسلاميّ إلصاقه بالإسلام والمسلمين أدخل الشكّ فينا، وجعلنا نقتنع أننا فعلا- إرهابيّون في الوقت الذي نحن فيه ضحايا، ولكن كما ذكرت الآية المذكورة سابقًا، فإنّ شعورنا بأنّنا ضحيّة لا ينبغي أن ينسينا ما تسبّب فيه بعض منّا في تأليب الرّأي العالم العالميّ ضدّنا. إنّ تعاطفنا النفسيّ المشوّش مع الجهاد ومع من يجاهدون الكفار لا ينسينا بأن نوازن بين ما تسبّبت فيه "غزوة نيويورك وواشنطن" وما أفادت به.

ولا أظنّ أنّ واحدًا منّا يتجرّأ ويعطي إيجابيّة أو فائدة واحدة لما حدث أو ما تسبّبت فيه أحداث 11/9. فإنّ ذلك اليوم وما تلاه تسبب في تشكيل صورة سوداويّة عنا نحن المسلمين، وتخويف الناس منّا، ومعاداتهم لنا، والتّضييق علينا وعلى التعامل معنا. كما أنّه ساهم في إغلاق آلاف المدارس، وآلاف المؤسّسات الخيريّة والدّعويّة والإغاثيّة، وآلاف الشركات الإسلاميّة أو التي يملكها مسلمون، وتسبب في قطع التمويل عن مئات المؤسّسات والمستشفيات والجامعات، وتوقيف آلاف أو مئات الآلاف من المنح التي كانت تمنحها المؤسّسات الخيريّة والشركات لطلبة العلم في مختلف التخصصات، وصودرت - بسبب تهمة الإرهاب- ملايين الدولارات من أصحابها بغير وجه حق. فهل هذه مكاسبنا؟

يضاف إلى كلّ تلك الخسائر المبدئيّة والاستراتيجيّة أنّ الأنظمة الشموليّة الاستبداديّة في العالم الإسلامي عمومًا وفي العالم العربيّ خاصّة زادت من تحديد الحريّات وتكميم الأفواه، والتّضييق على الدّعاة والمثقّفين والمناضلين من أجل كرامة الإنسان وحقّه في الحياة والعمل والمعتقد.

 

 

وأخيراً:

وفي الختام، أودّ أن أقول: إنّه لولا قناعتي بأنّ الإسلام دين سلم، وأنّ المسلمين أسلم شعوب الأرض لاعتقدت أنّنا فعلا- إرهابيّون. ذلك أنّ أيّ إنسان غير مسلم أو مسلم أصابته لوثات العلمانيّة لا يتردّد مطلقًا في الاعتقاد بأنّ الإسلام دين الإرهاب، والمسلمون إرهابيّون بالفطرة، ولذا علينا أن نكون نفسيًّا أكثر استقرارا، وعقليًّا أكثر حكمة، وفكريًّا أكثر وضوحًا من أجل أن نخرج من النّفق، ونساهم في تحقيق مشروع أمتنا الحضاريّ في الوجود.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply