9 حملات إبادة صربية لمسلمي البوسنة والمحكمة تبرئهم!


بسم الله الرحمن الرحيم

لم تكن حملة الإبادة الجماعية الصربية الأخيرة التي قام بها صرب البوسنة - تعاونهم دولة صربيا ( يوغسلافيا سابقاً) - والتي بدأت يوم 5 أبريل 1992م، وقتل فيها وانتهت بمذابح مدينتي "سربيرنتشا" و"جيبا" التي قتل فيها الصرب - غيلة وحقداً - أكثر من ثمانية ألاف مسلم، وألقوهم في حفر كبيرة بالجرافات - وبعضهم لا يزال يلفظ أنفاسه -º هي أول ولا أخر هذه المجازر الصربية ضد مسلمي البوسنة، ومع هذا فقد أبت عين العدالة الدولية - التي تعرضت للحول نتيجة التدخلات الأمريكية والغربية - أن ترى هذه المذابح، وبرأت صربيا منها!.

فقد سبق هذه المذبحة 8 مذابح أخرى ضد مسلمي البوسنة كشفتها منظمة (البر الدولية) في تقرير اعتمد على وثائق دولية، وجاءت حملة إبادة عام 1992م التي استمرت حتى 1995م وشهدت مجازر "سربيرنتشا" لتصبح تاسع هذه الحملات، ولأن أغلب هذه الحملات العنصرية لإبادة المسلمين في دولة أوروبية كانت تحت ستار ديني واضح، وساندتها غالبية دول أوروبا المسيحية لأسباب دينيةº فقد كان من الطبيعي أن نتوقع تعتيماً دولياً على هذه المجزرة الأخيرة أيضاً خصوصاً أن دولة أوروبية - هي هولندا - تورطت قواتها بشكل واضح في تسليم مسلمي سربيرنتشا للجزارين الصرب بعدما طردتهم من معسرات الحماية الخاصة بها!.

فتحت أنظار القوة الهولندية التي أنيط بها حماية سربرنيشيا - كمنطقة آمنة تحت حماية الأمم المتحدة - قامت القوات الصربية في 11 يوليو عام 1995م بفرز الرجال والصبيان عن النساء بعدما طردهم القوات الهولندية من مناطقها، وقادتهم بعيداً حيث أعدموا وألقيت بجثثهم في مقابر جماعية توالى اكتشافها الواحد تلو الآخر على مر العقد الفائت، وتمكن الخبراء من نبش أكثر من 5 آلاف جثة، وتم التعرف على هويات 2032 ضحية بواسطة الحمض النووي، وتقنيات أخرى، من إجمالي ضحايا المذبحة الذين قدر عددهم بثمانية آلاف.

ولقي قرابة 250 ألف قتيل ضحية مصرعهم إبان الحرب البوسنية 1992م – 1995م تم حتى اللحظة اكتشاف 16500 جثة فقط في أكثر من 300 قبر جماعي.

 

حكم ذاتي في كوسوفا مقابل البراءة في البوسنة!:

والأكثر غرابة أن التبرير الذي ساقته محكمة العدل الدولية في حكمها الأخير لتبرئة جمهورية صربيا بدا وكأنه محاولة مكشوفة لنفض يد الصرب من دماء المسلمين التي لا تزال على أيديهم ربما لأسباب سياسية أو دينية أو تاريخية، تتعلق كلها بالسعي للتخلص من الوجود الإسلامي في أوروبا، ورفض إنشاء دولة إسلامية التوجه في البوسنة، أو عقد صفقة مع صربيا بشأن كوسوفا.

فالأوروبيين الذين يريدون التكفير عن ذنوب صمتهم على مجازر البوسنةº ربما رأوا أن من المفيد أن يتم عقد صفقة مع الصرب، بحيث يتم تبرئتهم من دم مسلمي البوسنة مقابل موافقتهم على نوع من الاستقلال الذاتي لمسلمي كوسوفا، أقره المبعوث الأوروبي في كوسوفا، ويرفضه الصرب في كوسوفا وصربيا!.

والتقرير الذي أصدرته محكمة العدل الدولية قال: أن صربيا "فشلت في استغلال نفوذها مع صرب البوسنة لمنع حملات التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد المسلمين البوشناق في سربرينيشا"، ولكنه بدلاً من أن يصدر عقوبة على الصرب - لأنه يؤكد ضمناً أنهم كانوا قادرين على التدخل ووقف المجازر - تجنب تحميل جمهورية (صربيا) المسؤولية المباشرة عن تلك الأحداث خلال حرب البوسنة بين عامي 1992م – 1995م!!.

فمحكمة العدل الدولية قالت في عبارات مائعة: إن الزعماء الصرب "كان ينبغي عليهم أن يبذلوا قصارى جهودهم لمحاولة منع الأحداث المأساوية من الوقوع"، والقاضية روزلين هيغنز التي قرأت قرار الحكم قالت: إنه "كان واضحاً لدى بلغراد أن أحداثاً جساماً كانت تجري، وأن هناك خطورة كبيرة من مذبحة جماعية في سربرينيشاº التي راح ضحيتها نحو سبعة آلاف مسلم بوسني"، وأضافت: "غير أن صربيا لم تظهر قيامها بأي مبادرة لمنع ما حدث أي تصرف من جانبها للحيلولة دون وقوع انتهاكات كانت ترتكب".

وكل هذه التصريحات تؤكد أن صربيا التي ادعت أنها لم يكن لديها السلطة لمنع وقوع المذابح على أيدي جيش صرب البوسنة كانت قادرة - وفق تصريحات القاضية الدولية - على منع المجازر، ولكنها تلكأت لأسباب ثأرية دينية بحتة من مسلمي البوسنة، ولأسباب أخرى تاريخية تتعلق برفض صربيا (يوغسلافيا السابقة) منع استقلال البوسنة ذات الأغلبية المسلمة عنها، وبقاءهم تحت ولايتها بدعاوى وجود جاليات صربية كبيرة في البوسنة.

 

أدلة على ثبوت التهمة:

وما يؤكد فساد حكم محكمة العدل الدولية في تبرئة الصرب من دماء مسلمي البوسنة، ومجزرة سربرنتشاº أن الصرب أنفسهم اعترفوا عام 1995م - في أول اعتراف صربي - بمذبحة سربرينيتشا، كما أن محكمة الجزاء الدولية للنظر في جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة أكدت بشكل قطعي أن مجزرة سربرنيتشا تشكل إبادة جماعية، وأصدرت في إبريل 2004م حكماً بالسجن 35 عاماً على الجنرال الصربي البوسني راديسلاف كرازيتش الذي كان يقود القوات التي استولت على المنطقة، غير أن الزعيمين السياسي والعسكري لصرب البوسنة رادوفان كاراجيتش وراتكو ملاديتش مهندسي المجزرة لا يزالان فارين رغم أن المحكمة الجنائية الدولية أدانتهما عام 1995م.

فقد اعترفت جمهورية الصرب للمرة الأولى "بتصفية آلاف المسلمين" في سربرينيتشا على أيدي قوات صرب البوسنة عام 1995م، وبأن المسئولين حاولوا إخفاء جرائمهم، ووافقت الحكومة الصربية - تحت ضغط أوروبي - على تقرير أعدته لجنة رسمية، وذكر أنه من 10 إلى 19-6- 1995م "تمت تصفية آلاف البوسنيين (المسلمين) في انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي".

ويتألف هذا التقرير من 40 صفحة، وأعلن يوم 11- 6- 2004م، وأقر بأن "المسئولين اتخذوا تدابير لإخفاء جرائمهم بنقل جثث" الضحايا من مقبرة جماعية إلى أخرى، وتابع التقرير أن "اللجنة أقرت بمشاركة وحدات من الجيش والشرطة (في المجزرة) بما في ذلك وحدات خاصة من وزارة داخلية جمهورية الصرب"!!.

 

32 مقبرة وبراءة!!

ومع أن التقرير اعترف رسمياً بأن قوات جمهورية صربيا شاركت في المجزرة، وذكر التقرير أن "الموافقة والإقرار بأن بعض أفراد الشعب الصربي ارتكبوا جريمة في سربرينيتشا في يوليو 1995م قد يساهم في توفير الشروط الضرورية للتحقيق في أي جريمة أخرى ترتكب على أراضي البوسنة والهرسك، ومعاقبة المسئولين عنها"، وأضاف أن اللجنة عثرت على 32 مقبرة جديدة تضم جثث ضحايا مجزرة سربرينيتشا، فقد برأتهم محكمة العدل الدولية رغم أنهم اعترفوا على أنفسهم!؟.

وحتى عندما نشرت حكومة صرب البوسنة في عام 2002م تقريراً قلل عدد ضحايا المذبحة، مما أثار استياء أقارب الضحايا والمجتمع الدولي، وطلب رئيس صرب البوسنة دراجان كافيتش من مواطنيه في إبريل 2004م "أن تكون لديهم الشجاعة للاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت في الماضي"، فقد تم تجاهل كل هذه الاعترافات، وقالت محكمة العدل الدولية أن الصرب "فشلوا" في وقف المذبحة وبرأتهم!!.

 

مذابح سابقة:

ويبدو أن المذبحة التاسعة سوف تلقي مصير المذابح الثمانية السابقة للمسلمين هناك، فقد بدأت المذابح للمسلمين الأوروبيين في هذه المنطقة بمذبحة الحرب النمساوية (1683 - 1699) بعد هزيمة العثمانيين في المجر وسلوفينيا، ثم حملة عام 1711م التي قتل فيها ألف مسلم في السنجق والجبل الأسود، ثم مذبحة (1804- 1867) عندما أعلن صرب البوسنة دولة مسيحية هناك، ثم مذبحة عام (1876- 1878) عندما استولى الصرب على كوسوفا والسنجق والجبل الأسود، ثم حملة ترحيلهم لتركيا عام ( 1878- 1910)، ومذابح ( 1912- 1913)، ثم المجزرة الكبرى في المدة ( 1914-1945) مع بداية يوغسلافيا الموحدة التي راح ضحيتها 5 ألاف مسلم، وانتهاء بقتل 103 ألاف من المسلمين في الحرب العالمية الثانية ( 1941 - 1945) وهو ما يعادل قرابة 8% من مجموع المسلمين في ذلك الوقت!.

المجازر حقيقة بالتالي وليست مجرد تكهنات، ومشاركة الصرب سواء صرب البوسنة أو صرب جمهورية صربيا فيها أمر مؤكد باعتراف الصرب أنفسهم، حتى أن عدد سكان بلدية سربرنتشا قبل الحرب كان 37 ألف نسمة منهم 27 ألف مسلمون، وحوالي 9 ألاف صربي، وبعد الحرب أصبح تعداد سكانها المسلمين 20 ألفاً فقط واختفي 17 ألف منهم حوالي 7 ألاف في السجون الصربية.

أما هدف المجازر فكان وسيظل هو تصفية الوجود الإسلامي في أوروبا من جهة، وسعي الصرب لإنشاء مشروع دولة صربيا الكبرى كأكبر دولة أرثودكسية أوروبية بعد روسيا، حيث تعمد الصرب أن يرفعوا في هذه المجازر شعارات الكنيسة الأرثوذكسية، وأن يصفوا الصراع في المنطقة بأنه ديني للحصول على المساندة من الدول الأرثوذوكسية مثل روسيا ورومانيا، وقبرص واليونان، وهو ما حدث!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply