قامة اللؤلؤ !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أذن الظهر، تنامى إلى سمعه همس خفقانه، استيقظ.

حبو الماء على صفحة وجهه أشعل الإيمان، رفع لحاف الضعف.. أسدل على جسده ستار لباسه.. مضى باتجاه المسجد.. أول الحاضرين كعادته.. عمره الثامن بعد العشرة ينتظر حلول الربيع التاسع عشر.. (معاذ) وجه شاب.. همة بطل.. يتصفح القرآن.. يرتله بعذوبة فراشة. استنطق المنبر ببسمته حاكا جوانبه التي تعرفه أكثر من غيره... هزه صعود الشيخ ياسين.... أقبلت خطبته تثير الجمع... لف في أعناقهم أمانة مسجدهم.. صرخ فيهم: الأقصى في أعناقكم... احمرت وجوه الناس غضباً... افترس الهم دموع معاذ اليقظة... أعلن للناس عن موعد الجلل........ النجس شارون سيعبر مسجدنا، ستقف قدماه النجستان على أرضها الطاهرة... ألا من صلاح؟ ألا من عمر؟ يا أحفاد خالد.!!... لكأنما أصاب الناس موجه كهربائية قوية فزعوا للأمر لم تكد تنتهي الصلاة حتى أوقدت عزائمهم زوايا المسجد، اقتسموا شرف الدفاع عنه... معاذ التقط حذاءه، احتضنه، صوبه كمدفع اغتسل بنار الألم ركب لسان حرفه.. قال لنفسه:

سأحيل حذائي مدفعًا بعد أن خاننا إخوتنا!

حاكى هبة عزه... ارتقت المعركة بين جيش شارون والمصلين.. أبحرت الدماء في الفراغ... تشابكت نقوشها على الأرض.. نسجت كبريائهم... ارتقى معاذ وجه المئذنة حاملاً بين يديه علمًا أخضر تسامت حروفه بـ(لا اله إلا الله محمد رسول الله). أطلق صوت الأذان من محيا حنجرته الغاضبة.. نصب العلم... تحرك موج الهواء يقبل العلم بشوق كبير، منذ متى لم يلامس نسائمي عبق النور؟ سأل الهواء ذاته فأجاب تقبيلاً لجسد العلم... سرت روح الجهاد من أعلى المئذنة.. اكتسحت الصغار والكبار.. اختلط قصف الجيش بأحجار الكرامة.. اندمجت الأقدام المتحركة.. خيلها الدم وفارسها الإيمان... استحالت الجثث المتناثرة على الأرض لوحة فسيفيسائية بديعة خطها الإسلام على صدرهم.... بقدميه خطا على الساحة غرد الألم في ساحة عينيه، تأمل قلبه إخوته على الأرض لبرهة توقف... أصابه الذهول الشيخ ياسين وقد ارتفع إلى الله... ترنح عصفور الألم ذبح تغريد الدموع.. حمل سيف شجاعته مورقا بنور القرآن.. تخطا لوحة الحرب بين الحجر والرصاص... لمع برق الفرصة توثب لحظها الفاتن.. أقدم بسرعة مذهلة باتجاهه... شارون يقترب من سيارته وقد تخلى عنه أغلب حرسه جراء شظايا الشجاعة التي أخافتهم... هجم على الذئب.. خنق ملامح جبروته... دفع حارسه ساحبا منه سلاحه صوبه تجاهه.... فجأة هدأت المعركة، تحول الموقف إلى منحى أثار الجميع بين مصدق ومكذب (شارون يجذب من الشاب الصغير).... الكل يدفع بعينيه تجاه الموقف.. الحرس تراجعوا جراء التهديدات.. المصلون نسوا قتلاهم.. طافت بمحيا إيمانهم ومضات ابتسامة.. أخذ شارون إلى ركن بعيد في أقصى الساحة... توقفت الشاشات الفضائية عن بث الفراغ، أسقت الخبر، حللت المواقف، زرعت التوقعات في كل البيوت.. طارت الشعوب الإسلامية فرحًا لكأنما حررت القدس... غاب اليهود والغرب في بحر إعلامهم المندفع... أصدر البيت الأبيض بيانه السريع بضرورة حماية شارون... قطع الأمين العام للأمم المتحدة إجازته... أصدر بيانه بإدانة أسر شارون... تشابك الموقف السياسي العالمي، تزايد الموقف تفجرًا بمرور الوقت.. لكن معاذ مازال مصراً على عدم البوح بأي شيء سوى استمرار سيطرته على رقبة النجس... عفن الخوف الشاروني حكته عيناه فهو يعلم أن المسلم مسلم، لا فرق في عمر بين مجاهد ومجاهد... ربط شارون على دكة صغيرة.. أرخى معاذ يديه على الأرض.. مبتسماً كعادته.. لم ترهقه عدسات الكاميرات البعيدة ولا تجمع الجنود من حوله ولا تدفق سيل الطائرات حول الحرم... استاء العالم من استمرار الموقف هدد البيت الأبيض بالتدخل... قرر الاتحاد الأوروبي وقف المعونات لفلسطين حتى يحرر شارون... مر اليوم الأول تهرول خلفه قدم المفاوضات.... ومعاذ باق على جلده... لا يعرف ما يدور في فهمه؟

أرسل له والده.. عجوز على عصا الزمن تتكئ تجاعيده... وقف أمامه وبأعلى صوته قال لابنه: اقتله ونل الشهادة.. لا تعد يا معاذ... أنار بكلماته فيض ابتسامة احتضنت جلده الأسمر.... جذبه أحد الجنود بشدة، هب معاذ.. توقف الجندي بعد أن لمح نار الغضب تتطاير من عيني هذا الشبل.. مضى العجوز..... الموقف العالمي يراقب على الهواء لحظات اعتقال شارون.. وقف معاذ أمام شارون.. سأله: ماذا تراني فاعل بك؟ الخوف كتم أنفاس المجرم.. تهاوت الأفكار... قرر أن يترك الخيار لامته! طلب أن يصدر القرار من مجلس قمة إسلامية.. لم يكد يرتسم شعاع اليوم الثاني حتى اجتمعت الأمة من أقصاها لأقصاها!. أعلن عن إدانة اعتقال رئيس وزراء إسرائيل... وإدانة الإرهاب بكل صوره فليس من عادة المسلمين قتل رهائنهم... وصل القرار إلى سمع معاذ.. فك قيد شارون وقد خطت يده كلماته الأخيرة.: قررت فك الأسر وتأجيل موعد النصر حتى يعود الفجر! غابت خلف شاشات الأخبار بقايا الحدث... نظرت إلى أمي وقد اغتسلت عيناها بالدموع... قالت لي دون أن تحرك شفتيها: بني انظر إلى فعل حبة اللؤلؤ.. قامة اللؤلؤ قد تبدو صغيرة لكن فعلها أثمن الفعل.

أدركت ابتسامتي كلماتها الخالدة طفقت أنظر إلى ذاتي فعرفت أنني لست حبة اللؤلؤ... فقررت البحث عنها... ربما تكون أنت.... أيها البعيد هناك!.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply