خليل الصمادي : أدب الطفل يمضي رغم تحديات التقنية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أول نور امتدت به عيناه كانت تلك الأنوار الصادرة من المكتبات التي كانت الكنز الثمين الذي يعتز به والده والتي كانت تعادل عنده الروح، واستمرارية الحياة...ورائحة الكتب كانت هي النسمات الأولى التي عبق بها صدره نجوب اليوم في حوار أدبي ممتع مع الأستاذ والأديب خليل محمود الصمادي.

 

حدثنا عن بداياتك، وحروفك الأولى، وما المؤثرات على سيرتك الأدبية؟

 في المرحلة الابتدائية أحببت مادة التعبير أكثر من غيرها من مواد اللغة العربية، وشاركت في مجلات مدرسية حائطية كثيرة، وفي المرحلة الإعدادية راسلت بعض المجلات المحلية وكم كانت فرحتي كبيرة عندما نشرت لي محاولات شعرية طفولية ما زلت أعتز بها إلى اليوم.

كان الوالد يصحبني معه في بعض الأحايين إلى مجالس علماء دمشق، وأذكر منهم الشيخ ناصر الدين الألباني، - يرحمه الله -º إذ كان منزله قريباً من سكننا في مخيم اليرموك بدمشق، وكان يعقد مجلساً علمياً على سطح منزله كل ثلاثاء، يحضره كثير من محبيه من مدينة دمشق وأطرافها، ومن العلماء الذين حضرت عندهم أيضا الشيخ المرحوم عبد القادر الأرناؤوط، والشيخ حسن حبنكة الميداني، والشيخ نايف العباس محقق كتاب حياة الصحابة، - يرحمهم الله -، والمؤرخ محمد بن محمد حسن شراب، وغيرهم، كما كان الوالد يصحبني معه في صغري أسبوعياً إلى بساتين غوطة دمشق مع ثلة من أصحابه، يتدارسون هناك كتب الأدب والتراث، وأذكر منها كتب: البيان والتبيين، والعقد الفريد، وعيون الأخبار، والمستطرف وغيرها.

لك أبحاث محكمة في القيم الإسلامية ومكارم الأخلاق. ما الذي دفعك إلى هذا الموضوع؟ وأين وصلت في هذه الموسوعة؟

 الذي دفعني إلى الكتابة والتحكيم في موسوعة القيم ومكارم الأخلاق أولاً ترشيحي من قبل الدكتور محمود الربداوي الذي كان أستاذي في جامعة دمشق بعد أن التقيت به في الرياض، وثانياً حبي للموضوع التي اطلعت عليه فاتفقت مع اللجنة المؤلفة من د. مرزوق بن تنباك ود. عوض القوزي على موضوع \"إصلاح ذات البين\"، وبعد أن أنهيته في فترة وجيزة، كُلِّفت بكتابة وتحكيم عدد من الموضوعات بلغت خمسة، وقد كانت فتحاً جديداً ليº إذ مارست خلالها أصول البحث العلمي والتوثيق بعد أن كانت دراسته نظرية، لقد طبعت هذه الموسوعة، ووزعت منذ خمس سنوات عن دار رواح بالرياض.

 

 هناك من يقول: (إننا ما زلنا نعيش على أمجاد تاريخنا الماضي بعيداً عن واقعنا الحاضر في انكساراته الموجعة). ما ردّك على ذلك، وأنت كاتب سلسلة قصص من التاريخ؟!

 لا بد أن نستشعر الحاضر عند كتابة التاريخ، ولا بد من كتابة التاريخ بأسلوب قصصي مشوق، ولا سيما في أيامنا هذهº لأنَّ الوضع المزري الذي يعيشه أبناؤنا بين تيارات الاغتراب والمسخ يدعونا إلى التمسك بالتاريخ والتراث، حتى يتمسك هذا الجيل بأصالة الأمة وعراقتها، فكثير من الكتاب يعزفون على أمجاد الماضي بأوتار معاصرة، علَّ أبناءنا يلتفتون إلى الكنوز المخبأة في الماضي، وعلَّهم أيضاً يتركون العزف على سراب المجهول المحيط بهم من كل جانب، من التلفاز والشبكات العنكبوتية والأفلام والبرامج الهابطة، والمجلات التافهة، وغيرها من أدوات المسخ. أقول علَّ أبناءنا يجدون ما يؤصل ثقافتهم في بعض ما يصدره الغيورون على مستقبلهم. لا بد من ربط واقعنا بتاريخنا، والحمد لله تاريخنا ناصع البياض، به ما يثلج صدور ناشئتنا وأبنائنا، إن الأمم التي لا تاريخ لها أو التي لها تاريخ مشبوه يندى له الجبين، كإبادة الآخرين والحروب المدمرة، تبحث عما تقدمه لأجيالها من هنا وهناك ناصع البياض تزور الحقائق، وما بالنا نحن المسلمين الذين نمتلك صفحات مشرقة من تاريخنا بكل أشكاله: من رجال وفتوحات وحضارة وإنسانية، ألا ننشر هذه الصفحات ونبرزها بأسلوب شائق كي يُقتدى بها.

في مجموعتي القصصية سلسلة \"قصص من التاريخ\" البالغة \"عشر قصص\" صفحات مضيئة من حضارتنا وإسقاطات معاصرة يستشفها القارئ بين السطور، تتحدث عن بعض القيم الإسلامية بطريقة غير مباشرة، كالثبات على المبدأ، والإيثار، وحب الخير، وغيرها وهي عبارة عن قصص تاريخية مبثوثة بأسطر قليلة في كتب التراث، أعدت صياغتها بما يتلاءم مع جيل اليوم. أرجو الله أن أكون وُفّقت في إيصال ما أردته من خلالها.

مجموعتك (فتيان ولكن رجال) ما الذي تهدف إليه؟! وكيف أصبحوا رجالاً وهم فتيان في الأصل؟ وما الأسس الفنية لكتابة القصة للفتيان؟

 الهدف من مجموعة \"فتيان ولكن رجال\" البالغة عشرين قصة، تقديم صور ناصعة من حياة صغار الصحابة ودورهم في مسيرة بناء الدولة الإسلامية الأولى بين حنايا رسول الإنسانية محمد رسول الله، لقد أصبح هؤلاء الفتيان رجالاًº لأنهم تتلمذوا في مدرسة النبوة، فانقلبت حياتهم من اللهو والترف إلى حياة الجد والجهاد والذود عن الإسلام وأهله، وغايتي من إبراز هؤلاء الفتية إعطاء صورة واضحة لمن هم في سنهم عن أجدادهم، وكما قال الشاعر:

وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح

 

 الكتابة للأطفال فنّ ليس سهلاً. ما أهم السمات الموضوعية والجمالية في هذه الكتابة؟ وأين يمضي أدب الطفل في عالمنا الإسلامي كما تراه؟

الأسس الفنية لكتابة قصص الأطفال كثيرة، وأهمها الإبحار في عالم الطفولة بأساليب فنية بعيدة عن المباشرة والوعظ، وأن تكون موضوعاتها مما يثير اهتمام الأطفال والفتيان أي حسب أعمارهم وأن تكون القصة ذات حبكة تثير القارئ، وتشده للهدف الذي ينشده الكاتب، وعلى الكاتب أن يراعي عدة أمور فنية أخرى منها: أن تكون اللغة سهلة مبسطة وواضحة، وأن يراعى الإخراج جيداً للطفل بحسب السن والموضوع.

أدب الطفل يمضي في عالمنا الإسلامي بشكل مرض نوعاً ما، ولا سيما في عصر التحديات التقنية، فهناك إصدارات تستحق الشكر والثناء من قبل بعض المهتمين بالأطفال كالأفراد والجماعات ودور النشر، وهناك إصدارات بحاجة إلى إعادة صياغة وإخراجها بشكل يتلاءم مع متطلبات العصر، وتزينها الرسوم والألوان المناسبة، وفي هذا المضمار يجب ألاّ ننسى مجلات الأطفال التي ظهرت بشكل واسع، ولا سيما في دول الخليج، فالكثير منها جيد وذو رسالة واضحة، والمجلة الجيدة تكون ذات تأثير قوي على الطفلº لأنها تشده لسنوات عديدة، وتقدم للطفل ثقافة متنوعة، أما المواقع الإلكترونية فما زالت في بدايتها، ونرجو للقائمين عليها التقدم والازدهار. ولا ننسى في هذا المقام بعض المؤسسات المهتمة بأدب الأطفال، وأشير هنا للمؤتمر الذي عقدته رابطة الأدب الإسلامي قبل عام في الرياض تحت عنوان: واقع أدب الطفل المسلم، وقد أوصى بعدة توصيات جيدة.

سلسلة أطفال الحجارة التي صدرت لك قبل سنتين. دعنا نقرأها معك بإيجاز. وأين تضعها في سلم كتاباتك؟

سلسلة \"أطفال الحجارة\" هي المجموعة الثالثة لي بعد\" فتيان ولكن رجال\" و\"قصص من التاريخ\"، تمتاز هذه المجموعة عما سبقها أنها جاءت بحلة جديدةº فقد ازدانت بالرسومات والألوان، ولا سيما أنَّ الذي قام بالرسومات الفتى \"سنان مغنم\"، وكان وقتها في الصف الثاني الثانوي، وقد جاءت رسوماته بريئة معبرة عن أحلام الأطفال وخيالهم. المجموعة تختلف عما سبقها بالتاريخ فقط، وتتفق ما عدا ذلكº إذ إن أبطال المجموعة الأولى أبطالها صغار الصحابة، وأبطال الأخيرة صغار فلسطين، وكلاهما قدّما نماذج رائعة من البطولات والتضحية.

 

 هل لنا معرفة مشاريعك الأدبية القادمة بإذن الله؟

 مشاريعي الأدبية: حاليا تأثرت بعدوى الإنترنتº فصرت أنشر المقالات العديدة في بعض المواقع الأدبية والتراثية، ومستقبلاً: أعد كتاباً بعنوان: تعلم اللغة العربية عن طريق اللعب. آمل أن ينتهي قبل نهاية هذا العام إن شاء الله، وهناك مخطط لرواية عن الصراع الفلسطيني الصهيوني من خلال شخصية المفتي الحاج أمين الحسيني - يرحمه الله -.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply