واقع الأمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:

فقد أخرج أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: "يا أبا أمامة، ما لي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة؟ " قال: لزمتني ديون يا رسول الله، قال: "أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله - عز وجل - همك وقضى عنك دينك؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: "قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". قال: ففعلت ذلك فأذهب الله - عز وجل - همي وقضى عني ديني.

 

قال - تعالى -: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون.

 

إن الله لا يخلف الميعاد، والناظر إلى وجه الأرض اليوم يرى المسلمين في بلادهم بين مهان لا يستطيع أن يعلن بإسلامه، وإن أعلنه فإنما يعلن أنه ينتمي للإسلام اسمًا ولا يعلن تحكيم دينه الذي يعتنقه في حياته، فلا يرى الله قد حكم في ماله ولا عرضه ولا في وقته ولا في قضاياه وخصوماته مع الآخرين.

والناظر إلى حال المسلمين في آفاق الأرض اليوم يرى العداوة قد دبت بينهم فهم يقتتلون من أجل سلطان زائل أو عرض من أعراض الدنيا الفانية، إن أظهر الله الخير في بلادهم لم يتناصفوا في تقسيمه ولم يتراحموا في عطائه، إنما يقتتلون أيهم يفوز به، فكيف بهم يوم يقع ما تحدث عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا". فمَن الذي يستطيع ذلك.

ثم نعود فنقول: نحن أهل الإسلام والصلاة والعبادات لله رب العالمين، لماذا لم يتحقق فينا وعد الله - تعالى -، وينادون بوحدة الصف، ويقولون بلاد الكفر قد توحدت والسوق المشتركة قد تكونت والاتحادات بين الدول قد أُنشئت، ومع ذلك فدول الإسلام مهددة بالانقسام إلى دول كثيرة.

وإذا نظرت إلى حال المسلمين مع أنهم يؤدون الصلاة، فالمنكرات والفواحش تملأ كل موقع عندهم، والله - سبحانه - يقول في كتابه الكريم: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر، فلقد أدينا الصلاة فلماذا لم تنته الفواحش والمنكرات من بلادنا ومن بيوتنا، هل تخلف وعد الله الصادق معنا.

والجواب: إن وعد الله حق، إن الله وعدكم وعد الحق، إذًا فلماذا تخلف الوعد، لك أن تنظر إلى هذا الرجل الذي جاء يقول: يا رسول الله، إن أخي استطلق بطنه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اسقه عسلاً"، فسقاه، ثم جاءه فقال: إني سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة، فقال: "اسقه عسلاً"، فقال: سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "صدق الله، وكذب بطن أخيك"، فسقاه العسل فبرأ.

فهذا يدلنا أنه إذا لم يتحقق لنا وَعدٌ وَعَدَهُ الله وجاء في شرعهº فالمتهم هم العاملون وليس الوعد، فإن وعد الله لا يتخلف، ولكن علينا نحن أن نكون مؤمنين عاملين.

ولذا فإن الله افترض علينا الفرائض فإذا أديناها حقق الله - تعالى - لنا ما وعد، فإن لم يتحقق لنا ذلك فعلينا بالرجوع إلى أنفسنا نتهمها بالكذب: "صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلاً".

فعلينا بالرجوع إلى أنفسنا والدخول على الله - تعالى - من باب النوافل التي شرعها وأذن لنا إن عملناها قَبِلهَا فلم يغلق علينا باب التوبة بعد الفريضة، إنما هو - سبحانه - فتح لنا الباب في عبادته - سبحانه -.

من أجل ذلك فعلينا الدخول من هذه الأبواب حتى يرضى عنا ربنا وينزع عنا عجزنا ويجبر منا كسرنا ويعيدنا إلى دينه وحظيرته فيتحقق لنا وعده إنه لما يشاء قدير.

فنعلم أننا أوتينا من قِبلَ أنفسنا، فالمعاصي التي ملأت كل موقع هي سبب زرع الوهن في قلوبنا، ونزع المهابة من صدور أعدائنا، حتى نظروا إلينا أننا فريسة سهلة المنال يمكن لهم أن يأخذوها، بل لم يتعبوا أنفسهم في حربنا لأنهم وجدوا أننا قد تسلطنا على أنفسنا فصرنا نعطيهم خيرات بلادنا، ونقتل لهم إخواننا وأنفسنا، ونحل لهم ديارنا وأموالنا وأعراضنا، إن جاءوا إلينا ماكرين، وإن تحاكمنا إليهم فأذلاء مخذولين، فما الحل وما المخرج؟

إنه ليس إلا الإيمان والصلاة والزكاة والصوم وذكر الله وآداء الفرائض والدخول من أبواب النوافل، واللجوء إلى الله والدعاء والتضرع ليرى فينا أنا عبيده فيقوينا وينصرنا ويجبر عجزنا، كما كان حال سلفنا الصالح خافوا الله فأطاعوه فأخاف الله منهم عدوهم، وجعل سلاحهم على قِلَّته شديدًا، وعددهم على ضآلته كبيرًا، فنصرهم الله بالرعب مسيرة شهر، لذا فإنهم كانوا يحذرون المعاصي ويخافون الوقوع فيها أكثر من خوفهم الأمراض الفتاكة والجيوش الجرارة، فالطاعة رأس مال كبير، والمعصية وبال عظيم وهوان على الله وعلى سائر خلقه.

فاللهم ردنا طائعين ووحد على الإيمان قلوبنا وعلى الإسلام صفوفنا.

والله من وراء القصد.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply