حلقة 559: الحكم على الإنسان بكونه مسلما بحسب الظاهر - الصلاة خلف مجهول الحال - بم تدرك الجماعة ؟ - الاجتهاد ليس مقصوراً على المذاهب الأربعة - حكم لبس المرأة المسلمة للثوب الأبيض ليلة زفافها - القيام بخدمة الوالدين

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

9 / 50 محاضرة

حلقة 559: الحكم على الإنسان بكونه مسلما بحسب الظاهر - الصلاة خلف مجهول الحال - بم تدرك الجماعة ؟ - الاجتهاد ليس مقصوراً على المذاهب الأربعة - حكم لبس المرأة المسلمة للثوب الأبيض ليلة زفافها - القيام بخدمة الوالدين

1- هل يُحكم بالإسلام لمن أظهر شيئاً من أمور الإسلام، أم يُتوقف إلى أن تُعرف عقيدته؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فالواجب هو الحكم بالإسلام لمن أظهر ما يدل على إسلامه، كالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وكصلاته مع المسلمين، فإن هذا يدل على أنه مسلم، حتى يتبين ما يخالف ذلك، فإذا تبين منه ما يخالف ذلك وجبت نصيحته ووجب إرشاده ودلالته على ما قد يخفى عليه، فإن ظهر منه الردة عن الإسلام، وما يحكم عليه بذلك فإن على ولي الأمر أن يستتيبه فإن تاب، وإلا وجب أن يقتل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري في صحيحه. والخلاصة: أن الواجب حمل من أظهر الإسلام على الإسلام، وتوجيهه إلى الخير، وتعليمه ما جهل، وإرشاده إلى ما قد يخفى عليه، حتى يتبين منه ما يدل على كفره وضلاله فيعامل كما يعامل غيره من الكفرة المرتدين، نسأل الله السلامة والعافية.  
 
2- هل تصح الصلاة خلف من لم نعرف حاله؟
نعم، من كان ظاهره الإسلام ويؤم المسلمين فإنها تصح الصلاة خلفه، حتى يتبين منه ما يدل على أنه كافر لا تصح الصلاة خلفه، ولو بان أنه فاسق فإن الصلاة خلف الفاسق صحيحة، في أصح قولي العلماء، لكن متى بان أنه كافر عند ذلك لا يصلى خلفه ويمنع من الإمامة، ولا تصح الصلاة خلفه، كالذي يظهر أنه منافق يسب الدين ويستهزئ بالدين أو يسب الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ما أشبه ذلك مما يوجب ردته عن الإسلام، أو يظهر منه أنه أيضاً يعبد أصحاب القبور ويستغيث بهم وينذر لهم، وما أشبه ذلك مما يدل على ردته وكفره، نسأل الله السلامة.  
 
3- هل من كبَّر تكبيرة الإحرام قبل أن يسلم الإمام يُدرك الجماعة أم لا؟
قد دلت السنة، سنة النبي عليه الصلاة والسلام، أن الصلاة في الجماعة إنما تدرك بالركعة، قال عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، ففضل الجماعة يدرك بإدراك الركعة فأكثر، لكن إذا كان له عذر، بسبب ذلك فاتته الصلاة، فإن أجر الجماعة يحصل له وإن لم يصلِّ في الجماعة، كالمريض الذي حبسه المرض ثم وجد نشاطاً فرجى أن يدرك الجماعة فلم يدركها، وكإنسان توجه إلى الجماعة فحدث به حادث يمنعه من ذلك كالغائط أو البول، فذهب يتوضأ أو ما أشبه ذلك من الأعذار الشرعية، فهذا يرجى له فضل الجماعة إذا لم يفرط، لكن من جاء والإمام في التشهد فإنه يدخل معه، وله فضل في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، فهذا عام يعم ما أدركه المؤمن من صلاة الإمام، ولو في التشهد، فإنه يدخل معه فإذا سلم قام وقضى ما فاته، ولكنه لا يدرك فضل الجماعة إلا بإدراك الركعة، كما تقدم، والواجب على المؤمن أن يسارع إلى الصلاة وأن يبادر بعد سماع الأذان حتى يدرك الصلاة كاملة، وحتى يؤدي ما شرع الله قبلها من الراتبة، كراتبة الظهر أو ما يسر الله من الركعات قبل العصر، أو المغرب أو العشاء، هكذا ينبغي للمؤمن أن يبادر ويسارع إلى هذه الفريضة العظيمة عند سماع الأذان أو قبل الأذان عند قرب الأذان حتى يتمكن من الوصول إلى المسجد بهدوء، وحتى يصلي ما يسر الله له قبل الصلاة، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، بل هو واجب عليه، حتى لا تفوته الجماعة، وهكذا صلاة الفجر، المقصود أنه يجب عليه أن يبادر ويسارع في الوقت الذي يضمن إدراكه الصلاة من أولها، وإذا تيسر له فضل وقت حتى يصلي قبل الصلاة ما يسر الله من تحية المسجد أو الراتبة فهذا خير عظيم.  
 
4- المذاهب الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي هي ثمرة الاجتهادات الفقهية في الدين، فإذا كان الأمر كذلك هل يجوز لفقهاء المسلمين أن يأتوا بمذهب آخر نتيجة اجتهاداتهم الفقهية أم لا، ولماذا؟
ليس العلم مقصور في المذاهب الأربعة، بل هناك مذاهب أخرى، مثل التابعين وأتباع التابعين والأئمة المعروفين من أهل العلم، غير الأربعة، فهناك الأوزاعي، وهناك الثوري، وهناك إسحاق بن راهويه، وهناك أئمة كبار لهم آراء ولهم معلومات نقلها العلماء عنهم، فالمؤمن -أعني طالب العلم المتبصر- ينظر في الأدلة إذا وقع الخلاف، ويأخذ ما وافق الدليل من أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، من أئمة الصحابة والتابعين وأتباعهم بإحسان، وليس هذا مقصوراً على الأئمة الأربعة فقط، بل الأئمة الأربعة هم من علماء الأمة ومن كبار علماء الأمة، أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد كل هؤلاء من أئمة الإسلام، ولهم فضل كبير، وعلوم جمَّة معلومة، ولكن ليس العلم مقصوراً عليهم، بل هناك غيرهم من العلماء مثلما تقدم: كإسحاق بن راهويه المعروف، وكالأوزاعي رحمه الله، وكالثوري وابن عيينة وغيرهم من الأئمة المعروفين المجتهدين الذين لهم قَدَم صدق في الأمة، وهكذا من قبلهم من التابعين كسعيد بن المسيب والشعبي وطاووس وغيرهم من أئمة الإسلام المعروفين ممن لقي الصحابة، وقبلهم من هو أفضل وأعظم وهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لهم أقوال ولهم روايات نقلها العلماء عنهم، يستعين بها طالب العلم في معرفة الحق بأدلته، فالواجب على أهل العلم وأهل البصيرة أن يعتنوا بهذا، وأن يعرضوا ما تنازع فيه الناس من الأئمة الأربعة أو من قبلهم أو من بعدهم على الأدلة الشرعية، من الكتاب والسنة، فما وافق الدليل في مسائل الخلاف، وجب الأخذ به، وطرح ما سواه، سواء كان ذلك القول قال به أحد الأئمة الأربعة أو قال به غيرهم، لأن الله يقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ.. (59) سورة النساء، فالواجب الرد إلى الكتاب والسنة عند النـزاع، وقال سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ.. (10) سورة الشورى، وهذا محل إجماع بين أهل العلم: أن مسائل الخلاف يجب ردها إلى كتاب الله أو إلى سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فما وافقهما فهو الحق، وما خالفهما وجب اطراحه، أما الاقتصار على المذاهب الأربعة وتقليدها والتعصب لها فليس من شأن أهل العلم. والله ولي التوفيق.  
 
5- لقد عرفت أن المرأة المسلمة يجب عليها ألا تقلِّد الغرب؛ لأنهم نصارى أو يهود، والسؤال: هل إذا لبست المرأة المسلمة الثوب الأبيض في ليلة زفافها يكون داخل في الحرمة، حتى لو كان ذلك أصبح عرفاً؟!
لا شك أن التشبه بأعداء الله من الكفرة أمر لا يجوز، سواء كانوا يهوداً أو نصارى، أو وثنيين أو شيوعيين، أو غيرهم من أنواع الكفرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، ولأدلة أخرى جاءت تحذر من التشبه بأعداء الله، وهو يعم الرجال والنساء، وجاءت أحاديث صحيحة تدل على تحريم تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء، فلا يجوز للمرأة أن تلبس لبسة تشبه لبسة الرجل، ولا يجوز للرجل أن يلبس لبسة تشبه لبسة المرأة، وقد لعن النبي من فعل ذلك عليه الصلاة والسلام. واللباس الأبيض يختلف: فإذا كان على الزي الذي يشبه الرجال حَرُم، وإذا كان على زي يختص بالنساء فلا تحريم، وهكذا الأسود والأحمر والأصفر والأخضر، جميع الألوان، ما كان منها على زي الرجال حرم لبس النساء له، وما كان منها على زي النساء حرم لبس الرجال له، وهذا هو الفاصل في جميع الألوان، يجب على الرجل أن يبتعد عن مشابهة المرأة في زيها ولباسها ونحو ذلك، ويجب على المرأة أن تبتعد عن مشابهة الرجل في زيه أو كلامه أو مشيه أو نحو ذلك، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، فكونها تلبس ليلة الزفاف لبساً خاصاً تعتاده النساء لا يشبه لبس الرجال لا حرج، سواء كان أسود أو أخضر أو أبيض أو غير ذلك، إذا كان من زي النساء ومن ملابس النساء، لكن يجب أن ينتبه المسلمون إلى أمر يفعله بعض الناس وهو: تشييع المرأة على الطريقة المعروفة الآن: بحيث تجعل على منصة مرتفعة، لها لباس خاص، ويحضر الزوج وبعض من معه من أقاربه حتى يجلسوا عندها بين النساء، وكثير منهن سافرات!! هذا لا يجوز، هذا فتنة، وقد كتبنا في هذا ما يسر الله ونشر للتحذير من هذا العمل السيئ، أما كونها تجلس بينهن بلباس خاص حتى تعرف بين النساء لا بأس، لكن لا يجوز السماح للرجال الدخول على النساء في هذه الحالة لا الزوج ولا غيره، والزوج يدخل عليها في محل خاص، غرفة خاصة، محل خاص، يدخل على زوجته، أما جعْلها في محل مرتفع، يأتي الزوج ويجلس معها، وربما لمسها، أو ربما قل حياؤه وقبَّلها عند الناس!! أو ربما حضر معه أبوه أو أخوه أو إخوته هذا أمر فيه خطر كبير ولا يجوز، وفيه تعريض لرؤية النساء اللاتي يكشفن هناك، أو يكنَّ شبه عاريات هناك، وربما أفضى ذلك إلى فتنة له تجعله يزهد في زوجته ويرغب عنها لما شاهد من النساء الأخريات. فالحاصل أن هذا منكر لا ينبغي فعله، بل ينبغي طرح هذه العادة وتركها، وأن تكون المرأة في محل خاص يدخل عليها فيه دون المحل الذي بين النساء، وأما وجودها بين النساء في صفة خاصة أو لباس خاص ليس معهن رجال فلا حرج في ذلك.  
 
6- والدي كبير في السن ولا يستطيع الحركة، ويحتاج لمن يرعاه ويعتني به، وأيضاً يحتاج لمن يغير له ملابسه الداخلية والخارجية، فهل علينا إثم في ذلك، وكيف توجهوننا؟ جزاكم الله خيراً.
لا حرج في ذلك، الواجب عليكن خدمته، إذا كان لا يستطيع أن يخدم نفسه فالواجب عليكن خدمته أو على إحداكن خدمته في جميع ما يحتاج إليه، وإن تيسر خادم يقوم بذلك من الرجال واستطعتم أن توجدوه بالأجرة المناسبة فهذا يكون فيه خير كثير؛ لأن الرجل أقدر على هذه الأمور وأبعد عن الفتنة، ولكن إذا لم يتيسر ذلك فإنها تخدمه ابنته أو أخته أو غيرهما من محارمه إلا أن تكون له زوجة، فإنها هي التي تتولى ذلك منه، حتى ييسر الله له العافية والشفاء، أو من يخدمه إذا عجزت عن ذلك من الرجال الذين يستطيعون هذه الخدمة، إذا عجزت زوجته عن ذلك أو لم يتيسر من يخدمه غير زوجته، فالحاصل أن بنته أو أخته لا حرج عليها، وهكذا غيرهما من محارمه عند الحاجة إلى خدمته وعدم تيسر زوجة تخدمه.   
 
7- أريد أن أصوم الأيام التي فاتتني عندما بلغت ولكن لا أعرف كم عدد أيامها؛ لأنني بلغت وأنا في الثانية عشرة من العمر، وكنت أصوم وأفطر لما ألقاه من تعب، وعندما بلغت الرابعة عشرة من العمر أتممت الصيام، كما قلت: لا أعرف عدد تلك الأيام التي أفطرتها، وجهوني؟ جزاكم الله خيراً.
عليك أن تحسبي الأيام بالظن والاجتهاد والتحري، فإذا غلب على ظنك أنها عشرة أيام، خمسة عشر يوماً صمتِها، تصومين ما تيسر من ذلك، حسب الطاقة وحسب الظن الغالب، لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286) سورة البقرة، فعليك أن تجتهدي وتتحري الأيام التي أفطرتِها بعد البلوغ، وعليك أن تصوميها سواء كانت متتابعة أو مفرقة، وعليك -مع ذلك- إطعام مسكين عن كل يوم لتأخر صيامك لها، وهو نصف صاع من التمر أو الأرز ونحوهما إذا كنت قادرة على ذلك، أما إذا كنت فقيرة لا تستطيعين فإنه يكفي الصوم ولا حاجة إلى الإطعام؛ لقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. (16) سورة التغابن.  
 
8- ماذا يجوز للرجل من زوجته بعد عقد النكاح وقبل الدخول والبناء بها؟ نرجو توضيح ذلك جزاكم الله خيراً.
يجوز له منها ما يجوز للرجال مع زوجاتهم، لكن ينبغي له أن يصبر حتى يتيسر الدخول، فإن احتاج إلى زيارتها والاتصال بها بإذن أهلها بأمر واضح، فلا حرج في ذلك، إذا اجتمع بها وخلا بها بإذن أهلها لا حرج في ذلك، أما على وجه سري لا يعرف فهذا فيه خطر، فإنها تحمل منه ثم يظن بها السوء، أو ينكر اتصاله بها فيكون فتنة وشر كبير، فالواجب أن يمتنع ويصبر حتى يتيسر له الدخول والبناء بها، وإذا دعت الحاجة إلى اتصاله بها واجتماعه بها فليكن ذلك مع أبيها أو أمها أو أخيها حتى لا يقع شيء يخشى منه العاقبة الوخيمة. وفقك الله الجميع.  
 
9- إذا طلق الرجل زوجته بعد العقد عليها وكان قد خلى بها بعد العقد وقبل الدخول، فهل عليها عدة تعتدها ولها الصداق، أم غير ذلك؟
في هذا كلام لأهل العلم، والصواب أن عليها العدة، وأن لها الصداق، وأنه إذا خلى بها حكم ذلك حكم المسيس والوطء، وهذا الذي أفتى به الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، وهو في حكم المسيس في حكم الدخول بها، فإذا خلى بها وليس معهما أحد خلوة تمكنه من اتصاله بها، فإن ذلك حكمه حكم ما إذا جامعها، لها المهر كاملاً وعليها العدة إذا طلقها.  
 
10- هل المواظبة على رفع الأيدي والدعاء بعد ختم الصلاة مباشرة من السنة أم لا؟
رفع الأيدي من أسباب الإجابة، وهو سنة في الدعاء، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن الدعاء لإجابته أسباب منها: خضوع القلب وإقباله على الله، ومنها: كونه على طهارة، ومنها: كونه في أوقات الإجابة، في آخر الليل، أو بين الأذان والإقامة، أو في حال السجود، أو في آخر الصلاة قبل السلام، ومن أسباب الإجابة: رفع اليدين، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن ربكم حيي كريم يستحي من العبد إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً)، وكان عليه الصلاة والسلام يرفع يديه في الدعاء، ورفع يديه في دعاء الاستغاثة لما خطب الناس يوم الجمعة واستسقى رفع يديه في الاستسقاء، وهكذا لما خرج إلى الصحراء وصلى بالناس وخطبهم رفع يديه عليه الصلاة والسلام في الاستسقاء، لكن بعد الصلوات المفروضة لم يفعل ذلك عليه الصلاة والسلام، بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، لم يحفظ عنه أنه كان يرفع يديه إذا سلم من المكتوبة، فالذي ينبغي أنه لا يرفع في هذه الحال؛ لأن هذا يصدق عليه البدعة، لأنه شيء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وتركه حجة كما أن فعله حجة، فكما أن رفعه ليديه في الاستسقاء وفي الدعاء في غير هذا المكان سنة ومن أسباب الإجابة، فعدم الرفع عند الفراغ من الفرائض كالظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، هذا هو السنة لأنه لم يرفع عليه الصلاة والسلام في هذه الأحوال، يعني بعد الفريضة، وهكذا بعد انصرافه من صلاة الجمعة بعد السلام لم يرفع، وهكذا في خطبة الجمعة إذا لم يستسقِ لم يرفع، وفي خطبة العيد إذا لم يستسق لم يرفع، فلا يرفع المؤمن تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في الترك، كما نتأسى به في الفعل عليه الصلاة والسلام، وهكذا لا يرفع بين السجدتين في دعائه بين السجدتين، ولا يرفع في دعائه قبل السلام في الصلاة قبل أن يُسلم؛ لأن النبي لم يرفع عليه الصلاة والسلام في هذه الأحوال، قال العلماء رحمة الله عليهم: إن فعله حجة، وإن تركه حجة عليه الصلاة والسلام.  
 
11- ما رأي سماحتكم في مسألة العذر بالجهل وخاصة في أمر العقيدة؟ وضحوا لنا هذا الأمر، جزاكم الله خيراً.
العقيدة أهم الأمور، وهي أعظم واجب، وحقيقتها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بأنه سبحانه هو مستحق العبادة، والشهادة له بذلك، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، يشهد المؤمن بأنه لا معبود حق إلا هو سبحانه وتعالى، والشهادة بأن محمداً رسول الله، أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، وهو خاتم الأنبياء، كل هذا لا بد منه، وهذا من صلب العقيدة، فلا بد من هذا في حق الرجال والنساء جميعاً، وهو أساس الدين وأساس الملة، كما يجب الإيمان بما أمر الله به ورسوله من أمر القيامة والجنة والنار والحساب والجزاء ونشر الصحف، وأخذها باليمين أو بالشمال، ووزن الأعمال إلى غير ذلك مما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فالجهل بهذا لا يكون عذراً، بل يجب على المؤمن أن يعلم هذا وأن يتبصر فيه، ولا يعذر بقوله: إني جاهل بهذا! وهو بين المسلمين وقد بلغه كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا يسمى معرضاً ويسمى غافلاً ومتجاهلاً لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر، أما من كان بعيداً عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون، ولم يبلغه القرآن ولا السنة فهذا معذور، وحكمه حكم أهل الفترة، إذا مات على هذه الحالة حكمه حكم أهل الفترات الذين يُمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، أما المسائل التي قد تخفى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج، هذه قد يعذر فيها بالجهل ولا حرج في ذلك؛ لأنها تخفى على كثير من الناس وليس كل أحد يستطيع الفقه فيها، فهذه المسائل أمرها أسهل، والواجب على المؤمن أن يتعلم وأن يتفقه في الدين ويسأل أهل العلم، كما قال الله سبحانه: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) سورة النحل، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لقوم أفتوا بغير علم: (ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين والتبصر والسؤال عما أشكل، وعدم السكوت عن الجهل وعدم الإعراض وعدم الغفلة، لأنهم خلقوا ليعبدوا الله ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم، والعلم لا يحصل هكذا من دون طلب ولا سؤال!! لا بد من طلب العلم ولا بد من السؤال لأهل العلم، حتى يتعلم الجاهل.  
 
12- رجل دخل المسجد ليصلي المغرب فوجد رجلاً يُصلي فالتحق به، فإذا به يُصلي العصر، فماذا يفعل الرجل الذي يُصلي المغرب: هل يكمل معه أم ينفصل عنه في الركعة الثالثة؟
إذا دخل المسلم مع إنسان يصلي صلاة رباعية وهو يصلي وهو قصده المغرب، بأن دخل معه يظنه يصلي المغرب فصار يصلي العشاء -كما قد يقع ذلك في الأسفار وفي وقت الأمطار- فإنه إذا قام الإمام إلى الرابعة يجلس هو للثالثة ويقرأ التشهد ويدعو حتى يسلم الإمام ثم يسلم معه، وتجزئه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) هكذا قال المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهكذا لو صلى معه العشاء وهو ناوي المغرب وهو مسافر الذي يصلي العشاء فسلم من ثنتين فإنه يقوم ويصلي الثالثة وصلاته صحيحة، له نيته ....، هذا نوى المغرب وهي ثلاث، وهذا نوى العشاء مقصورة لأنه مسافر وسلم من ثنتين فإذا سلم قام وأتى بالثالثة الذي يصلي المغرب، وهكذا لو صلى الظهر خلف من يصلي العصر جاء وهم يصلون في وقت الجمع في السفر مثلاً، فظن أنهم يصلون الظهر فصاروا يصلون العصر وهو يصلي الظهر فإن صلاته صحيحة وله نيته ولهم نيتهم هذا هو الصواب، الأعمال بالنيات.

535 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply