حلقة 437: ما ينبغي للداعية أن يفعله تجاه ثقافته - كتب معينة ينصح بها في مجال الدعوة - طريق الدعوة يحتاج إلى زاد - المرأة والدعوة إلى الله - السبيل الأمثل لدعوة المثقفات - المجال مفتوح أمام المرأة الداعية - كلمة حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

37 / 50 محاضرة

حلقة 437: ما ينبغي للداعية أن يفعله تجاه ثقافته - كتب معينة ينصح بها في مجال الدعوة - طريق الدعوة يحتاج إلى زاد - المرأة والدعوة إلى الله - السبيل الأمثل لدعوة المثقفات - المجال مفتوح أمام المرأة الداعية - كلمة حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

1- بودي أن تتكرموا سماحة الشيخ في هذه الحلقة بعرض ما ينبغي للداعية أن يفعله تجاه ثقافته، مما يستمد ثقافته حتى تكون دعوته مؤثرة ومستجابة بإذن الله؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فإن الدعوة إلى الله - عز وجل- من أهم المهمات ، ومن أفضل الفرائض ، والناس في أشد الحاجة إليها، كل مجتمع في أشد الحاجة إليها، سواء كانت مجتمعاً مسلماً أو مجتمعاً كافراً ، فالمجتمع المسلم بحاجة إلى تنبيهه على ما قد يقع من أغلاط ومنكرات حتى يتدارك ما وقع منه من الخطأ ، وحتى يستقيم على طاعة الله ورسوله ، وحتى ينتهي عما نهى الله عنه ورسوله ، والكافر يدعى إلى الله، ويبين له أن الله خلقه لعبادته ، وأن الواجب عليه الدخول في الإسلام ، والالتزام بما جاء به نبي الهدى محمد - عليه الصلاة والسلام -، ولكن الداعي إلى يلزمه أمور لابد من مراعاتها حتى تكون دعوته ناجحة ، وحتى تكون لها العاقبة الحميدة، أعظمها وأهمها : العلم، فلابد أن يكون عنده علم، والعلم إنما يؤخذ من كتاب الله العظيم وسنة رسوله الأمين - عليه الصلاة والسلام-؛ كما قال الله- عز وجل -: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [(108) سورة يوسف]. قال أهل العلم: معناه على علم، لأن العالم بالنسبة إلى المعلومات كالبصير بالنسبة إلى المرئيات، فهو يعلم كيف يأمر ، وكيف ينهى، وكيف يدعو إلى الله، كما أن الرائي المبصر يرى ما أمامه حتى يتجنب ما يضره من حفر وأشواك ، ونحو ذلك. فالحاصل أن الداعي إلى الله يلزمه أن يعتني بالعلم ، وأن تكون ثقافته ثقافة إسلامية، مستخرجة ومستنبطة من كتاب الله ، ومن سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، ويستعين بكتب أهل العلم، المعروفين بالاستقامة والعلم والفضل ، وحسن العقيدة ، حتى يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، وعلى بصيرة فيما ينهى عنه، هذا هو الواجب على جميع الدعاة ، ثم أمر آخر هو أن يتحرى في دعوته وأن لا يعجل ، وأن يرفق في دعوته، لابد من كونه يتحرى في دعوته حتى يضع الأمور في مواضعها، فإن كان المدعو ممن يفهم العلم أو ممن يمكن أن يستجيب من دون حاجة إلى موعظة ، ولا جدال ، وضح له الحق ، ودله عليه بالأدلة الشرعية ، وبالكلام الطيب والرفق ، والأسلوب الحسن، فإذا تقبل ذلك انتهى الموضوع ، وحصل المطلوب ، فإن كان ممن لديه جفاء ، وإعراض وغفلة ، وعدم مبالاة نصحه ، ووعظه بالتي هي أحسن، وذكره بالله، لعله يستجيب ، لعله ينقاد للحق، فإن كان ذا شبه ، وذا مجادلة ، رفق به وجادله بالتي هي أحسن، حتى يزيل شبهته ، وحتى يوضح الحق الذي أشكل عليه، وحتى لا تبقى له شبهة يتشبث بها في ترك الحق، أو في الاستمرار على الباطل ، وهذه المعاني كلها قد تضمنها قوله سبحانه: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [(125) سورة النحل]. ومما يلزمه الإخلاص لله ، وأن يحذر الرياء، وأن يكون في دعوته يقصد وجه الله والدار الآخرة، لا رياء الناس ولا حمد الناس، ولا قصد مدحهم له، أو قصد عرض من الدنيا، فالمؤمن إنما يريد وجه الله والدار الآخرة، ولهذا قال سبحانه : أَدْعُو إِلَى اللّهِ [(108) سورة يوسف]. .... وقال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [(33) سورة فصلت]. وهناك أمر آخر ، وهو أيضاً تحري الألفاظ المناسبة ، والرفق في الكلام، وعدم الغلظة إلا عند الضرورة إليها؛ كما قال تعالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [(125) سورة النحل]. وقال: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ – وهم كفار يهود ونصارى - إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [(46) سورة العنكبوت]. فلابد من عناية ... بالتي هي أحسن عند الحاجة والرفق كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينـزع من شيء إلا شانه). وقال صلى الله عليه وسلم: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله). فعلى المؤمن في دعوته بالرفق والأسلوب الحسن حتى يستجاب له ، وحتى لا يقابل بالرد، أو بالأسلوب الذي لا يناسب إلى الداعي إلى الله – عز وجل-، فإن بعض الناس الذي عنده شدة قد يقابل بالسب والشتم والكلام الرديء الذي يزيد الطين بلة، ولكن متى كان الداعية إلى الله رفيقاً حكيماً ، ذا أسلوب صالح ، فإنه لن يعدم إن شاء الله قبول دعوته، أو على الأقل المقابلة الحسنة ، والكلام الطيب من المدعو الذي يرجى من ورائه أن يتأثر بالدعوة، - والله المستعان -.  
 
2- هل من كتب معينة ينصح بها سماحة الشيخ عبد العزيز كل من يود أن يعمل في مجال الدعوة إلى الله؟
نعم، أعظم كتاب ، وأشرف كتاب، كتاب الله، فأنصح كل داعي إلى الله ، وكل آمر بالمعروف وناه عن منكر ، وكل معلم ، ومدرس ، ومرشد ، أنصحه بالعناية بالقرآن، وأن يعتني بقراءته ، وتدبر معانيه ، والإكثار من ذلك ، فهو أصل كل شيء، وهو المعلم ، والهادي إلى الخير، كما قال عز وجل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [(9) سورة الإسراء]. فهو يهدي بهداية الله إلى الهداية الأقوم ، وإلى سبيل الرشاد، فأنفع كتاب ، وأصلح كتاب، وأشرف كتاب، وأعلى كتاب، كتاب الله. فالواجب على الدعاة وعلى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمعلمين أن يعنوا بهذا الكتاب العظيم، وأن يجتهدوا في الإكثار من تلاوته ، وتدبر معانيه ، فإنهم بذلك يستفيدون الفائدة العظيمة، ويتأهلون بذلك للدعوة والتعليم، بتوفيق الله - عز وجل -. ثم أنصح بالسنة، يعتني بالسنة ، وما جاء في الباب من أحاديث، يراجع كتب الحديث، وما ألفه الناس في ذلك، حتى يستفيد من صحيح البخاري ومن صحيح مسلم ، من كتاب الإيمان ومن كتاب العلم من رياض الصالحين وما جمع في ذلك، من كتاب بلوغ المرام وعمدة الحديث، جامع العلم وفضله، وكذلك كتاب ابن عبد البر، كتاب جامع العلوم والحكم لابن رجب هذه كتب وما أشبهها تفيد فائدة عظيمة، وهكذا ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد ، وفي إعلام الموقعين، وفي طريق الهجرتين ، وفي الطرق الحكمية ذكر في هذه الكتب شيئاً حول الدعوة وحول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينبغي للمؤمن أن يستفيد منها، لأنها كتب عظيمة من أئمة وعلماء لهم القدر المعلى في هذا السبيل، مع حسن العقيدة ، ومع التجارب الكثيرة، وهكذا ما كتبه أبو العباس ابن تيمية في السياسة الشرعية ، وفي كتاب الحسبة ، وفي الفتاوى ، وفي منهاج السنة ، فهو من الأئمة العظام ، الذين جربوا هذا الأمر، وعنوا به ، وابتلوا به كثيراً ، وصابروا فيه كثيراً ليبلوا في الدعوة، وصبروا على أذاها، وابتلوا بخصوم كثيرين أعانهم الله على كبح جماحهم ، وعلى بيان الحق لهم ، وعلى إزاحة ما عندهم من الشبه، فأنا أنصح كل داعية وكل معلم وكل مرشد وكل آمر بالمعروف وناه عن المنكر أن يعتني بهذه الكتب المفيدة بعد العناية بكتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام-. وكذلك السياسة الشرعية .... شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ، كذلك الكتب المؤلفة في هذا الباب، من المذاهب الأخرى، مذهب المالكية، والحنبلية والشافعية والحنفية، وما جمع أيضاً من مذهب الحنابلة من غير ابن القيم وشيخ الإسلام. المقصود أنه يستعين بكتب أهل العلم، التي ألفت في هذا الباب، لأنها ترشده إلى ما قد يجهله مع عنايته بكتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -.  
 
3- طريق الدعوة إلى الله طريق معين ويحتاج إلى زاد معين؟
نعم لابد من هذا، لابد من زاد، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، والتعلم والتبصر من التقوى.  
 
4- لو أذنتم لي سماحة الشيخ عن المرأة والدعوة إلى الله؟ ماذا تقولون؟
هي كالرجل ، عليها واجبها، بالدعوة إلى الله وإنكار المنكر، فإن التعاليم تعم الجميع، والقرآن يعم الجميع، والسنة تعم الجميع، وكلام أهل العلم يعم الجميع، فعليها أن تدعو إلى الله ، وأن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر بالآداب الشرعية التي تطلب من الرجل، وعليها مع ذلك أن لا يحملها ما تقوم به من دعوة للإنسان ، وإنكار المنكر على جزع ، أو قلة صبر لاحتقار بعض الناس لها ، أو سبهم لها ، أو سخريتهم بها، أو نحو ذلك، فعليها أن تتحمل ، وعليها أن تصبر ، ولو رأت من بعض الناس ما قد يكون نوعاً من السخرية أو من الاستهزاء أو الاحتقار، ثم عليها أيضاً أن ترعى أمراً آخر ، وهو أن تكون مثالاً في العفة ، والحجاب عن الرجال الأجانب ، وأن تبتعد عن التبرج والاختلاط المذموم، بل تكون دعوتها مع العناية والبعد عن كل ما ينكر عليها ، فإن دعت الرجال دعتهم وهي محتجبة من دون خلوة ، وإن دعت النساء دعتهم بحكمة ، وأن تكون نزيهة في أخلاقها وسيرتها حتى لا يعترضوا عليها ويقولوا: ما بدأت بنفسها، لماذا ما بدأت بنفسها، وهكذا البعد عن اللباس الذي تفتن الناس به، وإظهار للمحاسن ، فيما يتعلق بدعوتها للرجال، بل تكون بعيدة عن كل أسباب الفتنة، عند الرجال بعيدة عن أسباب الفتنة ، بل ملتزمة بالحجاب ، والبعد عن أسباب الفتنة من إظهار المحاسن ، أو تكسر في صوت يقدح فيها ، أو غير هذا مما قد ينكر عليها، فتكون عندها العناية الكاملة بالدعوة إلى الله على وجه لا يضر دينها، ولا يضر سمعتها، وهكذا مع النساء.  
 
5- إذا كان المدعوات متأثرين بثقافات معينة، أو بمجتمعات معينة، ما هو السبيل الأمثل لدعوتهن؟
يبين لهن ما في المناهج التي تأثروا بها، والطرق التي تأثروا بها، والبيئات التي تأثروا بها يبين لهم أن هذه البيئات أو هذه الطرق أو هذه الجمعيات، أو هذه الآثار التي اكتسبتموها من كذا وكذا ينقصها كذا وكذا، وعليكم أن تعرضوها على الميزان، على كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، فما.... ما حصلتم من كذا، أو تعلمتم من كذا، أو تخلقتم به بسبب البيئة، أو بسبب الاختلاط بآل فلان أو آل فلان، عليكم أن تعرضوا ذلك الميزان، على كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، مثلما يعرض العلماء مسائل الفقه على الأدلة فما وافق الشرع وجب أن يبقى، وما خالف الشرع وجب أن يطرح، ولو كان من خلق الآباء والجيران والأسلاف والمشايخ وغير ذلك. المهم أن يبقى الخلق الصالح الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، وأن لا يتعصب لسيرة أبيه أوجده، أو بيئته، أو بيئة بلده أو ما أشبه ذلك، بل يكون عنده الحكم الذي لا يجوز أن يخالف هو ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو إجماع الأمة.  
 
6- هل من سبيل سيتحقق مستقبلاً أو هو قيد الدراسة لتهيئة الفرصة أمام المرأة الداعية إلى الله؟
لا أعلم مانعاً من ذلك، متى وجدت المرأة الصالحة لهذا، فينبغي أن تعان ، وأن توظف ، وأن يطلب منها أن تقوم بإرشاد بنات جنسها ؛ لأن النساء في حاجة إلى مرشدات من جنسهن، فإن وجود المرأة بين النساء قد يكون أنفع في تبليغ الدعوة ، وتبليغ الحق من الرجل قد تستحي المرأة من الرجل، وقد لا تسأله عن مهماتها، قد يمنع مانعاً من سماعها لكلامه ، لكن مع المرأة التي هي من جنسها تخالطها، وتعرف ما عندها قد تأثر بهذا أكثر، وقد تعاقدنا مع جماعة كبيرة من النساء للعمل في الدعوة.  
 
7- هل الباب مفتوح أمام المرأة الصالحة ذات العقيدة السليمة وذات الحكمة وذات البصيرة، الباب مفتوح أمامها؟
نعم، في الداخل والخارج. المقدم: إذن هذه بمثابة دعوة يوجهها سماحة الشيخ عبد العزيز، لمن تجد في نفسها الكفاءة في الدعوة إلى الله وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تتقدم أيضاً رسمياً؟ الشيخ: نعم في الداخل والخارج.  
 
8- الإحساس تجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا ينبئ عن أشياء وأشياء، لعل لسماحة الشيخ من كلمة حول هذا؟
لا شك أن أهل الخير، وأن أصحاب الغيرة لدين الله يتأثرون كثيراً مما وجد في مجتمعات اليوم من كثرة الشرور، والمذاهب الهدامة، والأفكار المنحرفة في غالب الدنيا، فلهذا يحرصون على وجود من يدعو إلى الله، ومن ينكر المنكر من أهل العلم والبصيرة والغيرة لله - سبحانه وتعالى- حتى لا تكثر الشرور، وحتى لا يتفاقم الأمر، وحتى لا يحصل للمسلمين ضرر أكثر، وهناك بحمد الله يقظة في هذا العصر، وفي آخر العصر الماضي، وفي آخر القرن الرابع عشر، وفي هذا القرن، وهناك ولله الحمد يقظة وعناية من كثير الشباب وغير الشباب في جميع الدنيا في هذه المملكة، وفي الدول المجاورة، وفي أفريقيا، وفي آسيا، كروسيا وماليزيا والهند وباكستان، وهكذا أوربا، وهكذا أمريكا، كلها بحمد الله حركة ويقظة لتبليغ دعوة الله، وفي تبصير الناس بالدين، والسؤال عما أشكل عليهم، هذا أمر عرفناه من مدة طويلة في آخر القرن السابق وفي هذا القرن، وعرفه أيضاً أهل العلم المشغولون بهذا الأمر، فإنهم يحسون بنشاط كبير في غالب الدنيا، والمكاتبات والمؤلفات كل هذا والحمد لله يبشر بخير، نسأل الله أن يوفق المسلمين لما فيه رضاه، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يكثر بينهم دعاة الهدى، وأن يوفقهم لقبول الحق، وإيثاره على ما سواه إنه خير مسؤول، كما نسأله - سبحانه - أن يصلح قادة المسلمين في كل مكان، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يعينهم على إيثار الحق، والدعوة إليه، وعلى تحكيم شريعة الله في عباد الله، فهي - والله - الطريق الوحيد، والطريق الأمثل لصلاح الأمة ونجاتها في الدنيا والآخرة، فتحكيم الشريعة في شؤون المسلمين هو الطريق الذي تحصل به سعادتهم ونجاتهم، وحل مشاكلهم، والقضاء على ما بينهم من الفساد، ومنع المنكر، وإقامة المعروف، وزجر المبطل عن باطله، فنسأل الله أن يوفق قادة المسلمين للالتزام بها، وتحكيمها، والحذر من ما يخالفها إنه خير مسؤول.  
 
9- شيخ عبد العزيز بعض الرسائل التي تصل إلى هذا البرنامج يعبر أصحابها بعبارات تدل على التألم والاحتراق، بل وربما الحسرة في بعض الأحيان، لعل لسماحة الشيخ من توجيه حول إحساس الداعية؟
وهذا مما تقدم؛ لأن مشاهدة صاحب الغيرة ، وصاحب العلم من المنكرات الكثيرة، وقلة المنكرين لها، وفشوها في غالب المجتمعات، لا شك أنه يؤلم المؤمن ، ولا شك أنه يجد منه حسرة في قلبه لكونه يعجز عن إنكار هذه المنكر، والقضاء عليه، فيتألم لذلك، حتى بلغنا عن بعض السلف أنه كان إذا رأى المنكر يبول دماً من شدة ما يقع في قلبه من التألم، والحاصل أن أصحاب الغيرة ، وأصحاب العلم والفضل يتألمون كثيراً مما يشاهدونه من المنكرات ، وهم عاجزون عن إنكارها ، والقضاء عليها، ويفرحون إذا وجد من ينكرها ، ويستطيع الدعوة إلى تركها ، هذا لا شك أنه يبشر بخير ، ولكن نبشرهم أنهم على خير، وأنه ينبغي لهم أن لا ييأسوا ، وأن لا يقنطوا ، وأن يستمروا في إنكار المنكر حسب طاقتهم ، وأنه لا يكفي مجرد التألم، بل لابد مع التألم من إنكار المنكر، بالطرق التي شرعها الله، باليد عند القدرة ، ثم اللسان عند القدرة، ثم القلب، كراهة المنكر ، وعدم المجالسة لأهله، هكذا يجب على المؤمن أينما كان، ولا ييأس أبداً، والله يقول: وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [(87) سورة يوسف]. فالواجب على المؤمن ، وعلى طالب العلم، وعلى المؤمنة وعلى طالبات العلم، أن يبذل كلاً منهم ما استطاع في هذا السبيل، وأن لا ييأس بل يكون أينما كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، داعياً إلى الله - عز وجل -، مما أعطاه الله، مما علمه الله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [(16) سورة التغابن]. ولو هدى الله على يده واحداً كان خيراً عظيماً ، ولو هدى الله على يدها امرأة واحدة كان خيراً عظيماً ، فقد ثبت عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه قال لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين – رضي الله عنه - لما بعثه إلى خيبر ليدعو اليهود .... إلى الإسلام ، قال له صلى الله عليه وسلم: (فو الله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). يبين له أنه ليس المقصود قتالهم ، وليس المقصود أخذ أموالهم ، وليس المقصود سبي ذرياتهم ونسائهم ، لا، المقصود دعوتهم إلى الله، المقصود إخراجهم من الظلمات إلى النور، المقصود هدايتهم حتى يدخلوا في الإسلام ، وحتى يسلموا من النار، ولهذا يقول سبحانه: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [(1) سورة إبراهيم]. ما أنزل ليحرقهم ، أو ليقتلهم، أنزل ليخرجهم ويدلهم على الخير، فهذا هو المطلوب من الدعوة ، وهو المطلوب من الرسل، لكن عند المعاندة ، وعند عدم الاستجابة من المدعوين ينتقل حينئذ المسلمون معهم إلى الأمر الآخر وهو القتال حتى يردوهم إلى الحق بالقوة ، وحتى يخلصوا ذرياتهم ونسائهم من هذا الإثم، وحتى يدخلوهم في الإسلام، حتى يستعينوا بأموالهم ، وما أعطاهم الله على دين الله وإقامته، وعلى دعوة الآخرين إلى الله - عز وجل -، فالقتال ليس المقصود بالقصد الأول، إنما هو المقصود بالقصد الثاني، فإذا تيسر دعاؤهم إلى الخير وهدايتهم ، وإقبالهم على الحق وقبولهم، فهذا هو المطلوب ، فإذا عاندوا وكابروا شرع قتالهم حينئذ حتى يدخلوا في الإسلام ، أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهل الكتاب أو من المجوس ؛ كما جاءت به السنة ، ودل عليه الكتاب العظيم، فالمقصود من هذا كله أن الدعوة إلى الله هي الأساس الأول ، وأن الصبر عليها من أهم المهمات ، وأن الشخص الواحد إذا هداه الله على يد إنسان خير له من الدنيا وما عليها، وأن له مثل أجره كما قال صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله). هذه غنيمة عظيمة تجعل الداعي إلى الله ، وتجعل المجاهدين يشمرون عن ساعد الجد ، ويصبرون على الأذى حتى يدركوا هذا المطلب العظيم.  
 
10- كما تفضلتم وبينتم أن طريق الدعوة طريق معين وله زاد معين، هذا الألم وتلكم الحسرة التي توقف الداعية في وسط الطريق هل ترضونها من الداعية، أم له توجيه معين؟
رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني، يكثر من هذا، رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني هكذا كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.  

470 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply