حلقة 556: كتاب الترغيب والترهيب و سبل السلام - على المرأة أن تتحجب ولو أوذيت - حكم أخذ الأجرة ما يعرف بالسعاية - هل زيارة قبر علي والحسين والعباس تعدل سبعين حجة - حكم من يطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين وغيرها، ويسمون بالدراويش

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

6 / 50 محاضرة

حلقة 556: كتاب الترغيب والترهيب و سبل السلام - على المرأة أن تتحجب ولو أوذيت - حكم أخذ الأجرة ما يعرف بالسعاية - هل زيارة قبر علي والحسين والعباس تعدل سبعين حجة - حكم من يطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين وغيرها، ويسمون بالدراويش

1- تسأل عن كتاب الترغيب والترهيب ؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فكتاب الترغيب كتاب مشهور معروف للحافظ المنذري، مشتمل على أحاديث كثيرة، فيها الصحيح وفيها الضعيف وفيها الحسن، وقد أشار في كتابه إلى الضعيف بقوله: وروي، إذا لم أجزم به، بل حكاه بصيغة التمريض، فذلك إشارة منه إلى أنه من الأحاديث الضعيفة، وهو كتاب مفيد وعظيم رحم الله مؤلفه. تسأل أيضاً عن كتاب سبل السلام؟ كتاب سبل السلام، معروف أيضاً، وهو للأمير محمد إسماعيل الصنعاني وأصله لمؤلف مغربي، وهو كتاب جيد ــ بلوغ المرام، وليس بكاف في الشرح، فيه نقص من جهة الشرح ولكنه مفيد.  
 
2-   إنها تعيش في قرية يكثر فيها الجهل، وهي وزميلة معها بدأن بالحجاب، لكن كثيراً ما يواجهن بعض المصائب والمصاعب، ويرجين من سماحة الشيخ التوجيه؟
الواجب على المؤمنة تقوى الله في كل شيء ومن ذلك الحجاب، لأن الله يقول سبحانه: وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب، ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وليس هذا خاص بأمهات المؤمنين كما يقول بعض الناس، بل هو عام، لأن الطهارة مطلوبة للجميع، لأمهات المؤمنين ولغيرهن من المؤمنات، مثلما في الآيات الأخرى، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن... الآية، فالجميع مطلوب منهن التستر وعدم التبرج، وعدم التكشف للأجناب، بل على كل واحدة من المؤمنات التستر والحجاب وعدم الخضوع بالقول لغير محرمها، وعدم التبرج كل هذا أمر معلوم، فالواجب على المؤمنة أن تحتسب الأجر وأن تصبر حتى ولو أوذيت في ذلك، ولو استهزأ بها فقد سخر المجرمون من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وسخروا من المؤمنين فما ضرهم ذلك، فالواجب على المؤمن والمؤمنة الاستقامة على تقوى الله وعلى أداء فرائضه وعلى ترك محارمه ولو سخر من سخر ولو آذى من آذى، الله يقول جل وعلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم، ويقول سبحانه: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خير وأوسع من الصبر)، فالواجب على الأخت في الله نوال وعلى غيرها من الأخوات التصبر والتحمل لأذى المؤذين وسخرية الساخرين فيما يتعلق بالتمسك بدين الله والاستقامة على أمر الله، في أمر الحجاب وغيره، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.  
 
3-   يحدث في مكاتب تأجير العقارات أخذ مبالغ من المستأجر بصفة السعي، وبصورة أوضح مثلاً: جاء شخص وطلب مثلاً استئجار محلٍ أو شقة، وطلب مني إذا حققت له طلبه هذا في إيجاد المحل أو الشقة فإنه سوف يُعطيني مبلغاً من المال بخلاف ثمن الإيجار بصفة السعي أو نظير حصوله على هذا المحل أو تلك الشقة، أرجو أن أعرف بوضوح هل هذا المال حلال أم حرام؟
لا حرج في ذلك يا أخي، هذا أجرة، ويسمى السعي لك أن تعرف في التماس المحل المناسب الذي يريد الشخص أن يستأجره فإذا ساعدته في ذلك والتمست له المكان المناسب وساعدته في الاتفاق مع المالك على الأجرة فكل هذا لا بأس به إن شاء الله بشرط ألا يكون هناك خيانة ولا خديعة، بل على سبيل الأمانة والصدق، فإذا صدقت وأديت الأمانة بالتماس مطلوبه من غير خداع ولا ظلم لا له ولا لصاحب العقار فأنت على خير إن شاء الله.  
 
4- زيارة القبور، أمثال الإمام علي رضي الله عنه والحسين والعباس وغيرهم، وهل الزيارة إليهم تعدل سبعين حجاً من بيت الله الحرام، وهل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من زار أهل بيتي بعد وفاتي كتبت له سبعون حجة!!؟ نرجو أن تفيدونا، جزاكم الله خيراً.
زيارة القبور سنة، وفيها عظة وذكرى، وإذا كانت القبور من قبور المسلمين دعا لهم، وكان النبي يزور القبور عليه الصلاة والسلام ويدعو للموتى، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم، ويقول - صلى الله عليه وسلم-: (زورا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، وكان يعلم أصحابه رضي الله عنهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)، وفي حديث عائشة في الزيارة: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)، وفي حديث ابن عباس: (يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر)، فالدعاء لهم بهذا وأشباهه كله طيب، وفي الزيارة ذكرى وعظة ليستعد المؤمن لما نزل بهم، فإنه سينزل به، وهو الموت فيعد العدة ويجتهد في طاعة الله ورسوله، ويبتعد عما حرم الله ورسوله ويلزم التوبة عما سلف من التقصير، هكذا يستفيد المؤمن من الزيارة. أما ما ذكرت من أن زيارة قبور علي رضي الله عنه والحسن والحسين أو غيرهم أنها تعدل سبعين حجة، هذا باطل، هذا موضوع مكذوب على الرسول - صلى الله عليه وسلم- ليس له أصل، وليست الزيارة لقبر النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي هو أفضل الجميع لا تعدل حجة، الزيارة لها حالها وهو فضلها، لكن لا تعدل حجة، فكيف بزيارة غيره عليه الصلاة والسلام، هذا من الكذب، وهكذا "من زار قبور أهل بيتي كتب الله له سبعين حجة"!، كل هذا لا أصل له، كله باطل، كله مما كذبه الكذابون، فيجب على المؤمن الحذر من هذه الأشياء، المكذوبة الموضوعة على الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وإنما تسن الزيارة للقبور سواء كانت القبور، من قبور أهل البيت أو غيرهم من المسلمين يزورهم ويدعو لهم ويترحم عليهم وينصرف، أما إن كانت القبور للكفار، مقابر الكفار، فإن زيارتها للعظة والذكرى من دون أن يدعو لهم ولا يسلم عليهم، كما زار النبي قبر أمه ونهي أن يستغفر لها، زارها للعظة والذكرى ولم يستغفر لها، وهكذا القبور الأخرى من قبور الكفرة، إذا زارها المؤمن للعظة والذكرى فقط، لا يسلم عليهم ولا يستغفر لهم، لأنهم ليسوا أهلاً لذلك.  
 
5-   ما رأيكم في هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالدراويش، ويطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين وغيرها، وهم في ذلك قبل أن يقول يا الله يقول: يا رفاعي!! فما رأي الشرع في ذلك، هل يوجد دليل على عملهم؟ وجزاكم الله خيراً.
هؤلاء كذابون محتالون ليس لعملهم أصل، بل هم كذبة يستعملون أشياء تلبس على الناس حتى يظن الناس أنهم يطعنون أنفسهم وليس الأمر كذلك، وإنما هو تلبيس وتزوير على العيون وسحر للناس كما قال الله عن سحرة فرعون أنهم استرهبوا الناس وسحروا أعينهم، فالمقصود أن هذا الصنف من الناس من الفجرة والمحتالين الذين لا أصل لما يفعلون ولا يجوز أن يصدقوا بل هم كاذبون محتالون ملبسون على الناس، وإذا كانوا يدعون الرفاعي وغير الرفاعي، صار هذا شركاً أكبر، يا رفاعي،أو يا رسول الله، انصرنا أو اشفع لنا أو يا علي، يا سيدي علي، أو يا حسين، أو يا فلان، أو يا فلان، أو يا سيدي بدوي، كل هذا من الشرك الأكبر، كل هذا من العبادة لغير الله، وكل هذا من جنس عمل عباد القبور، عباد اللات والعزى وأشباههم فهو شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك، وهؤلاء الذين يطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين كله تلبيس وخداع ليس له أصل، بل هم في هذا كذبة فجرة، يجب على ولاة الأمور إذا كان هناك ولي أمر مسلم في بلدهم أن يأخذ على أيديهم وأن يعزرهم ويؤدبهم حتى يتوبوا عن أعمالهم الخبيثة.  
 
6-   لقد وجدت حديثاً مثبتاً وهذا نصه: إذا كان أحدكم في صلاة ومر أمامه حمار أو كلب أسود أو امرأة فإن صلاته باطلة، فإذا كان نص الحديث صحيحاً فما رأيكم في الذين يصلون في الحرم الشريف وتمر النساء أمامهم وهن طائفات؟
الحديث صحيح، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود)، خرجه الإمام مسلم في صحيحه، وروى مثله عن أبي هريرة رضي الله عنه، لكن ليس فيه قيد الكلب بالأسود، فالمقصود أن هذا ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، والقاعدة أن المطلق يحمل على المقيد، فإذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين السترة، كلب أسود، أو حمار، أو امرأة، كل واحد يقطع صلاته، هكذا جاء الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وهو الأصح من أقوال أهل العلم، وفي ذلك خلاف بين أهل العلم، منهم من يؤوله على أن المراد قطع الثواب، أو قطع الكمال، ولكن الصواب أنه يقطع الصلاة وأنها تبطل بذلك، لكن ما يقع في المسجد الحرام هذا معفو عنه عند أهل العلم، لأن المسجد الحرام لا يمكن أن يتقي الإنسان ذلك، بسبب الزحام ولا سيما أيام الحج، فهذا يعفى عنه في المسجد الحرام، وهو مستثنى، وليس داخلاً في الحديث، كما يقع من مرور بعض النساء أو الطائفات بين يدي المصلين لا يضرهم وصلاتهم صحيحة النافلة والفريضة، هذا هو المعتمد عند أهل العلم.     
7-   نحن نعلم بأن صلاة الوتر تختم صلوات اليوم، وقد كنت في يوم بالمسجد وصليت العشاء ثم الشفع والوتر، وعند خروجي قابلني أحد الأصدقاء وأصر علي أن أصلي معه حتى يكسب أجر الجماعة، فما رأي الإسلام في ذلك؟
الوتر خاتمة صلاة الليل وليست خاتمة صلاة النهار، المغرب هي التي تختم صلاة النهار، هي وتر النهار، وأما التجهد في الليل فيختم بالوتر ركعة واحدة، الركعة هي الختام لصلاة الليل ولكن لا مانع أن يصلي بعدها، إذا مثلاً أوتر في أول الليل ثم يسر الله له القيام في آخر الليل، فلا بأس أن يصلي ما تيسر، ركعتين أو أربع ركعات أو أكثر ولا يعيد الوتر، يكفيه الوتر الأول، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (لا وتران في ليلة)، وإذا صادف جماعة من إخوانه وصلى معهم أو أخاً من إخوانه وصلى معه، فلا بأس بذلك ولا حرج، يعني هذه صلاة دعت لها الأسباب التي وقعت له، مثل طلب أخيه أن يصلي معه مثل جماعة أحب أن يصلي معهم، مثل سعة الوقت في آخر الليل أحب أن يصلي ما تيسر كل هذا لا بأس به، فالمقصود أن كون الإنسان يصلي بعد الوتر في آخر الليل لا بأس بذلك، لكن لا يعيد الوتر، يكفي الوتر الأول، والحمد لله.  
 
8- ما حكم من يتوضأ داخل الحمام، وهل يجوز وضوءه؟
لا بأس، نعم، إذا توضأ داخل الحمام لا بأس، ويسمي عند أول الوضوء، يقول: بسم الله ويتوضأ، لأن التسمية واجبة عند بعض أهل العلم، ومتأكدة عند الأكثر، فيأتي بها وتزول الكراهة لأن الكراهة تزول عند وجود الحاجة، والإنسان مأمور بالتسمية عند أول الوضوء، فيسمي ويكمل وضوءه، وأما التشهد فيكون بعد الخروج من محل الحمام اللي فيه محل قضاء الحاجة، إذا فرغ يخرج ويتشهد بالخارج، أما إذا كان الحمام لمجرد الوضوء ليس للغائط والبول، إنما هو لمجرد الوضوء هذا لا بأس أن يذكر الله فيه لأنه ليس محل قضاء الحاجة.   
 
9-  يسأل عن حكم دفع زكاة النقود إلى الأم، هل هو جائز؟
الزكاة لا تدفع للأم ولا للأب ولا للجدات ولا للأجداد ولا للأولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً ولا لأولادهم؛ لأن هؤلاء الأصول والفروع ليس لهم حق في الزكاة بالنسبة للولد، وإنما يعطيهم من ماله وينفق عليهم من ماله إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وإنما تدفع الزكاة للفقراء من غيرهم كالأخوة والأخوات وأولاهم والأعمام والعمات وأولادهم وغيرهم من الفقراء، أما الوالدن والأولاد وهكذا الأجداد والجدات فلا تدفع لهم الزكاة.  
10-   لقد أجبت يا سماحة الشيخ على أحد الأسئلة المطروحة من أحد السائلين فيما يتعلق بالعذر بالجهل، متى يُعذر ومتى لا يُعذر، وذكرت بأن الأمر فيه تفصيل، ومما ذكرته بأنه لا يُعذر أحدٌ بالجهل في أمور العقيدة، أقول يا سماحة الشيخ: إذا مات رجل وهو لا يستغيث بالأموات ولا يفعل مثل هذه الأمور المنهية عنها إلا أنه فعل ذلك مرة واحدة -فيما أعلم-، حيث استغاث بالرسول - صلى الله عليه وسلم- في زيارته لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو لا يعلم أن ذلك حرام وشرك، ثم حج بعد ذلك دون أن ينبهه أحد على ذلك، ودون أن يعرف الحكم -فيما أظن- حتى توفاه الله، وكان هذا الرجل يصلي ويستغفر الله لكنه لا يعرف أن تلك المرة التي فعلها حرام، فيا ترى هل من فعل ذلك ولو مرة واحدة إذا مات وهو يجهل مثل ذلك، هل يعتبر مشركاً؟ نرجو التوجيه والتوضيح جزاكم الله خيراً.
إن كان من ذكرته تاب إلى الله بعد المرة التي ذكرت، ورجع إليه سبحانه وتعالى واستغفر من ذلك، زال حكم ذلك وثبت إسلامه، أما إذا استمر على العقيدة التي هي الاستغاثة بغير الله ولم يتب إلى الله من ذلك، فإنه يبقى على شركه ولو صلى وصام، حتى يتوب إلى الله مما هو فيه من الشرك، وهكذا لو أن إنساناً يسب الله ورسوله أو يسب دين الله، أو يستهزأ بدين الله أو بالجنة أو بالنار، فإنه لا ينفعه كونه يصلي ويصوم، إذا وجد الناقض من نواقض الإسلام بطلت الأعمال، حتى يتوب إلى الله من ذلك، هذه القاعدة، قال تعالى: ولو أ شركوا لحبط عنهم كانوا يعملون، وقال سبحانه: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين، وكانت أم النبي- صلى الله عليه وسلم- ماتت في الجاهلية واستأذن - صلى الله عليه وسلم- ليستغفر لها فلم يؤذن له، لأنها ماتت في الجاهلية، وقال: (إن أبي وأباك في النار)، لمن سأله عن أبيه، وأبوه مات في الجاهلية، فالمقصود أن الذي مات على الشرك لا يستغفر له ولا يدعى له ولا يتصدق عنه، إلا إذا علم أنه تاب إلى الله من ذلك، هذه القاعدة المعروفة عند أهل العلم، أما الأشياء التي قد تخفى على الناس مثلما يرى للشخص الذي قال لأولاده إذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في البحر في يوم عاصف، فإن قدر الله علي ليعذبني أو كما قال، ـــ أن سأله عن ذلك بعدما مات، فقال: حملني على هذا مخافتك، فغفر الله له، قال العلماء: إن هذا خشي عليه كمال القدرة، كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وجهل هذا الأمر وظن أنه بهذا الحرق والسحق والذر في البحر أنه يفوت الله ويضيع، فهذا الجهل الذي في هذا الشيء الدقيق عفا الله عنه سبحانه وتعالى، لأنه حمله عليه خوف الله، والحذر من عقابه سبحانه وتعالى، أما إنسان يستغيث بالأموات وقد جاءت الرسل بالنهي عنه، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه، والله يقول سبحانه وتعالى:ولا تدع من دون ما لا ينفعك و لا يضرك، ولا تدعو مع الله أحداً، ويقول:ادعوني أستجب لكم، هذا أمور معلومة من الدين بالضرورة، مشهورة بين المسلمين فلا يعذر، من قال إني أجهله بين المسلمين، لو كان في بلاد بعيدة عن المسلمين في أطراف الدنيا بين أهل الكفر بالله ما عندهم من يعلمهم هذا يكون حكمه حكم أهل الفترة، أمرهم إلى الله يوم القيامة، إن شاء عذبهم وإن شاء رحمهم، فهو سبحانه يمتحنهم يوم القيامة فمن أجاب دخل الجنة ومن عصا دخل النار، هذا هو الصواب فيهم أنهم يمتحنون ويكلفون يؤمرون بشيء، فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار.  
 
11- كيف يكون اللحن في القرآن، أرجو توضيح ذلك، وهل تجوز الصلاة خلف من يلحن في القرآن إذا كانت عامة أئمة المساجد هكذا؟
اللحن في القرآن أن يغير بعض الكلمات عن وجهها إما بزيادة حرف أو نقص حرف، أو رفع منصوب، أو نصب مرفوع، أو خفضه ونحو ذلك، هذا يسمى لحناً، لكن قد يكون اللحن يحيل المعنى وقد يكون لا يحيل المعنى، فإذا كان لا يحيل المعنى فالأمر فيه أوسع، كأن يقول: الحمدَ لله رب العالمين، ينصب الحمد، أو الحمد لله ربَ العالمين، لا يضر، لأن له وجه في الإعراب، أو يقول الرحمنُ الرحيم، أو الرحمنَ الرحيم، لا يضر، لأنه له وجه في الإعراب، وإنما يضر اللحن الذي يحيل المعنى والذي يغير المعنى، هذا هو الذي يضر، ويمنع من اتخاذ الشخص إماماً إلا إذا عدل قراءته، كأن يقول: إياكِ نعبد وإياكِ نستعين، لأن هذا خطاب للمرأة وللنساء، فهو يحيل المعنى، أو يقول: صراط الذين أنعمتُ لأن هذا للمتكلم أو القارئ يحيل المعنى، أو أنعمتِ بالكسر فإنه خطاب للمرأة فهذا كله يحيل المعنى، فما كان من جنس هذا فهذا يمنع وينبه القارئ عليه، فإن اعتدل لم يضر ذلك، وإن استمر على لحنه لم تجز الصلاة خلفه، ولا تصح قراءته، فالحاصل أن اللحن لحنان: لحن يحيل المعنى، فهذا هو الذي يجب التنبيه ويمنع من إمامة الشخص إذا كان لم يستجب ولم يعدل، وأما اللحن الذي لا يحيل المعنى، بل له وجه من الإعراب فهذا أمر أسهل وأوسع.   
 
12- حقيقة التوكل على الله منها الأخذ بالأسباب، ولكن سمعت بعض المشايخ يقول: لو أن الإنسان أُصيب بمرض ولم يستعمل الدواء لكان أجره أعظم من الذي استعمل الدواء ولا يصبر على الأذى؟
؟ الصواب أن العلاج أفضل، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم، قد عالج النبي صلى الله عليه وسلم وعالج الصحابة، وهم أفضل الناس، فالمريض إذا ترك الدواء فلا حرج عليه ولكن إذا عالج فهو أفضل، وأخذ الدواء النافع المباح فهو أفضل، ومن الدواء القراءة على المريض، هذا من الدواء، ومنه الكي لمن يناسبه الكي، والحجامة لمن تناسبه الحجامة، وشرب العسل لمن يناسبه العسل، والفصد لمن يناسبه الفصد، إلى غير ذلك، فتعاطي الأسباب أمر مشروع، للحديث: (عباد الله تداووا)، ولما قالوا يا رسول الله إن ـــ رقى نسترقي بها ودواء نتداوى به، فهل يرد من قدر الله شيئاً؟ قال: (هو من قدر الله)، فتعاطي الأسباب من قدر الله، ولما رجع عمر من الشام لما وقع بها الطاعون، وأشار عليه بعض المسلمين بالرجوع، وعزم على ذلك، فقيل له في ذلك، أتفر من قدر الله؟، قال: نفر من قدر الله إلى قدر الله، نفر من قدر الله يعني الذي فيه خطر، إلى قدر الله الذي فيه السلامة، ثم جاءه عبد الرحمن بن عوف فحدثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا سمعتم الطاعون في البلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه) فحمد الله أن الله وفقه لموافقة الحديث وانصرف إلى المدينة، فالحاصل أن التداوي وتعاطي الأسباب أمرٌ مشروع، ومطلوب، وهو أفضل من ترك ذلك، وقد يكون بعض الأسباب واجباً كأن يأكل لئلا يموت ويشرب، هذا سببٌ واجب، وتوقي ما يضره كأن لا يلقي نفسه في بئر أو يلقيها من الجبل أو ما أشبه ذلك كل هذا أمرٌ لازمٌ له، فتعاطي الأسباب التي يحتاج إليها أمرٌ مطلوب مشروع، وتوقي أسباب الهلاكة أمرٌ واجب متحتم، والله فطر العباد على هذا الشيء، وجاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو لا ينافي التوكل، التوكل الثقة بالله والاعتماد عليه والتوفيظ إليه، والإيمان بأنه هو مسبب الأسباب، وأن كل شيء بقضاءه وقدره، ومن ذلك فعل الأسباب، فالمتوكل يعتمد على الله ويثق به ويعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره، ومع ذلك يأخذ بالأسباب، فيأكل لئلا يجوع، ويشرب لئلا يظمأ لئلا يهلك، يستدفي بالشتاء عن البرد، إلى غيرها من الأسباب التي شرعها الله لعباده.

506 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply