حلقة 480: حكم من ترك الصلاة، ويشرب المسكر - تكذيب - حكم المسح على الشراب الخفيف الذي ترى منه البشرة - هل تحتجب المرأة من ابن عمها إذا بلغ خمسة عشر سنة - من اعتمر ولم يودِّعْ هل عليه شيء؟ - الرضاع

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

30 / 50 محاضرة

حلقة 480: حكم من ترك الصلاة، ويشرب المسكر - تكذيب - حكم المسح على الشراب الخفيف الذي ترى منه البشرة - هل تحتجب المرأة من ابن عمها إذا بلغ خمسة عشر سنة - من اعتمر ولم يودِّعْ هل عليه شيء؟ - الرضاع

1- يوجد لدينا شخص يشرب البيرة حتى يسكر منها، والبيرة داخلها الكحول، وقد نهيناه عن الشرب فلم يطع ولم يرجع عنها، وللعلم لديه زوجة وخمسة أولاد: هل زوجته تكون طالقة منه والحالة هذه، وهذا الشخص لا يصلي بل يصوم شهر رمضان ولا يصلي أثناء صيامه، وبلغ من العمر خمسة وأربعين عاماً، وعند مناقشته يقول لنا: الأعمال بالنيات وليس بالعمل، أفيدونا أفادكم الله، والسلام عليكم.   

1بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فهذا الرجل المسئول عنه ما دام لا يصلي فإن الواجب على زوجته الامتناع منه، والواجب على من ترفع إليه القضية التفريق بينكما؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء، وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) فهذا نص في أن الرجل إذا ترك الصلاة انتقل من الإسلام إلى الكفر والشرك، وهذه هي الردة، والله يقول جل وعلا: ..وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ.. (221) سورة البقرة، ويقول في الكافرات وفي الكفار: ..لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.. (10) سورة الممتحنة، وثبت أيضاً عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصين -رضي الله عنه–، وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل - رضي الله عنه ورحمه- : "لم يكن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم- يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة" فهذا يدل على أن الصلاة عندهم يعتبر تركها كفراً، يعني كفراً أكبر؛ لأن هناك أعمالاً تسمى كفراً ولكن ليس كفراً أكبر، مثل ترك الانتساب إلى الأب يعتبر كفراً لكنه كفر دون كفر، ومثل الطعن في النسب، والنياحة على الميت، قال فيهما النبي - صلى الله عليه وسلم-: (اثنتان في الناس هما كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت)، قال العلماء: كفر دون كفر، وهناك أعمال أخرى يطلق عليها ذلك لكن أمر الصلاة قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بين الرجل وبين الكفر والشرك) والكفر المعرَّف والشرك المعرف يراد به الكفر الأكبر، نسأل الله السلامة؛ ولأن الصلاة عمود الإسلام وأعظم الأركان بعد الشهادتين، فليست من جنس بقية الأعمال؛ ولأنه ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لما سأله الصحابة عن من يتولى عليهم من الأمراء فيعرفون منهم وينكرون قال: (أدِّ الذي عليك لهم واسأل الله الذي لك) وفي لفظٍ قال: ( أدوا لهم حقهم واسألوا الله الذي لكم) قالوا: يا رسول الله! أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) وفي اللفظ الآخر قال: (إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان)، فهذا يبين أن ترك الصلاة يعتبر كفراً بواحاً. فالواجب على المرأة التي زوجها لا يصلي أن تمتنع منه، وأن لا تمكنه من نفسها حتى يتوب إلى الله -عز وجل-، وعليها أن تطالب بمفارقته لها من جهة المحكمة حتى لا يكون له عليها سلطان، إلا أن يتوب ومن تابَ تاب الله عليه، وهذا هو الأصح من قولي العلماء، وقال بعض أهل العلم: أنه لا يكفر كفراً أكبر إذا كان يقر بوجوبها ويعتقد أنها واجبة ولكنه يتساهل، ولكن هذا القول ضعيف لمخالفة الأدلة الشرعية. أما شربه المسكر فهذا من الكبائر، لكنه لا يكفر بذلك عند أهل السنة والجماعة؛ خلافاً للخوارج، كون الإنسان يشرب الخمر أو يتعاطى بعض المعاصي كالزنا أو تعاطي الربا وهو لا يستحل ذلك ولكن غلبه الهوى وطاعة الشيطان فهذا لا يكفر بذلك، إلا إذا استحل الزنا أو استحل الخمر كفر عند أهل العلم جميعاً. ولكن المرأة لها أيضا أن تطالب بالطلاق إذا كان مسلماً ولكنه يشرب الخمر هذا عيب، لها أن تطالب بالفراق لأن شربه للخمر يضرها ويضر أولادها، لكنه لا يكفر بذلك عند أهل السنة خلافاً للخوارج، وينبغي لأهله ومعارفه أن ينصحوه وأن يتقوا الله فيه، هذا هو الواجب عليهم؛ لأن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسلمون عليهم واجب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: (الدين النصيحة) فينبغي بل يجب الإنكار على مثل هذا الشخص، وتوجيهه إلى الخير، وتحذيره من مغبة عمله من ترك الصلاة وتعاطي المسكر، وإقامة الأدلة التي تدل على كفر تارك الصلاة، وعلى عظم خطر شرب الخمر وأنه من الكبائر العظيمة؛ لعل الله يهديه بذلك، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، فهي تنافي كمال الإيمان، وإن بقي معه أصله ولم يكفر لكنها تنافي كماله الواجب، وتلحق صاحبها بالعصاة والفساق، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن على الله عهداً لمن مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال!)، قيل: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: (عصارة أهل النار)، أو قال: (عرق أهل النار)، نسأل الله العافية، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه لعن في الخمر عشرة، لعن في الخمر عشرة عليه الصلاة والسلام: (لعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها)، كل هؤلاء ملعونون، نسأل الله السلامة، فالواجب على كل مسلم أن يحذر شرب الخمر، وأن يتقي الله فإنها أمر الخبائث وشرها عظيم عليه وعلى أولاده وعلى أهل بيته وعلى زوجته وعلى جلسائه، فليحذر أن يكون سبباً بهلاك نفسه وهلاك هؤلاء، وليتق الله وليقلع من شربها، فإن عاقبتها وخيمة وشرها عظيم ومفاسدها لا تحصى، نسأل لله لجميع المسلمين الهداية. - في نهاية رسالته -سماحة الشيخ- لعله لم يغب عنكم قول الرجل: الأعمال بالنيات وليس بالعمل! وهذا يردده كثير من الناس!! ج/ هذا من أقبح الخطأ، قوله الأعمال بالنيات وليس بالعمل! هذا غلط، نعم الأعمال بالنيات، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن لا بد من العمل أيضاً، يقول صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فلا بد من الأعمال ولكنها تبنى على النية، فالأعمال لا بد لها من نية، ولكن ليس معناها أن النية تكفي وتترك الأعمال، النية وحدها لا تكفي، لا بد من عمل، فالواجب على كل مسلم أن يعمل بطاعة الله وأن يدع معاصي الله، ولو نوى ولم يعمل بشرع الله صار كافراً، نسأل الله العافية، فلا بد من العمل، الله -جل وعلا- يقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..(التوبة: من الآية105)، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: (إيمان بالله وجهاد في سبيله)، فالإيمان عمل لا بد من إيمان، فمن لم يؤمن بالله واليوم الآخر فهو كافر، ومن لم يؤمن بأن الصلاة واجبة فهو كافر، ومن لم يؤمن بأن صيام رمضان واجب فهو كافر، لا بد من الإيمان، وهكذا من لم يؤمن بأن الله حرم الزنا وحرم الخمر، وحرم العقوق وحرم الفواحش من لم يؤمن بهذا فهو كافر، لا بد من إيمان ولا بد من عمل ولا بد من نية، وهكذا قول بعضهم: الإيمان بالقلب، إذا قيل له: صلِّ أو وفِّر لحيتك أو اترك ما حرم الله عليك، قال: الإيمان بالقلب! هذه كلمة حق أريد بها باطل، نعم أصل الإيمان يكون في القلب، ولكنه يكون في الجوارح أيضاً، يكون بالقول والعمل، الإيمان عند أهل السنة قول وعمل ونية، يعني قول وعمل واعتقاد، فلا بد من القول ولا بد من العمل ولا بد من العقيدة، فلا بد من الإيمان بالله واليوم الآخر وأن يعتقد بأن الله واحد لا شريك له وأنه ربه سبحانه وأنه خلاق رزاق وأنه -جل وعلا- الموصوف بالأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه المستحق للعبادة، ولا بد من العمل، إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه، والنطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والنطق بما أوجب الله من القراءة في الصلاة، وما أوجب الله فيها، كما أنه لابد من العمل: أداء الصلاة، أداء الزكاة، صيام رمضان، حج البيت، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، إلى غير هذا، ولهذا أجمع أهل السنة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، والقول قلب واللسان، والعمل عمل القلب والجوارح. فالواجب على هذا الرجل أن ينتبه وأن يستغفر الله من ذنبه ويتوب إليه، وأن يبادر إلى الصلاة فيصليها مع المسلمين في أوقاتها، وأن يبتعد عما حرمه الله من الخمر وغيرها، لعله ينجو ولعله يفوز بالسلامة وحسن الخاتمة، ولا حولا ولا قوة إلا بالله.  
 
2- يشاع أنكم رأيتم في المنام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنه أوصاكم بإغلاق مدارس البنات، وقد كثر التساؤل عن صحة هذه الإشاعة؟ أرجو أن تتفضلوا بالإجابة وتوجيه الناس حيال الإشاعات، جزاكم الله خيراً.
نعم سمعنا هذه الإشاعة، وسألنا عنها أناس كثير من قبيل الهاتف وغير الهاتف، وهي إشاعة كاذبة باطلة لا أساس لها من الصحة، فلم أرَ النبي صلى الله عليه وسلم- ولم يقل لي هذا الكلام، بل كل هذا باطل ومن إشاعة الشياطين شياطين الإنس والجن، وهذه الإشاعة يقولوا فيها: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم- مرتين وأنه أوصاني أن أبلغ المسؤولين إغلاق مدارس البنات، وهذا كله باطل ولا أساس له بل هو كذب، فأرجوا ممن سمع كلمتي هذه أن يبلغها غيره، وأن ينشرها بين إخوانه حتى يعلم الناس أن هذا الكلام باطل، وأن هذه الرؤيا لا وجود لها، ونسأل الله أن يجازي من كذب ما يستحق.  
 
3- إنسان يمسح على شُرَّاب خفيف تُرى من خلاله البشرة: هل هذا جائز أو لا؟
لا بد في الشُّرَّاب والخفاف أن تستر القدم من الكعب إلى أطراف الأصابع، فإذا كان الشراب خفيفاً شفافاً يرى منه ما تحته من اللحم وحمرته وسواده ونحو ذلك فإنه لا يمسح عليه بل يجب خلعه وغسل الرجل، وإنما يمسح على الشراب والخف الساتر، لكن لو وقع فيه خروق يسيرة عرفاً فإنه يعفى عنها في أصح قولي العلماء، الخرق اليسير الذي كالمخيط وطرف الإصبع ونحو ذلك فهذا يعفى عنه على الصحيح، وينبغي للمؤمن وللمؤمنة تفقد الخفاف والشراب حتى تكون ساترة، والخروق ينبغي أن ترفأ أو ترقع أو يبدل بشيء ساتر خروجاً من خلاف العلماء واحتياطاً للدين، فإن الصلاة عمود الإسلام فتجب الحيطة لذلك، أما إذا اتسع الخرق فإنه يخلع وتغسل الرجل وهكذا إذا كان شفافاً وجب أن يخلع وتغسل الرجل.  
 
4- إذا كان للمرأة ابن عم وعمره خمس عشرة سنة، هل يجب عليها أن تحتجب عنه أو لا؟
نعم، إذا بلغ الطفل خمس عشرة سنة وجب الاحتجاب على المرأة الأجنبية التي هي ليست محرماً له، ووجب عليه الاستئذان، كما قال الله -عز وجل- في سورة النور: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (النور: من الآية59) فهذا يدل على أنهم قبل ذلك لا يجب عليهم الاستئذان إلا في العورات الثلاث كما في الآية الأخرى، فالحاصل أنه إذا بلغ خمس عشرة سنة أو احتلم ولو قبل ذلك بأن رأى في نومه أنه جامع المرأة وأنزل المني، أو أنزل من دون جماع بأن تحركت شهوته فأنزل ولو في غير نوم، فإنه يكون بهذا قد بلغ الحلم ولو كان أقل من خمس عشرة سنة، وهكذا إذا أنبت الشعر الخشن حول الفرج فإنه يبلغ بذلك، فينبغي للمرأة أن تحتاط وتستتر وتحتجب عن المراهق لأن المراهق قد يكون بلغ بالسن أو بالاحتلام وبإنزال المني أو بإنبات الشعر فإذا علمت أنه كمل خمس عشرة سنة فإن هذا رجل يتعين الاحتجاب عنه من كل امرأة ليست محرماً له ولو كان ابن عم ولو كانت ابنة عمه أو ابنة خاله أو ابنة عمته أو نحو ذلك لقول الله -عز وجل- في الآية الأخرى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ(الأحزاب: من الآية53)، ولقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ(الأحزاب: من الآية59)، والجلباب ما يوضع فوق الرأس وفوق البدن فيستر وجه المرأة وأطرافها، ولقوله -عز وجل- أيضاً في سورة النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ..) الآية (النور: من الآية31)، والبعولة هم الأزواج، ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكرت لما سمعت صوت صفوان بن معطل يسترجع حين تخلفت في بعض الغزوات قالت: إنه عرفني فاسترجع وذلك أنه كان قد رآني قبل الحجاب فلما سمعت صوته خمرت وجهي) فدل ذلك على أنهم بعد الحجاب بعد نزول آية الحجاب أمروا بتخمير الوجوه يعني أمر النساء بتخمير الوجوه، وهذا كان في غزوة الإفك التي تخلفت فيها عائشة عن الغزو لما ذهبت تقضي حاجتها فجاء الذين يرحلونها فرحلوا هودجها يظنون أنها في الهودج لخفتها فلما جاءت ولم تجدهم اضطجعت في محلها وعلمت أنهم سيرجعون إليها فلما رآها صفوان بن المعطل استرجع لما رآها وأركبها فوق راحلته وجعل يقودها حتى أوصلها الجيش وقالت عند ذلك أنها لما سمعت صوته خمَّرت وجهها وكان قد رآها قبل الحجاب فعرفها فدل ذلك على أن النساء أمرن بهذا الحجاب لتخمير الوجوه، وأما حديث أسماء بنت أبي بكر الذي روته عائشة -رضي الله عنها- أختها، فيما رواه أبو داود في سننه من طريق عائشة رضي الله عنها- أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم- في بيت عائشة وعليها ثياب رقاق فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم- أعرض عنها، وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا الحديث قد تعلق به بعض الناس في التسهيل في كشف الوجه للنساء وهو خطأ عظيم وغلط واضح؛ لأن هذا الحديث ضعيف جداً من وجوه كثيرة؛ ولأن كشف المرأة وجهها من أسباب الفتنة والخطر؛ لأن زينتها في وجهها، وعنوانها في وجهها، دمامة وجمالاً، وهذا الحديث -كما سبق- ضعيف من جوه، منها: أنه منقطع بين عائشة والراوي عنها، فإن الراوي عنها هو خالد بن دريك وهو لم يسمع منها كما قال أبو داود وغيره، والحديث المنقطع يعتبر ضعيفاً لا حجة فيه. الوجه الثاني: أنه من رواية قتادة عن خالد بالعنعنة وقتادة مدلس ورواية العنعنة ضعيفة، كسائر المدلسين المعروفين بالتدليس إذا لم يصرحوا بالسماع، كابن إسحاق وغيرهم من المدلسين، فإن روايتهم تعتبر ضعيفة حتى يصرحوا بالسماع، ما عدا ما في الصحيحين فإن ما رواه الشيخان محتمل؛ لأنهم فتشوا عن أحاديث المدلسين ورووا منها ما صح عندهم وثبت عندهم فيه السماع. وهناك وجه ثالث يضعف فيه الحديث أيضاً وهو: أنه من رواية سعيد بن بشير، وهو ضعيف الرواية لا يحتج به. وهناك وجه رابع وهو: أنه لو صح لكان يحتمل أنه قبل نزول آية الحجاب، وما كان محتملاً فلا يحتج به؛ لأن آية الحجاب دلت على وجوب التستر والحجاب، فلو صح لكان محمولاً على أن هذا كان قبل الحجاب، فإن النساء كن قبل الحجاب يكشفن وجوههن وأيديهن، فلما نزل الحجاب منعن من ذلك. وهناك وجه خامس وهو: أنه يبعد أن يقع هذا من أسماء، فالمتن منكر، المتن في نفسه منكر؛ لأنه يبعد أن يقع مثل هذا من أسماء مع فضلها وعلمها وجلالة قدرها، وكونها زوجة الزبير بن العوام حواري الرسول صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنه-، فيبعد أن يخفى عليها هذا الأمر، ويبعد أن تدخل على النبي في ثياب رقاق، فإن هذا لا يليق بأمثالها ولا يظن بأمثالها، فهو منكر من هذه الحيثية، فاجتمع في تضعيفه خمسة وجوه، كلها تدل على ضعفه وأنه لا يجوز التعلق به في إباحة السفور للنساء، والله المستعان.  
 
5- من اعتمر ولم يودِّعْ هل عليه شيء؟
الوداع في الصحيح ليس واجباً في حق المعتمر، إنما هو واجب في حق الحاج لقوله صلى الله عليه وسلم- للحجاج: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)، ولم يقل للمعتمرين شيئاً من ذلك؛ ولأن العمرة مبناها على التخفيف والتيسير لأنها مشروعة في كل وقت، فلا يلزم فيها طواف الوداع، لكن لو ودَّع كان أفضل وإلا فليس بلازم، هذا هو الصحيح.  
 
6- أسألكم لو تكرمتم عن الرضاع، هل هو بالشبعة أم بالكَرَّة بعد المرة؟
ليس بالشعبة ولكنه بالكَرَّة بعد الكرَّة إذا وصل إلى الحليب إلى الجوف، إذ وصل الجوف ولو قليلاً فإنه يعتبر رضعة، فإذا امتص الثديَ الطفلُ الذي لم يبلغ الحولين إذا امتص اللبن وذهب إلى جوفه ولو قليلاً يعتبر رضعة، فإذا قطع ثم عاد وامتص اللبن حتى بلغ جوفه يعتبر رضعة ثانية، وهكذا إذا قطع ثم عاد ثالثة وهكذا في مجلس أو في مجالس ولو لم يشبع، المهم أن يصل اللبن إلى جوفه وأن تجزم المرأة بذلك ثم يفصل انتقاله إلى ثدي آخر أو بقطعه بأسباب أخرى ثم يعود إلى الرضاع فيمتص اللبن ويصل إلى جوفه، فإن هذه رضعة ثانية وهكذا، ولا يتم الرضاع ولا يكمل إلى بخمسة رضعات فأكثر؛ لما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم- والأمر على ذلك) خرَّجه مسلم والترمذي رحمة الله عليهما، وهذا....، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أسماء أن ترضع سالم مولى أبي حذيفة خمس رضعات وقال: (أرضعيه خمساً تحرمي عليه)؛ ولأنه عليه السلام قال: ( لا تُحرِّم الرضعة ولا الرضعتان) خرَّجه مسلم في صحيحه، هذا كله يدل على أن الرضاع القليل لا يحرم، بل لا بد من خمس رضعات أو أكثر في الحولين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم-: (لا رضاع إلا في الحولين) وقوله صلى الله عليه وسلم-: (إنما الرضاعة من المجاعة) والمجاعة محلها الحولان، وقوله صلى الله عليه وسلم-: (لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام) فالرضاع الكبير فوق الحولين لا تؤثر عند جمهور أهل العلم، وأما إرضاع سهلة بنت سهيل لسالم مولى أبي حذيفة وهو كبير فهذا خاص بها في أصح قولي العلماء، ـــ سهلة بنت سهيل ـــ أمر سهلة بنت سهيل بن عمرو أن ترضع سالم خمس رضعات... 
 
7- إذا طهرت المرأة من دم النفاس ولكن لم تكمل العدة فهل هي مأمورة بالصلاة، وهل يباح لها كل شيء؟
نعم، إذا طهرت ولو قبل الأربعين، فإن عاد الدم في الأربعين فالصواب أنها تجلس أيضاً ولا تصلي ولا تصوم، لأن عاد بوقته، فإن أتمت الأربعين ولم تطهر ولم ينقطع الدم فإنها تعتبر خارجة الحكم فعليها أن تغتسل بعد الأربعين وتصلي ولو جرى معها الدم، لأنه دم فساد كالاستحاضة تصلي وتصوم وتحل لزوجها بعد الأربعين وتتوضأ لوقت كل صلاة إذا كان الدم معها إلا إذا وافق وقت الدورة الشهرية وقت الحيض فإنها تجلس في الحيض، ولا تصلي ولا تصوم، أما النفاس فينتهي بالأربعين إلا أن ترى الطهر قبل ذلك.

451 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply