حلقة 484: حكم الكذب والغش على من لا يصلي - حكم شراء اللحم من الجزار الذي لا يصلي - توجيه لمن أصيب بمرض الوسوسة - هل الميت يعرف ما يدور في بيته - توجيه لمن يستعمل العمال الغير مسلمين

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

34 / 50 محاضرة

حلقة 484: حكم الكذب والغش على من لا يصلي - حكم شراء اللحم من الجزار الذي لا يصلي - توجيه لمن أصيب بمرض الوسوسة - هل الميت يعرف ما يدور في بيته - توجيه لمن يستعمل العمال الغير مسلمين

1- أنني عامل في بقالة لبيع المواد الغذائية وقد لاحظت العديد من المظاهر التي اشمأزيت منها، وإنني أسأل: هل يجوز الكذب على من أعرفه أنه لا يصلي ولا يصوم ويدعي أنه مسلم، وكذلك هل يجوز غشهم؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن الله -عز وجل- حرم على عباده الخيانة والغش حيث قال سبحانه وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (النساء: من الآية58) وقال -عز وجل-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (الأنفال:27) وقال -عز وجل-: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (المؤمنون:8) هذه من صفات أهل الإيمان، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من غشنا فليس منا)، فليس لك أيها السائل أن تغش من يشتري منك ويعاملك سواء كان كافراً أو مسلماً، وسوءا كان يصلي أو لا يصلي، الواجب عليك أن تؤدي الأمانة وأن تبيع بأمانة ونظافة وعدم غش وعدم خيانة، وإذا علمت أن أحداً لا يصلي أو أنه يفعل شيئاً من المنكر فعليك أن تنصح إذا استطعت ذلك وأن تعلمه ما ينفعه وأن ترشده إلى الخير وأن تنكر عليه المنكر، كما قال الله -عز وجل-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة: من الآية71) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدين النصيحة) قيل: لمن يا رسول الله! قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) فانصح من ترى منه ما يخالف الشرع حسب طاقتك، أما الغش والخيانة فلا.  
 
2- إذا كان الجزار لا يصلي ولا يصوم كيف يكون التعامل معه شرعاً؟
من كان لا يصلي ولا يصوم لا يجعل جزاراً ولا تشترى منه الذبيحة ويمنع من الجزارة وعلى ولاة الأمور أن يمنعوه، ولا يتولى الجزارة إلا مسلم معروف يؤدي الصلاة ويتباعد عن كل ما يخل بدينه، هذا هو الواجب على ولاة الأمور في كل بلد، وأن لا يتولى الجزارة إلا مسلم معروف بديانته وأمانته وأدائه الصلاة، فلا يتولاها مشرك ولا يتولاها من يترك الصلاة؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء، فالواجب على ولاة الأمور في كل بلاد من بلاد المسلمين أن يتحروا فيمن يتولى الجزارة أن يكون مسلماً.  
 
3- أسأل عن الحكم في لو كان شخص في مكان لا يوجد به ماء كاف للغسل من الجنابة ووجد شيئاً قليلاً، ما الحكم؟ أرجو إرشادي جزاكم الله خيراً.

 

يقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ..) (التغابن:16)، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعمتم) فإذا كان إنسان في مكان ليس فيه إلا ماء قليل لا يكفي الغسل فإنه يغسل به ما أمكن من جسده ثم يتيمم للباقي؛ لأنه معذور، كالذي في البرية أو في سجن لا يعطى ماء إلا لشربه وليس عنده ماء يكفيه للغسل ولا يعطى ماءً للغسل، فإنه يغتسل بالذي عنده فيغسل بعض بدنه كرأسه وصدره ونحو ذلك فيستنجي منه ويتيمم للباقي، يعني يضرب التراب بيديه بنيَّة الطهارة ويمسح بهما وجه وكفيه عن بقية بدنه، ناوياً بذلك الطهارة من الجنابة، وإن نوى الطهارة من الجنابة وجميع الأحداث صح ذلك وصارت طهارته كاملة عن الحدث الأكبر والأصغر جميعاً؛ عملاً بقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ..، وإذا كان الماء الذي عنده يحتاجه للشرب ويخشى من العطش فإنه لا يغتسل به، بل يتيمم عن الجميع ويبقى الماء عنده لحاجته؛ عملاً بقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.. وعملاً بقوله -عز وجل-: ..وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.. (195) سورة البقرة.   

 

 
4- إنه تنتابه كثير من الهواجس أو الوساوس أو الشكوك حول أمور الطلاق والظهار والوضوء, والصلاة، ويرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بإرشاده.

 

لا شك أن هذا من الشيطان؛ لأن الله يقول -جل وعلا-: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36)، ويقول سبحانه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6)، ويقول سبحانه: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) (سورة الناس). فالواجب عليك أن تحارب هذا الوساوس في جميع الأحوال في الوضوء، والغسل والمعاملات وفي كل شيء، عليك أن تحاربها لأنها من عدوك عدو الله، الواجب عليك أن تحاربها، وأن تستعيذ بالله من الشيطان، وأن تكثر من ذكر الله سبحانه، وأن تمضي في عملك ولا تلتفت إلى هذه المسألة، فإذا توضأت فاعلم أنك توضأت وانتهيت، وهكذا إذا اغتسلت اعلم أنك اغتسلت فلا تعيد لا وضوء ولا غسلاًَ، وهكذا في صلاتك، وهكذا في جميع الأحوال، تعلم أنك فعلت ما فعلت وأن هذه الوساوس التي تخطر كلها من الشيطان فاطرحها ولا تلتفت إليها، هذا هو الواجب عليك، حتى ترغم عدو الله وحتى تستريح من وساوسه مستقبلاً، فإنه إذا رأى منك اللين في قبول الوساوس طمع فيك وزاد عليك بالوساوس، وإذا رأى منك القوة والمحاربة له يئس منك وابتعد، وهكذا يجب عليك أن تستعيذ بالله من شره حتى ولو في الصلاة، إذا خطر لك هذه الوساوس في الصلاة وتواترت عليك فانفث عن يسارك ثلاث مرات وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثلاث مرات، وبهذا تسلم من عدو الله، وقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض الصحابة إلى هذا، فإن عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله! إن الشيطان لبس علي صلاتي! فقال له: (انفث عن يسارك ثلاث مرات، وتعوذ بالله من الشيطان ثلاثاً) ففعل ذلك وعافاه الله من هذه الوساوس.   

 

 
5- هل الشخص المتوفى يعرف بما يدور في بيت أهله، وكذلك يرى أهله عند زيارتهم له في المقبرة، إنني والدة شهيد، وأبكي كثيراً، وأزوره كل يوم خميس في المقبرة، وأطعم الفقراء، ولا أعرف قراءة القرآن؛ لأني لا أعرف القراءة، ولكن أقرأ سورة الفاتحة وبعض السور القصار،ولا أصلي، وأريد أن أرى ابني في الحلم، ولا أستطيع، فماذا أفعل؟
المشروع لك الدعاء له إذا كان مات مسلماً قتل مسلماً الدعاء له والترحم عليه والصدقة عنه هذا ينفعه كثيراً، أما الزيارة فليس لك الزيارة، الرسول منع النساء من زيارة القبور،وقال عليه الصلاة والسلام-: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) وأراد بذلك الرجال، أما النساء فقد ثبت عنه لعن زوارات القبور من النساء، فالواجب عليك أن لا تزوريه في المقبرة ولكن تدعين له في بيتك وفي كل مكان بالمغفرة والرحمة وتصَّدقين عليه إن تيسرت لك صدقة وأنت على خير إن شاء الله وأما الزيارة فلا، وعليك أيضاً أن تصلي عليك أن تتقي الله وأن تصلي، فإن الصلاة عمود الإسلام، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فالصلاة عمود الإسلام وأمرها عظيم، الله يقول فيها سبحانه في كتابه العظيم القرآن: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى (يعني العصر) وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238)، ويقول سبحانه في كتابه العظيم: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور:56)، فالواجب عليك أن تقيمي الصلاة في وقتها: الظهر أربعاً العصر أربعاً المغرب ثلاثاً العشاء أربعاً الفجر ثنتين، هذا الواجب عليك وعلى كل مسلم. ومن تركها كفر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالواجب عليك أن تتوبي إلى الله مما سلف، وأن تستقبلي زمانك بالصلاة والمحافظة على دين الله، وأن تسألي عما أشكل عليك من دينك أهلَ العلم، أو من طريق هذا البرنامج بالمكاتبة، وسوف تجدين إن شاء الله في هذا البرنامج ما يكفي ويشفي. وأما كون الميت يطلع على أحوال أهله ويعلم أخبارهم فهذا لا دليل عليه، قد قاله بعض الناس في بعض مرائيهم وزعموا أنهم يرون بعض موتاهم وأنهم يخبرونهم ببعض ما قد يقع، ولكن هذا لا يعول عليه، المرائي المنامية لا يعول عليها في أشياء من علم الغيب، ولكن على المؤمن أن يحرص على الإحسان إلى أمواته سواء عرفوا أو ما عرفوا، عليه أن يحرص الدعاء لهم والترحم عليهم وعلى الصدقة عنهم، وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم، عليه الصلاة والسلام- قال له رجل: يا رسول الله! هل بقي من بري أبوي شي أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال: (نعم، الصدقة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما -يعني وصاياهما الشرعية- وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلى بهما)، فالدعاء للميت والاستغفار له والترحم عليه والصدقة عنه كل هذا ينفعه في حياته وبعد مماته. أما كونهم يعلمون بالزائر فهذا أيضاً محل نظر، فقد جاء في بعض الأحاديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من عبد يزور أخاً له كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه وردَّ عليه السلام) هكذا روى ابن عبد البر وابن أبي الدنيا بإسناد جيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما من رجل يزور أخاً له كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام)، والحاصل أنه سواء عرفك أو ما عرفك، سواء عرف الزائر أو ما عرفه المهم أنه يزوره ويدعو له، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) فالمهم أنها تنفع الحي تعينه على ذكر الآخرة وذكر الموت، حتى يستعد للقاء الله، وتنفع الميت من جهة أن الزائر يدعو له ويترحم عليه ففي الزيارة للقبور مصالح للحي وللميت جميعاً، يزورهم ويسلم عليهم ويدعو لهم ثم ينصرف، لا يتمسح بقبورهم ولا يصلي عند قبورهم ولا يسأل الله بهم، ولكن يدعو لهم: اللهم اغفر لهم اللهم ارحمهم، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) وفي الحديث الآخرين: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) يدعو لهم -عليه الصلاة والسلام- فهكذا أمته تتأسى به، فتدعو للأموات، وتسأل الله لهم المغفرة والعافية، وهذا هو المشروع ويكفي هذا للمؤمن أن يفعل ما شرعه الله، وأن يقف عند الحد الشرعي.  
 
6-  للدكتور يوسف القرضاوي كتاب الحلال والحرام، باب إبداء المرأة للزينة الظاهرة، روى أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وقال لها: (يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه }، ولكني سمعت منكم أن كشف وجه المرأة حرام؟ أرجو أن ترشدوني جزاكم الله خيراً.   
سبق أن نبهنا على هذا الحديث، وبينا في حلقة سابقة بل في حلقات أن هذا الحديث لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه ضعيف جداً من وجوه كثيرة، وأن الواجب على من يذكره في أي كتاب أن يبين ضعفه، وأنه لا يصلح أن يحتج به؛ لأن في سنده انقطاعاً وضعفاً يوجب عدم الاحتجاج به وعدم الاعتماد عليه، وهو من رواية خالد بن دريك عن عائشة ولم يسمع منها، فهو منقطع والمنقطع عند أهل العلم لا يحتج به يسمى ضعيفاً، وفي إسناده رجل ضعيف يقال له سعيد بن بشير لا يحتج به أيضاً، وفي إسناده قتادة عن خالد وهو مدلس وقد عنعن هذه ثلاث علل، وعلة رابعة: وهي أن هذا الحديث لو صح لكان محمولاً على ما كان قبل الحجاب؛ لأن المرأة قبل الحجاب كانت تبيدي وجهها وكفيها ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..(الأحزاب: من الآية53)، وبقوله سبحانه-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ.. (الأحزاب:59)، وبقوله سبحانه- في سورة النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ...الآية(النور: من الآية31) فليس لهن إبداء الزينة لغير المحارم، والوجه من أعظم الزينة، فعلم بذلك أن ذكر هذا الحديث من دون تنبيه على ضعفه وأنه لو صح كان قبل نزول آية الحجاب غلط، لكن ينبغي لمن ذكره إلا أن يبين ضعفه، وهناك علة خامسة: وهي أن مثل هذا العمل لا يظن بأسماء -رضي الله عنها- فإنها امرأة صالحة فقيهة معروفة وهي أخت عائشة الكبرى، وهي زوجة الزبير بن العوام حواري الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، فلا يليق منها بعد الحجاب أن تدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثياب رقيقة أو مكشوفة الوجه واليدين، فهذا مما يبين عدم صحة هذا الحديث وأنه لا أساس له، كما تقدم بيان ذلك وأنه معلول بعلل متعددة، والله أعلم. - إذن الأفضل للمرأة والحالة هذه أن تستر وجهها؟ ج/ هذا هو الواجب عليها، هذا الواجب عليها، الواجب أنه حجاب؛ لأن الوجه هو عنوانها الدال على جمالها أو على دمامتها، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت لما سمعت صوت صفوان يسترجع، لما رآها حين تخلفت عن الجيش قالت: (فلما سمعت صوته خمرت وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب)، فعلم بهذا أنهم قبل الحجاب كانوا يكشفون الوجوه، أما بعد الحجاب فكانوا يسترونه.  
 
7- أرجو أن توجهوا أصحاب المؤسسات كي ما يكثروا من العمال المسلمين؛ لأني ألاحظ أن معظم عمال المؤسسات من غير المسلمين بل ومن غير الكتابيين أيضاً، فهم يصلون إلى نسبة تسعين في المائة؟
قد سبق منا غير مرة التنبيه على هذا، وأن الواجب على المؤسسات والشركات، وعلى غيرهم ممن يستورد العمال أن لا يستورد إلا المسلمين في هذه الجزيرة بوجه أخص؛ لأن هذه الجزيرة مهد الإسلام ومطلع شمس الرسالة ومرجع المسلمين، وفيها الحرمان الشريفان، ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإخراج المشركين منها، وأوصى بذلك عند وفاته أن يُخرجوا من هذه الجزيرة، سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو وثنيين أو الشيوعيين جميع أنواع الكفرة يجب إخراجهم من الجزيرة، وأن لا يبقى فيها إلا مسلم، ونهى أن يجتمع فيها دينان، فلا يجوز بقاء دين آخر غير الإسلام في هذه الجزيرة لا من العمال، ولا من السكان، بل يجب إخراجهم إلا من وردها في حاجة عارضة كالبريد والتاجر الذي يبيع حاجته وينصرف ونحو ذلك بصفة مؤقتة وأيام معدودة ، فعلى المؤسسات والشركات والأفراد وعلى الدولة وفقها الله أن تعنى بهذا الأمر، وأن تأخذ على أيدي الناس، وأن تمنع من استيراد الكفار إلى عند الضرورة القصوى في مصلحة المسلمين فيما يتعلق بالدولة إذا احتيج إلى بعض الكفرة لمصلحة للمسلمين ولم يتيسر أن يقوم بعمله غيره، أما عموم الناس فالواجب منعهم من استيراد الكفرة، وأن لا يستوردوا إلا مسلمين في عمل البناء وفي غير ذلك من الأعمال، هذا هو الواجب على المسلمين جميعاً، وأن يعملوا بما أوصى به نبيهم -عليه الصلاة والسلام- من إخراج الكفار من هذه الجزيرة وعدم استيرادهم لها؛ لما في اختلاطهم بالمسلمين من الأضرار العظيمة والأخطار الكبيرة، نسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه، وأن يوفق الدولة بتنفيذ أوامر الله ورسوله في كل شيء، وأن يعينها على ذلك إنه خير مسئول.  
 
8- معي في المؤسسة عمال غير المسلمين ولا حتى من أهل الكتاب، كلما علمتهم شيئاً استعملوه ضدي، فهل أمتنع عن تعليمهم أي شيء، ويكون هذا حلال أم حرام؟
الواجب عليك أن لا تستورد كفاراً وأن تبعدهم إلى بلادهم، وأن تنهي عقودهم وأن لا تخبرهم بشيء يضرك، وإنما تنصحهم، تدعوهم إلى الإسلام وتعلمهم ما ينفعهم، أما أن تعلمهم شيئاً يضرك فلا تعلمهم شيئاً يضرك، بل أبعدهم وأنهِ عقودهم واتق الله واتبع رسوله -عليه الصلاة والسلام-.  
 
9- إني أنجبت بنتين معوقتين وهما أختان من الأب والأم، البنت الأولى عمرها ثلاث عشرة سنة، وهي تسمع وترى لكنها لا تعرف أن تتكلم أو أن تنطق اسمها، ولا تعرف حتى الليل من النهار، ودرست ست سنوات في المعهد الفكري في جدة ولم تستفد شيئاً، ولا حتى حرفاً واحداً من القرآن الكريم، فبماذا تنصحوني يا فضيلة الشيخ، ولا سيما في أمر الصلاة، ذلك أنها لا تعرف شيئاً عنها، وإنني احترت معها وأنا أعلمها، هل علي إثم إذا تركتها؟ أرجو إرشادي جزاكم الله خيراً.   
إذا كانت تعقل بالإشارة فعلموها بالإشارة كيف تصلي، وكيف تتطهر، وإذا كانت لا عقل لها فالحرج منتفٍ حينئذ ولا تكليف عليها حينئذ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المعتوه حتى يفيق)، فهي الآن بين أمرين: إما أن تكون تعقل فعلموها ولو بالإشارة كيف تصلي كيف تتوضأ كيف تستنجي، علموها، فإذا تعلمت كفى، والحمد لله، وهي تصلي بقلبها ولو لم تنطق، فاتقوا الله ما استطعتم، وأحسنوا إليها وأبشروا بالخير، وارحموها يرحمكم الله، أما إن كانت لا تعقل ولا تفهم الإشارة ولا تستفيد فليس عليكم شيء، والتكليف عنها مرفوع كالمجنون ونحوه، نسأل الله السلامة.  
 
10- أما البنت الثانية فإنها ولدت وهي عمياء العينين، وعاشت معي أربع سنوات وهي على حالتها المذكورة، وكل مرة كنت أرجعها من الخطر، فمثلاً كانت تريد أن ترمي بنفسها من فوق المنزل إلى الشارع، وكنت أحافظ عليها، ولكن في يوم من الأيام قذفت بنفسها إلى الشارع من فوق أربع أدوار، ولبثت قليلاً وماتت، فهل أنا يا فضيلة الشيخ قصرت بحقها، وكلما افتكرتها فإن ضميري يؤنبني، فهل علي إثم أو ذنب لأني تركتها، أم أن هذا قضاء وقدر علي، وإذا كان علي إثم فهل ينبغي علي أن أصوم شهرين، أم ماذا أعمل إذا كان علي إثم أو ذنب بحقها؟ والله الموفق وجزاكم الله خيراً.   
إذا كنت تركتيها في السطح الأعلى وليس به حجاب ولا مانع فقد فرطت وعليك الدية والكفارة، الدية للورثة، وعليك الكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة إن تيسر ذلك، فإن عجزت فصيام شهرين متتابعين، لأن الواجب عليك حفظها وصيانتها وهي أمانة في الذمة، فإذا كنت لم تفرطي كانت في السطح المصون الذي مثله لا تستطيع أن تُسقط نفسها منه ولكنها تعبثت حتى صعدت على الجدار أو مع كوة أسقطت نفسها معها وهي مرتفعة من الأرض ولكن حاولت بعبثها فليس عليك شيء إن شاء الله؛ لأنك لم تفرطي في مثل هذا، أما إذا كانت في محل يعرف أنها بإطلاقها فيه سوف تسقط لأنه ليس له حمى يحميها من السقوط هذا التفريط يوجب الضمان، ونسأل الله أن يعوضك خيراً.  
 
11- ولأنا نحن في الواقع ومجموعة من الفتيات غرتنا الحضارة الأوروبية الزائفة فترة من الزمن، ثم هدانا الله عز وجل وتبنا توبة نصوحاً إن شاء الله، وعندنا رغبة كبيرة في أن نطبق شرائع ديننا، ونطيع الله ورسوله، وذلك طبعاً من القرآن والسنة بعيداً عن البدع الجديدة التي ظهرت عن طريق الإسلام -هكذا تعبيرهم شيخ عبد العزيز- كذلك بعيداً عن التشيع والأحزاب، ونحن نعتبر هذا البرنامج مصدراً موثوقاً بحيث أننا لا نتردد -إن شاء الله- في تنفيذ ما نسمعه من كلام، وجزاكم الله خيراً عنا وعن جميع المسلمين. ملاحظة لنا بعض الأسئلة نرجو أن تتفضلوا بإذاعتها قبل أن توجهونا حيال ما ذكرنا جزاكم الله خيرا . وفي سؤالهم الأول يرجون التوجيه حول توبتهم . 
أما ما يتعلق من ــ بهذا البرنامج وتوبتكن مما كان سابقاً من مخالفة أمر الله فهذا من نعم الله عليكن والحمد لله، ونسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق والمزيد من العلم النافع والعمل الصالح وهذه في الحقيقة نعمة عظيمة، عليكن أن تشكرن الله عليها جميعاً جل وعلا وأن تستكثرن من طاعته وذكره والاستقامة على عمله لأنه هو الذي من عليكن بهذه النعمة العظيمة وهذه التوبة والرجوع إليه سبحانه وتعالى، فنسأل الله أن يثبتكن على ذلك وأن يعينكن على كل خير. والحمد لله على كل حال. سنعود إلى أسئلتكن يا أخواتنا من ليبيا في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.

441 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply