حلقة 486: عورة الرجل - حكم استعمال الحناء للحائض - حكم المكياج وحمرة الشفايف - السواك مشروع للرجال والنساء - حكم الغناء وآلات اللهو - حكم قص المرأة شعرها من الأمام - حكم الكلام أثناء التسبيح - الوضوء عند لمس المصحف

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

36 / 50 محاضرة

حلقة 486: عورة الرجل - حكم استعمال الحناء للحائض - حكم المكياج وحمرة الشفايف - السواك مشروع للرجال والنساء - حكم الغناء وآلات اللهو - حكم قص المرأة شعرها من الأمام - حكم الكلام أثناء التسبيح - الوضوء عند لمس المصحف

1- لقد سمعت بأن عورة الرجل هي في الصلاة فقط، فهل هذا صحيح؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً، لأنا نشاهد المصارعة الحرة، والمصارعة كما تعلمون يرتدي أصحابها ملابس قصيرة جداً!!

سم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله أصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد.. فإن عورة الرجل ما بين السُّرَّة والركبة في الصلاة وخارجها، لكن يزاد على ذلك في الصلاة أن يستر عاتقيه أو أحدهما برداء ونحوه مع القدرة على ذلك، ولا يجوز للمؤمن في الصلاة أن يبدي شيئاً مما بين السرة والركبة، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم وهو الصواب، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الفخذ ليس بعورة ولكنه قول مرجوح، والصواب الذي دلَّت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه عورة، وأن العورة ما بين السرة والركبة، هذا في جميع الأوقات، لكن في الصلاة يشرع له أن يضع على عاتقيه شيء كالرِّداء، وإن كان الإزار واسعاً التحف بأطرافه على عاتقيه وكفى؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض الصحابة: (إن كانت الثوب واسعاً فالتحف) وفي اللفظ الآخر: (فخالف بين طرفيه) يعني على عاتقيه، (وإن كان ضيقاً فاتزر به)؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) وفي اللفظ الآخر: (ليس على عاتقيه منه شيء)، وما يفعل في بعض الأحوال من بعض الرجال هذا لا ينبغي أن يعتقد أنه جائز، ولو فعله الناس من إبداء الفخذ أو ما تحت السرة كل هذا وإن فعله بعض الناس في أي حال سواءٌ كان ذلك في لعب الكرة أو في غير ذلك فإنه يعتبر ممنوعاً ويعتبر خطأً، ولا يجوز إبداء الفخذين لا في حال مسابقة الكرة ولا في غير ذلك، ولا المجالس إذا جلس الناس فيما بينهم بل يجب على الرجل أن يفعل ما شرع الله له وأن يتأدب بالآداب الشرعية فيستر ما بين السرة والركبة، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بحفظ العورات، فالواجب على المؤمن أن يحفظ عورته وهكذا المؤمنة يجب عليها أن تحفظ عورتها وهي كلها عورة عند الرجال، والرجل عورة ما بين السرة والركبة مطلقاً، وفي الصلاة عليه أن يستر عاتقيه أو أحدهما بالرداء أو بأطراف الإزار، هكذا جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والله المستعان.  
 
2- هل المرأة إذا حنَّأت شعرها أو كفيها في وقت العادة الشهرية هل هذا يعتبر حراماً؟
ليس في ذلك حرج، كونها تستعمل الحناء في حال الحيض أو في حال النفاس في يديها أو في رجليها أو في شعرها كل ذلك لا بأس به ولو كانت في حال الحيض والنفاس.   
 
3- لقد قرأت في أحد الكتب بأن الرَّوج (حمرة الشفايف) هي زينة الجن والشياطين، هل يجب علينا عدم استعمالها للزينة، وهل المكياج حرام؟ مع أننا لا نضعها إلا في المناسبات مثل الأعياد والزواجات، ولا يرانا الرجال؟!
وضع ما اعتاده النساء في الشفة من الحمرة هذا لا بأس به، والرَّوج بأنه زينة الشياطين هذا لا أصل له، المقصود أن المرأة لها أن تتزين وتتجمل بما تراه مناسباً في وجهها وكفيها وفي يديها وفي فمها كل هذا لا بأس به عند الزوج، لا للرجال الأجانب، أو بين النساء لا بأس، أما عند الرجل الأجنبي فهذا لا يجوز، عليها أن تتستر وأن تحتجب عمن حرم الله عليها أن يراها؛ كما قال الله سبحانه: ..وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ.. (53) سورة الأحزاب، الآية من سورة الأحزاب، وقال تعالى في سورة النور: ..وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ الآية (31) سورة النــور، فالواجب على المؤمنة أن تتقي الله وأن تحذر إبداء الزينة لغير الزوج والمحارم، والمكياج كذلك: إن كان فيه مضرة يمنع، أما إن كان مجرد زينة ولكن لا يضر الوجه فلا حرج فيه، كالصابون والسدر وغير ذلك، لكن بلغني من بعض الخبيرات أن بعض المكياج قد يضر الوجه، وقد يحصل بسببه نقط سوداء أو أشياء غير ذلك، فإذا عرف أنه يضر بعض أنواع المكياج فيمنع، أما إذا كان مجرد أنه ينور الوجه ولكن لا يكسب وجهها مضرة فلا حرج في ذلك.  
 
4- سمعت بأن السواك حرام بالنسبة للنساء، هل هذا صحيح؟!!
ليس بصحيح، السواك مشروع للجميع للرجال والنساء، عند الصلاة، عند الوضوء، عند الدخول في الصلاة، عند الوضوء، عند الدخول في المنزل، عند تغير الفم، عند القيام من النوم، مشروع، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) ويقول عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي اللفظ الآخر: (مع كل وضوء)، ولم يخص الرجال بل عم الأمة، فهو مشروع للرجال والنساء جميعاً؛ ولكن كثيراً من الناس يقول على الله بغير علم ويكذب ولا يبالي، نسأل الله العافية، والواجب على المؤمن والمؤمنة الحذر مما حرم الله من الكذب، فلا يقول الإنسان: هذا حرام وهذا حلال إلا عن دليل وعن بينة، ولا يجوز للمرأة والرجل أن يقول على الله بغير علم لا في السواك ولا في غير السواك، يقول الله سبحانه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33) سورة الأعراف، فجعل القول عليه بغير علم فوق الشرك فوق المرتبة التي هي أعظم خطر وهو الشرك بالله عز وجل، فالمقصود أن القول على الله بغير علم له خطرٌ عظيم حتى ذكره الله في هذه الآية فوق مرتبة الشرك؛ لأن الشرك قولٌ على الله بغير علم، وأخبر في سورة البقرة أن الشيطان يأمر بذلك وقال سبحانه في الشيطان: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، هكذا أخبر سبحانه وتعالى، وقبلها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ*إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (168-169) سورة البقرة، فهذا هو أمر عدو الله، يأمر الناس بأن يقولوا على الله بغير علم، لما يترتب على ذلك من الضلال والإضلال، والفساد الكبير، نسأل الله العافية.  
 
5- لقد قيل: إن الأغاني حرام بسبب الموسيقى، فهل هذا صحيح؟ وهل الموسيقى لوحدها حرام، أم الشعر الغزل المغنى فيها حرام؟ ويوجد أيضاً بعض الآلات فهل هي حرام أم لا؟ وهي: الطبل، والربابة، والناي، والمزمار، وآلة البيانو؟!!
الأغاني محرمة، وقد نص أهل العلم على ذلك، وحكى بعض أهل العلم إجماع أهل العلم على ذلك، ومن أدلة ذلك قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.. (6) سورة لقمان، قال أكثر علماء التفسير: إن المراد بذلك الأغاني، وهكذا أصوات الملاهي، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف) والحِر هو الفرج الحرام يعني الزنا، والحرير معروف محرم على الرجال، والخمر معروف محرم على الجميع وهو المسكر، والمعازف هي: الأغاني وما يعزف فيه من آلات الملاهي، فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة الحذر من ذلك، ولا يجوز استماع ذلك لا من إذاعة ولا من غيرها، أما الشعر العربي الذي ورد في كلام العرب ومن كلام الصحابة وكلام غيرهم فلا بأس إذا كان فيه شيءٌ طيب، فالأشعار التي قالها أهل الخير من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم هذه ليست داخلة في الأغاني، فالشعر بلغة العرب ولحون العرب فيما ينفع الناس كالحث كالاستقامة على الدين والجود والكرم والعفة والبعد عما حرم الله هذه أشعار مقبولة، كما قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن من الشعر حكمة) وكان حسان بن ثابت ينشد في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي المسجد أيضاً يهجوا المشركين ويدعوا إلى دين الإسلام، وهكذا غير حسان ككعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وآخرين، وهكذا من بعد الصحابة من أهل العلم، فالمقصود أن الشعر في اللغة العربية فيما ينفع الناس هذا ليس فيه بأس وليس من الأغاني، وإنما الأغاني هي ما يكون باللحون المطربة بلحون الرجال المتشبهين بالنساء أو بلحون النساء، هذا هو الذي يضر الناس ويثير الغرائز ويدعو إلى الفساد ولاسيما إذا كان في مدح النساء أو الخمور أو اللواط أو غير هذا مما حرم الله، فيجتمع في ذلك الصوت المطرب مع المعنى الفاسد، فيكون في هذا شرٌ كثير وفساد كبير؛ ولهذا ذكر أهل العلم تحريم ذلك ونص عليه العلماء وبسطها في ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه: (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان). فيجب على المسلم والمسلمة الحذر من ذلك وعدم استماعه لا من شريط ولا من إذاعة ولا من تلفاز ولا من غير ذلك حفظاً للدين وحفظاً للمروءة، وحذراً من أسباب الفتنة والفساد، وإذا كان مع الأغاني آلات الملاهي الرباب وغيره من أنواع الملاهي كالطبل وكالموسيقى وكالمزمار وما أشبه ذلك صار الإثم أعظم. وذكر ابن الصلاح وغيره إجماع أهل العلم على تحريم ما يكون فيه استماع الغناء مع آلات الملاهي، يكون الشر أعظم والفتنة أكبر، وإذا انفرد الغناء وحده ليس معه آلة لهو فالذي عليه جمهور أهل العلم وحكي الإجماع منهم التحريم؛ لما فيه من الفساد، فإذا انضاف إلى ذلك آلات الملاهي من موسيقى ومزمار أو غير ذلك من آلات الملاهي كالطبل وكالرباب وأشباه ذلك كل ذلك يجعله أشدُّ تحريماً وأشد فساداً، نسأل الله للجميع العافية.      
 
6- هل قص الشعر من الأمام حرام، وهي للزينة فقط؟ فأنا لي غرة من الأمام، وشعري من الخلف طويل، وأنا أحبها كثيراً، وهي تزين وتجمل الوجه كثيراً، مع العلم بأنه لا يراها غريب غير محرم، فجميعهم محارمي، مثل والدي وأعمامي وأخوالي وإخواني وأخواتي؟
لا حرج في ذلك، الحمد لله، المهم صيانة ذلك عن الأجنبي، فإذا كان من يراها الزوج والنساء والمحارم فلا حرج في ذلك.  
 
7- أنا بعد أن أصلي أبدأ في التسبيح، وعندما يكلمني أحد أرد عليه في أثناء التسبيح، هل في ذلك شيء؟ ولكني أيضاً أنسى كم مرة سبحت! أرجو توجيهي جزاكم الله خيراً.
لا حرج في ذلك كون الإنسان يذكر الله بعد الصلاة ويتكلم عند الحاجة لا بأس، وإذا نسي يعيد حتى يأتي بالمشروع، فإذا شك هل سبح ثلاثاً وثلاثين أو أقل يكمل يعمل بالحيطة ويكمل حتى يحصل له الأجر.  
8- أنا أتابع حفظ القرآن الكريم في المصحف الشريف، ولكني في أحيان كثيرة أصاب بحاجة إلى الوضوء، هل يلزمني ذلك، أم أني أقاس على المتعلمين؟
عليك أن تتوضأ إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء عليك أن تتوضأ ولا تمس المصحف إلا بوضوء، أما إذا كان عن ظهر قلب فلا بأس؛ ولهذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، وهكذا أفتى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم: أنه لا يمس المصحف إلا من هو على وضوء على طهارة، فلا يمسه الجنب ولا من هو على حدث أصغر، أما إذا كنت تقرأ عن ظهر قلب فلا بأس أن تقرأ عن ظهر قلب إذا كنت لست جنباً وإنما عليك حدث أصغر فلا بأس أن تقرأ عن ظهر قلب، أما الجنب فلا يقرأ لا عن ظهر قلب ولا عن مس المصحف حتى يغتسل.  
 
9- يقول البعض: إن تقبيل الرجل كبير السن للنساء الأجنبيات ليس في ذلك شيء، هل ما قالوه صحيح؟
ليس بصحيح، بل هو منكر، ليس للرجل أن يقبل امرأةً غير محارمه أو زوجته، إذا قبل زوجته أو بعض محارمه برأسها أو خدها فلا بأس بذلك، فقد ثبت عن الصديق -رضي الله عنه- أنه ربما قبل عائشة في خدها -رضي الله عنها- ابنته، فلا حرج في ذلك، وكانت فاطمة إذا دخل أبوها عليها أو دخلت عليه قبلها وقبلته، فلا بأس في ذلك مع المحارم، أما كونه يقبل امرأة أجنبية ولو عجوزاً ولو كان شيخاً كبيراً إلى مائة عام ليس له ذلك، وليس له أن يصافحها أيضاً حتى المصافحة.  
 
10- قرأت في كتاب لابن الجوزي يسمى (الأذكياء) طُرفةً تقول: إن رجلاً وعد قوماً بدعوتهم إلى وليمة، فكلما مر بهم يقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟! فيسكت عنهم، حتى إذا تم له ما أراد، أي اجتمعت له أسباب الوليمة مر بهم فقالو له: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ فرد عليهم قائلاً: انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون؟ والسؤال يا فضيلة الشيخ هو: هل يجوز استعمال القرآن في مثل هذه المواضع، وهل يعد هذا استهزاء بالقرآن، وإذا كان كذلك فما حكم قراءة كتاب الأذكياء هذا لابن الجوزي وغيره من الكتب التي تحوي مثل هذه المهاترات، كالمستطرف مثلاً وغيره؟ أفتونا مأجورين، جزاكم الله خيراً. 
كثيرٌ من أهل العلم وهو أنه لا ينبغي أن يستعمل القرآن بدل الكلام، مثل ما ذكرت أيها السائل، بل يتكلم بكلام معتاد ولا يجعل القرآن بدلاً من ذلك هذا هو الذي ينبغي، وإذا أراد بهذا الاستهزاء والتنقُّص فهو كفر أكبر نعوذ بالله، أما إذا أراد أخذ ألفاظ القرآن أو التأدب بآداب القرآن أو يرى أن هذا أصلح وأحسن من الكلام الآخر فهذا غلط منه يوجه إلى الخير ويقال له: اترك هذا، لا ينبغي لك هذا، أقل أحواله الكراهة. وأما الكتاب (كتاب الأذكياء) وأشباهه فلا نعلم فيه بأساً، والمستطرف وأشباه ذلك إذا كان الذي يطالعه يفهم ويعقل أو يسأل عما أشكل عليه من ذلك؛ لأن فيه بعض الفوائد فيه بعض المسليات وبعض العجائب التي يطلع عليها الإنسان من أمور الناس، فلا نعلم في قراءته شيئاً، لكن إذا أشكل عليه شيء يسأل أهل العلم إذا كان ليس من أهل العلم.  
 
11- من تزوج امرأة لا تصلي قبل الزواج أو عند الزواج، وكذلك من تزوجت رجلاً لا يصلي فإن عقد النكاح باطل، ويجب تصحيحه وتجديده، والسؤال يا فضيلة الشيخ هو: كيف يتم تجديد عقد الزواج، وهل يجب فيه الإشهار أم يُكتفى بالإشهار الأول، وهل لا بد أن يكون هناك قاضٍ، أم يكتفي بولي المرأة والزوج وشاهدين فقط، علماً بأن الغالبية عندنا من الفتيات لا يصلين قبل الزواج، وما حكم أخ لي شقيق نصحته بأن يجدد عقده؛ لأن امرأته لم تكن تصلي قبل الزواج فسخر مني وتهكم علي معانداً بأنه مقتنع بهذا العقد، وسيستمر عليه، ويعلل ذلك بأن الكافر هو من ترك الصلاة جحوداً فقط، أما من تركها كسلاً وتهاوناً واستهتاراً رغم اعترافه بمشروعيتها ووجوبها فإنه يعد فاسقاً فقط وهو من المسلمين!! أجيبوني عما طرحت من أسئلة أثابكم الله ووفقنا وإياكم، وجزاكم الله خيراً.   
هذا الموضوع موضوع اختلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فمن قال: إن ترك الصلاة تهاوناً من غير جحود للوجوب يعتبر كفراً أكبر وردة عن الإسلام قالوا: يجدد العقد، إذا كان أحدهما يصلي والآخر لا يصلي وقت العقد يجدد، إذا كان الزوج لا يصلي وهي تصلي أو كان هو يصلي وهي لا تصلي فإنه يجدد العقد؛ لأنه يعتبر أحدهما كافراً فيجدد العقد، لأنه ليس للمسلم نكاح الكافرة، وليس للكافر نكاح المسلمة، أما إذا كانا جميعاً لا يصليان فإنه يصح العقد؛ لأنهما مستويان في هذا، كما يتزوج الكافر من الكافرة اليهودي من اليهودية وأشباه ذلك، وهذا كله إذا قلنا بأن تاركها تهاوناً يعتبر كافراً كفراً أكبر، وهذا هو الأصح عند المحققين من أهل العلم: أن تركها تهاوناً وكسلاً كفر أكبر، نعوذ بالله من ذلك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقوله –أيضاً- عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) مع أحاديث أخرى في الباب دالة على أن ترك الصلاة -وإن كان تهاوناً- كفر أكبر، وبهذا يجب تجديد النكاح إذا كان لا يصلي وهي تصلي أو العكس، ولا يشترط تجديده عند الحاكم ولا عند المأذون لو جدداه في البيت في بيتهما بحضرة الولي والشاهدين كفى ذلك، هذا المطلوب التجديد، إذا جددا بحضرة الشاهدين وبحضرة الولي ولي البنت بأن يقول الولي: زوجتك، فقال: قبلت، إذا كان الكل منهما يريد الآخر ما بينهما اختلاف هو يريدها وهي تريده فإنه يجدد بمهر جديد وعقد جديد وحضرة شاهدين عدلين، ويكفي هذا والحمد لله، هذا هو المختار وهذا هو الأرجح. وأما على قول من قال: إنه كفرٌ أصغر وأنه فسق فقط فلا حاجة إلى التجديد كما ذلك السائل عن خصمه، ولكن الأرجح والصواب أن تركها تهاوناً يعتبر كفراً أكبر للأدلة القائمة في ذلك، أما من تركها جحوداً لوجوبها فهذا يكفر عند جميع العلماء، وهكذا من استهزأ بها وسخر منها ولو صلى، يعتبر كافراً كفراً أكبر، نعوذ بالله من ذلك، نسأل الله للجميع العافية.  
 
12- لي أخ يبلغ من العمر عشرين سنة وقد رضع من زوجة خالي، وهو يأكل ويشرب ويجلس مع ابنة خالي التي رضع معها، ويذهب بها إلى المدرسة وينفرد بها مثل أخته، ونحن لا نعلم كم عدد الرضعات التي رضعها من زوجة خالي، والسؤال: ما حكم جلوسها معه وانفراده بها، ونحن لا ندري كم عدد الرضعات -كما أسلفت-؟ جزاكم الله خيراً   
لا يتم كونه محرماً لها ولا كونه أخاً لها إلا بإثبات الرضاعة، فلا بد من إثبات أن الرضاعة خمس رضعات في الحولين، بشهادة امرأة ثقة أو رجلٍ ثقة أو أكثر من ذلك، أما إذا كان لا يعلم عدد الرضعات وليس هناك من يشهد بعدد الرضعات التي هي معتبرة وهي خمس فأكثر فإنها لا تكون أختاً له وليس له الخلوة بها، وليس له الذهاب بها وحده إلى المدرسة ولا غيرها؛ لأنه يعتبر أجنبياً إلا إذا ثبت أنه رضع من أمها خمس رضعات أو أكثر من ذلك باعتراف أمها أو من شهادة الثقة العارف بذلك أو المرأة الثقة العارفة بذلك.  
 
13- أفيدوني عن الحديث الذي جاء في نهايته: (إن الله خلق آدم على صورته). أولاً: ما هي صحة هذا الحديث؟ ثانياً: ما معنى هذا الحديث؟ ثالثاً: على من ترجع الهاء التي في آخر كلمة صورته؟ نسأل الله لكم الأجر وجزيل الثواب.
هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم في الصحيحين، وفيه: (إن الله خلق آدم على صورته) والضمير على الراجح يعود إلى الرب عز وجل، وقد أنكر ذلك بعض أهل العلم، وخطأهم المحققون من أهل العلم كالإمام أحمد رحمه الله وإسحاق بن راهويه وجماعة آخرين بينوا أن الضمير يعود على الله وهكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم وغيرهم قالوا: إنه يعود على الله، والمعنى أن الله خلق آدم على صورته سميعاً بصيراً متكلماً مختاراً، وليس معناه التمثيل والتشبيه؛ لأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولم يكن له كفواً أحد، فمعنى على صورته: بلا كيف ولا تمثيل، هذا هو الحق وهذا هو الصواب، وقد جمع أخونا في الله العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رسالة في هذا وجمع فيها الأحاديث ونقل فيها كلام أهل العلم، وهي رسالة مفيدة مطبوعة، وقد يظن بعض الناس أن هذا يقتضي التمثيل، وليس الأمر كذلك؛ ولهذا ذكر العلامة الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتابه (كتاب التوحيد) إنكار عود الضمير على الله فراراً من التشبيه، وليس الأمر كذلك؛ ولهذا قال أهل العلم: إنه لا تشبيه في ذلك، كالإمام أحمد رحمه الله ابن حنبل والإمام إسحاق بن راهويه وآخرين من أهل العلم وابن قتيبة في (مختلف الحديث) والذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم. فالمقصود أنه حديث صحيح والضمير يعود فيه على الله عز وجل؛ ولهذا في حديث آخر رواه أحمد وغيره (خلق آدم على صورة الرحمن) فأوضح الضمير، وبين أنه يعود على الله عز وجل، فهو على صورة الرحمن من حيث أنه سميع بصير متكلم إذا شاء إلى غير ذلك، وليس معنى ذلك التمثيل والتكييف فلا، لأن الله عز وجل ليس له مثل ولا شبيه؛ كما قال سبحانه وتعالى: ( ..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.. (11) سورة الشورى، وقال -عز وجل-: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ.. (74) سورة النحل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ليس قصده التمثيل وإنما قصده إخبار بشرف آدم وأن آدم شرفه الله بأن خلقه على صورته؛ ولهذا نهى عن ضرب الوجه، وقال: (إن الله خلق آدم على صورته) فلا يجوز للمؤمن ضرب الوجه، لا يجوز ضرب الوجه، لا يجوز الضرب في الوجه ولا الوشم في الوجه، بل يجب تجنب ذلك عملاً بالحديث الصحيح الذي فيه النهي عن ذلك.  
 
14- إذا كان الشخص يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ومات وهو تارك للصلاة كسلاً، هل هو مخلَّد في النار أم لا؟
سبق في السؤال السابق أن من ترك الصلاة تهاوناً فقد اختلف فيه العلماء: هل هو كافر كفرٌ أكبر أم كفراً أصغر؟ وسبق أنه كافرٌ كفراً أكبر في الصحيح من قولي العلماء، وإذا كان كفره أكبر فهو إذا مات على ذلك يكون حكمه حكم الكفار مخلداً في النار؛ كسائر الكفرة، وقد قال الله -عز وجل- في كتابه العظيم لما سئل أهل النار ......!! (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرَّجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة -رضي الله عنه- وهناك أدلة أخرى زائدة على ذلك، وفي هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)(42-47 المدثر)، فجعلها جعل ترك الصلاة مع هؤلاء فدل ذلك على أنه كفر أكبر؛ لأن الشك في الدين والخوض فيه على سبيل الشك والريب وهكذا التكذيب بيوم الدين بيوم القيامة كله كفر أكبر نعوذ بالله، فيجب على المؤمن أن يحذر ترك الصلاة مطلقاً، أما إن جحد وجوبها فالأمر أعظم فإنه كافرٌ بالإجماع، نسأل الله العافية.  
 
15- بعض العلماء يرى أنه لا يجوز تكفير أهل القبلة وكل من قال: لا إله إلا الله، لكن السؤال: هل كل من قال: لا إله إلا الله، مع الاعتقادات الخاطئة من الشرك بالله بدعاء غيره، وتقديم الشعائر لغيره، هل يُعتبر هذا ضمن ما قالوا ولا يجوز تكفيرهم؟
نعم، أهل السنة -رحمهم الله- يقولون: لا يُكفَّر المسلم بذنب، ومرادهم الذنوب التي دون الشرك، دون الكفر، كالزنا والسرقة والعقوق للوالدين أو أحدهما، وشرب المسكر ونحو ذلك، إذا فعل المسلم شيئاً من هذا ما يكون كافراً كفراً أكبر، ولكن يكون عاصياً ويكون فاسقاً، ولا يكفر بذلك ما دام موحداً مؤمناً، وإنما فعل هذا طاعة للهوى وليس مستحلاً لما حرم الله من السكر والربا ونحو ذلك، فهذا يكون عاصياً ويكون فاسقاً ويكون ضعيف الإيمان عند أهل السنة ولا يكون كافراً، ولكن اختلف العلماء في ترك الصلاة كسلاً هل يعتبر من هذا الصنف أو يعتبر من أنواع الردة؟ على قولين لأهل العلم، والصواب أنه يعتبر من نواقض الإسلام ومن ....! الردة وإن لم يجحد وجوبها لأنها عمود الإسلام وأعظم أركانه بعد الشهادتين؛ ولأنه ورد فيها من الأدلة على تعظيمها وأن تركها كفر أكبر ما لم يرد في غيرها من فروع الإسلام، وهكذا كل عمل أو قول يتضمن تنقص الإسلام أو الطعن في الإسلام أو الاستهزاء بالإسلام أو جحد ما جاء به الإسلام من واجب أو محرم يكون ردة عن الإسلام، كما لو استهزأ بالصلاة أو استهزأ بالصيام أو بالحج أو بأخبار يوم القيامة، أو بغير ذلك من أمور الدين يكون كفره أكبر، كما قال سبحانه: (..قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ..) (65-66 التوبة)، وهكذا سب الدين كفرٌ أكبر، الذي يسب الإسلام أو يسب الصلاة أو يسب الرسول عليه الصلاة والسلام يكون كفراً أكبر نعوذ بالله من ذلك، وهكذا من استغاث بالأموات أو بالأصنام أو دعاهم لكشف الضر أو جلب النفع، أو طلب منهم المدد، المدَد المدد يا سيدي فلان، أو من الأصنام أو من الأشجار أو من الجن كل هذا يكون كفراً أكبر؛ لأن هذا يناقض لا إله إلا الله، فلا بد في حق من قال لا إله إلا الله أن لا ينقضها بأعماله ولا بأقواله، فلا بد أن يعتقد ما دلت عليه من توحيد الله وأنه مستحق العبادة سبحانه وتعالى، فإذا قالها ولم يعتقد معناها أو لم يعمل بمعناها صار كافراً كالمنافقين يقولون: لا إله إلا الله وهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم قالوها باللسان فقط، وهكذا كثيرٌ من المرتدين ممن ينتسبون للإسلام يقول: لا إله إلا الله، ولكنه يتعاطى ضدها من القول والعمل، فلا ينفعه دعوى الإسلام، ولا ينفعه قول لا إله إلا الله مع كونه أتى بما يناقضها من الذبح لغير الله كالجن أو دعاء غير الله كالأموات أو الأصنام أو ما أشبه ذلك، أو الاستغاثة بغير الله عند الشدائد أو ما أشبه ذلك من أنواع العبادة التي يصرفها لغير الله، فإنه يكون بذلك مشركاً شركاً أكبر، وعليه أن يبادر بالتوبة قبل أن يموت على ذلك.  
 
16- ما الفرق بين الإيمان والإسلام؟
الإيمان هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان عند الإطلاق؛ لأن الإيمان تصديق القلوب وكل ما يتعلق بالإسلام من قول وعمل، والإسلام كذلك هو الانقياد لله والخضوع له بتوحيده والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه، فإذا أطلق أحدهما شمل الآخر، كما قال عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ.. (19) سورة آل عمران، يعني والإيمان داخل في ذلك، أما إذا جمعا فإن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة، إذا جمع بينهما كما في حديث جبريل لما سأل النبي عن الإسلام والإيمان، فسر له النبي الإسلام بالأمور الظاهرة كالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، وفسر له الإيمان بأمور باطنة قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)، هذا هو الفرق بينهما: عند الاجتماع يكون الإسلام المراد به الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة، وعند انفراد أحدهما يدخل فيه الآخر، وهكذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، فالإيمان بضع وسبعون شعبة يدخل فيه الإسلام؛ ولهذا ذكر أفضل ذلك: لا إله إلا الله، وهي أصل الإسلام، فدل ذلك على أن الإيمان إذا أطلق دخل في الإسلام، وهكذا إذا أطلق الإسلام دخل فيه الإيمان عند أهل السنة.  
 
17- أريد تفسيراً لقاعدة (كُفْر المعيَّن)؟
يمكن أن يقال في هذا: أن المعين يكفر إذا تعاطى أسباب الكفر فإنه يكفر كفراً معيناً، فإذا علم أنه يسب الدين أو يسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو يترك الصلاة عمداً أو جَحْداً لوجوبها فيقال: فلان كافر لما أظهره من الكفر، لكن عند قتله لا بد أن يستتاب لعله يندم لعله يرجع، فإن تاب وإلا قتل على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم أنه يقتل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من بدل دينه فاقتلوه) وقال بعض أهل العلم يسجن ويعذب حتى يموت أو يتوب، والصواب الذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يسجن إلا ريثما يستتاب فقط، فإذا تاب فالحمد لله، وإن لم يتب وجب قتله بعد الاستتابة، وذهب كثيرٌ من أهل العلم إلى أنه يستتاب ثلاثة أيام يضيق عليه ثلاثة أيام؛ لعله ينتبه لعله يرجع، فإن لم يمهل ثلاثة أيام بل استتيب ثم قتل في الحال إن لم يتب فلا بأس في ذلك، لكن يستتاب ثلاثة أيام أولى كما جاء ذلك عن عمر -رضي الله عنه- كونه يستتاب ثلاثة أيام يكون له فيها فسحة لعله يتراجع لعله يندم لعله يتذكر ما فيه سعادته، فالحاصل أن من أتى بأعمال الكفر كُفِّر بعينه يقال: هذا كافر، إلا إذا كان مثله يجهل ذلك كالذين عاشوا في بلادٍ بعيدة عن الإسلام كمجاهل أفريقيا وأمريكا ونحو ذلك هؤلاء لا بد أن يُعلَّموا ويوجهوا ويبصروا حتى إذا عرفوا ذلك ثم استمروا على الكفر كفروا، وإلا فالذي بين أهل الإسلام ويسمع الآيات ويسمع الأحاديث أو في أمور ظاهرة لا تخفى على أهل الإسلام كالزنا ونحوه فهذا يكفر كفراً معيناً إذا قال: الزنا حلال أو الخمر حلال والربا حلال، فقد كذب الله وكذب رسوله فيكون كافراً، أو قال: الصلاة ما هي بواجبة أو الزكاة ما هي بواجبة أو صوم رمضان ما هو بواجب على المكلفين فهذا مكذب لله ورسوله، شيء معلوم من الدين بالضرورة فيكون كافراً، لكن إذا استتيب قبل أن يقتل فهذا هو المشروع، يستتاب قبل أن يقتل، تجعل له مدة ثلاثة أيام لعله يتراجع لعله يتوب.  
 
18- هل حديث الآحاد ظني الدلالة؟!
هذا فيه تفصيل: إن كانت الطرق كثيرة أو الرواة لهم صفات خاصة في العلم والفضل والتقى فإنه يفيد اليقين، أما إن كان آحاداً ليس هناك من الطرق الكبيرة أو من الصفات التي تقوم مقام الطرق فإنه يكون ظناً، وقد ذكر أهل العلم ذلك كالحافظ ابن حجر وغيره، قال في الآحاد: "وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار"، وقال بعضهم في الصحيحين: إن أحاديثه مقطوع بها وأنها تفيد اليقين، وقال آخرون: بل تفيد الظن إلا إذا تواترت أو كثرت الطرق، والصواب أن الآحاد يفيد اليقين إذا تواترت القرائن من جهة كثرة الطرق أو من جهة صفات الذين رووا، فإن الرواة يختلفون: فإذا كان مثلاً ورد من طريقين أو أكثر لأئمة أفاد اليقين، كأن ورد مثلاً من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال كذا، والطريق الثاني مثلاً عن الإمام أحمد عن الشافعي مثلاً عن أحد مشايخ الشافعي الثقات عن الزهري عن أنس ونحوه فهذا يكسبه قوة عظيمة يراه بعض المحققين مفيداً للعلم في ذلك واليقين، وهكذا أشباه ذلك، كلما تعددت الطرق ولاسيما بالأئمة المعروفين بالثقة والعدالة فإن الحديث يكون مفيداً لليقين والعلم، ولكنه حجة على كلا التقادير، على جميع التقادير يكون حجة وإن لم يفد العلم ما دام سنده جيداً ورواته ثقات فإنه يفيد وجوب العمل في إيجاب ما يجب وتحريم ما يحرم ونحو ذلك، فالعمل واجب بالحديث الثابت الصحيح وإن لم يُفد العلم وإن لم يفد إلا الظن على رأي من قال بذلك، فالحجة قائمة أفاد العلم أو الظن إذا ثبت الإسناد، هذا الذي عليه أهل العلم، بل حكاه بعضهم إجماعاً كالخطيب البغدادي وابن عبد البر حكوا أن أحاديث الآحاد يحتج بها في العقائد وفي الأحكام، وأنه لا يفرق بين أحكام وغيرها بذلك إذا كانت أسانيدها ثابتة سواءٌ حكمنا بأنها أفادت العلم أو لم تفد العلم وإنما أفادت الظن، فإن الظن هنا بمنزلة العلم في وجوب العمل.  
 
19- قد أرضعت ابن أخي زوجي بعد أن استأذنت من زوجي بدافع من إلحاح أمه وأبيه؛ لأنها كانت لا تستطيع والطفل يصرخ من الجوع فأرضعته، ولكن الآن نسيت كم أرضعته، نعم يا سماحة الشيخ أنا متأكدة من أنني أرضعته ولكن هل ارتوى، هل أرضعته يوم أو أكثر؟ جميع هذه الأسئلة تراودني وأبحث لها عن جواب، وهذا الطفل الذي أصبح شاباً الآن ، يجلس معي ويعتبرني أمه ويجلس مع أولادي وبناتي ، ولا أحد يشك في أنه لم يعد أخاً لهم إلا أنا ، فالخوف يؤرقني ، كما أنني لا أستطيع أن أواجهه وهو قد أمضى هذا العمر معنا على أنه ابناً لنا ، فماذا أصنع ؟
الواجب على المؤمن أن يتقي الله سبحانه وتعالى وهكذا المؤمنة بالإرضاع وغيره، فإذا كنت لا تعلمين عدد الرضعات فهو ليس ابناً لك ولا يكون محرماً لابنك ولا لبناتك حتى تعلمي أنه ارتضع خمس رضعات فأكثر، أما كونه ارتضع لأنه يصرخ ولأنه يحتاج هذا لا يكفي وإذا رضع مرة ويكتفي بهذا أو مرتين أو ثلاث، فلا بد من الرضاع المضبوط خمس مرات فأكثر في يوم وفي أيام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة بينت سهيل، أرضعي سالماً خمس رضعات تحرمي عليه، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان فيما أنزل من القرآن، عشر رضعات معلومات تحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، وفي لفظ وهي فيما يقرؤ من القرآن، رواه مسلم في الصحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، فعلم بذلك أن الرضعة والرضعتين وهكذا الثلاث والأربع، لا تمنع التحريم، بل لا بد من خمس متيقنة في الحولين، فإذا كنت لا تعلمين ذلك، وعندك الشك في ذلك، فاعتبريه غير محرم لا لك ولا لبناتك، وكونه قد يتزوج من إحداهن فيه شبهة فينبغي ألا يتزوج منهن بعداً عن الريبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

439 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply