حلقة 707: الصلاة في المساجد التي فيها قبور - من طرق الصوفية الباطلة ضربهم أنفسهم بالسيف وأكلهم الزجاج - زكاة السيارة والمحل - الأفضل قراءة سورة مع الفاتحة - صلاة الجمعة لمن يبعد عن المسجد خمسة وثلاثين كيلو - القنوت في الفجر

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

7 / 50 محاضرة

حلقة 707: الصلاة في المساجد التي فيها قبور - من طرق الصوفية الباطلة ضربهم أنفسهم بالسيف وأكلهم الزجاج - زكاة السيارة والمحل - الأفضل قراءة سورة مع الفاتحة - صلاة الجمعة لمن يبعد عن المسجد خمسة وثلاثين كيلو - القنوت في الفجر

1-  أسألكم عن الصلاة في المساجد التي فيها قبور، هل يجوز ذلك أو لا، وما هو السبب؟ جزاكم الله خيراً.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن المساجد التي فيها القبور لا يصلى فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فلعنهم على الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد، فدل ذلك على أن الصلاة عندها معصية كبيرة، والشيء الذي لعن الرسول فاعله لا يصح، يكون معصية، فلا يصح ولا يقبل؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن من كان قبلكم كان يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)، خرَّجه الإمام مسلم في صحيحه، والأول أخرجه الشيخان في الصحيحين، فالرسول صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذها مساجد، ونهى عن اتخاذها مساجد والصلاة عندها، فعُلم بذلك أن الصلاة غير صحيحة؛ لأن الرسول لعن من فعلها، ونهى عن فعلها، والعلة في ذلك أن هذا وسيلة للشرك، اتخاذ المساجد على القبور، والصلاة عند القبور وسيلة للشرك، وسيلة لعبادة أهلها من دون الله والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم، فيقع الشرك الأكبر، فإنه إذا بنى عليه مسجداً غلا فيه العامة، وقالوا: هذا ما بني عليه المسجد إلا لأنه كيت وكيت!، إلا لأنه ينفع المريض! ويقضي الحاجة! ويشفع لنا عند ربنا بكذا !! فيدعونه من دون الله، وهكذا الصلاة عند القبور ولو من غير بناء، الصلاة عندها أيضاً من اتخاذها مساجد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، فمن قصد أن يصلي عند القبر فقد اتخذه مسجداً، فالقبر يُسلَّم عليه ويدعى لصاحبه، لكن لا يتخذ محل للصلاة ولا محل للقراءة ولكن يزور المؤمن أخاه المؤمن في المقبرة ويسلم عليه ويدعو له، لكن لا يصلي عند قبره ولا يبني عليه مسجداً ولا قبة، كل هذا منكر، يقول عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة رأتاها في أرض الحبشة وما فيها من الصور، قال: (أولئكِ -يعني النصارى- إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور -ثم قال صلى الله عليه وسلم-: أولئك شرار الخلق عند الله)، فأخبر أنهم شرار الخلق بأسباب بناؤهم على القبور واتخاذها مساجد، والصلاة عندها، ثم قد يصورون الصور ويجعلونها فوقها زيادة في الفتنة، يصورون صورة صاحب القبر ويجعلونها على قبره وفي مسجده حتى تكون الفتنة أعظم، والصور قد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعلها، في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله والمصور، هكذا رواه البخاري في الصحيح، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة ولعن المصور، وقال صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم!)، فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا البناء على القبور واتخاذها مساجد أو تجصيصها أو جعل القباب عليها، كل هذا منكر، تجعل ضاحية شامسة فالمقبرة لا يبنى عليها شيء ولا تجصص ولا يتخذ عليها الستور ولا قبة، بل ضاحية كما كانت قبور الصحابة في المدينة هكذا، وفي مكة هكذا، فهذا هو الواجب، أما ما أحدثه الناس من البناء على القبور واتخاذ القباب عليها فهذه بدعة منكرة ومحرمة، والواجب هدمها، الواجب على ولاة الأمور، الواجب على ولاة الأمور إذا كانوا منقادين للشرع أن يهدموها ويزيلوها، والواجب على كل مسلم أن يعبد الله وحده وأن يخصه بالعبادة دون كل ما سواه جل وعلا.  
 
2- كثيراً ما أسمع أن أحد الأشخاص أخذ طريقة من أحد السادة أو المشايخ، وبعد ذلك يستطيع أن يضرب نفسه بالسيف، ويأكل الزجاج! أريد من سماحتكم السر في هذه الطريقة، وماذا يقال له، وبماذا توجهونني وأنا شاب في مقتبل العمر؟ جزاكم الله خيراً.
هذه الطريقة من طرق الصوفية الباطلة، وهذه كلها تخييل وكلها كذب، لا يطعن نفسه ولا يذبح نفسه، كلها كذب، كلها باطلة كلها تخييل على الناس، من أعمال الشياطين، وأعمال أعداء الله الذين زينوا لهم هذا الباطل، فالشياطين توحي لهم بأن يفعلوا هذه الأشياء، وتعمل ما يجعل الحاضرين يظنون أن هذا واقع! وليس بواقع، يقتل نفسه، يطعن نفسه بالجنبية بالسكين بالرمح يقطع رأسه ويزيله كل هذه خرافات، كلها باطلة، والذين يعملونها هم مبطلون ضالون مضلون يجب أن يعاقبوا على ذلك، يجب على ولاة الأمور إذا كانوا مسلمين أن يعاقبوهم وأن يمنعوهم من هذه الطريقة الخبيثة، وبعضهم يسميها الطريقة الرفاعية. فالمقصود أن هذه الطريقة باطلة ويزعمون الطعن، طعن أنفسهم بالسكاكين وبالرماح وبالخناجر، كلها باطلة، وكأكلهم الزجاج كله باطل، يكذبون، فلو طعن نفسه لهلك، ولو أكل الزجاج لهلك، لكن هذه من خدع الشيطان، ومن مكائد الشيطان التي يلعب بها على الناس، نسأل الله العافية.   
 
3-  هل على السيارة زكاة، وهل على المحل الذي يعمل زكاة، جزاكم الله خيراً، وكذلك المحل المغلق؟
هذا فيه تفصيل، السيارات والمحل المغلق والذي يعمل والأراضي والعمارات كلها إذا كانت للبيع والشراء فيها زكاة، إذا كانت معدة للبيع فيها الزكاة، تسمى عروض تجارة، فإذا حال عليها الحول زكيت قيمتها سواء كانت سيارة أو عمارة أو أرضاً أو غير ذلك، أما إذا كانت العمارة أو الأرض أو الدكان (الحانوت) ما قصد به التجارة، ولكن قصد به أن يؤجره ويستفيد من أجرته، أو يستعمله، أراد أن يستعمله هو، فهذا ليس فيه زكاة، لكن إن حصل له أجرة تبلغ النصاب وحال عليها الحول يزكي الأجرة، وهكذا ما فيه من أثاث وأواني إذا كانت للاستعمال لا للتجارة فليس فيها زكاة، أما إذا كان فيه أثاث أو أواني للتجارة والبيع فهي عروض تجارة تزكى كلها، إذا حال عليها الحول، تقوَّم وتزكى. فالحاصل أن هذه الأشياء التي يجمعها الناس من سيارات أو محلات بيع وشراء، دكاكين أو بيوت أو غير ذلك، فإن كانوا جعلوا ذلك للبيع والتجارة ففيها الزكاة في الدكان في المعمل والمصنع في البيت إذا كان أراد بها التجارة تقوم عند الحول، فإذا كانت تساوي مائة ألف تزكى مائة ألف، تساوي مائتي ألف زكى، وهكذا، يقوَّم عند الحول بما يساوي عند الناس، وتجب الزكاة فيه لأنه من عروض التجارة.   
 
4-  هل تكفي فاتحة الكتاب في التهجد والسنن أم لا بد من قراءة آيات وسور أخرى معها؟
تكفي الفاتحة لأنها الركن، ولكن إذا قرأ معها فهو أفضل، السنة أن يقرأ معها الزيادة، النبي كان يقرأ مع الفاتحة عليه الصلاة والسلام، لكنه قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فالركن هو الفاتحة وما زاد فهو المستحب.   
 
5-  هل يجب علينا أن نؤدي صلاة الجمعة ونحن نبعد عن المسجد خمسة وثلاثين كيلو ومعنا سيارة؟
هذا مكان بعيد ولا يلزمكم فيه، لكن إن تحملتم مشقة وذهبتم إلى الجمعة فأنتم مأجورون؛ لأن هذا محل بعيد، لا يسمع فيه النداء، ولو كان بالمكبر قد لا يسمعون حتى بالمكبر، لكن العبرة بالصوت المعتاد لا بالمكبر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر)، فإذا كان يسمع النداء في المكان بالأذان المعتاد بالصوت من دون مكبرات عند هدوء الأصوات وعدم الموانع يلزمه الذهاب إلى المسجد، أما إذا كان بعيداً لا يسمع النداء لو لم يكن هناك مكبرات فإنه لا يلزمه الحضور للبعد، لكن لو حضر وتجشم المشقة على الدابة وعلى السيارة كان أفضل.  
 
6-  هل هناك من دعاء ندعو به بعد القيام من الركوع في الركعة الثانية من صلاة الفجر، وما هو القنوت؟
القنوت معروف، هو قنوت الوتر وقنوت النوازل، وقنوت الصلوات الخمس، فالسنة ألا يقنت إلا في الوتر، هذا السنة، وهو الركعة الأخيرة من الوتر في الليل، وفي النهار ما فيه قنوت، إذا صلى يصلي شفعاً، إذا فاته الليل صلى النهار شفعاً، إذا كان عادته في الليل ثلاث صلى أربعاً في النهار بتسليمتين، وإذا كان عادته في الليل خمساً وفاته بالنوم أو بالمرض صلى من النهار ست ركعات ثلاث تسليمات، وهكذا ليس بوتر، القنوت في الليل في الركعة الأخيرة، وقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقنت في الصبح دائماً، وهذا قول ضعيف، الصواب أنه لا يقنت في الأوقات كلها إلا في النوازل، إذا حدث نازلة بالمسلمين مثل نازلة اجتياح الكويت من حكومة العراق، هذه نازلة، يقنت فيها المسلمون في الوتر وغيره، ويدعون الله على من ظلم ويدعون الله لمن ظُلم بالنصر والتأييد وأن يردهم إلى بلادهم، يدعون الله على من تعدى على المسلمين وآذاهم هذا يسمى قنوت النوازل فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فعله في الفجر وغيره، فإذا قنت الإمام في الفجر أو في المغرب أوفي العشاء أو في الظهر أو في العصر أو في الجميع يدعو على الظالم وعلى من ظلم المسلمين وتعدى عليهم فلا بأس به، بل هو مشروع.  
 
7- نحن عرب بادية، وفي بعض الأحيان نفقد الماء، ولا نجد ما نغتسل به، فكيف نصلي؟ جزاكم الله خيراً.
الله يقول سبحانه: فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا (43) سورة النساء، فإذا كنت في البادية أو في الأسفار ولم تحصل على الماء صل بالتيمم؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) سورة المائدة، وقال عليه الصلاة والسلام: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، فالمسلم متى جاء وقت الصلاة وليس عنده ماء، إلا ماء يسير لشرابه أو لطعامه أو لشرابه وشراب بهائمه فإنه يصلي بالتيمم. والتيمم ضربة واحدة يضرب بها الأرض، يضرب بيديه الأرض ثم يمسح بيديه وجهه وكفيه، هذا هو التيمم ضربة واحدة يضرب بها الأرض ثم يمسح بهما وجهه وكفيه، تقوم مقام الماء، هذه الضرورة تقوم مقام الماء، حتى يجد الماء.   
 
8-  حصل وأن وجدت ماعزاً حاملة وعليها وسم عمِّي، وولدت، ولا أعرف أنه يملكها أو باعها، فذبحت جناها وبعد سنة ضاعت، أرجو فتواكم؟
إذا كنت لم تسأل عمَّك ولم تعرف أنها ملكه، وعليها وسم عمك فليس عليك حرج إن شاء الله، إلا أنك كان ينبغي لك الاحتياط وعدم ذبح الجنا، أما الآن ما دمت لم تجد لها مطالباً والوسم وسم عمك فليس عليك شيء، وفي إمكانك سؤال عمك إذا كان موجوداً أو سؤال ذريته ورثته هل يسمحون لك وهل هي معزهم؟ أو قد باعوها على أحد أو أعطوها أحداً، تسأل وتأخذ بالحيطة إذا أمكنك ذلك، فإن لم يمكن فاغرمها، اغرم ما ذبحت لورثة عمك إن كان قد مات، وأما إذا كنت لم تفرط فيها ولم تعمل فيها ما يسبب موتها فليس عليك بها شيء. 
 
9-   رجل يعمل في محل تجاري براتب معين، ويأكل ويشرب ويلبس من داخل هذا المحل الذي يعمل فيه، ولكن بدون إسراف ولا تبذير بل بالمعروف حسب حاجته، وأحياناً يحتاج إلى شيء من خارج المحل، وقد يأخذ قيمة ذلك الشيء من ذلك المحل، قد يزيد المبلغ عن عشرة أو عشرين ريال،  هذا المهم أرجو الرد عليه، جزاكم الله خيراً؟ 
ليس له إلا راتبه إلا أن يسمح له صاحب المحل، أما أن يأخذ من المحل حاجاته فلا، إلا بإذن، إذا كان بينه وبينه مشارطة وسمح له بذلك، فلا بأس.  
 
10- هل الحلف بالطلاق لتأكيد كلام بدون نية الطلاق يقع طلاقاً أو لا، وهل العبارة التي تقول: (الحلف بالطلاق ليست طلاقاً) حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن فيه تفصيل: الحلف بالطلاق إن كان أراد به إيقاع الطلاق وقع الطلاق، وإن كان ما أراد يكون فيه كفارة يمين عند جمع من أهل العلم، وبعض أهل العلم يراه طلاقاً مطلقاً ولو قصد به اليمين، والحلف بالطلاق كأن يقول: عليه الطلاق ما يكلم فلان، عليه الطلاق لا تخرجي من البيت، عليه الطلاق لا تكلمي فلاناً، عليه الطلاق ألا يزور فلاناً، هذا يسمى يميناً إذا كان قصد به المنع أو الحث أو التصديق أو التكذيب، فإذا قال: عليه الطلاق أنك ما تكلمين أخاك فلان، أو جارك فلان، وقصده منعها ليس قصده مفارقتها، فهذا عليه كفارة اليمين إذا كلمته، وهكذا لو قال عليه الطلاق أنه ما يزور فلان، قصده منع نفسه من الزيارة، فهذا يسمى يمين، أما إن أراد إيقاع الطلاق فهذا يقع الطلاق بالزيارة؛ لأنه علقه عليها، فإذا زار وقعت طلقة واحدة كما قال، مثلما لو قال: إذا دخل رمضان فأنت طالق، فهذا ما يسمى يمين، هذا تعليق، إذا دخل رمضان طلقت، أو قال: متى حضت أو متى ولدت أو نحو ذلك. المقصود أن الطلاق المعلق إذا كان ما قصده التصديق أو التكذيب أو الحث أو المنع إنما قصده التعليق فقط فهذا يقع، إن كلمتِ زيداً فأنتِ طالق، قصده أنه يقع الطلاق، وقع الطلاق، إن دخل رمضان، إذا دخل رمضان فأنت طالق، يقع إذا دخل رمضان، أما إذا قال: إن كلمت زيداً وقصده منعها من الكلام ما يحب منها تكلمه، فهذا إذا كلمته يكون عليه كفارة يمين؛ لأنه أراد منعها فيسمى يميناً في أصح قولي العلماء، وتكون فيه الكفارة فقط. وقال بعض أهل العلم: إن الطلاق يقع مطلقاً، ولو نوى به اليمين، وهذا قول ضعيف، والصواب أنه متى نوى اليمين فإنه لا يقع عليها طلاق ولكن عليه الكفارة، واحتج العلماء على ذلك بأدلة كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (الأعمال بالنيات)، وهو لم يرد إلا منعها ما أراد إيقاع الطلاق إنما أراد منعها أو منع نفسه من شيء، ومنها: ما حصل من فتاوى بعض الصحابة فيمن حلف ألا يفعل كذا وإن فعل فعبيده أحرار وماله صدقة، فقد أفتى فيه ابن عمر وبعض الصحابيات بأنه يمين، والطلاق أشد، الطلاق مبغوض إلى الله، فإذا كان العتق والصدقة يمين، فالطلاق من باب أولى، ويروى عن جماعة من الصحابة أنهم جعلوه يميناً، يروى عن علي والزبير وجماعة أنهم جعلوه يميناً. فالحاصل أن هذا الطلاق لم يرده صحابه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات) وهو إنما أراد منعاً أو حثاً أو تصديقاً أو تكذيباً، فإذا قال: عليه الطلاق لايكلم فلان فقد أراد منع نفسه وإذا قال: عليه الطلاق أن يزور فلاناً فقد أراد حث نفسه على الزيارة، وإذا قال: عليه الطلاق أنه ما فعل كذا، أراد التصديق، وأنه يصدق في ذلك، أو قال: عليه الطلاق مثلاً أن فلاناً كاذب، وأراد بذلك أن يكذب فلان، فالحاصل أنه لم يرد إيقاع الطلاق إنما أراد معنى آخر، فيكون له ما أراد على الصحيح، وعليه الكفارة إذا كان أراد هذا المعنى، ولا يقع الطلاق.  
 
11-  هل الحلف بالطلاق في حالة الغضب وثورة النفس بدون نية يقع طلاقاً، وهل الثورة النفسية تعتبر إكراهاً؟
هذا أيضاً فيه التفصيل: إن كان اشتد معه الغضب حتى ما يعقل، أو غلب عليه حتى لا يستطيع حبس نفسه ومنع نفسه فالصحيح أنه لا يقع، أما إن كان غضباً عادياً فإنه يقع، فإن الغضب ثلاثة أقسام: غضب يزول معه الشعور، فهذا كالمجنون، لا يقع معه الطلاق؛ لأنه زال شعوره لا يعرف ماذا قال، الغضب الثاني: اشتد معه الغضب وملكه الغضب ولم يستطع منع نفسه من شدة الكلام الذي سمع أو الفعل، كونها مثلاً سبته ولعنته أو تضارب معها فاشتد غضبه حتى ما ملك نفسه فالصحيح أنه لا يقع، القسم الثالث: غضب عادي لبعض الأسباب هذا يقع منه الطلاق عند جميع أهل العلم، ولا يمنع وقوع الطلاق.  
 
12-   أنا فتاة في الثانية والعشرين من عمري أصبت بمرض نفسي ضيّق علي الحياة من جميع أبوابها!! وجعلني أشعر بيأس قاتل!، يأس من الشفاء من هذا المرض، وهو انعدام الشخصية، فبعد تجربتي المريرة مع هذا المرض اكتشفت أن كل مصائب الدنيا أهون منه، فقد انفصلت عن الواقع الذي يعيشه الناس انفصالاً كاملاً، فأصبحت لا أحس بمشاعر الإنسانية التي يحسونها من فرح وحزن وسرور وحب وكره، فكيف تتصورون إنساناً بدون مشاعر، وأنا دائماً أعترف بأنني ظلمت نفسي إذ أوقعتها في هذا المرض، وضيعت شخصيتي لأسباب تافهة لا داعي لذكرها، وسؤالي هو: إنني كثيراً ما تنتابني حالات يأس كامل من الحياة، وهذا ليس مني ولكن من شدة الألم النفسي الذي أعانيه من جراء هذا المرض القاتل، فهل هذا قنوط من رحمة الله أعاقب عليه، خاصة وأنني دائماً أعترف بيني وبين نفسي أنني أنا الذي ظلمت نفسي، ودائماً أدعو الله العلي القدير أن يقدر لي الشفاء من هذا المرض، وحالة اليأس هذه تجعلني أفكر في الانتحار، لكن أرجع فأتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فهل أعاقب على هذا التفكير أم لا وجهوني وانصحوني وأخلصوا لي النصح وادعوا لي جزاكم الله خيراً؟
أسأل الله لك الشفاء والعافية، أسأل الله أن يمنحك الشفاء، وأن يعيذك من شر نفسك وشيطانك. الواجب عليك -أيها الأخت في الله وأيها الفتاة- أن ترجعي إلى الله جل وعلا، وأن تتوبي من هذا العمل السيئ وهذا الظن السيئ وهذا الشعور السيئ، وعليك أن تستعيذي بالله من الشيطان وأن تسألي الله أن يعينك على ذكره وشكره وعلى القيام بحقه وعلى المباعدة لهذه الظنون وهذه المشاعر الرديئة حتى يجيبك سبحانه ويعطيك من فضله ما ترجعين به إلى الحالة الطبيعية، اضرعي إلى الله بصدق واسأليه أن يمنحك الشفاء في سجودك وفي آخر الصلاة وفي وسط الليل في آخر الليل بعد الأذان قبل الصلاة، كل هذه أوقات عظيمة للإجابة، فلا تيأسي أبداً، جالسي الأخيار من أخواتك أو عماتك اجلسي مع الأخيار تحدثي معهم جاهدي نفسك، وأكثري من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار، واضرعي إلى الله دائماً بصدق أن يمنحك العافية، وإياك والانتحار الانتحار من أعظم الجرائم ومن أعظم الكبائر من أسباب دخول النار، ولكن عليك بالصدق في الضراعة إلى الله، وسؤاله العافية والشفاء، واختلطي مع الطيبين والطيبات من أهلك وتحدثي معهم وشاوريهم وخذي نصيحتهم، واسألي الله من فضله، اسأليه أن يمنحك الشفاء، واحذري اليأس لا تيأسي أبداً، فضل الله واسع وهو سبحانه القائل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) سورة غافر، وهو الجواد الكريم سبحانه وتعالى، فمتى صدقت في ذلك فأبشري بالخير، وقولي أيضاً: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، "أعوذ بالله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" كثِّري هذا، كرري ثلاثاً أو أكثر صباح ومساء دائماً حتى يزول هذا البلاء، كذلك قولي: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السمع العليم"، ثلاث مرات، صباح ومساء كرريها، "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم"، واقرئي آية الكرسي اقرئيها بعد كل صلاة وعند النوم، فهي من أعظم الأسباب في العافية من كل سوء، وهكذا: قل هو الله أحد، والمعوذتان، اقرئيها ثلاث مرات صباح ومساء، صباحاً بعد الفجر ومساء بعد المغرب، وعند النوم ثلاث مرات، وبعد الظهر والعصر، والعشاء مرة واحدة، تقرئين هذه السور الثلاث، كل هذا من أسباب العافية والشفاء، كما جاء عن رسول الله عليه الصلاة. فالحاصل أن عليك حسن الظن بالله، والصدق مع الله وسؤاله العافية والشفاء من هذا البلاء، وعليك أن تكثري من ذكر الله وتسبيحه وتهليله وتحميده والاستغفار والدعاء بطلب العافية، وعليك أن تجلسي مع الأخيار مع الطيبات من أهل بيتك للتحدث والأنس بهم والمشاورة والنصيحة، نسأل الله لك العافية والتوفيق. المقدم: اللهم آمين. جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ: في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير. (نسأل الله ذلك، الله المستعان، الله المستعان). مستمعي الكرام: كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لسماحته، وأنتم يا مستمعي الكرام شكراً لحسن متابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.   

295 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply