حلقة 335: الركن الرابع من أركان الإسلام صيام رمضان - اتفاق المسلمين في صيام رمضان يدل على الوحدة - متابعة الأهلة بواسطة المراصد - هل تشترط النية لكل ليلة في رمضان - هل يكفي عمل السحور عن النية أم لا بد من عقدها - حكم من صام وهو لا يصلي

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

33 / 48 محاضرة

حلقة 335: الركن الرابع من أركان الإسلام صيام رمضان - اتفاق المسلمين في صيام رمضان يدل على الوحدة - متابعة الأهلة بواسطة المراصد - هل تشترط النية لكل ليلة في رمضان - هل يكفي عمل السحور عن النية أم لا بد من عقدها - حكم من صام وهو لا يصلي

1- شيخ عبد العزيز لعله من المناسب أن تتفضلوا بالحديث عن الركن الرابع من أركان الإسلام صيام رمضان، تحدثونا لو تكرمتم عن هذا الركن، وعن صيامه ثم هناك بعض الأسئلة سيطرحها البرنامج لو تكرمتم؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فقد ثبت عن رسول الله-عليه الصلاة والسلام-أنه قال: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت), فصيام رمضان ركن عظيم من أركان الإسلام الخمسة, فرضه الله على عباده في السنة الثانية من الهجرة, وكان-سبحانه وتعالى- فرضه مخيراً من شاء صام وهو أفضل, ومن شاء أطعم عن كل يوم مسكين وأفطر, كما قال-عزوجل-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ, فعلى هذه الآية كان المسلمون من شاء أطعم مسكيناً فأكثر وأفطر, ومن شاء صام والصوم أفضل, ولهذا قال: وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ, ثم فرض عليهم الصيام- سبحانه وتعالى- في قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ, فقوله- سبحانه-: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ يعني من حضره صحيحاً مقيماً وجب عليه الصوم ونسخ التخيير, ومن كان مريضاً لا يستطيع الصوم يشق عليه الصوم أو على سفر فله الفطر ولهذا قال: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يعني فأفطر فعليه عدة من أيام أخر, وهذا من فضله- سبحانه- وإحسانه وتيسيره على عباده, ولهذا قال بعده: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ يعني بقضاء الأيام وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ, فإذا صام بعد ذلك فأكمل العدة بعد برئه من مرضه, وبعد رجوعه من سفره, وقال-عليه الصلاة والسلام-: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه), والمعنى من صامه إيماناً بشرع الله له, وتصديقاً بذلك, واحتساب الأجر عنده-سبحانه وتعالى- لا مجرد تقليدٍ للناس, ولا رياءً لا بل يصومه احتساباً يرجوا ما عند الله-سبحانه وتعالى-, ويؤمن بأنه فرض عليه شرعه الله له فهذا يكون صومه فيه خير عظيم, ومن أسباب المغفرة, وهكذا قيام رمضان عن إيمان واحتساب يكون من أسباب المغفرة, أما من صامه رياءً, أو تقليداً للناس, أو مجاملة أو ما أشبه ذلك فليس له هذا الفضل, ثم الواجب على المؤمن أن يصونه وعلى المؤمنة كذلك أن يصون هذا الصيام من المعاصي فإن المعاصي تجرحه وتضعف ثوابه, فالواجب على المؤمن وعلى المؤمنة أن يصون هذا الصيام من سائر المعاصي من الغيبة, والنميمة, وأكل الحرام, وسائر المعاصي كل واحد يحاسب نفسه فيتقي الله في كل شيء حتى يبتعد عما يجرح صومه وينقص ثوابه, فقد صح عن رسول الله- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري في صحيحه، وقال-عليه الصلاة والسلام-: (ليس الصيام من الطعام والشراب إنما الصيام من اللغو والرفث), وقال بعض السلف: (إذا صمت فليصم سمعك, وبصرك, ولسانك عن الكذب والمحارم, ودع أذى الجار, وليكن عليك وقارٌ وسكينة, ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء), فالصائم قد فعل عبادة عظيمة وتلبس بعبادة عظيمة, وهي سر بينه وبين ربه سبحانه وتعالى, فيجب عليه أن يصونها ويحفظها من كل ما يجرحها وينقص ثوابها حتى يؤديها كاملة, وهكذا يقول - صلى الله عليه وسلم -: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه), فليلة القدر ليلة عظيمة في العشر الأخيرة من رمضان شأنها عظيم, قال فيها الرب -عز وجل-: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ, فهذه الليلة ليلة عظيمة فالعمل فيها والاجتهاد فيها بأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر فيما سواها وهذا فضل عظيم, وقال فيها-سبحانه-: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ, فهي ليلة عظيمة تقدر في حدود السنة, فينبغي للمؤمن أن يغتنمها أيضاً إذا بلغه العشر الأخيرة, وأن يجتهد في هذه العشر بأنواع العبادة من صلاة, وذكر وقراءة, وصدقات وغير ذلك حتى يفوز بهذه الليلة, ولا شك أن من قام العشر الأخيرة محتسباً فإنه يدركها ولا بد لأنها واحدة منها, فعلينا جميعاً معشر المسلمين من ذكور وإناث أن نعرف لهذا الشهر قدره, وأن نصون صيامنا وقيامنا عما يجرحه من سائر المعاصي, وأن نستكثر فيه من أنواع الخير, هذا زمن المسابقة, هذا ميدان السباق بالخير, فينبغي للمؤمن أن يسابق وينافس في هذا الشهر الكريم بأنواع الذكر, والاستكثار من قراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل ليلاً ونهاراً, والإكثار من الصدقة, وصلة الرحم, وبر الوالدين, وكثرة الاستغفار والدعاء, وعيادة المريض إلى غير هذا من وجوه الخير رزقنا الله وإياكم للاستقامة وبلغنا وإياكم صيامه وقيامه. جزاكم الله خيراً  
 
2- لو اتفق المسلمون على بدأ الصيام في يوم واحد، والفطر في يوم واحد، ويرون أن هذا من وحدة الصف، ومن وحدة المسلمين، هل يمكن أن يتحقق ذلك سماحة الشيخ؟ أرجو أن تتفضلوا ببيان وجه الحق في هذا.
العبادات ليست إلى البشر واختيارهم وآرائهم, العبادات توقيفية تلقاها المسلمون عن ربهم في كتابه العظيم, وعن رسوله الكريم -عليه الصلاة والسلام- وفي سنته الصحيحة, وليس لأحد أن يخترع شيئاً من كيسه فيجمع الناس على شيء لم يجمعهم الله عليه ولا ورسوله- عليه الصلاة والسلام-, فالله- جل وعلا- أمر رسوله أن يبلغنا متى نصوم ومتى نفطر, فعلى العباد أن يمتثلوا أمر الله ورسوله فقال- عليه الصلاة والسلام-: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة), وقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال, ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن خفي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين), وقال- عليه الصلاة والسلام-: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ثم صوموا ثلاثين أيضاً), فالمؤمنون هكذا معمدون من رسول الله-صلى الله عليه وسلم - بأن يتحروا دخول الشهر وخروجه, فإن ضبطوا شهر شعبان ثلاثين صاموا, وإن رؤي الهلال لليلة الثلاثين من شعبان صاموا, ثم بعد ذلك رمضان هكذا إن رأوا هلال شوال ثلاثين أفطروا وصار شهرهم تسعة وعشرين, فإن لم يروا في ليلة شوال صاموا ثلاثين هكذا أمرهم نبيهم- عليه الصلاة والسلام- والأمة كذلك في جميع الدنيا عليهم هذا الأمر عليهم أن يعملوا ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -, فإذا رؤي في بلد من بلدان المسلمين وصاموا بالرؤيا فقد تنازع العلماء في ذلك هل يلزم جميع أهل الأرض أن يصوموا بصومهم على قولين لأهل العلم: منهم من قال يلزم وذكره بعضهم وهو قول الجمهور أنه يلزم بقية المسلمين أن يصوموا, إذا ثبت في السعودية مثلاً, أو في مصر, أو في الشام أو في كذا, أ وفي كذا رؤية شرعية وجب على الباقين أن يصوموا معهم إذا ثبت ذلك من طريق محكمة شرعية معتمدة يوثق بها, وقال آخرون من أهل العلم لا يلزم ذلك بل لكل أهل بل رؤيتهم؛ لأن المطالع تختلف وتتباعد بعض الأحيان كما بين أمريكا والجزيرة العربية, وما بين أمريكا ومصر والشام وأشباه ذلك, واحتجوا على هذا بما ثبت في الصحيح صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قدم عليه كريب من الشام فسأله قال: (متى صمتم؟ قال: صمنا يوم الجمعة ، ورأى معاوية والناس الهلال وصام الناس ، قال ابن عباس: نحن رأيناه في المدينة ليلة السبت فلم نزل نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقال له كريب: ألا تكتفي برؤية معاوية والناس؟ قال: لا هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال لنا: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) فابن عباس رأى أن الحديث لا يعم الدول كلها والبلاد كلها, وأن كل بلاد منفصلة عن بلاد وبعيدة عنها تختلف مطالعها فلها أن تستقل برؤية, وتابعوه على هذا جماعة من أهل العلم وقالوا بمثل قول ابن عباس, وقال الأكثرون القول هو قول من قال بالعموم لأن الأدلة عامة؛ لأنه قال - صلى الله عليه وسلم -: (صوموا) والخطاب للأمة ليس لأهل المدينة الخطاب للأمة كلها صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته, وهكذا قوله: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروا الهلال) ليس المراد المدينة المراد الأمة, وقال-عليه الصلاة والسلام-: (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابع العشرة ثلاث مرات والشهر هكذا وهكذا وهكذا وكنس إبهامه في الثالثة يعني تسعاً وعشرين ثم قال: فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين), فهذه أخبار صحيحة صريحة ظاهرها العموم, ولكن الناس قد لا يثقون ببعض الدول في رؤيتها, وقد يتهمون بعض الدول بأنها تعتمد على الحساب والحساب لا يعتمد عليه عند جميع أهل العلماء, أجمع العلماء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان إلى أنه لا يعتمد بالحساب في الرؤيا حكى ذلك أبو العباس بن تيمية وجماعة, وحكا بعضهم خلافاً شاذاً في ذلك, فالحاصل أن الحساب لا يعتمد عليه بنص الرسول - صلى الله عليه وسلم -, فدعوى الناس أن الحساب ينبغي أن يعتمد عليه, وأنه متى ولد الهلال اعتمد ومتى لم يولد لم يعتمد هذا لم مصادم للسنة, ومصادم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنا أمتي أمية لا تحسب ولا تكتب) هذا يجب أن يطرح, وهو أن يعمل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (صوموا لرؤيته....) الحديث ، وقوله: (لا تصوموا حتى تروا الهلال), والنبي - صلى الله عليه وسلم - أنصح الناس, وأفصح الناس, وأعلم الناس, وأكملهم أمانة, فلو كان يجوز للناس أن يعتمدوا الحساب لقال إذا عرفتم الحساب وتبين لكم الحساب فاعتمدوه يعرف أن يقول هكذا, وهو أقدر الناس على الكلام-عليه الصلاة والسلام-, وهو مأمور بالبلاغ فقد بلغ البلاغ المبين-عليه الصلاة والسلام-, فلم يقل للناس احسبوا واعتمدوا الحساب إذا وجد فيكم من يحسب, ولا تزل الأمة أكثرها لا يعرف الحساب من شرقها إلى غربها, ثم لو عرفه نصفهم أو أكثرهم أو كلهم لم يجز لهم أن يعتمدوا؛ لأن عليهم الإتباع لا الابتداع, عليهم أن يتبعوا الرسول-صلى الله عليه وسلم - كما قال الله- عز وجل-: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا, وقال- سبحانه-: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ يعني يحيدون عن أمره أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ, ويقول-عز وجل-: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ, ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً, قال أهل العلم الرد إلى الله الرد إلى القرآن العظيم, والرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرد إليه في حياته- عليه الصلاة والسلام-, وبعد وفاته الرد إلى سنته الصحيحة في حياته كان يعمل بالرؤية فإن لم يرى أكمل الشهر, وبعد وفاته أرشدنا ماذا نعمل قال افعلوا كذا وافعلوا كذا, فالواجب على الأمة أن تمتثل أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -, وأن تقف عند الحد الذي حده, وأن تحذر خلاف ذلك, فإذا لم تقتنع الدولة المعينة برؤية الدولة الأخرى اعتمدت رؤيتها عندها وعلمائها عندها فتنظر ما يقوله العلماء عندها علماء الشرع وتعتمد على ذلك, ولو خالفت دولة أخرى؛ لأنها قد لا تقتنع برؤيتها قد تظن أنها أخطأت في رؤيتها أو الشهود أخطأوا فليس في إمكان الناس أن يجمعوا قلوب الناس وعقولهم على عقل واحد ورأي واحد هذا إلى الله- سبحانه وتعالى- فمن اطمأن إلى رؤية البلد أو الدولة صار معها قرب أو بعد, ومن لم يطمئن؛ لأن الدولة تحكم غير الشريعة ولا تحكم بالشريعة, أو لأسباب أخرى منعت من إتباع تلك الدولة فإنه يستقل ويعمل بما ثبت لديه من الرؤية ولو سبقت الدولة الأخرى أو تأخرت عنها في الصوم والفطر, فالأمر في هذا واسع والحمد لله ولا حرج على الناس في ذلك, ولا يضرهم اختلاف صومهم وعيدهم لا يضرهم في ذلك ماداموا متمسكين بالشرع مطالبين ما قاله الله ورسوله ومتمسكين بحكم الله ورسوله لا يضرهم ذلك والله ولي التوفيق. جزاكم الله خيراً ، معنى هذا أن سماحة الشيخ ابن باز يميل إلى الرأي القائل بأن لكل بلد رؤيته؟ نعم عند عدم التيسر الاجتماع, أما إذا تيسر الاجتماع واطمأن الناس إلى دولة يثقون بها ويطمئنون إليها فإنهم يجتمعون عليها, وعندي أن الدولة السعودية أولى الدول في هذا المقام؛ لأن المحاكم بحمد لله تعتني بهذا وتجتهد في توثيق الشهود ولا تعمل إلا بالرؤية, فإذا عمل الناس بما ثبت في السعودية فقد أحرزوا دينهم وقد احتاطوا لدينهم والحمد لله. بارك الله فيكم ، مع الأخذ بعين الاعتبار فارق الساعات التي قد يستمع إليها أهل الشرق أو أهل الغرب سماحة الشيخ؟ نعم ، لا بد من هذا متى اتفقوا معهم في ليله ولو في الجزء الأخير عمهم الأمر. بارك الله فيكم 
 
3- لا أدري عن رأي سماحة الشيخ في المراصد، لو أقيمت المراصد لتتبع موالد الأهلة؟
المراصد لا زال الناس يتكلمون فيها, والمراصد لا مانع من وجودها للاستعانة بها فقط أما أن تعتمد فلا، لا تعتمد في إثبات الرؤية ولا تعتمد في مخالفة الرؤية فلو رآه عدل في الدخول أو عدلان وقال أهل المرصد إنه لم يولد لا نلتفت إليهم ولا نعلق قبول الشهادة بهم, وهكذا لو لم ير عندنا وقال أصحاب المرصد إنه ولد بحسب حسابهم لا يعتمد, لا في الدخول ولا في الخروج, لكن إذا استعانوا به في رؤية الهلال, ورآه المسئولون عن المرصد وهم ثقات عدول قالوا رأيناه لا مجرد الحساب قالوا رأيناه قد هل في الدخول أو في الخروج يقبلون إذا كانوا عدول ولو واحداً في الدخول والثاني في الخروج. بارك الله فيكم ، الذي أعرفه سماحة الشيخ أن المراصد أنها تستخدم للرؤية لا للحساب؟ هو هكذا وهكذا هم يستخدمونها لهذا وهذا فيما بلغنا للحساب متى يولد ومتى لا يولد, ومقابلته للشمس وانفصاله عنها, ويستعملونها أيضاً للرؤية لمن كان عنده عناية بالرؤية, فهو يقبل في الرؤية لا في الحساب بشرط أن يكون القائمون عليه عدولاً تعدله المحاكم الشرعية.  
 
4- فيما إذا ثبتت الرؤية هل تشترط النية لكل ليلة في صيام رمضان أم تكفي من أول الشهر؟
هذه المسألة فيها خلاف والصواب أنه لا بد من النية؛ لأن كل يوم عمل مستقل, والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنما الأعمال بالنيات), فكل يوم عمل مستقل.  
 
5- أعمال الناس للصيام للسحور مثلاً هل تكفي؟ أم لا بد أيضاً من عقد النية؟
مادام يعلم أنه يصوم غداً يكفي سواءً في أول الليل, أو في أثناءه, أو في آخره, مادام يعلم أنه يصوم غداً فقد نوى. بارك الله فيكم  
 
6- يلاحظ بكل أسف سماحة الشيخ من بعض المسلمين أنهم يصومون، لكنهم لا يصلون، كيف تقولون؟
هذه مسألة عظيمة قد تنازع أهل العلم فيمن ترك الصلاة كسلاً وتثاقلاً لا عن جحد الوجوب, فقال جمع إنه لا يكفر بذلك وقد أتى منكراً عظيماً أعظم من الزنا, وأعظم من الربا, وأعظم من سائر المعاصي قالوا لكن لا يكفر كفراً أكبر بل يكون فيه كفر وفيه شرك ولكن لا يكون كفراً أكبر, وهذا هو المشهور في مذهب مالك والشافعي, وأبي حنيفة, وجماعة, وقال آخرون من أهل العلم يكفر بها إذا ترك الصلاة عمداً وإن لم يجحد وجوبها وهذا هو المعروف عن الصحابة والمنقول عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -, قال التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي: (كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) يعني كفر أكبر؛ لأن هناك أعمال فيها كفر لكن أصغر, مثل الحلف بغير الله مثل البراءة من الأنساب وما أشبه ذلك, لكن مراده - رضي الله عنه - أنهم يرونه كفراً أكبر هذا هو الظاهر من سياقه كلام عبد الله بن شقيق العقيلي, وأعظم من هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) هذا صريح والكفر معرف بالألف واللام الكفر والشرك, ومتى تعرف الكفر والشرك بالألف واللام فالمراد به الكفر الأكبر والشرك الأكبر, وثبت في المسند والسنن الأربع بإسناد صحيح عن بريدة بن حصيب الأسلمي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر), وفي المسند, وسنن الترمذي عن معاذ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذرة سنامه الجهاد في سبيل الله) فبيت سقط عموده هل يبقى؟! ما يبقى البيت إذا سقط العمود، وثبت أيضاً في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قيل له لما ذكر الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها وتعرف منهم وتنكر، قال الصحابة: (أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) وفي اللفظ الآخر: (حتى تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) فجعل ترك الصلاة كفراً بواحاً فيه البرهان، فهذا هو قول الأرجح، أنه متى تركها تكاسلاً عامداً كفر كفراً أكبر، لا يصح صومه ولا غيره من العبادات، فمن صام ولم يصل فلا صوم له نسأل الله العافية. أما إذا جحد وجوب ذلك جحدها وقال: ما علينا صلاة، أو استهزأ بها استهزأ بالصلاة واستهزأ بالمصلين، فهذا كفره أكبر عند جميع العلماء، من استهزأ بها ولو صلى، أو جحد وجوبها كفر إجماعاً، عند جميع أهل العلم؛ لأنه مكذبٌ لله ولرسوله. آمل أن نلتقي حلقات قادمة... 

402 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply