حلقة 640: تقطيع بعض الآيات لإدخالها في جهاز مرئي - هل يجوز الرجوع في هبة مصحف ناقص بعض الورقات - حكم رد بعض الأحاديث الصحيحة التي تلقاها علماء الأمة بالقبول - هل تجوز قراءة القرآن الكريم لغير المتفقه في الدين

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

40 / 50 محاضرة

حلقة 640: تقطيع بعض الآيات لإدخالها في جهاز مرئي - هل يجوز الرجوع في هبة مصحف ناقص بعض الورقات - حكم رد بعض الأحاديث الصحيحة التي تلقاها علماء الأمة بالقبول - هل تجوز قراءة القرآن الكريم لغير المتفقه في الدين

1-   عندما أقوم بتدريس مادة التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية، وخلال عملي أحتاج إلى وسائل تقنيات للشرح، مثال جهاز العرض العلوي، وهذا الجهاز أعرض عليه الآيات القرآنية ليتم شرحها للطلبة، ولكن إعداد هذه الشرائح يتطلب مني قطع صفحات من المصحف لإدخالها في الجهاز، ولا يمكن الاستغناء عن تلك الطريقة؛ لأنها تسهل عملي، فهل هناك إثم في هذه الناحية؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعـد: فهذا الإجراء الذي ذكره السائل فيه احتمال وليس بواضح، ونرى أن يرسل السائل رسالة موضحة لعمله أكثر من هذا، حتى يُنظر في ذلك، ويجاب على ضوء ذلك.  
 
2-   طلب مني العامل الذي يعمل في القسم أن أقدِّم له المصحف الذي تنقصه بعض الصفحات، فقدمته له، ولكن بعد ذلك أحسست أنني أخطأت بذلك؛ لأن المصحف تنقصه بعض الصفحات، فكيف أعمل، هل أستعيده منه مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يستعيد أُعطيته، فقال عليه الصلاة والسلام: (العائد في أعطيته كالكلب يعود في قيئه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فما الحل؟ جزاكم الله خيراً.
الواجب عليك أن تنبهه على الأخطاء حتى يسدد النقص، عليك أن تنبه الشخص العامل على مواضع الخطأ حتى يكتب ما سقط من الصحف ويلحق في محله، وبذلك تبرأ الذمة إن شاء الله.
 
3- نسمع ونقرأ بين الحين والآخر لبعض المشايخ المعروفين إنكاراً لصحة بعض الأحاديث الواردة في صحيحي البخاري ومسلم وبعض كتب الصحاح الأخرى، ويكون إنكارهم لصحتها بعد تمحيصها بعقولهم -كما يقولون-!!، أي أن المعول عليه عندهم في صحة الأحاديث هي عقولهم فقط، ومن ذلك ما قرأناه إنكاراً لأحاديث المهدي والدجال، ونزول عيسى بن مريم!!، والسؤال يا سماحة الشيخ: هل يجوز لأحد من علماء المسلمين مهما كان قدره أن ينكر صحة بعض الأحاديث الواردة في الصحاح التي أجمع علماء الأمة على صحتها وتقديم أصحابها، خصوصاً صحيحي البخاري ومسلم بعقله فقط، وهل يمكن يا سماحة الشيخ أن تبحثوا هذا الموضوع في المجمَّع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي لأهميته، حيث أنه مع كثرة العلماء وإنكار كلٍّ منهم ما لا يروق له من الأحاديث قد يتسرب الشك في نفوس عوام المسلمين في صحة أغلب أحاديث السنة المطهرة، ثم إذا رد أحد أصحاب الفضيلة حديثاً في البخاري ومسلم فما الذي يجعلنا نصدق بقية الأحاديث!! خاصة التي جاءت بسند هذا الحديث المردود، أرجو التفصيل يا سماحة الشيخ؟ جزاكم الله خيراً.
الأحاديث التي جاءت في الصحيحين بأسانيده المعروفة كلها عند أهل العلم متلقاة بالقبول ومحكوم بصحتها، ولا يجوز لأحد أن يردها، بل يجب قبولها كما قبلها العلماء قبلنا، والذين ردوا أحاديث الدجال أو أحاديث المسيح ابن مريم، أو أحاديث يأجوج ومأجوج قد غلطوا في هذا غلطاً عظيماً، وقالوا قولاً باطلاً، لا يجوز اتباعهم عليه ولا تقليدهم فيه، بل يجب عليهم التوبة من ذلك، والرجوع إلى ما قاله أهل العلم في إثباتها وصحتها، وهكذا مَن ردَّ غيرها من الأحاديث الثابتة في الصحيحين لا يلتفت إلى قوله، وليست العقول محكمة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، بل الأحاديث تُتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة التي بيَّنها أهل العلم فإذا جاء الحديث من طريق الثقات في الصحيحين أو غيرهما سليماً من العلل وجب أن يقبل ولا يجوز أن يُحكَّم الرأي في رده من دون حجةٍ شرعية، بل يجب على أهل العلم والإيمان قبول الأحاديث الصحيحة والاحتجاج بها والاعتماد عليها سواء كانت متواترة أو كانت من طريقة الآحاد، ولا يجوز أبداً أن يقال هذا من طريق الآحاد فلا يقبل، كل هذا باطل وخلاف ما أجمع عليه أهل العلم، بل ما صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب قبوله والأخذ به حسب ما بينه أهل العلم، ولا يجوز الاعتراض على ذلك فيما رآه المتكلمون من تحكيم العقول وما سلكه بعض المتأخرين في هذا الباب تقليداً لأهل الكلام وسيراً على منهاجهم في تحكيم عقولهم الفاسدة في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسوف يُكتب في ذلك ما يلزم إن شاء الله، وربما يتيسر أيضاً بحث ذلك في المجمع الفقهي لمزيد الفائدة ومزيد البيان للناس حتى لا يُخدع أحد بهؤلاء الذين يخوضون في الأحاديث بآرائهم. والله المستعان. هذا من حيث الرد سماحة الشيخ! لكن ماذا من حيث القبول؟ هناك أحاديث عرف عند السلف بأنها ضعيفة لكن وجد في وقتنا الحاضر من يقول أن تلك الأحاديث صحيحة فماذا عن هذا؟! ج/ هذا بحث آخر في غير الصحيحين، الأحاديث لها ميزان الذي ذكره أهل العلم وبينوا أسباب الصحة وأسباب التضعيف، فلا يجوز لأحد أن يتعرض لأسباب التصحيح والتضعيف إلا عن علم، ولا يدخل في ذلك من ليس عنده علم، بل إنما يتكلم في هذا أهل العلم الذين عرفوا مصطلح أهل الحديث، وعرفوا طريق الأئمة في التصحيح والتضعيف، وصاروا على بينةٍ في ذلك فهذا إذا تكلم عن علم وبصيرة فلا بأس، بالأحاديث التي فيها كلام سواء كان في أبي داود أو الترمذي أو النسائي أو ابن ماجه أو مسند أحمد أو غيرها. أما ما رواه الشيخان وتلقته الأمة بالقبول فليس لأحد أن يعترض عليه من الناس، بل يجب أن يبيَّن ما قاله أهل العلم، وأن يوضَّح ما قاله أهل العلم في ذلك، ويستقيم على ما استقام عليه سلف الأمة في قبول الأحاديث الصحيحة، والاحتجاج بها والرد بها على من خالف السنة. سماحة الشيخ إذا عرف عن أحد السلف بأن هذا الحديث ضعيف ثم جاء أحد المتأخرين وقال بل إن هذا الحديث صحيح! فكيف يكون التصرف حينئذٍ؟ ج/ في الغالب أن هذا يعرف بالأدلة، قد يضعف بعض الأئمة المتقدمين بعض الأحاديث لأنه ما بلغه عنها طرق أخرى، ويأتي غيره بعده بسنوات أو بقرون فيجد الأحاديث لها طرق أخرى جيدة فيصححها من أجل الطرق الأخرى التي لم تبلغ ذلك العالم الذي ضعفه. وقد يكون العالم ضعفه بعلةٍ فزالت العلة، قد يكون العالم ضعفه لأن فيه مدلساً فاتضح من طريقٍ آخر أن المدلس صرح بالسماع، وقد يضعفه من طريقٍ آخر وهو أنه منقطع فيأتي من طريقٍ آخر ليس فيه انقطاع فيصححه عالم آخر لزوال العلة التي أعل بها ذلك العالم. وهكذا ما أشبه ذلك. إذاً القول الصحيح الذي تميلون إليه -فيما يبدو- سماحة الشيخ أنه يجوز تصحيح الأحاديث الضعيفة إذا ثبت أنها صحيحة حسب الموازين العلمية؟ ج/ هذا هو الواقع، هذا هو الواقع بين أهل العلم، هذا هو الواقع بين أهل العلم، قد يضعف بعض العلماء في القرن الثاني أو الثالث لبعض الأحاديث ثم توجد صحيحة بأسانيد أخرى عرفها أهل العلم بعده. 
 
4-   البعض عندنا يقول: إنه لا تجوز قراءة القرآن الكريم لغير المتفقه في الدين، أي: الملم بفقه السنة، فهل هذا القول صحيح أم لا؟ نرجو الإفادة، جزاكم الله خيراً.
هذا قول ليس بصحيح، بل يشرع للمؤمن أن يقرأ القرآن وإن كان ليس بفقيه، وإن كان عامياً، يقرأ القرآن على ما في المصحف، ويتدبر ويتعقل كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29) سورة ص. وقال جل وعلا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) سورة الإسراء. وقال سبحانه: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) سورة الأنعام. وقراءته وتدبر معانيه من أسباب اتباعه ومن وسائل اتباعه، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه). فلم يقل يقرأه منكم العالم. يقرأه الجميع، المسلمون كلهم يقرؤونه. ويقول عليه الصلاة والسلام: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق ويتتعتع فيه له أجران) رواه مسلم في الصحيح. فدل على أن الإنسان قد يقرؤه وهو ليس بعالم، يكون عنده تتعتع وعدم قدرة على القراءة المتواصلة الواضحة بسبب جهله باللغة العربية، أو جهله بالكتابة بعض الشيء، فالحاصل أنه يقرأ ويتعلم ويستفيد من أهل العلم ويقرأ على من هو أعلم منه حتى يستفيد وحتى يصحح أخطاءه في ألفاظه لكتاب الله عز وجل، ولا يشترط أن يكون عالماً ولا فقيهاً، ولكن يجتهد ويقرأ ويتعلم حتى يقيم قراءة القرآن وإن كان ليس بعالم ولا فقيه، وهذا القول الذي قاله هؤلاء قول خطأ وباطل، ولا يشترط في القراءة أن يكون القارئ فقيهاً ولا عالماً، هذا ما يقوله أحد من أهل العلم، بل هو باطل. 
 
5-   أسألكم عن أناس إذا أرادوا زيارة للمقابر يُصلون إلى القبور ويودعون الميت، ويدعون له، ويختمون الدعاء بقولهم: الفاتحة إلى أرواح أمواتنا وأموات المسلمين، وإلى روح النبي محمد صلى الله عليه وسلم!! فهل هذا مشروع أم لا؟ جزاكم الله خيراً.
ليس هذا مشروعاً، فالسنة للمؤمن إذا زار القبور أن يسلم عليهم، فيقول ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية). وفي الحديث الآخر: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين). وفي الحديث الآخر: (يغفر الله لنا ولكم)، فيدعو لهم كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن يقول بعد ذلك: الفاتحة لفلان أو للنبي أو لموتانا لا دليل عليه، هذا بدعة، إنما المشروع أن يسلم عليهم وأن يدعو لهم بالمغفرة والرحمة ويكفي هذا؛ لأن الزيارة المقصود بها الذكرى والاعتبار والدعاء لموتى المسلمين بالرحمة والمغفرة، أما قراءة القرآن على القبور أو تثويب القراءة لفلان أو فلان هذا ليس بمشروع، ولا سيما قولهم: الفاتحة لفلان أو فلان أو فلان هذا لا أصل له، بل هو مما أحدثه الناس وابتدعه الناس.     
 
6-   إذا سلَّم الإمام من الصلاة أتى بذكر جماعي هو والمأمومون، يختم الذكر بالفاتحة إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم!! ما رأي سماحتكم في هذا؟
مثل هذا بدعة، كونه يأتي بالذكر جماعياً متعمداً بألفاظٍ ينطقون بها جميعاً وينتهون منها جميعاً، هذا بدعة، لكن كل واحد يذكر الله ولو تلاقت الأصوات في المسجد لا يضر ذلك، كل واحد يذكر الله ، هذا يبتدي وهذا ينتهي، لا يتقصدون أن تكون ألفاظهم متزنة متوافقة من أولها إلى آخرها جماعياً، لا، هذا لا أصل له، بدعة، ولكن كل واحد يذكر الله، هذا يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تبارك يا ذا الجلال والإكرام، وهذا ينتهي منها ويقول: لا إله إلا الله والآخر يقول: لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه. كل منهم على حسبه، يتكلم بما يسر الله له من الذكر من غير أن يراعي اتفاقه مع كلام أخيه حرفياً، بل هذا يذكر الله، وهذا يذكر الله، وكل منهما يبتدي حيث شاء وينتهي حيث شاء، أما أن يقصد كل واحد أن يكون جماعياً مع أخيه في ألفاظه ابتداءً وانتهاءً فهذا لا أصل له. 
 
7-  ما رأي الدين! في سجدة السهو عن نسيان القنوت في صلاة الفجر، وهل القنوت مشروع أو لا؟ جزاكم الله خيراً.
الصواب أن القنوت ليس مشروعاً في صلاة الفجر كل يوم، ولكن يشرع عند وجود النوازل، كأن ينزل بالمسلمين نازلة من حرب فيقنت المسلمون في الفجر أو في غيرها يدعون الله كشفها والنصر على الأعداء، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام ويدعو للمجاهدين بالنصر ويدعو على الكفار بالهزيمة، لا بأس، أما القنوت بصفةٍ دائمة في الفجر أو في غيرها هذا لا أصل له، وإن ذهب إليه بعض أهل العلم، بعض العلماء ذهبوا إلى ذلك وقالوا يستحب في الفجر خاصة لأحاديث ضعيفة في ذلك، والصواب أنه لا يستحب في الفجر بصفة دائمة، وإنما يستحب للنوازل؛ لما ثبت في السنن بإسنادٍ جيد عن سعد بن طارق الأشجعي أنه قال لأبيه: (يا أبتاه! إنك أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال طارق رحمه الله ورضي عنه: أي بني محدث!). أي بني محدث. يعني لم يكن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون. فدل ذلك على أنه غير مشروع يعني بصفةٍ دائمة. وإذا صليت مع قوم يقرؤون القنوت فلا بأس صل معهم واقنت معهم لأن لهم شبهة، وهي أنهم قالوا ذلك بسبب ما ورد في بعض الأحاديث التي ظنوها صحيحة أو ظنوها دالة على ما ذهبوا إليه، فأنت معذور إذا صليت معهم، وهم معذورون إذا تلقوا ذلك عن غيرهم معتقدين أنه مشروع، لكن من عرف العلم وعرف الحق يبينه للناس، ويوضحه للناس وأن هذا غير مشروع، وأن الصواب تركه إلا من علة وهي وجود نازلة بالمسلمين مثل عدو نزل بهم، فإذا قنتوا من أجل الدعاء للمسلمين بالنصر على الأعداء والدعاء على الأعداء بالهزيمة والخذلان فهذا فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، أما لو تركه الإنسان ناسياً فلا يشرع له السجود؛ لأنه مستحب وليس بلازم عند من قال هو مستحب، فلا يشرع له سجود السهو لو ترك القنوت ناسياً وإن سجد للسهو فلا حرج في ذلك ولا بأس ولا يضر الصلاة. لكن عدم السجود أولى لأنه ليس بمشروع وعلى القول بشرعيته فهو مستحب فقط لا يجب بتركه سجود السهو عند من قال بشرعيته. 
 
8-   ذهبت لأداء فريضة الحج، وذهبنا يوم تسعة ذي الحجة إلى جبل عرفات، ولم نتمكن من المبيت في منى، وعدنا من الجبل بعد المغرب إلى المزدلفة، وصلنا في منتصف الليل وصلينا المغرب والعشاء، وذهبنا إلى منى ووصلنا قبل الفجر ولم نتمكن من المبيت في مزدلفة، فما رأيكم في عدم المبيت في منى يوم ثمانية، وما رأيكم في عدم المبيت في المزدلفة بعد نزولي من عرفة؟ جزاكم الله خيراً. وهذا المبيت كان عدم تمكننا منه بسبب المسئولين عن الحملة، جزاكم الله خيراً.
ما دام الواقع كما ذكره السائل فلا شيء عليه، لأن مروره بمزدلفة بعد نصف الليل وجمعه الصلاة فيها كل ذلك يحصل به الإجزاء والحمد لله، ولأنه معذور بسبب الحملات وعدم تمكنه من البقاء فلا حرج في ذلك، والمبيت في مزدلفة واجب على الصحيح، وقال بعض أهل العلم: إنه ركن، والصواب أنه واجب، وقال آخرون من بعض أهل العلم أنه سنة، والصواب الوسط ليس بركن ولكنه فوق السنة، واجب؛ لأن الرسول بات في ذلك، وقال: (خذوا عني مناسككم) اللهم صل وسلم وعليه. فالواجب على الحجاج أن يبيتوا في مزدلفة إلى بعد نصف الليل، ومن جاءها بعد نصف الليل أجزأه ذلك، إذا خرج منها آخر الليل، ويجوز للضعفة من النساء وأتباعهم الخروج بعد نصف الليل إلى منى قبل حطبة الناس، لأن الرسول عليه السلام رخص لهم في ذلك عليه الصلاة والسلام. والخلاصة أن من بات بها فقد أدى الواجب، ومن خرج منها بعد نصف الليل فلا حرج عليه، ولا حرج على الضعفة أن يخرجوا بعد نصف الليل الأخير قبل حطبة الناس لأن الرسول رخص لهم عليه الصلاة والسلام، ومن حيل بينه وبين ذلك لعذرٍ شرعي كأن تعطلت سيارته ولم يصل إلى مزدلفة فلا حرج عليه إن شاء الله؛ لأنه معذور عذراً شرعياً، وهكذا من مُنع من البقاء فيها بسبب القائمين على الحملة منعوه من البقاء في مزدلفة، وحالوا بينه وبين ذلك فنرجو أن لا حرج عليه إن شاء الله، وإن فدى احتياطاً بذبيحة تذبح في مكة للفقراء من باب الاحتياط فهذا حسن إن شاء الله، وأما ليلة التاسعة في منى فليست بواجبة، ليلة التاسعة المبيت بمنى الليلة التاسعة ليست واجبة، ليس واجباً ولكن مستحب، الرسول صلى الله عليه وسلم بات فيها الليلة التاسعة، فإذا بات في منى الليلة التاسعة فهو أفضل، وإلا فليس بواجب، لو لم يأت منى إلا اليوم التاسع وسار منها إلى عرفات فلا حرج في ذلك. 
 
9- تسأل عن تفسير قوله تعالى: ((أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ)) [النساء:43]؟
الصواب في ذلك أن معناها الجماع، لامستم: جامعتم، أما اللمس الذي ليس فيه جماع، كونه يقبلها أو يلمسها بيده فالصواب أنه لا ينقض الوضوء، هذا هو المعتمد، وللعلماء في هذا أقوال ثلاثة، أحدها: أن المس ينقض الوضوء مطلقاً، والثاني: أنه ينقض إذا كان بشهوة، كأن يقبلها أو يلمسها بشهوة، والقول الثالث: أنه لا ينقض مطلقاً، المسيس لا ينقض مطلقاً، سواء قبلها أو لمس يداً أو غير اليد من بدنها فالصواب أنه لا ينقض الوضوء إذا لم يخرج منه شيء، إذا لم ينزل منياً ولا مذياً، فإن مجرد المس لا ينقض الوضوء، إذا لم يكن معه خروج شيء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ولأن ابن عباس وجماعة فسروا الملامسة بالجماع، فالصواب أن الملامسة المراد بها الجماع؛ لأن الله جل وعلا نبه على الحدث الأصغر بقوله: أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ (6) سورة المائدة. هذا الحدث الأصغر، ثم أشار إلى الحدث الأكبر بقوله: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) هذا إشارة إلى الحدث الأكبر، وليس المراد المسيس باليد الذي ذكره بعض أهل العلم وأنه ينقض الوضوء، وبهذا يعلم أن الملامسة في الآية المراد بها -على الصحيح-: الجماع، وليس المراد مس اليد، فمس اليد لا ينقض الوضوء، وهكذا مس غير اليد كالرجل أو الفم بالتقبيل لا ينقض الوضوء على الصحيح. 
 
10-  هل تسجد المرأة الحائض سجود التلاوة؟
الصواب أنه لا حرج في ذلك، لا بأس أن تقرأ عن ظهر قلب، ولا بأس أن تسجد، كما تذكر الله جل وعلا، فالسجود من جنس القراءة ومن جنس الذكر، ليس صلاةً على الصحيح، ولهذا يجوز للقارئ أن يسجد وإن كان على غير وضوء في أصح قولي العلماء، فهكذا الحائض والنفساء لهما أن تقرأا من ظهر قلب، ولهما أن تسجدا إذا مرتا بالسجدة على الصحيح، لأن حدثهما يطول وليستا مثل الجنب، الجنب في إمكانه الاغتسال بسرعة فليس له أن يقرأ، أما الحائض والنفساء فمدتهما تطول ولا يجوز قياسهما على الجنب، فلهما أن تقرأا ولهما أن تسجدا إذا مرتا بالسجدة في أصح قولي العلماء، كما أن لهما أن يسبحا ويهللا ونحو ذلك. 
 
11-  أيهما أفضل: العشر الأواخر من رمضان أم عشر ذي الحجة؟
عشر الأواخر من رمضان أفضل من جهة الليل؛ لأن فيها ليلة القدر، والعشر الأول من ذي الحجة أفضل من جهة النهار؛ لأن فيها يوم عرفة، وفيها يوم النحر، وهما أفضل أيام الدنيا، هذا هو المعتمد عند المحققين من أهل العلم، فعشر ذي الحجة أفضل من جهة النهار، وعشر رمضان أفضل من جهة الليل، لأن فيها ليلة القدر وهي أفضل الليالي، والله المستعان. 
 
12-  امرأة نصرانية بعلها مسلم، توفيت وفي بطنها جنين له سبعة أشهر، هل تدفن مع المسلمين أو مع النصارى؟!
المعروف عند أهل العلم أنها تدفن في محل لا مع الكفار ولا مع المسلمين، تكون في محل خاص؛ لأن بها مسلماً محترماً فلا يكون مع الكفار، ولأنها كافرة لا تكون مع المسلمين، ولكن تدفن في محل خاص لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، ويسوى القبر حتى لا يمتهن في أرض ميتة ليس فيها قبور للكفار ولا قبور للمسلمين، وتجعل على يسارها حتى يكون وجه الولد إلى القبلة؛ لأن وجه الولد إلى ظهرها فيكون وجهه إلى القبلة، حتى لا تكون على جنبها الأيمن؛ لأنها إذا كانت على جنبها الأيمن صار وجهه إلى غير القبلة، فيراعى الولد حتى يكون وجهه إلى القبلة في محل وضعها في قبرها.

325 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply