حلقة 2: حكم الصلاة خلف من عضل بناته - المعسر وإكمال نصف الدين والمغالاة في المهور - حكم ذكر الله للحائض - هل تأديب اليتيم بالضرب قهراً له؟

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

2 / 50 محاضرة

حلقة 2: حكم الصلاة خلف من عضل بناته - المعسر وإكمال نصف الدين والمغالاة في المهور - حكم ذكر الله للحائض - هل تأديب اليتيم بالضرب قهراً له؟

1- يوجد هناك رجل عنده أربع بنات، الكبرى عمرها 35 سنة والصغرى 20 سنة وقد طلبن للزواج وأبى وليهن أن يزوجهن وهو أيضاً إمام جامع، نريد أن نقول أولاً: هل يجوز أن يصلي بنا وهو على هذه الحالة؟

ج/ بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعـد: فلا شك أن الواجب على ولي البنات والأخوات ونحوهن أن يتقي الله عز وجل، وأن يحرص على تزويجهن بالكفء إذا حصل، وأن لا يعضلهن لحظ من الحظوظ كالرغبة في خدمتهن، أو موتهن لأن لهن مالاً حتى لا يشاركه أحد في المال، أو ما أشبه ذلك من المقاصد الخبيثة، فالواجب على الولي أن يبادر بتزويج المرأة إذا خطبها الكفء؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والحاصل أن الأمانة يجب أن يعتنى بها، والبنت والأخت أو نحوهما أمانة عند الولي، فالواجب عليه أن لا يضر هذه الأمانة وأن لا يسيء إليها، بل يجب عليه أن يحسن عليها، وأن يزوجها الكفء من دون تعطيل ولا عضل ولا إيذاء، وهذا الرجل الذي سئل عنه أن عنده أربع بنات الكبرى منهن تبلغ خمساً وثلاثين سنة هذا لا شك أنه قد غلط غلطاً كبيراً إذا تأخر بزواجهن من دون عذرٍ شرعي، والواجب عليه أن يبادر بالتزويج إذا جاء الكفء وأن لا يتأخر، فيجب أن ينصح وأن يوجه للخير، ويجب على من يعرفه من جيرانه وأقاربه وأهل بلده أن ينصحوه وأن يحذروه من مغبة هذا الأمر، وكذلك ينبغي أن يُبلغ حاكم البلد -القاضي- حتى يحذره وحتى يعظه ويذكره من مغبة هذا العمل، والدين النصيحة والمسلم أخو المسلم ينصحه ولا يهمله، هكذا يجب على المسلمين فيما بينهم، إذا رأوا مثل هذا أن ينصحوه وأن لا يهملوه؛ لأن هذا يضر المجتمع، وربما أفضى بالبنات إلا ما لا تحمد عقباه، أما الصلاة خلفه، فالصلاة خلفه صحيحة على الراجح، لأن الراجح أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة، وإنما تبطل إذا كان الإمام كافراً، أما إذا كان مسلماً عاصً مثل هذا أو مثل إنسان عنده معاصٍ معروفة أخرى كشرب المسكر في بعض الأحيان، أو كالتدخين أو كحلق اللحى أو مثل هذه المعاصي كلها لا تمنع من الإمامة، لكن ينبغي أن يلتمس الإمام الأفضل، وينبغي أن يعزل إذا كان مصراً على هذا العمل، ينبغي أن يعزل ويؤتى بمن هو أسلم منه، لكن لو صلى خلفه صحت الصلاة، ولكنها خلف السليم أفضل وأولى، ومثل هذا وأشباهه لا ينبغي أن يقر، بل ينبغي أن ينصح، فإن استقام وإلا يعزل عن الإمامة، يعني معصية كبيرة وظلم، فلا ينبغي أن يترك على هذه المعصية، بل ينبغي أن يعزل عن عمله هذا تأديباً له، ورعايةً لحال المأمومين حتى لا يتولى إمامتهم إلا من هو معروف بالاستقامة والديانة والبعد عن المعاصي، وبكل حال ينبغي أن يحذر هذا من هذا العمل السيء، وأن يؤمر بتزويج بناته إذا خطبهن الأكفاء، وليس له أن يتأخر في ذلك أبداً.(يقول المقدم أيضاً يقول: ما هو المخرج لهؤلاء الفتيات اللاتي وقعن في هذا المأزق الحرج؟) ج/ لهن مخارج منها أن يتكلمن مع والدهن بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، ويقلن: إن ما يخفى عليك أن الزواج فيه مصالح كثيرة، والبنت بدون زواج على خطر، تريد العفة، تريد الأولاد، فنرجو من والدنا أن لا يتأخر عن الكفء إذا خطب، بالأسلوب الحسن لعله يلين ولعله ينفع فيه الكلام، فإن لم يستطعن ذلك أو فعلنه ولم يجد فيستعن أيضاً بمن يرين فيه الخير من الأقارب كأعمامه وأقاربه الذين يقدرهم ويحترمهم؛ لعلهم يشفعون ولعلهم ينصحونه، فإن لم يتيسر لهن من يقوم بذلك ولم يجد فيه مثل هذا فلا مانع من رفع الشكوى إلى المحكمة، إلى القاضي أو إلى ولي الأمر، مثل الأمير أو من ولي أمر البلاد، أمير أو قاضي حتى يحصل التعاون على إزالة هذا الشخص، لكن البداءة بالأسلوب الحسن أولى، البداءة بالكلام معه منهن بالأسلوب الحسن قد يكون هذا أقرب إلى عطفه عليهن وإلى تركه هذا الظلم، وإذا لم يتيسر هذا لأنهن يخشينه، يخشين شره وضربه لهن أو لأنه لم يمتثل فإنهن يطلبن من الأقارب الجيدين، يعني من الكبار الذين يقدرهم ويحترمهم أن يتوسطوا وأن يشفعوا إليه حتى يدع هذا الظلم، فإن لم يجد هذا ولا هذا ولا يتيسر هذا ولا هذا فلا مانع من الشكوى إلى القاضي أو إلى الأمير أو إليهما جميعاً لحل هذه المشكلة. 

 

 
2- يقول: أنا شاب في العشرين من عمري أريد أن أكمل نصف ديني، ولكن لا أستطيع الباءة، فما هي نصيحتكم لي والحالة هذه؟
ج/ ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الزواج فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الصوم، من عجز عن الباءة، يعني عن المؤونة، النكاح، فإن عليه أن يصوم ويستعين بالصوم على إمساك الشهوة وتخفيفها والسلامة من شرها مهما أمكن، فالصوم لا يحصل به الوجاء يعني الخصاء، يعني يحصل به يضعف الشهوة ويحصل به كفها عن الشدة، فالحاصل أن الصوم فيه علاج للشهوة، وفيه علاج لطموح الإنسان إلى النكاح، ومن أسباب غض البصر، ومن أسباب ضعف سلطان الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضعف ذلك. فالحاصل أن الصوم يضعف هذه النزعة وهذا الميول إلى الجنس، فيحصل شيء كبير من المقصود، وإن تعاطى شيئاً من الأدوية التي تضعف الشهوة ولا تقطعها، يتعاطى شيئاً من الأدوية التي يحصل بها يعني إضعاف الشهوة وتخفيف الشهوة، لكن لا يقطع الشهوة، بل تبقى الشهوة عند الحاجة هذا لا بأس أيضاً، قد يكون علاج أيضاً.

 

 
3- يقول: هناك بعض الآباء يتجاوزون في المهور نريد أن توجهوا لهم النصيحة لعل الله سبحانه وتعالى أن يهديهم في ذلك؟
ج/ هذا أمر عام، ومصيبة كبيرة، وهي مغالاة المهور، ونصيحتي لكل مسلم أن يدع ذلك، وأن يحذر المغالاة في مهر بنته أو أخته أو قريبته الأخرى، وأن يتساهل في ذلك ويرضى بالمهر المناسب الذي يعين المرأة على حالاتها المعروفة، ولا يكون به إرهاق للزوج ولا منع للنكاح، هذه الكل يشكو منها، مسألة المغالاة في المهور، والمغالاة أيضاً في الولائم كلتاهما ضارتان، فينبغي للأولياء وللنساء أيضاً أن لا يشددوا في ذلك، بأن ترضى المرأة وأمها وقراباتها بالشيء المناسب كما يرضى الأب وبقية الأولياء بذلك. بعض الأحيان قد يكون الأب يرضى أو الولي ولكن لا ترضى أمها وأختها ونحو ذلك، وربما حملته أمها على المغالاة، الحاصل أن هذا مطلوب من الجميع، مطلوب الأم والخالة والبنت نفسها، مطلوب من الأب، مطلوب من الإخوة، مطلوب من الأجداد، كلهم يتعاونون في تسهيل المهور، وعدم المغالاة، حتى يتيسر تزويج قريباتهن، أما مع المغالاة فإن البنت تبقى حبيسة البيت، ولا يتقدم لها إلا القليل من الناس، ليس كل واحد عنده القوة على المهر المرتفع، ثم هذا لا ينبغي لأن المغالاة في المهور تفضي إلى فسادٍ كبير، إلى تعطيل البنات والأخوات، تعطيل الشباب، والفواحش، هذا كله شره عظيم وعاقبته وخيمة، كذلك الولائم ينبغي أن لا يتنافس فيها، بدل ما يذبح عشر ذبائح أو خمسة عشر، يكفي بواحدة أو باثنتين أو ثلاث، بدل ما يدعو مئة أو مائتين، يدعو خمسة، عشرة من أقاربه الأدنين، ويكتفي بذلك، حتى تكون النفقة أقل وحتى يستطيع أن يتقدم للزواج، لكن إذا ذكر أن هناك ولائم تحتاج إلى ألوف بل إلى عشرات الألوف مع مغالاة المهر فإن هذا كله يسبب تعطيل الرجل وتعطيل البنت جميعاً. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، نسأل الله للجميع الهداية.

 

 
4- يقول: بعض الفتيات يتوهمن أن المرأة الحائض أصبحت نجسة فلا يجوز لها الذكر ولا استماع القرآن وإنما الاتجاه لسماع الغنى واللهو، نرجو تبيين هذا الحكم وما الذي يجوز أيضاً للحائض؟
ج/ هذا توهم لا ينبغي، الحائض مشروع لها ما يشرع لغيرها من ذكر الله عز وجل، تسبيحه وتحميده وتهليله وتكبيره، والاستغفار والتوبة وسماع القرآن ممن يتلوه، وسماع العلم والمشاركة في حلقات العلم، سماع ما يذاع من حلقات العلم، وحلقات القرآن والاستفادة من ذلك، مثل غيرهن، النبي صلى الله عليه وسلم قال للحائض: (افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي في البيت حتى تطهري) فأمرها المرأة أن تفعل مثل ما يفعله الحجاج من التلبية، والذكر، وسائر الوجوه الشرعية ما عدا الطواف، فدل ذلك على أنها مثل غيرها، ترمي الجمار، تلبي، تذكر الله، تسبح، تحمد، تهلل، تستغفر، يعني تفعل كل شيء ما عدا الطواف إذا كانت محرمة بالحج أو بالعمرة حتى تطهر، كذلك في بيتها تستعمل ما تستطيع من ذكر الله عز وجل وتسبيحه وتحميده وتهليله وتكبيره والاستغفار والدعوة إلى الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تدرس العلم، مطالعة الأحاديث وغير ذلك، أما قراءة القرآن ففيه خلاف، بعض أهل العلم يرى أنها تمنع من قراءة القرآن، والقول الثاني: أنها لا تمنع من قراءة القرآن عن ظهر قلب، وهذا هو الأقرب والأظهر، أن لها أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب من دون مس المصحف، كالمعلمة تعلم البنات القرآن عن ظهر قلب، والتلميذة التي تحتاج إلى قراءة القرآن من غير مس المصحف كذلك، الصحيح أن لا حرج في قراءتها عن ظهر قلب لأن مدة الحيض تطول وهكذا النفاس، بخلاف الجنب، الجنب لا يقرأ القرآن لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ القرآن وهو جنب عليه الصلاة والسلام؛ ولأن الجنب وقته قصير، يستطيع في أي حال أن يغتسل ويقرأ، فهناك له موانع، لكن الحائض تحتاج إلى أيام وليالي وليس باختيارها، وهكذا النفساء أطول وأطول، فلهذا الصحيح أنه لا حرج عليها في قراءة القرآن عن ظهر قلب لا من المصحف، وبهذا تعلم أن الحائض تشارك في كل شيء من الخير ولا تمنع ما عدا مس المصحف وما عدا الصلاة، لأنها لا تصلي ولا تصوم حتى تنتهي من حيضها ونفاسها، ثم تقضي الصوم دون الصلاة، ليس عليها قضاء الصلاة، بل الله سامحها، سامح الحائض والنفساء من الصلاة، فلا تقضيها ولا تجب عليها مدة الحيض والنفاس ،لكن الصوم تقضيه، بعد طهرها بعد رمضان تقضي ما أفطرت من الأيام، سئلت عائشة رضي الله عنها قيل لها: يا أم المؤمنين ما بالنا نقضي الصوم ولا نقضي الصلاة؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، يعني من النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرهن بقضاء الصوم ولا يأمرهن بقضاء الصلاة، وبهذا علم أن الصوم يقضى والصلاة لا تقضى، وهذا محل إجماع بين المسلمين، قد أجمع العلماء على أن الصلاة لا تقضى في حق الحائض والنفساء، ولكنهما تقضيان الصوم فقط، صوم رمضان يعني، فالحاصل أن الحائض والنفساء يشرع لهما ذكر الله وتسبيحه وتحميده وتهليله وتكبيره وحضور حلقات العلم، وسماع القرآن ممن يتلوه والإنصات لذلك، والمشاركة في كل خير ما عدا أنها لا تصلي حتى تطهر ولا تصوم حتى تطهر، ولا تقرأ القرآن من المصحف، أما عن ظهر قلب فالصحيح أنه يجوز لها ذلك في الصحيح من قولي العلماء، ولا سيما عند الحاجة.

 

 
5- قال الله تعالى: ((فأما الْيتيم فلا تقْهرْ))[الضحى:9]، هل تأديب اليتيم وضربه إذا أخطأ ولو أدى إلى بكائه الشديد يعتبر من قهره؟
ج/ لا، قهره ظلمه، والتعدي عليه والتكبر عليه، أما تأديبه وتوجيهه إلى الخير فهو غير داخل في هذا، بل هو واجب على الولي، يجب على الولي أن يؤدبه وأن لا يهمله حتى لا تسوء أخلاقه، إذا أهمل اليتيم ساءت أخلاقه، وصار كلاً على الناس، ولكن الواجب على وليه أن يلاحظه كعمه وأخيه ونحو ذلك، أن يلاحظه وإذا ساءت أخلاقه أدبه حتى يستقيم، حتى يكون شاباً مؤدباً مثل أعز أولاده، فتأديبه لا بد منه، مثلما تؤدب أولادك تؤدب اليتيم الذي عندك وليس هذا من ظلمه ولا من قهره ولا من الإساءة إليه بل هذا من الإصلاح والإحسان إليه حتى تستقيم أخلاقه وحتى يكون شاباً جيداً مؤدباً يضع الأمور في مواضعها ويضع الكلام في مواضعه.

460 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply