حلقة 84: حكم توفير اللحية - حكم الحناء للنساء - حديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشر عقوبة - حكم الحبوب المنشطة - حكم تشميت العاطس والإمام يخطب

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

34 / 50 محاضرة

حلقة 84: حكم توفير اللحية - حكم الحناء للنساء - حديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشر عقوبة - حكم الحبوب المنشطة - حكم تشميت العاطس والإمام يخطب

1- ما رأي فضيلة الشيخ بواعظ قام يعظ ويسهب في نصيحته وتطرق إلى موضوع توفير اللحية حتى بلغ به الأمر إلى قوله: إن الذي يحلق لحيته تطلق منه زوجته، وعلل ذلك أنه ديوث ومخنث إلى حد قوله أشياء كثيرة فيه، ويقول إنه يستدل بحديث: (وفروا اللحاء وجزوا الشوارب، خالفوا المجوس خالفوا المشركين)، بينما واقع الحال أن اليهود والنصارى والمجوس والهندوس هم الذين يوفرون شعورهم وخاصة اللحى والشوارب، فما رأي سماحتكم في ذلك؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعـد: فلا ريب أن توفير اللحى وإرخاءها مما شرع الله لعباده، ومما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب على المسلم أن يعفيها، وأن يرخيها وأن لا يتعرض لها بشيء، لا حلق ولا قص، لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين)، متفق على صحته. ولقوله عليه الصلاة والسلام: (قصوا الشوارب) وفي لفظ: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)، هذا هو الثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وذلك يدل على وجوب إعفائها وإرخائها؛ لأن الأمر للوجوب هذا هو الأصل، فعلى المسلم أن يرخيها وأن يعفيها وأن يوفرها، ولا يتعرض لها بقص ولا بحلق، أما هذا المفتي أو هذا القاص أو هذا الواعظ الذي قال: إن من قصها تطلق زوجته وأن كذا وكذا، هذا غلط، وكلامه ليس بصحيح، وينبغي أن يُعلم ويوجه ويخبر أنه قد أخطأ في هذا السبيل، فليس حلقها ولا قصها ردة عن الإسلام حتى تطلق منه امرأته، لا، بل معصية من المعاصي، فزوجته لا تطلق، ولا يسمى ديوثاً، ولا يجوز أن يقال هذا الكلام في حق حالق اللحية ولا قاصها، ولكن نقول: بأنه خالف الرسول صلى الله عليه وسلم، عصى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو من جنس بقية المعاصي التي ينهى عنها ويحذر منها ولكن لا يقال فيها إنه ديوث، ولا يقال فيها: أنها تطلق امرأته، الديوث هو الذي يرضى الفاحشة في أهله، هذا الديوث، هو الذي يرضى بأن تأتي زوجته بالفاحشة، هذا الديوث، فالحاصل أن هذا الكلام الذي قاله الواعظ هو كلام خطأ وقد غلط وجهل، فالواجب أن يعلم وأن يرشد، ويحذر من الغلو في الكلام والتجازف في الكلام بغير حجة، وإنما كلام أهل العلم في ذلك هو أن ذلك لا يجوز، وأنه معصية وأن الواجب على المسلم أن يعظم أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن يأخذ به ويمتثله وذلك بإرخاء لحيته وتوفيرها، أما كون بعض الكفار من اليهود أو النصارى أو الهنود أو غيرهم يطولونها أو يوفرونها فهذا لا يضرنا، إذا وافقونا فيما شرع الله لنا لا يضرنا، إنما يضرنا إذا وافقناهم في عوائدهم وغلوهم وما أشبه ذلك من أعيادهم! هذا الذي يضرنا، أما إذا وافقونا، قصوا شواربهم وأرخوا لحالهم، فهذا لا يضرنا، بل نحب لهم أن يهتدوا حتى يوافقنا في الإسلام كله.  
 
2- هل يجب على المرأة وضع الحناء في يديها؛ لأن البعض يقول: إن المرأة تتشبه بالرجل إذا لم تضع الحناء في يديها؟
لا شك أن تغيير يديها بالحناء مستحب، وقد جاء فيه أحاديث لا تخلو من ضعف، فالأولى لها أن تغيرها بالحناء، أما كون ذلك يجب أو كونه يحرم عليها بقاء يديها بيضاء فلا أعلم له أصلاً، ولكن الأفضل والأولى أن تغيرها بالحناء حتى تكون غير مشابهة ليد الرجل، هذا هو الأفضل والأولى؛ لأنه جاء في هذا أحاديث ولأنه من السنة المعلومة بين النساء والمعروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده تغيير اليدين بالحناء هو أمر معلوم، وهو الأولى في حق المرأة.  
 
3- فإن الورقة التي داخل هذه الرسالة هي عقوبة تارك الصلاة، فهل هذا الحديث صحيح، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد أرفق الورقة ومكتوب فيها: أما بعد: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشر عقوبة: ستة منها في الدنيا وثلاثة عند الموت وثلاثة عند القبر وثلاثة عن خروجه من القبر)!، ثم ذكر هذه الأمور التي لا نريد أن نطيل فيها.
هذا الحديث ليس بصحيح، هذا الحديث قد نبه أهل العلم منهم الحافظ الذهبي في الميزان وغيرهما على أنه موضوع ولا صحة له، بل هو موضوع من الأحاديث المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غلط الذهبي رحمه الله تعالى في ذكره في الكبائر، والصواب أنه لا أصل له، بل هو حديث موضوع مكذوب ليس له أصل، ومعلوم أن الصلاة أمرها عظيم وهي عمود الإسلام، والله قال فيها سبحانه: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) سورة البقرة، وقال سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ (238) سورة البقرة، وقال فيها سبحانه: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (4-5) سورة الماعون، وقال عز وجل في شأنها وتعظيمها: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) سورة مريم، يعني خساراً ودمارا، فالصلاة أمرها عظيم، وهي عمود الإسلام، فمن ضيعها ضيع دينه، ومن حفظها حفظ دينه، فالواجب على أهل الإسلام من الذكور والإناث أن يحافظوا عليها، وأن يستقيموا عليها، وأن يؤدوها في أوقاتها بالطمأنينة والطهارة والخشوع وغير ذلك من شؤونها، هذا هو الواجب على الذكور والإناث جميعاً من المسلمين، تعظيم هذه الصلاة والحفاظ عليها، وأداؤها في أوقاتها، والعناية بطهارتها وسائر ما شرع الله فيها، لأنها عمود الإسلام، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، والرجل يزيد في ذلك أنه يؤديها في الجماعة، يلزمه أن يؤديها في الجماعة في مساجد الله، وليس له أن يؤديها في البيت كالمرأة، لا، بل هذا من خصال أهل النفاق، ومن التشبه بهم، حتى قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لقد رأيت وما يتخلف عنها (يعني الصلاة في الجماعة) إلا منافق معلوم النفاق"، والله قال سبحانه في شأن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) سورة النساء، فالآيات تغني عما وضعه الوضَّاعون وكذبه الكذابون، وهكذا ما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة كافي شافي، قال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة). رواه مسلم في الصحيح. وقال أيضاًَ عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد في المسند بإسناد جيد لما ذكر الصلاة يوماً بين أصحابه، قال: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، نسأل الله العافية. هؤلاء من كبار الكفرة ومن صناديدهم، فيجب الحذر من إضاعة الصلاة والتشبه بأعداء الله بالتخلف عنها، قال بعض أهل العلم: إنما يحشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إما: أن يضيعها من أجل الرياسة والملك فيكون شبيهاً بفرعون فيحشر معه يوم القيامة، نعوذ بالله، وإما: أن يضيعها بسبب الوزارة فيكون شبيهاً بهامان وزير فرعون فيحشر معه يوم القيامة، وإما: أن يضيعها بسبب المال والشهوات فيكون شبيهاً بقارون الذي خسف الله به وبداره الأرض لما تكبر وطغى وامتنع عن طاعة موسى عليه الصلاة والسلام في زمانه، وإما: أن يضيعها بسبب التجارات والمعاملات فيكون شبيهاً بأُبي بن خلف تاجر أهل مكة فيحشر معه يوم القيامة. والحاصل أن الحفاظ على الصلاة من أهم المهمات، ومن أوجب الواجبات، والتخلف عنها وإضاعتها من خصال أهل النفاق ومن أعظم المنكرات ومن أسباب دخول النار، بل تركها بالكلية من أنواع الكفر بالله، من الكفر الأكبر، في أصح قولي العلماء، فيجب الحذر من ذلك، ويجب على الرجال والنساء جميعاً المحافظة على الصلوات وأداؤها كما شرع الله، كما تجب العناية بالطمأنينة فيها وعدم العجلة وعدم النقر، وأن تؤدى بالوقت، وأن يعتنى بالطهارة وتكميلها، وأن يعتنى بالخشوع كما قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (1-2) سورة المؤمنون، حتى قال سبحانه بعد ذلك: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ*الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (9-11) سورة المؤمنون. فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يوفقهم للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة والعناية بها، والحذر من التهاون فيها وتركها.  
 
4- يتناول بعض سائقي السيارات أو سيارات السفر حبوب منشطة، وهي لا تغير في العقل ولكنها تذهب النوم عنهم، فهل هي حرام؟ علما أنها تكلف شيئا من المال!
هذه الحبوب بلغ لنا طرقاً معروفة، ومن العارفين بها ومن أهل الثقة أنها تضرهم، وأنها تسبب صحواً غير صحيح، فيسوق وهو عاقل ويقع في الحوادث الكثيرة بأسباب عدم النوم وهو يظن أنه سليم وهو ليس بسليم، فهذه الحبوب يجب الحذر منها ويجب إنكارها، والقضاء عليها، وأن يسوق الإنسان ما دام نشيطاً قوياً بعيداً عن النعاس، فإذا أحس بالنعاس وجب عليه ترك السياقة؛ لئلا يضر الناس ولئلا يضر نفسه أيضاً، أما تعاطي هذه الحبوب فهو يفضي إلى شرٍ كثير، وإلى مفاسد كثيرة وأخطارٍ عظيمة، كما هو الواقع من هؤلاء السائقين المتعاطين لهذه الحبوب، وكما يشهد به كل من عرف شأن هذه الحبوب وشأن أهلها.  
 
5- من تلكم والإمام يخطب أو قال للذي بجانبه اسكت! فقد لغى، فإذا أنا بجوار واحد وعطس وحمد الله فقلت له: يرحمك الله فهل لغيت؟ وإذا كنت قد لغيت فماذا يجب عليَّ، علما قلت له والإمام يخطب؟
لا يجوز الكلام والإمام يخطب مع الناس، لا مع العاطس ولا مع غيره، الواجب الإنصات لسماع الخطيب، إلا مع الخطيب لا بأس إذا أراد أن يسأل الخطيب عن شيء أو ينكر عليه شيئاً أخطأ فيه يجب إنكاره، فالكلام مع الخطيب لا بأس، والخطيب لا بأس أن يتكلم هو؛ لأن هذا من جنس خطبته، أما الناس فيما بينهم فلا، حتى ولو عطس وحمد الله، لا تقول: له يرحمك الله، كما لا تقولها في الصلاة، إذا عطس وهو يصلي وحمد الله لا يقال له: يرحمك الله، هكذا في الخطبة، المستمع لها كالمصلي، فلا يتكلم ولا يرد السلام، ولا يبدأ بالسلام، ولا يشمت العاطس، هذا هو الواجب عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)، مع أنه أمر بالمعروف، يسمى لاغياً وهو آمر بالمعروف، وفي الحديث الآخر: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت، ليست له جمعة)، هذا يدل على أن الجمعة تلغو ويفوته ثوابها بسبب كلامه حال الخطبة، ولو أن كلامه فيه أمر طيب، فيه أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو تشميت عاطس، فالواجب ترك ذلك، كما يجب ترك ذلك مع المصلي فهكذا مع المستمع للخطبة، فلا ترد السلام على المصلي بالكلام ولا تبدؤه، البدء لا بأس تبدأ المصلي وهو يرد بالإشارة، لكن في الخطبة، لا، أنت مأمور بالإنصات فتنصت، فلا تتكلم والإمام يخطب، لا لتشميت عاطس ولا لرد سلام، وهكذا أخوك الذي في الصف لا يتكلم وإذا حمد الله في نفسه فأنت لا تقول له: يرحمك الله، والإمام يخطب؛ امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من الإنصات وحذراً من الوعيد الذي جاء في ذلك وهو إلغاء الجمعة وعدم حصول ثوابها. المقدم: شكراً أثابكم الله، أيها السادة: كان معنا في هذا اللقاء سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وقد عرضنا عليه أسئلة السادة: مستمع قديم لبرنامج نور على الدرب وهو الذي سأل عن حلق اللحى، والمرسلة: منيرة وتسأل عن استعمال الحناء، والمرسل: (ع.ح.ص. مكي) ويسأل عن حديث عقوبة تارك الصلاة بخمس عشرة عقوبة. شكراً لسماحة الشيخ عبد العزيز وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

490 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply