حلقة 104: المولد النبوي والبدعة الحسنة - زيارة القبور والتقرب إليها - حكم اعتقاد أن من عباد الله من يتصرف في بعض شؤون الكون - الحكمة من تحريم الذهب والحرير على الرجال وحله للنساء

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

4 / 50 محاضرة

حلقة 104: المولد النبوي والبدعة الحسنة - زيارة القبور والتقرب إليها - حكم اعتقاد أن من عباد الله من يتصرف في بعض شؤون الكون - الحكمة من تحريم الذهب والحرير على الرجال وحله للنساء

1- كنا في لقاء ماض قد استعرضنا رسالة وردتنا من المستمع فلاح السيد قرية الكوز، محافظة الحسكة، منطقة الماليكة، وبقي له بعض الاستفسارات والأسئلة التي يمكن أن تغطي حلقة كاملة، يقول يا شيخ عبد العزيز في الاستفسار الأول: نسألكم عن مولد النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم- هل هو بدعة؟ وإني قد سمعت في بعض البلدان ومن بعض العلماء يقولون: إنها بدعة حسنة

الاحتفال بالموالد إنما حدث في القرون المتأخرة بعد القرون المفضلة، بعد القرن الأول والثاني والثالث، وهو من البدع التي أحدثها بعض الناس، استحساناً وظناً منه أنها طيبة، والصحيح والحق الذي عليه المحققون من أهل العلم أنها بدعة. الاحتفالات بالموالد كلها بدعة، ومن جملة ذلك الاحتفال بالمولد النبوي، ولماذا؟ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفعله ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون ولا القرون المفضلة، كلها لم تفعل هذا الشيء، والخير في اتباعهم لا فيما أحدثه الناس بعدهم، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور). وقال -عليه الصلاة والسلام-: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة). وقال -عليه الصلاة والسلام-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). أي مردود. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وضح الأمر، وبين أن الحوادث في الدين منكرة، وأنه ليس لأحد أن يشرع في هذا الدين ما لم يأذن به الله، وقد ذم الله –تعالى- أهل البدع بقوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [(21) سورة الشورى]. والاحتفال أمر محدث لم يأذن به الله ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، والصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء وأحب الناس للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأسرع الناس إلى كل خير، ولم يفعلوا هذا، لا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا بقية العشرة ولا بقية الصحابة، وهكذا التابعون وأتباع التابعين ما فعلوا هذا، وإنما حدث من بعض الشيعة الفاطميين في مصر في المائة الرابعة كما ذكر هذا بعض المؤرخين، ثم حدث في المائة السادسة في آخرها وفي أول السابعة .... ظن أن هذا طيب، ففعل ذلك. والحق أنه بدعة لأنها عبادة لم يشرعها الله -سبحانه وتعالى-، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يكتم شيئاً مما شرعه الله، بل بلغ كل ما شرع الله وأمر به؛ فقال الله - سبحانه وتعالى-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [(3) سورة المائدة]. فالله قد أكمل الدين وأتمه، وليس في ذلك الدين الذي أكمله الله الاحتفال بالموالد، فعلم بهذا أنها بدعة منكرة لا حسنة؛ وليس في الدين بدعة حسنة، بل كل بدعة ضلالة، كلها منكرة والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (كل بدعة ضلالة). فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يقول إن في البدع شيئا حسنا والرسول يقول: (كل بدعة ضلالة)؛ لأن هذه مناقضة ومحادة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت عنه أنه قال: (كل بدعة ضلالة). فلا يجوز لنا أن يقول خلاف قوله -عليه الصلاة والسلام-. وما يظنه بعض الناس أنه بدعة وهو مما جاء به الشرع فليس ببدعة مثل كتابة المصاحف، ومثل صلاة التروايح ليست بدعة، كل هذه مشروعة فتسميتها بدعة لا أصل لذلك. وأما ما يروى عن عمر أنه قال في التروايح : [نعمت البدعة]. فالمراد بهذا من جهة اللغة وليس من جهة الدين. ثم قول عمر لا يناقض ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا يخالفه، فقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- مقدم؛ لأنه قال : (كل بدعة ضلالة). وقال: (وإياكم ومحدثات الأمور). وقال -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة : (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة). هذا حكمه -عليه الصلاة والسلام-. رواه مسلم في الصحيح. فلا يجوز لمسلم أن يخالف ما شرعه الله، ولا أن يعاند ما جاء به نبي الله -عليه الصلاة والسلام-، بل يجب عليه الخضوع لشرع الله، والكف عما نهى الله عنه من البدع والمعاصي- رزق الله الجميع للهداية-  
 
2- أسألكم عن زيارة قبور الصالحين، وتقبيل الحجر، أي النصائب هل هذا يجوز أم لا؟ وعن مديح المشايخ هل يجوز أم لا؟ وعن المدد، أو استمداد من غير الله، مثل: مدد يا شيخ الفلاني، هل من قبره يمدني أم لا؟ أفيدونا، إننا غشماء عن هذه، ولا ندري أننا نسب عباد الله الصالحين، يقول أحد الناس: إن من عباد الله الصالحين يغني قسم من هذه الدنيا بكلمة واحدة، هل هذا يجوز القول أم لا، حرام؟
زيارة القبور للصالحين وللمسلمين عموماً سنة، قربة، الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بزيارة القبور، وحث عليها، وقال: إنها تذكر الآخرة، وتزهد في الدنيا، وتذكر الموت، قال -عليه الصلاة والسلام-: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة). وكان يعلم أصحابه -عليه الصلاة والسلام- إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم العافية. وفي حديث عائشة يقول: (رحم الله المستقدمين منا والمستأخرين). فعلينا معشر المسلمين أن نعلم هذا الحكم، ويشرع لنا أن نفعل ذلك، أن نزور القبور للذكرى والرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا، والإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم، الإنسان يزورهم ليدعوا لهم بالمغفرة والرحمة والعافية، وليتذكر الآخرة، وأنه صائر إلى ما صاروا إليه من هذا الموت حتى يستعد للآخرة. أما تقبيل القبور لا، لا يقبل النصائب ولا التراب ولا الجدران إن كان عليها جدران، ولا القضبان إن كان هناك قضبان، كل هذا منكر، لا يجوز، هذا من الغلو. ولا يجوز البناء على القبور، بل يجب أن تكون مكشوفة ليس عليها بناء، واتخاذ القباب عليها من البدع، وهكذا بناء المساجد عليها من البدع التي أنكرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونهى عنها، قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وقال جابر -رضي الله عنه-: نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن تجصيص القبور، والقعود عليها، والبناء عليها، والكتابة عليها). فليس لأحد أن يبني على القبور لا قباباً، ولا مساجد، ولا غير ذلك، وليس له أن يقبلها، ولا أن يتبرك بترابها، ولا أن يطلب الشيخ المدد كما يأتي، لا يجوز أن يقول يا رسول الله المدد المدد، ولا يا فلان، يا شيخ عبد القادر يا شيدي البدوي، أو يا سيدي الحسن، أو يا سيدي الحسين، أو يا فلان، أو يا أبا حنيفة، أو يا ابا فلان، كل هذا لا يجوز، المدد لا يطلب من الميت، يطلب من الله -جل وعلا- يا رب أغثني، يا رب ارحمني، يا رب اشفي مريضي، يا رب ارزقني، أما طلب من الموتى فهو من الشرك بالله -عز وجل- من الشرك الأكبر، من عمل الجاهلية، فلا يقبل الحجارة، ولا النصائب، ولا التراب ولا أخذ التراب للبركة، ولا يطلب مدد من المخلوق من الميت. أما الحي الحاضر تقول ساعدني بكذا، أعني على كذا، الحي الحاضر القادر لا بأس، لكن الميت لا، لا تقول المدد، المدد، ولا تقول اشفي مريضي، انصري على عدوي، انصرنا على المشركين، لا يقول هذا للميت. الميت انقطع عمله، وليس له التصرف في الكون، بل التصرف لله وحده –سبحانه وتعالى-، هو المالك لكل شيء، هو القادر فوق عباده، هو النافع الضار، هو المعطي المانع، هو مدبر الكون -سبحانه وتعالى-، وأما الميت فهو مرتهن بعمله، ليس له تصرف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية- مثل الأوقاف التي يوقفها في حياته - أو علم ينتفع به- كتب ألفها أو طلبة علمهم له أجر ذلك- أو لد صالح يدعو له-. أما كونه يتصرف في الكون، أو يمد هذا، أو يمد هذا، أو ينصر هذا، هذا منكر، لا حقيقة له، ولا صحة له، بل الاستغاثة بالأموات والنذر لهم، والتقرب إليهم بالذبائح، وطلبهم المدد والغوث كل هذا من فعل الجاهلية، من عمل أهل الشرك، وهو شرك أكبر، يجب الحذر منه، و..... -أيها السائل- أن تبلغ من يفعل هذا أن هذا منكر، وأنه شرك، فيجب ترك ذلك والتوبة إلى الله من ذلك؛ لأن هذا من عمل الجاهلية. وكذلك المديح، المديح فيه تفصيل: ترك المديح أولى؛ لأن قد يسبب الغلو، قد يعجب الممدوح بنفسه، وربما أكسبه الكبر والخيلاء، فترك المديح أولى، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
 
3- يقول لنا أحد الناس بعد أن قال إننا غشماء، وكذا وكذا، يقول لنا: إن من عباد الله الصالحين يغني قسم من هذه الدنيا بكلمة واحدة هل هذا يجوز القول أم لا؟
هذا باطل ، التصرف يكون لله وحده، والعبد لا يملك ولو كان أصلح الصالحين، ولو كان من الرسل لا يملك التصرف في الكون، ولا إغناء الناس ولا إفقارهم، بل هذا بيد الله - سبحانه وتعالى- هو الذي يغني ويفقر -جل وعلا-، وهو المتصرف في الأمور –سبحانه-، وهو مدبر الأمر -جل وعلا-، وهو خالق لكل شيء -سبحانه وتعالى-: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [(82) سورة يــس]. أما العباد وإن كانوا أصلح الناس فليس لهم التصرف في الكون، ولا يملكون تدبير الكون، نعم قد يدعو المؤمن دعوة مباركة فتستجاب له، فيدعو لأخيه أن الله يشفيه فيشفى، قد يدعو له بالمغفرة فيغفر له، هذا من باب استجابة الدعاء بفضل الله -سبحانه وتعالى-، فقد يجيب دعوة المؤمن والمؤمنة لأخيهما فلا بأس هذا وقع، لكن ليس لأحد من الصالحين أو غيرهم التصرف في الكون، أو تدبير الكون، هذا لله وحده -سبحانه وتعالى-. وما قد يقع لبعض الصوفية أو غيرهم من اعتقاد هذا في بعض مشايخهم، وأنه: يقول للشيء كن فيكون، وأنه يدبر الأمور، فهذا كله غلو، وكله إطراء زائد، وكله كفر وضلال، لا يجوز هذا، بل هذا من الكفر بالله -سبحانه وتعالى-. 
 
4- لماذا حرم الذهب والحرير على الرجال وحلَّ على النساء وما الفرق؟
أولاً: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا .... في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة). يعني الكفرة، فالكفرة زينتهم الدنيا وهمهم الدنيا وهم أولى بهذا الشيء، أما المؤمن فشأنه أن يعد للآخرة، وأن يعمل للآخرة، وليس من شأنه المباهاة في الدنيا، ولُبس الذهب والفضة والحرير، ليس من شأنه هذا، بل هو حريص على إعداد نفسه للآخرة، والقيام بما أوجب الله عليه، وترك ما حرم الله عليه، وتعاطيه الذهب والفضة لبساً أو أكلاً وشرباً في أوانيها قد يجره إلى الكبر والخيلاء فيكون ذلك من أسباب دخوله النار، وقد يجره إلى التشبه بأعداء الله في أخلاقهم وصفاتهم، ورغبتهم في الدنيا، وبُعدهم عن الآخرة، فيجره ذلك إلى الهلاك. أما النساء من جهة الحلي فلأنهنَّ مطلوب منهن الزينة لأزواجهن حتى يتحببن إلى أزواجهن، والذهب زينة، والفضة زينة، فلهذا أباحه الله للنساء حتى يتجملن به للرجال. أما الرجل فليس بحاجة إلى هذا الشيء، ليس بحاجة إلى أن يتجمل به، بل يكفيه اللباس الحسن، والخاتم من الفضة فقط، ولا حاجة فيه للتجمل لزوجته بالذهب والفضة، وهذا من حكمة الله -جل وعلا- ورحمته وإحسانه إلى عباده سبحانه وتعالى.    

2.3K مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply