حلقة 243: شرح تقسيم النووي البدعة إلى خمسة أقسام - والدي النبي هل هما من أهل الفترة؟ - هل هناك أجرٌ في قراءة الأحاديث النبوية؟ - نصيحة لمن يهتم ببناء القباب والأضرحة

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

43 / 50 محاضرة

حلقة 243: شرح تقسيم النووي البدعة إلى خمسة أقسام - والدي النبي هل هما من أهل الفترة؟ - هل هناك أجرٌ في قراءة الأحاديث النبوية؟ - نصيحة لمن يهتم ببناء القباب والأضرحة

1- فسر الشيخ النووي-رحمه الله-في شرحه موضوع البدعة إلى خمسة أقسام، الأول: بدعة واجبة، ومثالها: نظم أدلة المتكلمين على الملاحدة، الثانية: المندوبة، مثالها: تصنيف كتب العلم، الثالث: المباحة، مثالها: التبسط في ألوان الطعام، الرابع والخامس: الحرام والمكروه، وهما واضحان، السؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) ، أرجو توضيح ذلك، مع ما يقصده الشيخ النووي رحمه الله؟ بارك الله فيكم.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فهذا الذي نقلته عن النووي في تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام قد ذكره جماعة من أهل العلم, وقالوا إن البدعة تنقسم إلى أقسام خمسة, واجبة ومستحبة, ومباحة, ومحرمة, ومكروهة, وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن البدع كلها ضلال وليس فيها تقسيم بل كلها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ضلالة ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (كل بدعة ضلالة) هكذا جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله-عليه الصلاة والسلام-منها ما رواه مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري-رضي الله عنهما-قال: كان النبي يخطب يوم الجمعة فيقول في الخطبة: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها, وكل بدعة ضلالة), وجاء في هذا المعنى عدة أحاديث من حديث عائشة, وحديث العرباض بن سارية, وأحاديث أخرى, وهذا هو الصواب أنها لا تنقسم إلى هذه الأقسام التي ذكرها النووي وغيره, بل هي كلها ضلالة, والبدعة تكون في الدين لا في الأمور المباحة, فالتنوع في الطعام على وجه جديد لا يعرف في الزمن الأول لا يسمى بدعة من حيث الشرع, وإن كان بدعة من حيث اللغة, فإن البدعة في اللغة هو المحدث على غير مثال سابق, كما قال-عز وجل-: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ(البقرة: من الآية117) يعني مبتدعها وموجدها على غير مثال سابق, لكن لا يقال بدعة إلا لما كان في التعبد من الأعمال الشرعية فهذا كله يقال فيه ضلالة ما يقال فيه أنه أقسام, واجب, وسنة إلى أخره هذا هو الحق وهذا هو الصواب الذي ارتضاه جماعة من أهل العلم وقرروه وردوا على من خالف ذلك, وكذلك تأليف الكتب, وتنظيم الأدلة التي ترد على الملحدين والخصوم لا يسمى بدعة هذا مما أمر الله به ورسوله, وهو طاعة لله وليس ببدعة, فالكتاب العزيز جاء بالرد على الخصوم لأعداء الله بآيات عظيمات, وجاءت السنة بذلك أيضاً بالرد على خصوم الإسلام, وهكذا المسلمون من عهد الصحابة إلى يومنا هذا اعتنوا بالرد على خصوم الإسلام, بما ظهر لهم من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -, وأوضحوا الأدلة ونوعوها, وكل هذا لا يسمى بدعة في الشرع بل هو قيام بالواجب, وجهاد في سبيل الله وليس ببدعة في حكم الشرع, وهكذا بناء المدارس, والربط, والقناطر, وغير هذا مما ينفع المسلمين لا يسمى بدعة من حيث الشرع بل هو أمر مأمور به, فإن الشرع أمر بالتعليم, فالمدارس تعين على التعليم, وكذلك ما يتعلق بالربط في الفقراء أمر بالإحسان للفقراء والمساكين, فإذا بني لهم مساكن تسمى الربط فهذا مما أمر الله به, وهكذا القناطر على الأنهار كل هذا مما ينفع المسلمين وليس ببدعة بل هو أمر مشروع, تسميته بدعة إنما يكون من جنس ما تقدم من حيث اللغة العربية, كما قال عمر - رضي الله عنه – في التراويح لما جمع الناس على إمام واحد يصلي بهم التراويح كل ليلة قال: "نعم البدعة هذه" يعني من حيث اللغة, وإلا فالتراويح سنة مؤكدة فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم -, وحث عليها ورغب فيها, فليس ببدعة بل هي سنة, ولكن سماها عمر بدعة من حيث اللغة, أنها فعلت على غير مثال سابق؛ لأنهم كانوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلون أوزاعاً في المسجد ليسوا على إمام وحد, هذا يصلي مع اثنين, وهذا يصلي مع ثلاثة, وهذا يصلي مع أكثر وصلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث ليال ثم ترك, وقال: (إني أخشى أن تفرض عليكم صلاة الليل), فتركها خوفاً على أمته ً من أن تفرض عليهم, فالحاصل أن قيام رمضان سنة مؤكدة وليس بدعة من حيث الشرع, وإن سماه عمر بدعة من حيث اللغة, والخلاصة أن الصواب أن كل ما أحدثه الناس في الدين مما لم يشرعه الله فإنه يسمى بدعة, وهي بدعة ضلالة ولا يجوز فعلها, ولا يجوز تقسيم البدع إلى واجب, وإلى سنة, وإلى مباح إلى أخره هذا خلاف القاعدة التي بينها النبي-صلى الله عليه وسلم -, وفي هذا خطر كأن القائل يرد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فالنبي يقول: (كل بدعة ضلالة) وهذا يقول لا، بل هي أقسام هذا خطر عظيم, فالواجب على أهل العلم أن يتأدبوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وأن يحذروا الشيء الذي قد يخدش في حق من فعل ما يخالف السنة, وإن كان العلماء- رحمة الله عليهم- الذين قالوا ذلك لم يقصدوا الرد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعفيهم الله من ذلك ما قصدوا هذا, ولكن قد يحتج بذلك عليهم من يظن بهم السوء من أعداء الله, وقد يظن ذلك بعض الجهلة, فالحاصل أن التقسيم إلى بدعة مستحبة وواجبة إلى أخره ليس هو الصواب بل الصواب خلافه. أثابكم الله وبارك فيكم  
 
2- قال الله- تعالى في كتابه الكريم-: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا[الإسراء:15]، وقد ورد في بعض الأحاديث أن الرسول- صلى الله عليه وسلم-أخبر بأن والديه في النار، السؤال: ألم يكونا من أهل الفترة وأن القرآن صريح بأنهم ناجون؟ أفيدونا أفادكم الله.
أهل الفترة ليس في القرآن ما يدل على أنهم ناجون أو هالكون, وإنما قال الله-جل وعلا-: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً, فالله- جل وعلا- من كمال عدله لا يعذب أحداً إلا بعد بعث الرسول, فمن لم تبلغه الدعوة فليس بمعذب حتى تقام عليه الحجة وأخبر-سبحانه-أنه لا يعذبهم إلا بعد إقامة الحجة, والحجة قد تقوم عليهم حتى يوم القيامة كما جاء في السنة, لما تقام الحجة على أهل الفترات ويمتحنون يوم القيامة, ومن أجاب وامتثل نجا, ومن عصى دخل النار, والنبي - صلى الله عليه وسلم-قال: (إن أبي وأباك في النار) لما سأله عن أبيه قال: (إن أباك في النار ، فلما رأى ما في وجهه من التغير قال: إني أبي وأباك في النار) حتى يتسلى بذلك وأنه ليس خاصاً بأبيه, ولعل هذين بلغتهما الحجة, لعل أبا الرجل وأبا النبي - صلى الله عليه وسلم - بغلتهما الحجة, النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (إن أبي وأباك في النار) إنما قاله عن علم-عليه الصلاة والسلام- وهو لا ينطق عن الهوى قال الله-سبحانه-: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى, وإنما قال ذلك عن علم عن الله-عز وجل- فلولا أن عبد الله بن عبد المطلب والد النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قامت عليه الحجة لما قال في حقه النبي ما قال-عليه الصلاة والسلام-, فلعله بلغه ما يوجب عليه الحجة كدين إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-, فإنهم كانوا على ملة إبراهيم حتى أحدث ما أحدث عمر بن لحي الخزاعي, وسرى في الناس ما أحدثه عمر من بث الأصنام ودعوتها من دون الله, فلعل عبد الله كان قد بلغه ما يدل على أن هذا باطل, وما عليه قريش من عبادة الأصنام باطل فتابعهم فلهذا قامت عليه الحجة, وهكذا ما جاء في الحديث أنه-صلى الله عليه وسلم - استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له فاستأذن أن يزورها فأذن له فهو لم يؤذن له أن يستغفر لأمه ومن هذا الباب لعله أنه بلغها ما يقيم عليها الحجة, أو لأن هذا جاهلية يعاملون معاملة الكفرة في أحكام الدنيا, فلا يدعى لهم, ولا يستغفر لهم؛ لأنهم في ظاهرهم الكفر ظاهرهم مع الكفرة, فيعاملون معاملة الكفرة وأمرهم إلى الله في الآخرة, فالذي لم تقم عليه الحجة في الدنيا لا يعذب حتى يمتحن يوم القيامة؛ لأن الله-سبحانه-قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً, فإذا علم أن أناساً كانوا في فترة لم تبلغهم دعوة نبي فإنهم يمتحنون يوم القيامة, فإن أجابوا صاروا إلى الجنة, وإن عصوا صاروا إلى النار, وهكذا الشيخ الهرم الذي ما بلغته الدعوة, والمجانين الذين ما بلغتهم الدعوة وأشباههم, والأطفال يمتحنون أطفال الكفار على الصحيح؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عنهم قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين), فأولاد الكفار يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترة, فإن أجابوا جواباً صحيحاً نجوا وإلا صاروا مع الهالكين, فليس بحمد لله في حق أبوي النبي ليس في ذلك إشكال على من عرف السنة وقاعدة الشرع. بارك الله فيكم  
 
3- وردت الأدلة على الأجر في قراءة القرآن الكريم، فهل هناك أجرٌ في قراءة الأحاديث النبوية؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
نعم قراءة العلم كلها في أجر, تعلم العلم طلب العلم, من طريق القرآن من طريق السنة فيها أجر عظيم, والعلم يؤخذ من الكتاب ويؤخذ من السنة, يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه), وجاء في قراءة القرآن أحاديث كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة) رواه مسلم, وقال ذات يوم-عليه الصلاة والسلام-: (أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان - وادي في المدينة يقال له في بطحان - فيأتي بناقتين عظيمتين في غير إثم ولا قطيعة رحم. فقالوا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله! قال: لأن يذهب أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين عظيمتين, وثلاث خير من ثلاث ومن أربع ومن عددهن من الإبل) أو كما قال رسول الله- عليه الصلاة والسلام-, فهذا يدل على فضل تعلم القرآن, وقراءة القرآن, وحديث ابن مسعود: (من قرأ حرفاً من القرآن فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها), هكذا السنة إذا تعلمها المؤمن قرأ الأحاديث ودرسها يكون له الأجر العظيم؛ لأن هذا يكون من تعلم العلم, يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة), هذا يدل على أن دراسة العلم حفظ الأحاديث والمذاكرة فيها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار, هكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) متفق عليه ، فالتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب, ويكون من طريق السنة, فالتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيراً كما أن التفقه في القرآن دليل على ذلك, والأدلة في هذا كثيرة والحمد لله. بارك الله فيكم  
 
4- عندنا من مشايخ الصوفية من يهتم بصنع القباب والأضرحة، والناس يعتقدون فيهم الصلاح والبركة، فإن كان هذا الأمر غير مشروع فما هي نصيحتكم لهم، وهم قدوة في نظر السواد الأعظم من الناس؟ أفيدونا بارك الله فيكم؟
النصيحة لعلماء الصوفية ولغيرهم من أهل العلم, أن يأخذوا بما دل عليه كتاب الله, وسنة رسوله- عليه الصلاة والسلام-, وأن يعلموا الناس ذلك, وأن يحذروا إتباع من قبلهم فيما يخالف ذلك, فليس الدين بتقليد المشايخ ولا غيرهم, وإنما الدين ما يؤخذ عن كتاب الله, وعن سنة رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -, وعما أجمع عليه أهل العلم, وعن الصحابة - رضي الله عنهم -, الدين هكذا يؤخذ لا عن تقليد زيد وعمر, وقد دلت السنة الصحيحة عن رسول الله- عليه الصلاة والسلام- على أنه لا يجوز البناء على القبور, ولا اتخاذ المساجد عليها, ولا اتخاذ القباب, ولا أي بناء كل ذلك محرم بنص الرسول- عليه الصلاة والسلام-, ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد), قالت - رضي الله عنها - يحذر ما صنعوا ، وفي الصحيحين عن أم سلمة, وأم حبيبة - رضي الله عنهما - أنهما ذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله), فأخبر- عليه الصلاة والسلام- أن الذين يتخذون المساجد على القبور هم شرار الخلق, وهكذا ما يتخذ عليها صور؛ لأنها دعاية للشرك اتخاذ المساجد, والصور على القبور, والقباب دعاية إلى الشرك؛ لأن العامة إذا رأوا هذا عظموا المدفونين, واستغاثوا بهم, ونذروا لهم, ودعوهم من دون الله, وطلبوا منهم المدد والعون, وهذا من الشرك الأكبر, وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - فيما خرجه مسلم في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) هكذا روى مسلم في الصحيح, فدل ذلك على فضل الصديق - رضي الله عنه -, وأنه أفضل الصحابة وخيرهم, وأنه لو ساغ للنبي أن يتخذ خليلاً لاتخذه خليلاً - رضي الله عنه -, ولكن الله- جل وعلا- منعه من ذلك حتى تتمحض محبته لربه- سبحانه وتعالى- فإنه كلف على المحبة, وفي الحديث دلالة على تحريم البناء على القبور, واتخاذ المساجد عليها, وعلى ذم من فعل ذلك من جهة ثلاث الأولى: ذمه من فعل ذلك، الثاني قوله: (فلا تتخذوا القبور مساجد) ، الثالث قوله: (فإني أنهاكم عن ذلك), فحذر من البناء على القبور من هذه الجهات الثلاث, يقول - صلى الله عليه وسلم -: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبائهم وصالحيهم مساجد) يعني, فلا تتبعوهم بهذا لا تقتدوا بهم, ثم قال: (ألا فلا تتخذوا القبور مساجد) يعني لا تتأسوا بهم (فإني أنهاكم عن ذلك), هذا شيء صريح, والعلة والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم أنه وسيلة وذريعة للشرك الأكبر, إلى عبادة أهل القبور, وصرف الدعاء, والاستغاثة, والنذور, والذبائح لهم, وطلبهم المدد والعون كما هو الواقع الآن في بلدان كثيرة, عند السائد في السودان, وفي مصر, وفي الشام, وفي العراق, وفي بلدان كثيرة يأتي الرجل العامي الجاهل فيقف على صاحب القبر المعروف عندهم فيطلبه المدد والعون والغوث, كما يقع عند قبر البدوي, والحسين, والست نفيسة, وزينب, وغير ذلك في مصر, وكما يقع عندكم في السودان عند قبور كثيرة, وكما يقع في بلدان أخرى, وكما يقع في بعض الحجاج الجهال عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة, وعند قبور أهل البقيع, وعند قبر خديجة في مكة, وقبور أخرى يقع هذا من الجهال, وهم يحتاجون إلى تبصير, وإلى بيان, وإلى عناية من أهل العلم, فالواجب على أهل العلم جميعاً سواءً كانوا منسوبين للصوفية أو غيرهم, الواجب على العلماء جميعاً على علماء الشريعة أن يتقوا الله, وأن ينصحوا عباد الله, وأن يعلموهم دينهم, وأن يحذروهم من البناء على القبور, واتخذا المساجد عليها, أو القباب, أو غير ذلك من أنواع البناء, وأن يحذروهم من دعاء الموتى, والاستغاثة بالموتى, الدعاء عبادة لله وحده الله يقول: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ويقول- سبحانه-: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ يعني المشركين ، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (الدعاء هو العبادة), ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله), والميت قد انقطع عمله مع الناس فهو بحاجة إلى أن يدعى له, إلى أن يستغفر له, إلى أن يترحم عليه لا أن يدعى من دون الله, يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعوا له), فكيف يدعى من دون الله, وهكذا الأصنام, وهكذا الأشجار, والأحجار, وهكذا القمر, والشمس والكواكب كلها لا تدعى من دون الله, كلها لا تدعى, ولا يستغاث بها, فهكذا أصحاب القبور وإن كانوا أنبياء, وإن كانوا صالحين هكذا الملائكة والجن لا يدعون مع الله، الله يقول- سبحانه-: وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ, فجعل اتخاذ الملائكة, والنبيين أرباباً, بالدعاء, والاستغاثة كفراً, والله لا يأمر به-سبحانه وتعالى-وفي حديث جابر عند مسلم يقول - رضي الله عنه -: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور, وعن القعود عليها, وعن البناء عليها) هكذا روى مسلم في الصحيح عن جابر, أن رسول الله نهى عن تجصيص القبور, وعن القعود عليها, وعن البناء عليها لماذا؟ لأن هذا وسيلة إلى الشرك, البناء عليها والتجصيص, والكسوة, والقباب كل هذا وسيلة إلى تعظيمها, والغلو فيها, ودعاء أهلها, أما القعود عليها فهو امتهان لا يجوز أن يقعد عليها لا, هي محترمة لا تمتهن لا يقعد عليها, لا يبول عليها, لا يتغوط عليها, لا يستند إليها, لا يطأها هذا ممنوع احترام المسلم حياً وميت محترم, لا يجوز أن يداس قبره, ولا أن تكسر عظامه, ولا يقعد على قبره, ولا أن يبال عليه, ولا أن توضع عليه القمائم كل هذا ممنوع, فالميت لا يمتهن, والمسلم لا يمتهن, ولا يدعى من دون الله, لا يغلى فيه ويدعى من دون الله ولا يمتهن, ويداس, وتوضع عليه القمائم, والأبوال, والقاذورات لا ، لا هذا ولا هذا الشريعة جاءت بالوسط, جاءت باحترام القبور, والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة, وزيارتهم بالدعاء لهم والاستغفار لهم, ونهى عن إيذائهم بالقمائم, بالبول, بالقعود عليهم إلى غير ذلك, ومن هذا ما جاء في الحديث الصحيح يقول - صلى الله عليه وسلم -: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها), لا تجعل قبلة ولا يقعد عليها, فجمعت الشريعة الكاملة العظيمة بين الأمرين بين تحريم الغلو في أهل القبور ودعائهم من دون الله, والاستغاثة بهم, والنذر لهم ونحو ذلك وهذا من الشرك الأكبر, وبين النهي عن إيذائهم, وامتهانهم, والجلوس على قبورهم, أو الوطئ عليها, والاستناد إليها, أو وضع القاذورات عليها كل هذا ممنوع فلا هذا ولا هذا, وبهذا يعلم المؤمن ويعلم الطالب للحق أن الشريعة جاءت بالوسط لا بالشرك ولا بالإيذاء, فالميت المسلم, النبي, أو الصالح يدعى له, يستغفر له, يسلم عليه عن زيارته, أما أن يدعى من دون الله لا, يقال يا سيدي المدد المدد, أو انصرني, أو اشفي مريضي, أو أعني على كذا لا ، هذا يطلب من الله, ولا يمتهن يوضع القمامة على قبره, يوطأ عليه, يجلس عليه, يبال عليه لا ، لا هذا ولا هذا, أما الحي فلا بأس أن يتعاون معه؛ لأن له عمل الحي له عمل فلا بأس أن يتعاون فيما يجوز شرعاً من الأسباب الحسية, كما قال-تعالى-: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ في قصة موسى, فإن موسى حي والمستغيث حي فاستغاث على عدوه, وهكذا الإنسان مع إخوانه ومع أقاربه يتعاونون في مزارعهم, في إصلاح بيوتهم, في إصلاح سياراتهم, في أشياء أخرى من حاجاتهم يتعاونون بالأسباب الحسية, المقدورة لا بأس, وهكذا من طريق الهاتف التلفون, من طرق المكاتبة من طريق الإبراط والتلكس, كل هذا تعاون حسي لا بأس به في الأمر المقدور لكن ما يتعلق بالعبادة لا ، لا يقال للحي ولو أنه حي لا يقال للحي اشف مريضي, ورد غائبي من طريق سرٍ فيه أن له سراً، ولا يقال انصرنا على عدونا بسرٍ يعني لا ، انصرنا بالسلاح, انصرنا بالقرض يقرضهم إياها حتى يستعينوا بها على شؤون الحرب لا بأس, كذلك يأتي الطبيب يطلب منه العلاج لا بأس، أما يقول اشفني؛ لأن يعتقد فيه سر من شيوخ الصوفية أو من غيرهم هذا كفر؛ لأن الإنسان ما يقدر ما له سر يقدر يتصرف في الكون, إنما أمور حسية الطبيب يتصرف بالأدوية, كذلك الإنسان القادر الحي يتصرف بالأسباب الحسية, يعينك بيده, يبني معك, يعطيك مال قرض أو مساعدة تبني به، يعطيك قطع غيار لسيارتك يساعدك بشفاعة من يعينك هذه أمور حسية لا بأس بها لا تدخل في عبادة الأموات, والاستغاثة بالأموات ونحو ذلك, وكثير من دعاة الشرك يشبهون بهذه الأمور, وهذه أمور واضحة بينة لا تشتبه إلا على من هو من أجهل الناس، فالتعاون مع الأحياء شيء جائز بشروطه المعروفة، وسؤال الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم أمر معروف عند أهل العلم شرك أكبر بإجماع أهل العلم ليس فيه نزاع بين الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان وأهل البصيرة، والبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، والقباب كذلك منكر معروف عند أهل العلم، جاءت الشريعة بالنهي عنه، فلا يجوز أن يلتبس هذا على أهل العلم، فالواجب على أهل العلم مرةً أخرى الواجب عليهم أن يتقوا الله أينما كانوا، وأن ينصحوا لعباد الله، وأن يعلموا شريعة الله، وأن لا يجاملوا في ذلك زيداً ولا عمرا، بل يعلموا الأمير والكبير والصغير، ويحذروا الجميع مما حرم الله، ويرشدوهم إلى ما شرع الله، هذا هو الواجب على أهل العلم أينما كانوا من طريق الكلام الشفهي، ومن طريق الكتابة والتأليف، ومن طريق الخطابة في الجمع وغيرها، من طريق الهاتف، من طريق التلكس، من أي طرق التي وجدت الآن، يستعان بها على تبليغ دعوة الله، وعلى نصح عباد الله، رزق الله الجميع التوفيق والهداية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

372 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply