حلقة 803: أسباب فقدان اللذة في العبادة - هل صح عن النبي صلاة سنة الوضوء - النزول على الركبتين عند السجود قبل اليدين - حكم سب الدين - حكم الصلاة خلف من يعتقد في الأولياء والصالحين

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

3 / 50 محاضرة

حلقة 803: أسباب فقدان اللذة في العبادة - هل صح عن النبي صلاة سنة الوضوء - النزول على الركبتين عند السجود قبل اليدين - حكم سب الدين - حكم الصلاة خلف من يعتقد في الأولياء والصالحين

1- ما هي أسباب فقدان اللذة في العبادة، وكيف علاجها عملياً؟

بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعــد: فلا شك أن العبادة لله -عز وجل- لها لذة عظيمة في قلب المؤمن والمؤمنة، يقول النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-: (وجعلت قرة عيني في الصلاة). ويقول لبلال رضي الله عنه: (أرحنا بالصلاة) يعني أقمها حتى نستريح فيها. فالصلاة وهي أعظم العبادات بعد الشهادتين راحة للقلوب وقرة عين ونعيم للروح لمن أقبل عليها، وحضر فيها بقلبه، وخشع فيها لله، واستحضر أنها عمود الإسلام، وأنها مناجاة للرب -عز وجل-، ووقوف بين يديه، فبذلك يرتاح فيها وتقر عينه، ويجد لذةً لها في نفسه، في قيامه وقراءته، وركوعه وسجوده، وسائر ما شرع الله فيها، فنصيحتي لكل مؤمنة، وكل مؤمنة الإقبال على العباد من صلاة وغيرها، وإحضار القلب فيها، والشعور بأنه يفعلها لله وحده، يرجو ثوابه ويخشى عقابه، وأن له في ذلك الخير العظيم عند الله -عز وجل- إذا أخلص له، وفعلها على وجه السنة لا على وجه البدعة، فالصلاة، والزكاة، والصدقات، والصيام والحج والعمرة والأذكار الشرعية، قراءة القرآن الكريم، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلها عبادات لها لذة عظيمة في القلوب، وراحة في القلوب، ونعيم للروح، يتذكر فيها المؤمن أنه يفعل شيئاً يرضي الله -عز وجل-، وأنه شيء أمر الله به، وأن شيء يؤجر عليه، فيرتاح لذلك، ويستلذ ذلك، وتقر عينه بذلك، لما فيه من الخير العظيم، ولما فيه من امتثال أمر الله، ولما فيه من الخير العظيم من جهة الثواب الجزيل من الله، وما يترتب عليه من تكفير السيئات، وحط الخطايا، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، وهكذا ما يترتب على الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من مصلحة العبادة وتوجيههم إلى الخير، وإعانتهم على ما شرع الله وعلى ترك ما حرم الله، فكل هذا مما تستلذه النفوس الطيبة، وترتاح له القلوب، وتقر به العيون، أعني عيون المؤمنين والمؤمنات، قال جل وعلا في كتابه العظيم، وهو أصدق القائلين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (2-4) سورة الأنفال. وقال -عليه الصلاة والسلام-: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل: وإنما عدل يخاف الله ويرجوه، وشاب نشأ في عبادة الله إنما استلذها لما عرف فيها من الخير، ولما وقر في قلبه من تعظيم الله والإخلاص له، ومحبته سبحانه. والرغبة فيما عنده، ورجل قلبه معلق بالمساجد: إنما علق قلبه بالمساجد لما وجد في الصلاة من الخير، والراحة والطمأنينة، والنعيم، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، لما وجدا في المحبة في الله من الخير العظيم، والراحة في القلوب، ونعيم الأرواح والألف العظيم؛ لأنهم يعلمون أن هذا يرضي الله، وأن الله شرع لهم ذلك، وأنه يحصل به من الخير العظيم ما الله به عليم من التعاون والتواصي بالحق والتناصح. الخامس: رجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال، فقال إني أخاف الله؟ لماذا قال هذا؟ لما وقر في قلبه من محبة الله وتعظيمه، وخوفه ومراقبته سبحانه وتعالى، حتى ترك هذه المرأة التي دعته إلى الفجور وهي ذات منصب وجمال فأبى عليها خوفاً من الله ورغبةً فيما عنده، وأنساً بطاعته، وتلذذاً بما يرضيه سبحانه وتعالى، وهكذا المرأة إذا دعاها ذو منصبٍ وجمال إلى الفاحشة، فقالت: إني أخاف الله، وابتعدت عن ذلك لما وقر في قلبها من المحبة لله، والنعيم الروحي واللذة لطاعة الله، واتباع شريعته. السادس: رجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، لماذا؟ لما وقر في قلبه من محبة الله وتعظيمه، وأنه سبحانه يعلم كل شيء ولا تخفى عليه خافية، وأنه يحب الإخلاص له، ويحب العمل من أجله سراً، فلهذا لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، من عظيم إخلاصه، وعظيم رغبته بما عند الله، ,عدم مبالاته برياء الناس وحمد الناس وثناءهم. والسابع: رجل ذكر الله خالياً، رجل ذكر الله خالياً ما عنده أحد ففاضت عيناه؛ خوفاً من الله وتعظيماً له ومحبةً له سبحانه، أنساً به -عز وجل-، فصار من السبعة الذين يظلمهم الله في ظله، والخلاصة أن الإقبال على الله في العبادة واستحضار عظمته، وأنك تريد وجهه الكريم، وأنك فعلت هذا ابتغاء مرضاته، وطاعةً لأمره، ومحبةً له سبحانه، وحرصاً على ما يرضيه ويقرب لديه، كل هذا مما يجعلك تستلذ بالعبادة وتقبل عليها، وترتاح لها وتتنعم بها، وفق الله الجميع. من يشكو عكس ذلك سماحة الشيخ؟ جزاكم الله خيرا؟ من يشكو عكس ذلك من قسوة القلب عليه أن يعالج نفسه، بالإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن الكريم، والحذر من الذنوب والمعاصي، والتوبة إلى الله مما سلف مع الصدق في ذلك، فإذا صدق مع الله، في التوبة من المعاصي، وفي الإكثار من ذكر الله، وفي الإقبال على عبادته بقلبه واستحضار عظمة الله، وأنه سبحانه وتعالى يراقبه، إن الله كان على كل شيءٍ رقيبا سبحانه وتعالى. وأن معه ملكين: أحدهما يكتب الحسنات، والثاني يكتب السيئات. باستحضاره هذه الأمور يلين قلبه، ويخشع قلبه ويستلذ الطاعة، ويرتاح لها، ويأنس بها.  
 
2- قرأت في كتاب التوحيد هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر أخرجاه. السؤال: ماذا يقصد -صلى الله عليه وسلم- بقوله لا عدوى ، والعلم الحديث قد أثبت أن كثيراً من الأمراض تنتقل بالعدوى؟ وضحوا لي هذا الأمر،
الحديث المذكور صحيح. أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، زاد مسلم: (ولا نوأة ولا غول). في الحديث أيضاً: (ويعجبني الفأل، قيل يا رسول الله وما الفأل ؟، قال: الكلمة الطيبة). فالعدوى التي نفاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي ما يعتقده أهل الجاهلية من الكفرة أن الأمور تعدي بطبعها، من دون قضاء الله وقدره سبحانه، وأن انتقال الجرب، أو الجذام من شخص إلى شخص، أو من دابة إلى دابة أن هذا طبعي، لا دخل لقدر الله في ذلك، ولا لفعله سبحانه وتعالى، وهذا باطل، هذا انتقال من عين إلى عين في الجرب، وغيره إلا بإذن الله وقدره السباق وحكمته سبحانه وتعالى، ولهذا لما قال بعض البادية يا رسول الله لما سمع لا عدوى، قال يا رسول الله: الإبل الكثيرة يكون فيها البعير الأجرب فتجرب كلها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (فمن أعدى الأول؟)، يعني من الذي أنزل الجرب بالأول، الله الذي أنزله؛ لحكمةٍ بالغة. فالذي أنزله بالأول هو الذي أنزله في البقية، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يورد ممرض على مصح). يعني لا يورد صاحب الإبل المراض إبله عل صاحب الإبل الصحاح. لأن هذا وسيلة لانتقال المرض، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؛ لأن الجذام ينتقل، فهذا معناه إقرار الانتقال لكن ليس على العدوى التي تقولها الجاهلية، بل ينتقل بإذن الله عند المخالطة، قد ينتقل عند المخالطة، إذا خالط الأجرب الصحيح والمجذوم والصحيح قد ينتقل، وهكذا الأمراض الأخرى عند الاختلاط قد ينتقل وقد لا ينتقل، وهو ليس بلازم، لكن إذا ابعد الصحيح عن المريض يكون هذا هو الأولى، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يورد ممرض على مصح). وقال آمراً: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، فالمعنى أبعدوا المريض عن الصحيح إذا كان يخشى من العدوى، لا يخلط هذا مع هذا، فهذا معناه تجنب الأسباب التي تسبب انتقال المرض، ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا عدوى، ولا انتقال إذا انتقل ليس لأنه يعدي بطبعه، وأنه ليس بإذن الله، ولا بمشيئة الله، بل ينتقل لكن بمشيئة الله، وبإذنه وقدره سبحانه وتعالى، لا أحد يستطيع أن ينقل شيء إلى شيء إلا بإذن الله وقدره، لا حي، لا حيوان، ولا إنسان ولا غير ذلك، كل شيء بقضاء وقدره، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس). ويقول الله في كتابه العظيم: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا (22) سورة الحديد. ويقول جل وعلا: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) سورة القمر. المقصود أن الله سبحانه قدر الأشياء كلها: الصحة والمرض والسفر والإقامة والولد ذكراً كان أو أنثى والحياة والموت وغير ذلك، كلها بأقدار ماضية من الله -عز وجل-، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)، فالأمور كلها مقدرة، فكون هذا البعير يمرض، أو هذه الفرس، أو هذا الإنسان بقدر، وكون هذا الصحيح يخالط هذا المريض، فيصاب بمرضه هذا بقدر، وليس بلازم، قد يقع قد تكون الصحيحة مع الجرب ولا تجرب قد يكون إنسان مع مجذوم ولا يصاب بالجذام، قد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أخذ بيد مجذوم وهو يأكل فقال: (قل بسم بالله ثقةً بالله)، ولم يجذم -عليه الصلاة والسلام-، فالإنسان إذا خالطهم ببيان أن الله جل وعلا هو المقدر ويعلم الناس أن هذا ليس بمشيئة العدوى، ولكن بمشيئة الله، إذا أرأف على ذلك حتى يعلم الناس أن هذه الأمور بقضاء الله فهو سبحانه وتعالى جواد كريم الذي يصونه ويحفظه حتى يعلم الناس الحقيقة التي بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والخلاصة: أنه لا عدوى على طريقة الجاهلية، يعني لا عدوى بالطبع، ولكن قد تقع العدوى وهي الانتقال قد تقع بمشيئة الله وإذنه بسبب الاختلاط بين المرضى، والأصحاء في بعض الأحيان.  
 
3- هل صح عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صلاة سنة الوضوء، وما عدد ركعاتها، وهل إذا صلى المصلي نافلة الظهر -مثلاً- هل تسقط عنه ركعتا الوضوء؟
ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه توضأ، فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين، ثم قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه). هذا ثابت عنه -صلى الله عليه وسلم- من حديث عثمان ومن أحاديث أخرى، وعددها ركعتان، سنة الوضوء ركعتان، وثبت أيضاً أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى بلالاً أمامه في الجنة، لما دخل الجنة، لما عرج به إلى السماء، فسأله -صلى الله عليه وسلم-، سأل بلال قال: (إني سمعت صوت نعليك أمامي في الجنة، فأي عملك أرجأ؟) قال ما أحدثت إلا توضأت ولا توضأت إلا صليت ركعتين -رضي الله عنه-. فصلاة الركعتين سنة وقربة بعد الوضوء، وإذا صلى تحية المسجد، أو راتبة الظهر، أو راتبة الفجر قامت مقام سنة الوضوء، حصل بها المقصود، تكون عن هذا وعن هذا، توضأ، ثم صلى ركعتين سنة الفجر، أو تحية المسجد، أو سنة الضحى حصل بها المقصود عن هذا، وعن هذا والحمد لله.  
 
4- قد ذكرت -يحفظكم الله- أن صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينزل الإنسان من الركوع إلى السجود على ركبتيه، وينهض إلى الركعة برفع يديه قبل ركبتيه، لكن بعض الباحثين ذكر عكس ذلك، فأي القولين نعتمد، وبأيهما نعمل؟
للعلماء قولان في المسألة -رحمهم الله-، منهم من رجح أنه ينزل بركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، لما رواه أهل السنن، أو وائل بن حجر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد قدم ركبتين على يديه. وله شاهد من حديث أنس أيضاً عند الحاكم وغيره، وقالوا هذا هو الأرفق بالمصلي، وهو الأبعد عن مشابهة الحيوان؛ لأن الحيوان كالبعير ينزل على يديه، ثم المؤخرة بعد ذلك، وقالوا هو الموافق لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير). فإن بروك البعير يقدم يديه. فإذا قدم رجليه لم يشبه البعير، أما قوله في الآخر: (وليضع يديه قبل ركبتين)، فقال بعضهم لعله مقلوب، وأن الصواب وليضع ركبتين قبل يديه حتى يتفق أوله مع آخره، أول الحديث مع آخر الحديث. وحتى يتفق مع حديث وائل بن حجر، وأنس، وما جاء في معناهما، وهذا هو الأصح والأرجح وبذلك يتفق الأحاديث ولا يقع بينها خلاف. فالنهي عن البروك كبروك البعير يوافق حديث وائل في تقديم الركبتين، ثم اليدين بعد ذلك في السجود، أما زيادة (وليضع يديه قبل ركبتين) فهي تخالف أول الحديث وتخالف لحديث وائل؛ لأنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه شابه البعير في نزوله على مقدمه، هذا هو الأرجح، وقال آخرون من أهل العلم لفظة (وليضع يديه...) صريحة تدل على أنه يقدم يديه على ركبتيه، وبهذا خالفوا حديث وائل، حديثه لا بأس به، حديث حسن جيد، مع أنه موافق لأول حديث أبي هريرة، ولمقدمه وصدره، والصواب عندي، والأرجح عندي أنه يقدم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه على ما في حديث وائل وعلى مقتضى أول حديث أبي هريرة وصدره، وزيادة (وليضع يديه قبل ركبتيه) إمام إدراج من بعض الرواة وإما حصل فيها انقلاب والصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه حتى يتفق أوله مع آخره، وحتى يتفق مع حديث وائل وما جاء في معناه. والأمر في هذا واسع والحمد لله، كله سنة، ولكن هذا هو الأفضل وهذا هو الأرجح إلا من عجز ككبير السن، والمريض هذا يقدم يديه؛ لأنه محتاج إلى ذلك، ولا بأس بذلك.  
 
5- ما حكم سب الدين، وهل يجوز معاملة من يسب الدين؟
سب الدين، سب الإسلام كفر أكبر وردة عن الإسلام عند جميع العلماء، ما فيه خلاف، ذكروا هذا في باب حكم المرتد، من سب الله، أو سب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو سب بعض الرسل غير محمد -صلى الله عليه وسلم- كأن يسب نوح، أو هود، أو آدم، أو غيرهم من الرسل والأنبياء كفر بإجماع المسلمين، وهكذا إذا سب الإسلام، سب دين الإسلام، أو استهزأ به يكون كافراً عند جميع أهل العلم؛ لقول الله تعالى: قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (65-66) سورة التوبة. ولأن سب الدين مضمون بالكراهة له وإنكاره، والله يقول سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) سورة محمد. فالواجب على المؤمن أن يحذر، الواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر، وأن يحفظ لسانه ويصون لسانه عما يجره إلى الردة عن الإسلام، كسب الدين والاستهزاء بالدين، أو الاستهزاء بالقرآن، أو سب القرآن، أو سب الرسول، أو سب الله، أو سب بعض الأنبياء الآخرين كله ردة، كله ردة كفر بعد الإسلام –نعوذ بالله–، واختلف العلماء هل يستتاب، أو لا يستتاب. وقال بعضهم يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ويعزر أيضاً ولو تاب، يعزر عن فعله القبيح بالجلد، والسجن، ونحو ذلك، وقال آخرون لا يستتاب، بل يقتل حداً، يقتل كافراً، ولا يستتاب، ولا يدفن ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، لأن الجريمة له عظيمة، وكفره عظيم، والأقرب عندي والله أعلم القول بالاستتابة؛ لأنه قد يقع عن جهل، قد يقع عن غضب شديد، قد يقع عن استفزاز من بعض الناس فكونه يستتاب ويبين له خطأه وظلمه لنفسه، وأنه أتى جريمةً عظيمة، وكفراً عظيماً، فإذا تاب رفع عنه القتل، لكن لا مانع من كونه يؤدب، يؤدبه ولي الأمر، الأمير، أو القاضي يؤدبه عن هذا بجلدات، أو بسجن، أو نحو ذلك مع التوبيخ حتى لا يعود لمثل هذا.  
 
6- هل يجوز أن نصلي خلف من يعتقد في الأولياء والصالحين، ويعتقد نفعهم، ويلتجئ إليهم، ويناديهم؟
الذي يعتقد في الأنبياء والصالحين، ويلتجئ إليهم، ويسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب هذا مشرك شركاً أكبر، هذا شرك الجاهلية، شرك أبي جهل، وأشباهه، قال تعالى: وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (80) سورة آل عمران. سماه كفر، وقال في المشركين: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ (31) سورة التوبة. يعني اليهود والنصارى، عبدوهم مع الله، ودعوهم واستغاثوا بهم، وبنوا على قبورهم المساجد، فكفروا بذلك، وهكذا وقع في قوم نوح لما توفي ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، وهم رجال صالحون، في قوم نوح لما ماتوا في زمن متقارب حزن عليهم قومهم ودس عليهم الشيطان أن يصوروا صورهم، وأن ينصبوها في مجالسهم كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-، ففعلوا صوروهم ونصبوا الصور في مجالسهم، فلما طال الأمد على الناس عبدوهم من دون الله، استغاثوا بهم ونذروا لهم، وذبحوا لهم، فوقعوا في الشرك، فبعث الله إليهم نوحاً عليه السلام، ودعاهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما. وهو يدعوهم إلى الله وإلى توحيد الله، والإخلاص له، فلما استمروا في العناد أهلكم الله بالغرق جميعاً، ولم ينجوا منهم إلا من كان مع نوح في السفينة، كما قال تعالى: فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (15) سورة العنكبوت. فالذي يدعو الأولياء، أو يدعو الأنبياء، أو الملائكة، أو الجن، يستغيث بهم، وينذر لهم، يسألهم الشفاعة، يسألهم شفاء المريض، النصر على الأعداء، كل هذا كفر بالله -عز وجل-، ردة عن الإسلام كما يفعل بعض الناس مع الحسين -رضي الله عنه-، أو مع البدوي، أو مع ابن عربي في الشام، أو مع الشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، أو غيرهم، كل هذا كفر، أو مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، أو مع الصديق، أو مع عمر، أو مع أهل البقيع، كل هذا كفر لا يجوز دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، ولا دعاء الملائكة، ولا دعاء الجن، ولا النذر لهم، والذبح لهم يتقرب إليهم يرجو نفعهم، ودفع الضر منهم، كل هذا شرك أكبر، كل هذا عمل الجاهلية، وإذا اعتقد أنهم يضرون وينفعون دون الله صار شركاً في الربوبية أكبر وأعظم، أعظم من شرك الجاهلية الأولى، إذا اعتقد فيهم أنهم ينفعون دون الله ويضرون، وأن الله أعطاهم هذه يتصرفون في الكون صار هذا شركاً أكبر في الربوبية، أعظم من شرك أبي جهل، وعباد الأوثان من قريش، وغيرهم، وهكذا إذا اعتقد في شجرة، أو صنم، واستغاث به، أو نذر، أو اعتقد أنه ينفع ويضر كل هذا كفر أكبر نسأل الله العافية، فالواجب على كل مسلم أن يحذر ذلك، وأن يتوب إلى الله مما قد وقع منه، هذا الواجب على جميع من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بل على جميع أهل الأرض كلهم، يجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يشهدوا أنه لا إله إلا الله، وأنه لا معبود بحقٍ سواه، ويشهدوا أن محمداً عبد الله ورسوله ويعبدوا الله وحده دون كل ما سواه، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويصوموا رمضان، ويحجوا البيت، وعليهم أن يمتثلوا أوامر الله كلها، وينتهوا عن نواهيه سبحانه وتعالى، هذا واجب على جميع أهل الأرض من جن، وإنس، واليهود، والنصارى، أو الشيوعيين، أو الوثنيين، أو غيرهم، يجب عليهم جميعاً يعبدوا الله، وأن يشهدوا له بالوحدانية سبحانه، ولنبيه محمد بالرسالة، ويصدقوا الله ورسوله في كل شيء، وأن يصدقوا الرسل الماضين، وأنهم جاؤوا بالحق، ويصدقوا بما أخبر الله به ورسوله عن الجنة، والنار، والآخرة، وعما يكون في آخر الزمان، إلى غير ذلك، يجب على كل إنسان أن يعبد الله ويدخل في الإسلام، وإذا كان مسلم فعليه أن يستقيم على إسلامه، وأن يحفظ إسلامه، وأن يصونه عن أسباب الردة، وأن يجتهد في ترك ما نهى الله عنه، وعن الشيء الذي يغضب الله سبحانه وتعالى يرجو ثوابه، ويخشى عقابه، وفق الله الجميع.  

609 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply