حلقة 374: حكم دفن الأموات داخل المساجد - حكم إخال قبر النبي في مسجد النبي - حكم مس المصحف للمحدث - هل يشترط أن يصل الماء إلى منابت الشعر عند الوضوء عند صاحب اللحية الكثيفة؟ - حكم إزالة شعر المرأة من وجهها

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

24 / 50 محاضرة

حلقة 374: حكم دفن الأموات داخل المساجد - حكم إخال قبر النبي في مسجد النبي - حكم مس المصحف للمحدث - هل يشترط أن يصل الماء إلى منابت الشعر عند الوضوء عند صاحب اللحية الكثيفة؟ - حكم إزالة شعر المرأة من وجهها

1- ما هي العلاقة بين كلٍ من مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما فيه من قبره وقبر صاحبيه, ومسجد من المساجد التي توجد بها قبور، حيث أنه بعد سماع سماحة الشيخ عبد العزيز في هذه المسألة فقد أوضح بأن ذلك كان خطأً عند توسعة المسجد في عهد عبد الملك، ولكن كثيراً من المسلمين يتساءلون، إذا كان هذا خطأً فإنه من الممكن تدارك الخطأ وعلاجه، ذلك بأن يفصل القبر عن المسجد تماماً حيث أنه لا يكفي السور لأن باقي المقابر بالمساجد الأخرى حولها أيضاً سور، وبذلك من الصعب إقناعهم باختلاف المسجد النبوي عن غيره، إن هذه المسألة إذا تفضلتم عند حسمها سوف تقضي قطعاً على افتتان المسلمين، وسوف تمنع وتساعد على نبش القبور التي استجدت على المساجد،

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله, وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله, وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فلا شك أن إدخال القبر الشريف في المسجد الشريف كان سبباً لفتنة بعض الناس في موضع القبور في المساجد والبناء على القبور، وقد سبق في حلقات مضت بيان الواقع، وهو أن الوليد بن عبد الملك، وليس هو عبد الملك، بل الوليد بن عبد الملك في خلافته لما وسع المسجد النبوي، رأى إدخال الحجرة النبوية في المسجد بسبب التوسعة، وأنكر ذلك عليه بعض الناس، بعض التابعين، ولكنه رأى أن التوسعة تدعو إلى ذلك، فلهذا أدخله، وصار ذلك الإدخال سبباً لفتنة بعض الناس، في البناء على القبور, واتخاذ المساجد عليها, وليست العلاقة بين مسجد النبي- صلى الله عليه وسلم- وحجرته مثل العلاقة التي بين المساجد والقبور الأخرى، فرق عظيم، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- دفن في بيته، في بيت عائشة, ودفن معه صاحباه, أبو بكر, وعمر-رضي الله تعالى- عنهما، ولم يدفن في المسجد- عليه الصلاة والسلام-, ولا صاحباه بل كلهم دفنوا في البيت، وأما القبور الأخرى فهي تدفن في المساجد، ويظن أهلها أن هذا قربة وأنه طاعة وربما حدث المسجد بعد ذلك، يوجد قبر ثم يبنى عليه مسجد، كل هذا واقع، فليس هذا كهذا، وقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-في الحديث الصحيح، بل في الأحاديث الصحيحة: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، قالت عائشة-رضي الله عنها-: "يحذر ما صنعوا"، وقال-عليه الصلاة والسلام-: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)،رواه مسلم في الصحيح، ولما قالت له- عليه الصلاة والسلام- أم سلمة, وأم حبيبة،- رضي الله تعالى عنهما- إنهما رأتا في أرض الحبشة كنيسة وذكرتا ما فيها من الصور، قال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور- ثم قال عليه الصلاة والسلام-: أولئك شرار الخلق عند الله)، فأخبر أن الذين يبنون القبور على المساجد, ويصورون عليها الصور، أنهم شرار الخلق؛ لأنهم فعلوا أمراً يجر الناس إلى الشرك، ويوقعهم في الشرك؛ لأن البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، واتخاذ الصور عليها كل هذه من وسائل الشرك، ولهذا حذر من ذلك النبي- عليه الصلاة والسلام- وأبدى وأعد في ذلك، والوليد حين أدخل الحجرة النبوية لم يكن على باله هذا الأمر، ولم يظن أن الناس يشتبه عليهم الأمر، ويعتقدون أن هذا مثل هذا، وأن إدخال الحجرة برمتها من جنس إيجاد القبور في المساجد، أو من جنس إقامة المساجد على القبور، وليس هذا كهذا، فالحاصل أن إدخال الحجرة النبوية في المسجد، ليس من جنس عمل الغلاة في القبور، الذين بنوا عليها المساجد, أو أحدثوها في المساجد، هذا غير هذا، فإحداث القبر في المسجد أمر لا يجوز، وهو منكر ووسيلة للشرك بصاحب القبر، وهكذا كون المسجد يبنى عليه، كما فعلت بنوا إسرائيل،.... المسجد يبنى عليه، هذا أيضاً لا يجوز, ولهذا قال- عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح المتفق عليه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا في كل مكان ألا يبنوا على القبور مساجد، وألا يبنوا عليها قباباً ولا غيرها ويجعلوها ضاحية بارزة كما كانت القبور في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- كذلك في مقبرة البقيع وغيره ليس عليها بناء، وكما هو الحال الآن في البقيع والحمد لله قد أزيلت عنها المباني وهكذا في مكة, فالمقصود أن تكون القبور بارزة ضاحية ليس عليها بناء هذا هو الواجب، لا يبنى عليها قباب ولا مساجد ولا غير ذلك، وأما إدخال الوليد بن عبد الملك الحجرة النبوية فكان لأجل التوسعة, وإن كان هذا غلطاً ينبغي أنه لم يقع حذراً من هذه الفتنة التي وقعت لبعض الناس، لكنه- رحمه الله- وعفا الله عنا وعنه لم ينتبه لهذا الأمر الذي حصل في الناس الآن، ولعل أسباب عدم إخراجه من المسجد بعد ذلك، أنه كل والي يتولى المدينة يخشى أنه إن فعل شيئاً أن يقام عليه وأن ينكر عليه, وأن يقال أنت تبغض النبي- صلى الله عليه وسلم- وأنت, وأنت, وأنت فيتهم، فلهذا ترك الناس إخراج الحجرة بعدما أدخلت, لعل هذا هو السبب والله أعلم فيما أعتقد أن الولاة الذين تولوا الإمرة بعد الوليد لعلهم خشوا إذا أخرجوا الحجرة من المسجد أن يقال فيهم: إنهم كيت وكيت، إنهم ليسوا يحبون النبي- صلى الله عليه وسلم-, أو أنهم مقصرون في حق النبي-عليه الصلاة والسلام-, أو ما أشبه ذلك من الأقاويل التي قد يخشى منها فلهذا ترك هذا الأمر، ولم يخرج من المسجد، من أجل خوف قالت الناس وفتنة الناس بالقيل والقال في إخراجه من المسجد بعدما أدخل، ثم أيضاً مثلما تقدم ليس هذا من جنس ما يفعله الناس, بل هذه حجرة برمتها, وبيت برمته أدخل فليس من المسجد, وليس من أرض المسجد، وليس مدفون في المسجد، وليس المسجد مقام عليه بل المسجد قائم مستقل قبل إدخال الحجرة، فالمسجد قائم وإنما جاءت الوسعة فقط اليسيرة التي جاءت من جهة الشرق، هذا هو الواقع, فلا يجوز لأحد أن يحتج بهذا على البناء على القبور, أو إدخال القبور في المساجد لا حجة له في هذا، بل الواجب أن تكون القبور بعيدة عن المساجد ليست في المساجد، بل تكون في أرض مستقلة وضاحية شامسة مكشوفة ليس عليها بناء, وليس عليها مساجد، هذا هو الواجب على جميع المسلمين في كل مكان، طاعة للنبي- صلى الله عليه وسلم- وامتثالاً لأمره, واتباعاً لسنته وحذراً من وسائل الشرك، ولهذا أبدى وأعد في هذا-عليه الصلاة والسلام-وكثر في ذلك، لئلا يقع الناس في الشرك، ومن ذلك ما تقدم من الأحاديث الصحيحة: (لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، ومن هذا قوله-صلى الله عليه وسلم:( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)، رواه مسلم في الصحيح، من حديث جندب بن عبد الله البجلي، وهكذا حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-في الصحيح، يقول-صلى الله عليه وسلم-: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ذلك، وألا يحتجوا بما فعله الوليد بن عبد الملك بإدخال الحجرة النبوية، فإن أدخل بيتاً ولم يدفن في المسجد، ولم يبني قبراً في المسجد، وإنما أدخل الحجرة اجتهاداً منه للتوسعة للمسلمين فليس هذا مثلما أحدثه الناس, ولا ينبغي أن يقاس هذا على هذا، بل الواجب الحذر مما نهى عنه النبي-صلى الله عليه وسلم- ولعن أهله والفاعلين له، ومن ذلك ما روى جابر بن عبد الله الأنصاري-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه نهى عن تجصيص القبور, وعن القعود عليها والبناء عليها) فالرسول نهى أن يجصص القبر, ونهى أن يقعد عليه, ونهى أن يبنى عليه، وهذا يشمل القبة والمسجد وغير ذلك، فالواجب على جميع المسلمين طاعة النبي-صلى الله عليه وسلم-وامتثال أمره والحذر مما نهى عنه، في القبور وغيرها، فلا يبنى عليها، ولا يتخذ عليها قبة ولا مسجد، ولا تجصص كل هذا مما نهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-, والمقصود من هذا كله سد الذرائع الموصلة إلى الشرك والنهي عن وسائله؛ لأن الناس إذا رأوا مسجداً معظماً، بالقبة والفراش ونحو ذلك، عظموه بالدعاء, والاستغاثة دعوه واستغاثوا بصاحبه، فوقع الشرك، فالواجب على المسلمين في أي مكان أن يتقوا الله وأن يحذروا الدفن في المساجد، أو إقامة مسجد على القبر وإن كان قبراً عظيماً، وإن كان صاحبه صالحاً، فالأنبياء هم أصلح الناس ولا يجوز البناء على قبورهم، فهكذا بقية الناس من باب أولى، والواجب هو امتثال أمر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-, والتقيد بما قاله-عليه الصلاة والسلام-, والحذر مما نهى عنه-عليه الصلاة والسلام-, والحكمة في هذا واضحة، الحكمة ظاهرة وهي سد الذرائع الموصلة إلى الشرك، فإنه وجود المسجد، وجود قبر في المسجد، أو جود المسجد على القبر كل ذلك من وسائل الشرك بصاحب القبر، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق, ونسأل الله أن يبصر المسلمين, وأن يمنحهم الثقة في الدين, وأن يعيذهم من أسباب الشرك ومن وسائله وذرائعه إنه سميع قريب.  
 
2-  لماذا لا يعالج ذلكم الخطأ الذي وقع فيه الوليد بن عبد الملك؟
بينا أن أسباب ذلك والله أعلم أن كل دولة تخشى أنها إذا قامت بهذا الأمر أن تتهم, وأن يقال فيها أنها قصرت في حق النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأنها تبغض النبي- صلى الله عليه وسلم-, أو أنها جاهلة بالإسلام, أو أنها وأنها قد يتحاشون الدخول في هذا الأمر، يقولون: ما دام سكت من قبلنا وتركه من قبلنا نتركه؛ ولأن الحكمة في ذلك والعلة في ذلك واضحة، فإنه لم يدفن في المسجد- عليه الصلاة والسلام-, وإنه دفن في الحجرة فقط برمتها فليست هذه المسألة مثل المسائل التي وقع فيها الناس في بلدان كثيرة، حيث دفنوا في المساجد وأوجدوا القبور في المساجد، أو بنوا مساجد على القبور هذا هو الواقع, وهذا غير ما فعله الوليد هذا فرق عظيم. إذن الابتعاد عن الفتنة وإبقاء الأمور على ما هي عليه هو الأولى، هذا هو السبب الذي جعل الناس يتركون الأمور على حالها خشية من فتنة تقوم بين الناس بسبب ظنهم بمن أخرجه السوء، وأنه أراد بهذا تنقصاً للنبي-صلى الله عليه وسلم-, وصاحبيه, أو أنه أراد بذلك أمراً آخر قد لا يحمل على المعنى الشرعي، وقد يظن به خلاف ذلك، فلعل هذا هو السبب الذي من أجله تركته الدول السابقة. إذن يرى سماحة الشيخ أنه قد يقوم حرب فكرية من أعداء الإسلام ضد المسلمين. حرب فكرية وغير فكرية أيضاً، قد يكون هذا من أسباب بعض الفتن التي يوجدها بعض الناس لأتفه الأسباب, فكيف وهذه تتعلق بقبر النبي-صلى الله عليه وسلم-وصاحبيه, وأكثر الخلق ليس عنده العلم الكافي, والبصيرة الكافية في هذه الأمور، بل يعتقدون أن البناء على القبور, واتخاذ المساجد عليها أنه دين وقربة، بل بعضهم وكثير منهم يرى أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم دين وقربة، نسأل الله العافية. لعل سماحة الشيخ يذكر السادة المستمعين بما قاله رسولنا- صلى الله عليه وسلم لعائشة في شأن الكعبة. نعم حديث صحيح، لما قيل له-صلى الله عليه وسلم-في حجر إسماعيل قال: (لولا أن قومك حديث عهد بكفر لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم) فترك نقض الكعبة وإدخال الحجر فيها خوفاً من الفتنة-عليه الصلاة والسلام-وأبقاها على حالها- عليه الصلاة والسلام-، إذن هذا قريب من هذا، هذا من هذا، من جنس هذا.  
 
3- القرآن والوضوء؟
القرآن الكريم هو كلام الله-عز وجل-وهو أعظم كتاب وأشرف كتاب, وهو خاتم الكتب المنـزلة من السماء، ومن تعظيم الله له أنه قال فيه-سبحانه-: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة:79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(الواقعة:80)، وجاء في الحديث عنه-صلى الله عليه وسلم-أنه كتب إلى أهل اليمن ألا يمس القرآن إلا طاهر، وأفتى أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-بذلك، ولهذا ذهب جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة على أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، لا يقرأ في المصحف إلا من هو على طهارة من الجنابة ومن الحدث الأصغر، هذا هو الصواب وهذا هو الذي أفتى به أفضل الأمة وهم أصحاب النبي-عليه الصلاة والسلام-, فليس للمحدث أن يقرأ القرآن من المصحف, ولكن له أن يقرأ عن ظهر قلب، إذا كان ليس على جنابة، أما الجنب فلا يقرأ حتى يغتسل؛ لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم-كان لا يحجبه شيء عن القرآن إلا الجنابة، كما ثبت هذا من حديث علي-رضي الله عنه-، قال-رضي الله عنه-: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يحجبه شيء عن القرآن سوى الجنابة، فكان-عليه الصلاة والسلام- إذا كان جنباً لا يقرأ حتى يغتسل, وهكذا غيره من الأمة لا يقرأ حتى يغتسل, أما الحدث الأصغر فلا يمنع القراءة ولكن يمنع مس المصحف، فلا يمس المصحف ولكن يقرأ عن ظهر قلب، واختلف العلماء في الحائض والنفساء، هل تلحقان بالجنب، فتمنعان من القراءة عن ظهر قلب، أم لا تلحقان، بعض أهل العلم حكاه بعضهم وهو قول الأكثر، ألحقوا الحائض والنفساء بالجنب؛ لأن عليهما حدث أكبر يوجب الغسل، فشبهوهما بالجنب, وقالوا لا تقرأ الحائض ولا النفساء القرآن مطلقا ولو من غير المصحف ولو عن ظهر قلب، تشبيهاً لهما وإلحاقاً لهما بالجنب، وجاء في هذا حديث رواه أبو داود عن ابن عمر-رضي الله تعالى-عنهما عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)، وقال آخرون: (يجوز لهما القراءة عن ظهر قلب، كالمحدث حدثاً أصغر، قالوا: لأنهما تطول مدتهما فليستا كالجنب، الجنب أمره ميسر، يغتسل حالاً ويقرأ إذا فرغ من حاجته من أهله اغتسل حالاً وقرأ، ما هناك مدة تضيع عليه طويلة، بخلاف الحائض والنفساء فإن مدتهما قد تطول، وليس الأمر في أيديهما، فالحائض قد تبقى خمسة أيام ستة أيام، سبعة أيام، والنفساء قد تبقى أربعين يوماً أو شهراً أو حول ذلك، فهذا يشق عليهما ترك القرآن, وربما نسيت الواحدة منهما حفظها, فلهذا ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يجوز لهما القراءة عن ظهر قلب، وليستا من جنس الجنب للمعنى الذي ذكرنا وهو طول المدة وعدم صحة القياس، فليس أمر الحائض والنفساء من جنس أمر الجنب، فرق عظيم، ومن شرط القياس أن يساوي الفرع الأصل ولا يتساويان هنا، أما حديث: (لا تقرأ الحائض ولا النفساء شيئاً من القرآن)، فهو حديث ضعيف عند أهل العلم؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، وهو حجازي، وإسماعيل روايته عن غير الشاميين ضعيفة لا يحتج بها، كما قال أهل العلم، وهو روى هذا الحديث عن موسى بن عقبة وهو من الحجازيين ليس من الشاميين، فتكون هذه الرواية ضعيفة لا يحتج بها، فلا يبق في أيدي الجمهور القائلين بالمنع لا يبقى في أيديهم نص ولا قياس مستقيم، فلهذا يقوى القول الثاني وهو أنه لا حرج في قراءة الحائض والنفساء القرآن عن ظهر القلب، أما الجنب فلا؛ لأن الجنب مدته يسيرة وفي إمكانه الاغتسال حالاً ثم القراءة؛ ولأنه جاء فيه النص عن النبي- صلى الله عليه وسلم-أنه كان إذا كان عليه جنابة لا يقرأ، وجاء في بعض الروايات من حديث علي أنه -صلى الله عليه وسلم- لما خرج من قضاء الحاجة قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال هذا لمن ليس جنباً، أما الجنب فلا ولا آية، وذلك بإسناد جيد في مسند أحمد, وقد رواه أهل السنن, والإمام في مسنده عن علي أيضاً بأنه-صلى الله عليه وسلم-كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة، فهذا شيء وهذا شيء، فالجنب ليس له أن يقرأ لا عن ظهر قلب ولا من المصحف إلا بعد الطهارة، والمحدث حدثاً أصغر له القراءة عن ظهر وليس له القراءة من المصحف، أما الحائض, والنفساء فلهما القراءة عن ظهر قلب كالمحدث حدثاً أصغر فقط، وليس لهما أن تمسا المصحف من باب أولى، كالمحدث الذي حدثه أصغر لا يمس المصحف فهما من باب أولى، لا تمسان المصحف ولكن تقرأن عن ظهر قلب، هذا هو الأقرب وهذا هو الأظهر والأرجح لما سبق من الدليل والتوجيه, والله أعلم. إذا كان مس المصحف سماحة الشيخ من وراء حاجز كالقفازين مثلاً؟ هذا أجازه جماعة من أهل العلم وهو قول قوي، إذا مسه من دون حائل، المحدث أو الحائض أو النفساء هذا قول قوي، بخلاف الجنب فلا يقرأ أبداً، ولو من دون حائل، ولا يمسه.    
 
4- بالنسبة للمتوضئ ذي اللحية الكثيفة، هل يشترط أن يصل الماء إلى منابت الشعر؟
يكفيه أن يمرر الماء عليها، إذا مرر الماء عليها كفى، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-دالة على أن إجراء الماء على اللحية, وأنه إذا غسل وجهه حتى أجرى الماء على اللحية كفى ذلك، وإن خللها كان أفضل، إذا تيسر تخليلها فهو أفضل، وقد فعل النبي هذا وهذا-صلى الله عليه وسلم-.   
 
5- بالنسبة للإمام إذا كان يسقط عليه بعض الأحرف نظراً للثغة في لسانه، ما رأيكم في هذا؟
إذا كان الفاتحة سليمة ولا يضيع منها شيء فلا بأس؛ لأن قراءة غيرها ليس بواجب بل مستحب، وإنما الواجب قراءة الفاتحة وهو الركن, فإذا كانت الفاتحة سليمة يؤديها كما ينبغي فصلاته صحيحة ولا بأس بإمامته، وإن كان لا يستطيع ذلك فلا يكون إماماً يصلي مع الناس مأموماً. 
 
6- تسأل عن الشعر الذي ينبت في وجه المرأة، ما رأيكم في إزالته؟
هذا فيه تفصيل، إن كان شعراً عادياً فلا يجوز أخذه لحديث لعن النامصة والمتنصمة، فقد ذكر أئمة اللغة أن النمص أخذ الشعر من الوجه والحاجبين، أما إن كان شيئاً زائداً يعني يعتبر مثلة، تشويهاً للخلقة كالشارب واللحية، فهذا لا بأس بأخذه ولا حرج؛ لأن يشوه خلقتها ويضرها، أما الشيء العادي الذي ما فيه تشويه، بل هو عادي هذا لا تأخذه كالحجابين. بارك الله فيكم سماحة الشيخ في ختام... 

428 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply