حلقة 502: حكم المحاماة في الإسلام - الآخرة هل هي عالم مادي أو روحاني؟ - معنى حديث (إذا ساد القبيل فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم ...) - الهروب من الزوج لأجل خوف الحمل - استخدام وسائل تنظيم الحمل إذا كانت المرأة ضعيفة أو مريضة

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

2 / 50 محاضرة

حلقة 502: حكم المحاماة في الإسلام - الآخرة هل هي عالم مادي أو روحاني؟ - معنى حديث (إذا ساد القبيل فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم ...) - الهروب من الزوج لأجل خوف الحمل - استخدام وسائل تنظيم الحمل إذا كانت المرأة ضعيفة أو مريضة

1- هناك من المسلمين من يعمل في المحاماة، الشخص الذي يعمل محامياً أحياناً يدافع عن الظالم ويعرف أنه ظالم، وإذا سألته لماذا تدافع عن الظالم؟ يقول: هذه مهنتي!! والسؤال المطروح هو: هل في الإسلام محاماة، وما هو حكم الإسلام في المحاماة والمحامين؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فالمحاماة لها خطر عظيم، وهي وكالة في المخاصمة عن الشخص الموكِّل، فإن كان الوكيل وهو المحامي يتحرى الحق ويطلب الحق ويحرص على إيصال الحق إلى مستحقه ولا يحمله كونه محامياًَ على نصر الظالم وعلى التلبيس على الحكام والقضاة ونحوهم فإنه لا حرج عليه؛ لأنه وكيل، أما إذا كانت المحاماة تجره إلى نصر الظالم وإعانته على المظلوم أو على تلبيس الدعوى أو على طلب شهود الزور أو ما أشبه ذلك من الباطل فهي محرمة وصاحبها داخل في عداد المعينين على الإثم والعدوان، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوما). قالوا: يا رسول الله! نصرته مظلوما فيكف أنصره ظالما؟ قال: (تجزه عن الظلم) يعني تمنعه من الظلم (فذلك نصرك إياه)، فهذا هو نصر الظالم أن يمنع من الظلم وأن لا يعان على الظلم، فإذا كان المحامي يعينه على الظلم فهو شريك له في الإثم وعمله منكر وهو متعرض لغضب الله وعقابه، نسأل الله العافية، وهكذا كل وكيل وإن لم يسمَّ محاميا ولو سمي وكيلاًَ إذا كان يعين موكله على الظلم والعدوان وعلى أخذ حق الناس بالباطل فهو شريك له في الإثم وهو ظالم مثل صاحبه، نسأل الله للجميع العافية والهداية والسلامة. يقول مقدم البرنامج: كأني بسماحة الشيخ ينصح بعدم الاشتغال بهذه المهنة؟ ج/ نعم، أنصح بعدم الاشتغال بها إلا لمن وثق من نفسه بأنه يتحرى الشرع ويعين على تحقيق الشرع وينصر المظلوم ولا يعين الظالم، أما إذا كانت نفسه تميل إلى أخذ المال بحق وبغير حق وإلى مناصرة من وكله وجعله محامياً عنه هذا لا يجوز له، بل يجب الحذر.   
 
2- من المعروف أن معنى المادة هو: كل شيء يشغل حيزاً من الفراغ وله كتلة، وتوجد بثلاث حالات وهي: الحالة الصلبة، والحالة السائلة، والحالة الغازية، ومن المعروف أيضاً وعلى ما اعتقد أن هناك صورتين للوجود فقط، وهي: الصورة المادية، والصورة الروحانية، أي الروح، وهذا العالم عالم الدنيا الذي نعيش فيه هو: عالم مادي ملموس؛ لأن كل شيء فيه يُرى ويلمس أو تُتحسس به، كالهواء مثلاً، والسؤال هو: هل عالم الآخرة عالم مادي أم عالم روحاني، أم غير ذلك؟ جزاكم الله خيراً.
العالم الأخروي عالم مادي، لكننا لم نصل إليه الآن، وإنما نصل إليه بعد البعث والنشور، ولكن علمناه بالأدلة القاطعة التي لا ريب فيها ولا شك فيها من طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن طريق الفطرة التي فطر الله عليها الناس، ومن طريق ما جاءت به الرسل من الكتب وأعظمها وأرفعها شأنا القرآن الكريم، وقد تواردت الأدلة النقلية والعقلية التي فطر الله عليها العباد على الإيمان بالآخرة والجنة والنار، وأنها حق وأنها كائنة وأن أهل الجنة يُنعمون بنعم محسوسة يأكلون ويشربون ويتمتعون بالزوجات من الحور العين وغيرهن، ويتمتعون بما هناك من أنواع النعيم، كما أن أهل النار يتألمون بما أعد الله لهم من العذاب ويذوقون مسه وشره وبلاءه، كل هذا أمر معلوم مقطوع به بالأدلة القطعية التي لاريب فيها ولا شك ومن كذبها فهو كافر حلال الدم والمال مأواه النار وبئس المصير، نعوذ بالله من ذلك.  
 
3- ما معنى الحديث النبوي الشريف الآتي يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا ساد القبيل فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأُكرم الرجل اتقاءً لشره فانتظروا البلاء؟
هذا الحديث مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم – ولكني فيما أعلم أنه ضعيف الإسناد لا تقوم به الحجة، ولكن معناه صحيح: متى ساد القوم أرذلهم وصار زعيمهم فاسقهم فالخطر عظيم والفساد كبير والعاقبة وخيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذا معلوم بالأدلة الأخرى ومن الواقع أيضا، فإن الواجب أن يكون سيد القوم كريمهم وعالمهم وأفضلهم والبصير بشؤونهم حسب الإمكان، فإذا ساد القوم الفساق أو الكفار صار الخطر عظيما، والبلية كبيرة، وصار الفساد يتنوع على حسب حال الوالي ونشاطه في الباطل، أو نصحه للرعية وعدم نشاطه في الباطل، وقد يكون فاسقا لكنه غيور وحريص على صلاح الرعية التي تحت يده فيقل الشر ويكثر الخير؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم– في الحديث الصحيح: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) فقد يكون الرجل فاجرا ولكن عنده غيرة وعنده نصح وعنده رغبة في الخير فينفع الله به الأمة وفجوره على نفسه، وهذا يقع في الأمراء ويقع في غير الأمراء، ويقع أيضا في رؤساء العوائل، فقد يكون فاسقاً وكنه جيد في عائلته غيور يحمي عائلته وينصح لهم ويجتهد في سلامتهم من الفواحش والمنكرات وهو في نفسه ليس بطيب، فالحاصل أن رئاسة الفجار والكفار فيها خطر عظيم، ولكن قد يقع فيهم من هو غيور على أهله وحرمه وعائلته، وقد يقع فيهم من هو غيور على بلده وقريته وقبيلته ومن تحت يده فينصح لهم ويجتهد، وفجوره على نفسه فيما بينه وبين ربه، نسأل الله السلامة.   
 
4- أنه نتيجة لمتاعب الحمل والولادة والتربية تضطر للهروب عن زوجها نظراً لتأثرها بالأدوية التي تؤخذ لتنظيم النسل، وترجو من سماحتكم النصح والتوجيه؟
نصيحتي لها أن تدع هذه الأدوية التي تنفرها من زوجها، وأن تتحمل الحمل والولادة، ولعل في هذا خيرا كثيرا ومصالح جمة، فإن الأولاد إذا أصلحهم الله صار في ذلك خيرا لهم وخير لوالديهم جميعا وخير للأمة، فينبغي لها أن تتحمل وتصبر وتدع الأدوية التي قد تؤذيها وتضرها، إلا إذا كان هناك مرض أو تقرير من الأطباء يدل على أن حملها على هذا يضرها ويسبب أخطاراًَ كثيرة عليها فإنها تتقيد بالتوجيهات الطبيبة ولو أخذت ما يمنع الحمل سنة أو سنتين أو أكثر على حسب توجيهات الطبيب المختص البصير الثقة في ذلك فلا مانع من تنظيم الحمل على هذا الوجه للمصلحة الشرعية ولدفع الضرر عنها وعن أولادها الصغار، أما لمجرد الترفه ولطلب الراحة فهذا لا ينبغي ولا يجوز، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حث الأمة على طلب النسل وتكثير الأمة وقال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) وفي بعض الروايات: (الأنبياء يوم القيامة)، فالرسول صلى الله عليه وسلم رغب في كثرة الأولاد وأخبر أنه يكاثر بأمته يوم القيامة الأمم، فكثرة الأولاد عن الطريق الشرعي مع الصبر والتحمل فيه خير كثير، وقد ينفع الله بهم الأمة وينفع بهم والديهم إذا أصلحهم الله، فالمشروع للمرأة التحمل والتصبر حتى يكثر الأولاد من طريق الحلال ومن طريق الزوج الشرعي، والحمد لله، إلا لعلة وضرر لا بد منه فإن هذا لا بأس أن تتعاطى ما يخفف عنها هذا الأثر وهذا الضرر من طريق الأطباء المختصين والطبيبات المختصات حتى يكون التنظيم على بينة وعلى بصيرة وعلى وجه شرعي.  
 
5- إن أعطاها من هذه الأدوية التي تنظم الحمل فإنها تتأذى منها، وإن بقيت بدون فهي تحمل عاماً وترضع عاماً آخر، وصحتها متدنية جداً، ويسألون هل هناك طريقة شرعية تستخدمها المرأة، ولا تهرب من زوجها، وتبقى عنده والحالة هذه؟
نعم إذا كانت تضرر كما ذكر الزوج من الحمل ويحصل لها بذلك مضار شديدة أو على ولدها الصغير فإنه لا مانع من أن يعزل عنها، العزل لا بأس به، وكان السلف يعزلون عند الحاجة إلى ذلك، والعزل معناه: إذا أراد إراقة المني أخرج ذكره وأراقه من خارج، فإن هذا في الغالب ينفع في عدم الحمل، إذا تيسر للزوج ذلك فإنه ينفع، أو يسأل عن الطبيبات المختصات لعلهن يجدن شيئا ما يضرها، ينفعها ولا يضرها عند الحاجة والضرورة إلى ذلك، والعزل أمر متيسر إذا استطاعه الزوج عند إحساسه بخروج المني يخرج ذكره ويريقه من خارج، ويتمتع بها من دون إراقة المني في فرجها؛ لأن الحمل من طريق المني فإذا أخرجه إلى الخارج لن تحمل بإذن الله، وإذا كتب الله شيئا تم، ولو بشيء قليل من المني، لكن هذا من الأسباب، والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى.  
 
6- ما قولكم في أن وجه المرأة صورة، أي أنني امرأة متحجبة ولكن لا أضع على وجهي غطاءً نظراً لأن بصري ضعيف وألبس نظارة، وفي حاجة إلى عدم وضع الغطاء، هل تبيح لي تلك الأمور عدم الغطاء أو لا؟
المشروع للمرأة الحجاب وهو واجب كما قال الله- سبحانه في كتابه الكريم: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ(الأحزاب: من الآية53) وقال سبحانه: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ.. الآية (النور: من الآية31)، والوجه من الزينة، لكن إذا كان البصر ضعيف وتحتاج المرأة إلى إبداء عينيها فلا بأس، تبدي عينها عن طريق وضع النقاب أو البرقع تلبسه على وجهها وتبدي عينيها أو تضع النظارتين على عينيها للاستفادة من ذلك، لا حرج في ذلك، والحمد لله، فاتقوا الله ما استطعتم، وتستر بقية الوجه.  
7- رسالتي لكم رسالة أم مؤمنة مسلمة، عاشت عمرها الذي تجاوز الخمسين عاماً على عبادة الله وعلى سنة نبيه الحبيب-صلى الله عليه وسلم-، أنشأت ابنتها الكبيرة على طريقتها حتى تزوجت قبل عشرة سنوات، وصارت تبتعد عني رغم أني أتقرب إليها، حيث لم ينجب زوجها ذرية لسبب فيه، وتركنا ذلك إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى، وفي الفترة الأخيرة افتقدتها نهائياً ولم أعلم عنها شيئاً وانقطعت أخبارها، وقد تركتني أنا الأم التي أنشأتها على طاعة الله والوالدين، أُفتش عنها في كل زاوية ودرب مشوشة الفكر، قلقلة مشدودة الأعصاب، علماً بأني تحت العلاج الطبي؛ والعمليات الجراحية التي أجريت لي حتى الآن لم تُشفَ، أكرر: هل ما أمر به الله تعالى بالعطف على الوالدين ورعايتهم وعدم الإساءة لهم بالقول البسيط (أف) فكيف بهذا العمل الذي أقلقني في صلاتي وحرمني طعم الخشوع، أدعو أبناءنا إلى الطاعة فيما يرضي الله ورسوله، وليتركوا تعسفهم للوالدين باسم الانقطاع الكلي لفكرهم وأرائهم التي ينقصها التجربة والعطف والواقع الذي يلف البشر، فالله الله بهذه الأم التي أرضعت وربت ودرست وعلمت وهذبت على شريعة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، إنه تعامل هكذا، أرجو منكم حفظكم الله إذاعة رسالتي أكثر من مرة، فهي تستمع إلى ندوتكم المذاعة منذ سنوات كما نسمعها جميعاً، ودمتم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وتسأل أربعة أسئلة -فيما يبدو- على ضوء ما ذكرت، فتقول سماحة الشيخ: ما حكم الشرع في هذا العمل، حيث خرجت بدون محرم معها وكذبت على والديها؟ ما حكم الشرع في هذا العقوق ومعاملة الوالدين وهما من أهل الإسلام والإيمان؟ ما درجة صحة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أمر أحد المجاهدين بالرجوع عن الجهاد والبقاء مع أمه رأفة بها من نبي الرحمة الكريم صلى الله عليه وسلم؟ هل غاب عن بال من يصرف النظر عن والديه أن النبي الكريم أوصى بالأم ثلاث مرات وبالأب مرة دون غيرهم؟ أرجو أن تتفضلوا بالتوجيه والإرشاد حول هذه القضية.
لا ريب أن بر الوالدين والإحسان إليهما والرفق بهما من أهم الواجبات ومن أفضل القربات وقد أوجب الله سبحانه حق الوالدين وأمر بالإحسان إليهما في كتابه العظيم في آيات كثيرات منها قوله -عز وجل-: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (الإسراء:23-24). ومنها قوله سبحانه في سورة لقمان: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان: من الآية14). فبرهما من أهم الفرائض وهذا العمل التي عملته هذه البنت عمل سيء ومنكر ولا شك أنه عقوق، والواجب عليها أن تضع يديها في يد والدتها وتطلب منها السماح والإباحة والعفو؛ لأنها قد أساءت إلى والدتها مع ما فعلت الوالدة من الخير العظيم والتربية والإحسان والصبر على أذى الطفل إلى غير ذلك مما تقوم به الوالدة، فينبغي أن تتوب إلى الله وأن ترجع إليه سبحانه وأن تستغفره جل وعلا من ذنبها وتقصيرها وأن تضع يدها في يد والدتها وتستسمحها وتطلبها العفو، وإذا كان هناك شيء حصل من والدتها يضرها ففي إمكانها توسيط من ترى من أهل الخير والأقارب حتى يصلح بينها وبين والدتها إن كان هناك شيء أو جب هذه القطيعة وهذا البعد، وأما ما يتعلق بسفر المرأة بغير محرم فهذا لا يجوز، ليس لها أن تسافر إلا بالمحرم كما أمر به النبي- صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لما قال له رجل: يا رسول الله! من أبر؟ قال: (أمك). قال: ثم من؟ قال: (أمك). قال: ثم من؟ قال: (أمك). قال: ثم من؟ قال: (أباك ثم الأقرب فالأقرب) وفي لفظ آخر لما سئل يا رسول الله ! أي الناس أحق بحسن الصحبة؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أبوك)، فحق الوالدة أعظم وأكبر من حق الوالد ثلاث مرات، حتى الجهاد إذا كان ليس فرض عين لابد من استئذان الوالدين أو أحدهما إذا كان موجوداً أحدهما، وهو الجهاد الذي هو من أهم الفرائض، وقد يجب على الأعيان في بعض الأحيان. فالحاصل أنه يجب على الولد أن يستأذن والديه في الجهاد إذا لم يكن فرض عين لعظم حقهما؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لما استأذنه رجل بالجهاد قال: (أحي والداك؟) قال: نعم. قال: (ففيهما فجاهد) فالمقصود أن حق الوالدين عظيم، فالواجب على البنين والبنات أن يعنوا بهذا الأمر، وأن يعطفوا على والديهم، وأن يرحموا والديهم، وأن يحسنوا إلى الوالدين، وأن يتلطفوا بالوالدين وأن يعطفوا على الوالدين، فهذا من بعض حق الوالدين. رزق الله الجميع التوفيق والهداية. الواقع: أختنا سماحة الشيخ تذكر مأساة يشكو منها كثيراً من الآباء، تلكم هي ما يعرف بين كثير من الشباب بالانقطاع الكلي للفكر وتمحيص الآراء؛ حتى أن هذا أدى بالأبناء إلى الانقطاع عن آبائهم وببعض البنات أيضاً، لابد لسماحة الشيخ من كلمة، واعتقد أن هذا غزو دخل إلى شبيبة الإسلام؟. لا شك أن هذا أمر خطير، والواجب على الشباب أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يعرف قدر الوالدين وحق الوالدين، فحقهما عظيم وواجبهما كبير، ولا ينبغي للشباب من الذكور والإناث أن ينقطعوا للوساوس والأفكار المخالفة المنحرفة، بل يجب على المؤمن شاباً أو شيخاً، وعلى المؤمنة فتاة أو كبيرة على الجميع أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يتقوا الله في أقاربهم، وفي والديهم بوجه أخص، وأن يحرصوا على الاستقامة، وأن يحذروا وساوس الشيطان ونزغات الشيطان فكم لله من وسوسة تكون سبباً لهلاك الشخص والله جل وعلا قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (الناس:1-4) فهو وسواس عند الغفلة، خناس عند الذكر. فالواجب على الشباب جميعا من الذكور والإناث أن يتقوا الله وأن يستقيموا على دينه وأن يعرفوا قدر الوالدين وقدر الأقارب، وأن يبروا والديهم، وأن يصلوا أرحامهم. ولو فرضنا أن الوالدين كافران لوجب الإحسان إليهما، قال الله جل وعلا في كتابه الكريم في حق الوالدين الكافرين: .. وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً.. (لقمان: من الآية15)، وهما كافران!! عليه أن يحسن إليهما، وأن يصحبهما بالمعروف وأن يدعوهما إلى الخير، وأن يحسن إليهما بما يستطيع من مال وجاه ودعوة إلى الله -عز وجل- لعل الله يهديهما بأسبابه. فكيف إذا كان والداه مسلمين؟!! فالأمر أعظم وأكبر، وهكذا الرحم، وصل الرحم من أهم الواجبات وقطيعتها من أقبح الكبائر، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قلنا: بلى يا رسول الله! قال: (الإشراك بالله)، ثم قال: (وعقوق الوالدين)، فجعل العقوق من أكبر الكبائر، فالواجب على الجميع من ذكور وإناث أن يعرفوا قد الوالدين، وأن يعظموا قدر الوالدين، وأن يحسنوا إليهما، ولو جرى منهما بعض الشيء من التقصير في حق الولدين أو من الكلام الشديد على الولدين أو من الإساءة إليهما فحقهما عظيم، فالواجب الإحسان إليهما والتلطف بهما واستسماحهما وطلب العفو منهما، وتوسيط الناس الطيبين في الإصلاح بين الإنسان وبين والديه إذا كان هناك شيء من الاختلاف بينهما، لا ينفر من والديه ولا يبتعد عن والديه، بل يجتهد في إيجاد الصلح وفي إيجاد التقارب بينه وبين والديه حتى ولو أساءا إليه، ليتحمل ولينظر إلى حقهما العظيم وليوسط الأخيار من إخوة كبار، أو أخوال أو أعمام أو غيرهم حتى يزول الإشكال وحتى يعود الوئام بين الولد ووالديه، وبين البنت ووالديها، هكذا ينبغي. أما الانقطاع والتباعد عن الوالدين والغفلة عنهما فهذا شره عظيم وعاقبته وخيمة وهو من أعظم العقوق، نسأل الله للجميع الهداية والعافية. 
 
8- من الصور المحزنة يا سماحة الشيخ أن يأنف الشباب من السير مع الآباء، ولاسيما إذا كان الآباء من العوام، أي من أولئك الذين لم يكن لهم فرصة للتعلم والتعليم والثقافة، توجيهكم لهم؟
وهذا أيضاً غلط، الواجب على الولد أن يتواضع وأن يعرف قدر والديه وأن يحمد الله على ما أعطاه من العلم والبصيرة، ويستعين بذلك على توجيه والديه بالحكمة والكلام الطيب، وينبههما على ما قد يخفى عليهما، ويكون في غاية العطف عليهما والذل لهما والإستكانة والتواضع؛ كما أمر الله بذلك سبحانه وتعالى قال: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ.. (الإسراء:24)، فالواجب أن يتواضع لوالديه وأن يعرف قدرهما ولو كانا عاميين، يجب أن يعرف قدرهما وأن يحسن إليهما وأن يعاملهما بالبشاشة والتواضع والكلام الطيب هذا من أهم الواجبات وألا يؤثر عليهما زميلاً أو صديقاً أو غير ذلك، بل يجب أن يعرف حقهما وأن يحسن إليهما في جميع الأوقات ولو قدر أنهما تكلم عليه بعض الاشياء أو انتقداه في بعض الأشياء يبين لهما ما قد يخفى عليهما، ويبصرهما ويستعين بأهل الخير من أقاربه إذا لم ينفع كلامه هو معهما، ليستعن بالأخيار الطيبين من أعمام وأخوال وجيران طيبين وإخوان طيبين حتى يشرحوا للوالدين ما يجب شرحه من حال الولد وحق الولد على والديه من أن يعين على الخير وأن يوجه إلى الخير فالوالدان لهما حق والولد له حق أيضاً فالوالدان لهما أن يعيناه على الخير وألا يثبطاه عن الخير بل عليهما أن يعينياه على الصلاة في الجماعة وعلى صحبة الأخيار وعلى ترك صحبة الأشرار ويعينياه على طلب العلم وعلى كسب الحلال، وهو عليه أن يعرف قدرهما ويحسن إليهما ويتواضع لهما ويبرهما ويؤدي حقهما. رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

845 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply