حلقة 445: رفع اليدين في الصلاة - جلسة الاستراحة - تحريك السبابة في التشهد - طلب الاطلاع على بعض الفتاوى التي تطبع في المجلات - مسألة في الرضاع - توجيه للأخوة الأشقاء عند وقوع الخلاف

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

45 / 50 محاضرة

حلقة 445: رفع اليدين في الصلاة - جلسة الاستراحة - تحريك السبابة في التشهد - طلب الاطلاع على بعض الفتاوى التي تطبع في المجلات - مسألة في الرضاع - توجيه للأخوة الأشقاء عند وقوع الخلاف

1- عندما تقوم في الصلاة كم مرة ترفع يديك؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد دلت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن المشروع للمؤمن في الصلاة أن يرفع يديه في أربعة مواضع، في الرباعية والثلاثية، الأول عند الإحرام، يرفع يديه مع التكبير إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، هكذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- تارة كذا، وتارة كذا، والموضع الثاني عند الركع، يرفع يديه عند قوله: الله أكبر، حيال منكبيه أو حيال أذنيه، والموضع الثالث عند رفعه من الركوع، يرفع يديه عند قوله: سمع الله لمن حمده، إذا كان إماماً أو منفرداً، ويرفع المأموم عند قوله: ربنا ولك الحمد، والموضع الرابع، إذا قام من التشهد الأول، في الرباعية كالظهر والعصر والعشاء وفي الثلاثية كالمغرب، إذا قام إلى الثالثة بعد التشهد الأول، إذا قام إلى الثالثة يقول: الله أكبر رافعاً يديه، كل هذه ثبتت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- من حديث ابن عمر ومن حديث علي -رضي الله عنه-، وبعضها من حديث مالك بن الحويرث، ومن أحاديث أخرى. في الركوع عندما تقول: سمع الله لمن حمده، هل ترفع يديك وتقول ربنا ولك الحمد وتضع يديك فوق الصدر، أي تعيدهما إلى مكانهما السابق -اليدين-؟ نرجو الإفادة. نعم مثلما تقدم، هذا الموضع الثالث، عند الرفع من الركوع، يرفع يديه إذا كان مأموم يقول: ربنا ولك الحمد، وإن كان إماماً أو منفرداً قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال بعدها: ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، يقول هذا الإمام والمأموم والمنفرد، لكن الإمام والمنفرد يختصان بقولهما: سمع لمن حمده، أما ربنا ولك الحمد، .....، هذا مشترك، والمأموم يقول ذلك عند الرفع من الركوع، يقول: ربنا ولك الحمد، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد). ويضع يديه على صدره، إذا رفع من الركوع يعيدهما إلى مكانهما الأول، هذا هو الأفضل والأرجح، يعيدهما إلى مكانهما الأول واضعاً لهما على صدره حتى يخر ساجداً كما كان كذلك قبل الركوع، ومن قال: إنه يرسلهما بعد الركوع فقد خالف السنة.  
 
2- الطمأنينة برهة بعد السجدة الثانية عند القيام إلى الركعة الثانية أو الرابعة هل هي ضرورة من سنة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟
هذه جلسة، تسمى جلسة الاستراحة، بعد الأولى، وبعد الثالثة، بعد الأولى في كل صلاة، وبعد الثالثة في الرباعية، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نهض من الأولى، من السجدة الثانية في الأولى، ومن السجدة الثانية في الثالثة جلس قليلاً، كجلوسه بين السجدتين ثم نهض، هذا هو الغالب من فعله -صلى الله عليه وسلم- وربما ترك ذلك، فدل ذلك على أنها مستحبة وسنة وليست واجبة، وليس فيها ذكر ولا دعاء، بل جلسة خفيفة ثم ينهض إلى الثانية وإلى الرابعة.   
 
3- في التشهد الأخير للصلاة تظل إصبع السبابة تتحرك حتى نسلم، هل هذا ورد عن سنة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم؟
الوارد السبابة أنها واقفة بس، يشير بها إشارة، واقفة وقوفا فيه انحناء هذا هو السنة كما جاء في الأحاديث عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- من حديث ابن عمر، ومن حديث وائل بن حجر، ومن أحاديث أخرى، أما الحركة فقد ورد في بعض الروايات عند الدعاء، وبعض أهل العلم، إن المراد بالحركة الإشارة وهذا لا تخالف كما قاله البيهقي -رحمه الله- قال: "لعل الحركة هي الإشارة"، فلا تخالف بين الروايتين. والإشارة هي بنصب الإصبع السبابة نصباً غير شامل إشارة للتوحيد، إشارة لأن الله -سبحانه- هو الواحد في ذاته وفي أسمائه وصفاته وفي استحقاقه للعبادة -جل علا-، وورد في بعض الروايات أنه ربما حركها عند الدعاء، فإذا حركها عند الدعاء فلا بأس.  
 
4- أخونا مهتم ببعض الفتاوى التي تطبعها بعض المجلات، والواقع أخذ صورة من تلك المجلة وبعث بها، ويرجو أن تتفضلوا بمناقشة ما ورد من فتاوى في تلك المجلة، رأي سماحة الشيخ في هذا؟
لا مانع نطلع عليه إن شاء الله ونجيبه. 
 
5- أنا والدتي أرضعت بنت أخي الأولى، وأخي له عدة أولاد بعد هذه البنت لم يرضعوا من جدتهم، وأردت أن أزوج ابني بنت أخي الذي لم ترضع من جدتها، فالذي رضعت من جدتها هي البنت الأولى، فهل هذا جائز أو لا؟
أما التي رضعت من جدتها فلا، لأنها حينئذ إذا كانت جدتها من أمها تكون خالة للأولاد خالتها، وإن كانت الجدة أم أبيها تكون عمة لأولاد أخوتها، لكن من سواها من البنات الاتي لم يرضعن من الجدة لا حرج في زواج أبناء عمها لها أو أبناء خالها لها.  
 
6- أرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بتوجيه الأشقاء، خاصة عندما ينشأ بينهم خلاف؟
نعم، المشروع للأقارب وللأخوة في الله عند وجود ما يسبب الشحناء والنـزاع أن يتقوا الله، وأن يجتهدوا في حل المشكلات بينهم بالطرق الشرعية، وأن يجتهدوا في السماح والعفو عن حق كل واحد منهم على أخيه، حتى تجتمع القلوب وحتى تتم المودة وحتى يحصل التعاون على الخير هكذا ينبغي لكل مؤمن ولكل مؤمنة، يقول الله -سبحانه-: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[البقرة: 237]، ويقول -عز وجل-: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[الشورى: 40]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، فالتسامح والعفو عن بعض الحق، من صفة الكرام، ومن أخلاق الأفاضل والكرماء والأدباء، الراغبين بما عند الله -سبحانه وتعالى-، ولا يجوز التهاجر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يكذبه ولا يكذب عليه ... الحديث)، فالتهاجر أمر ممنوع لما يفضي إليه من الشر، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (لا هجرة فوق ثلاث)، وفي الحديث الآخر: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، فالمسائل التي تقع بين الأخوة وبين الأسرة وبين الجيران يجب أن تحل بالطرق التي يرضاها الله -عز وجل-، فإن كانت بأسباب كلمة استسمح صاحبها من قالها فيه، من كذبة أو سبة أو غيبة أو نحو ذلك، وإن كانت الشحناء بسبب مال في ذمة أحدهم للآخر، اجتهد في أداء المال وقضاء الدين، أو سامحه في بعضه أو تحمله فيما بينهم، تقاسموه وعفوا عنه كل هذا من شيم الكرام، وإن كان هناك شيء آخر كذلك سعوا في إزالته أو السماح عنه، أو تسليمه إن كان مالاً، فالحاصل أنه ينبغي للأسر والجيران والأصحاب ألا يطيعوا الشيطان في إثارة الشحناء بينهم، وفي غرس جذورها، وفي استمرارها، بل يحاربوه، بل عليهم أن يحاربوه بكل ما استطاعوا من قوة، حتى تعود المياه إلى مجاريها، وحتى تعود القلوب إلى حالها، وحتى تسود المودة بين الجميع، نسأل الله التوفيق والهداية.   
 
7- هنالك عدة تناقضات وتشاؤم في يوم الجمعة عندما تقع يوم عيد، ما هو السبب في هذه التشاؤمات والتردد، مع أن كل الأيام هي أيام الله؟
هذه الأشياء التي أشرت إليها إنما تكون عند جهل وقلة البصيرة، ولا أعلم فيما بلغني عن البلدان التي بلغنا عنها سيرة أهلها أنهم يتشاءمون بالجمعة، فالجمعة هي يوم فاضل، يوم محبوب للمسلمين فيه اجتماعهم، فإذا صادف يوم العيد صار عيد مع عيد، فكيف يكون التشاؤم، هذا شيء غريب، فإذا كان وقع عند السائل في بلاده فهذا يدل على جهل من الذين وقع منهم، وقلة بصيرة، فيوم الجمعة يوم عيد، فإذا صادف عيد الفطر أو يوم عيد الأضحى، فقد اجتمع عيدان، فالمطلوب السرور فيهما والفرح فيهما، وعمل ما شرعه الله فيهما، أما التشاؤم بذلك فهذا شيء منكر لا وجه له ولا سبب له، فهما يومان عظيمان فاضلان اجتمعا فيهما خير عظيم، وفيهما اجتماع على طاعة الله وعبادته واستماع الخطبة، فأي وجه لهذه التشاؤم؟ لا وجه لذلك، فهو أمر باطل، وأمر منكر، لا وجه له.   
 
8- في جدران غرفتي من الداخل توجد بعض من اللوحات المرسومة باليد وهي مختلفة الأشكال، في ذات يوم نظر إليها أحد الشيوخ فقال لي: أنزلهن جمعياً! فقلت: ما السبب؟ قال: اسأل من هو أدرى مني، ولكن أعرف أنها تقلل الرحمة من المنـزل؟ أرجو إفادتي أفادكم الله.
هذا شيء فيه تفصيل، إن كانت اللوحات هذه فيها صور فقد صدق من قال لك: انزلها، فالصور لا تعلق ولا يجوز تعليقها، وقد أزالها النبي -صلى الله عليه وسلم- من جدران الكعبة لما دخل الكعبة عام الفتح، فوجد فيها صور في الجدران محاها بالماء -عليه الصلاة والسلام- ومسحها بثوب حتى أزالها، وكسر الأصنام التي حول الكعبة، ولما جاء من سفر في بعض الأحيان، كان عند عائشة ستراً على بعض حجرها هتكه، وغضب، وقال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون)، يدل على تحريمها، بقاء الستور واللوحات التي فيها الصور، بل يجب أن تزال، أما إن كانت الألواح ما فيها إلا آيات، أو أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صحيحة، أو أشعار طيبة، فلا حرج في ذلك، القول الصواب أنه لا حرج في ذلك أن يعلق لوح فيه آيات أو أحاديث صحيحة، أو كلمات طيبة، من باب التذكير للداخل، ومن باب التذكير للجلساء ليستفيدوا، ليس هناك قصد سوى هذا فلا بأس.   
 
9- يسأل عن تفسير قوله تعالى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[التوبة: 1]؟
هذه الآية نزلت في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد عاهد بعض المشركين، إلى مدد معلومة، وبعضهم بينه وبينهم عهد مطلق، وبعضهم لا عهد له، فأنزل الله هذه الآية فيها البراءة من المشركين، وفيها نبذ العهود إليهم، ولهذا قال –سبحانه-: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ..... الآية[التوبة:1-2]، والله أمره -جل وعلا- أن يتبرأ منهم ومن كان له عهد فهو إلى مدته، ومن كان عهده مطلق أو لا عهد له، جعل الله له أربعة أشهر، وبعث الصديق -رضي الله عنه-، وعلي -رضي الله عنه- ومن معهما في عام تسع من الهجرة ينادون في الموسم، من كان له عهد عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو على مدته، ومن لم يكن له عهد أو له عهد مطلق فله أربعة أشهر، بعدها، يكون حرباً للرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يدخل في الإسلام، فهذا هو معنى الآية عند أهل العلم.  
 
10- يسأل عن تفسير الآية الرابعة من السورة الكريمة: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة: 1]؟
على ظاهرها، الذين لهم عهد، أمره الله أن يتم عهدهم لهم، ما لم يغيروا وينقضوا العهد، أو يظاهروا أعداء المؤمنين، فإن ظاهروهم وجب قتالهم، وإذا نقضوا العهد كذلك، ولهذا لما ساعدت قريش بني بكر، على خزاعة، انتقض عهد قريش، فحاربهم النبي -صلى الله عليه وسلم- غزى مكة وفتحها عام ثمانية للهجرة لنقضهم العهد، لأن خزاعة كانت في حلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعهده، وكانت بنو بكر في عهد قريش وحلفهم، فهجمت بنو بكر خزاعة يعني تعدت عليهم، وأتوهم بغتة، هجموا عليهم بغتة فجأة وقاتلوهم وهم في حلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستنجدوا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- طلبوا منه أن ينصرهم فوعدهم النصر، وكانت قريش قد ساعدتهم بالمال والسلاح، ولهذا غزاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وفتح الله عليه مكة، لنقضهم العهد، وكان قد عاهدهم عشر سنين، فلما نقضوا العهد بمساعدتهم بني بكر، انتقض عهدهم، وغزاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وفتح الله عليه.   
 
11- يرجو شرح هذا الحديث، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله).
هذا الحديث صحيح، رواه الشيخان، البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت النبي يقول -عليه الصلاة والسلام-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله -عز وجل-)، وهذا على ظاهره فإن من أتى بالشهادتين وهي لا يأت بها قبل ذلك، وأقام الصلاة وآتى الزكاة فإنه مسلم، يعتبر مسلماً حرام الدم والمال، إلا بحق الإسلام، إلا ما يوجبه الإسلام عليه، بعد ذلك، كأن يزني فيقام عليه حد الزنى، إن كان بكراً بالجلد والتغريب، وإن كان ثيباً بالرجم، الذي ينهي حياته، وهكذا بقية أمور الإسلام يطالب بها، هذا الذي أسلم وفعل هذه الشهادة وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فيطالب بحقوق الإسلام وهو معصوم، معصوم الدم والمال، إلا أن يأتي بناقض من نواقض الإسلام، وهكذا قوله في الحديث الآخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)، هذا الحديث مثل ذاك الحديث، من أتى بالتوحيد والإيمان بالرسالة فقد دخل في الإسلام، ثم يطالب بحق الإسلام، يطالب بالصلاة بالزكاة والصيام والحج وغير ذلك، فإن أدى ما أوجب الله عليه فهو المسلم حقاً وإن امتنع من شيء أخذ بحق الله منه، وأجبر وألزم بحقوق الله التي ....... على عباده، وهذا هو الواجب على جميع من دخل في الإسلام، أن يلتزم بحق الإسلام، فإن لم يلتزم أخذ بحق الإسلام.  
 
12- كتب حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الدين النصيحة كتبه بالمعنى، ارجوا من سماحة الشيخ أن يتفضل بشرح ذلكم الحديث أيضا حسب طلبه
هذا حديث عظيم، رواه مسلم في الصحيح، من حديث تميم الداري وله شواهد عند غير مسلم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)، وهو حديث عظيم، يدل على أن الدين هو النصيحة، وذلك يدل على عظم شأنها، لأنه جعلها الدين، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الحج عرفة)، فيدل هذا الحديث على أن النصيحة هي الدين، وهي الإخلاص في الشيء والصدق فيه، حتى يؤدى كما أوجب الله، فالدين هو النصيحة في جميع ما أوجب الله، وفي ترك ما حرم الله، وهذا عام، يعم حق الله وحق الرسول وحق القرآن وحق الأئمة وحق العامة. والنصيحة كما تقدم هي الإخلاص في الشيء والعناية به والحرص على أن يؤدى كاملاً تاماً لا غش فيه ولا خيانة، يقال في لغة العرب: ذهب ناصح، يعني ليس فيه غش، ويقولون أيضاً: عسل ناصح، يعني ليس فيه غش، فهكذا يجب أن يكون المؤمن في أعماله ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، هكذا. فالنصيحة لله توحيده -سبحانه- والإخلاص له، وصرف العبادة له -جل وعلا-، من صلاة وصوم وحج وجهاد وغير ذلك، يعني أن يعمل في غاية من الإخلاص لله، لا يعبد معه سواه، بل يعبده وحده، وينصح في هذه العبادة ويكملها، وهكذا ينصح في أداء ما فرض، وترك ما حرم الله عليه، يؤده كاملاً، لعلمه أنه حق الله، وأن الله أوجبه عليه، فهو يخلص في ذلك ويعتني بذلك، وهكذا في حق القرآن يتدبره ويتعقله ويعمل بما فيه من الأوامر وينتهي عن النواهي، فهو كتاب الله العظيم وحبله المتين، فالواجب العناية بالنصح بكتاب الله: وذلك بحفظ الأوامر وترك النواهي، والوقوف عند الحدود، حتى لا تخل بشيء مما أمر الله بالقرآن، وحتى لا ترتكب شيئاً من محارم الله، مع الإيمان بأنه كلام الله منـزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، هذا قول أهل السنة والجماعة قاطبة، كلام الله نزل على رسوله -عليه الصلاة والسلام-، كما قال -سبحانه-: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ[الشعراء: 193-194]، فالمؤمن يؤمن بهذا، وهكذا المؤمنة، ويعتقد أنه كلام الله منـزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، خلافاً للجهمية ومن سلك في ركابهم من المبتدعة، وهكذا النصح للرسول -صلى الله عليه وسلم- بطاعة أوامره وترك نواهيه، والإيمان بأنه رسول الله حقاً، والدفاع عن سنته والذب عنها، كل هذا من النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم، كونه يعتني بأحاديثه، ويعرف صحيحها من سقيمها، ويذب عنها، ويتمثلها، ويقف عند الحدود التي حددتها السنة، كل هذا من النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم. ومن زاد على ذلك من أداءه الواجبات وتركه المحارم كان كمالاً للنصيحة وتماماً لها، فالحاصل أنه بعنايته لما أمر الله به ورسوله، ومما دل عليه كتاب الله من الحقوق يكون قد نصح لله ولكتابه ولرسوله بأداء فرائض الله وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله، والإكثار من الثناء عليه وذكره سبحانه وخشيته جل وعلا، كل هذا من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله. 

734 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply