حلقة 457: حكم ذهاب المرأة للعزاء - مواساة أهل الميت بالمال - حكم تمني الموت لمرض أصاب الإنسان - مدى صحة الحديث (صلِّ خلف كل بر وفاجر) - من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره - حكم الوعظ في المقبرة - حكم الصلاة بالتيمم

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

7 / 50 محاضرة

حلقة 457: حكم ذهاب المرأة للعزاء - مواساة أهل الميت بالمال - حكم تمني الموت لمرض أصاب الإنسان - مدى صحة الحديث (صلِّ خلف كل بر وفاجر) - من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره - حكم الوعظ في المقبرة - حكم الصلاة بالتيمم

1- هل من السنة أن تذهب زوجتي للعزاء داخل القرية وخارجها في القرى المجاورة لنا بالسيارة مع النساء؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فلا مانع من ذهاب زوجتك أيها السائل لتعزية إخوانها وأقاربها في القرية لا بأس في ذلك مع النساء، إلا إذا كان المحل بعيداً يسمى سفراً فلا بد من محرم، أما إذا كان القرية أو ما يعد تابعاً للقرية فهذا لا بأٍس به، ولو كان ليس معها محرم، يكفي النساء معها. والتعزية مستحبة للرجال والنساء لأقاربهم ولجيرانهم ولأحبابهم، لأن المصيبة لها أثر في النفوس فالتعزية مشروعة.  
 
2- هل يشرع مواساة أهل العزاء بالمال؟
نعم، يشرع إذا كانوا فقراء ومحاويج يشرع أن يواسوا، إذا كان عميدهم الذي ينفق عليهم توفي وليس وراءهم من يقوم بحالهم وهم محتاجون فيما يعلمه المحسن إليهم فلا بأس، يشرع لهم، يشرع لجيرانهم ولأقاربهم أن يواسوهم سواءٌ وقت الموت أو بعد الموت بمدة على حسب الحال، أما أن يساعدوهم على إقامة مأتم فلا، لكن يساعدوهم لفقرهم بمال بطعام بملابس لا بأس، لكن على وجه لا يكون فيه إعانة على منكر.  
 
3- هل للشخص أن يتمنى الموت لوجع أصابه؟
ليس له ذلك؛ لأن الرسول نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت عنه في الصحيحين من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به، فإن كان لا محالة فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)، هذا لا بأس يقول: "اللهم أحييني إذا كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" أما أن يقول: اللهم أمتني، اللهم عجل موتي، اللهم عجل وفاتي، لا، ليس له ذلك؛ لأن عمره لا يزيده إلا خيراً، قد تكون حياته فيها خيرٌ له، قد تمر عليه ساعات يكتسب فيها عملاً صالحاً، يقرأ قرآناً يسبح الله ويصلي يتصدق إلى غير هذا من وجوه الخير، فكل ساعة تمر بالمؤمن أو المؤمنة وكل دقيقة تمر بالمؤمن والمؤمنة ينتفع بها، ولو بقوله: سبحان الله أو الحمد لله أو الله أكبر أو لا إله إلا الله أو أستغفر الله؛ ولهذا في اللفظ الآخر من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، فإن عمر المؤمن لا يزيده إلا خيراً)، فعمر المؤمن لا يزيده إلا خيراً، فيما يكتسبه من الخير، من صلوات صدقات تسبيح تحميد تهليل قراءة قرآن استغفار، إلى غير هذا من وجوه الخير.  
 
4- (صلِّ خلف كل بر وفاجر) هل هذا حديث صحيح، وإذا كان كذلك فنرجو الشرح والتوضيح؟
الحديث ليس بصحيح، ضعيف عند أهل العلم، لكن معناه صحيح، عند أهل العلم أنه يصلى خلف كل بر وفاجر، هذا هو الصواب، فأنت تصلي خلف الأمراء وتجاهد معهم وإن كانوا أهل معاصٍ، وتصلي خلف أئمة المساجد وإن كان فيهم معصية، لكن لا تصلي خلف الكافر، إذا كان كافراً يعبد الأوثان يدعو الأموات يستغيث بالأموات يسب الدين، فهذا لا يصلى خلفه، لكن مادام عنده معاصٍ لكنه مسلم فيصلَّى خلفه ويُجاهَد معه إذا كان أميراً في جهاد الكفار.  
 
5- من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، هل ولو كان يقر البدع؟
نعم، إذا كانت بدعه لا تكفره، البدعة لا تكفره البدعة تعتبر معصية لا تعبر كفراً أكبر فيصلى خلفه، أما إذا كانت بدعته تكفره كالذي يعبد الأموات ويستغيث بالأموات فهذا يسمى بدعة وهو شرك أكبر؛ فهذا لا يصلى خلفه، وهكذا إذا كانت البدعة تتضمن كفراً مثل بدعة أهل وحدة الوجود الذين يقولون: ليس هناك عابد ومعبود بل يرون عين الإله المعبود هو عين المخلوق!! وهذا كفر أكبر، نعوذ بالله. فالحاصل أن البدع التي لا تكفر يصلى خلف صاحبها، وإذا هُجر حتى يتوب حسن هذا حسن، كونه يُهجر ويصلى خلف غيره حتى يتوب لعله يتوب هذا طيب، لكن لو صلى خلفه وهو ليس بكافر فإن الصلاة صحيحة كما يُصلَّى خلف العاصي، في أصح قولي العلماء رحمة الله عليهم، وصلى بعض الصحابة كابن عمر -رضي الله عنه- خلف الحجاج بن يوسف الثقفي الظالم وهو من أظلم الناس وأفسقهم، وصلى خلفه جم غفير من السلف الصالح في الحج فلا بأس.  
 
6- هل من السنة الوعظ في المقبرة لجمع المشيعين؟
إذا تيسر ذلك فهو حسن، إذا تيسر وعظهم وتيسر من يصغي له ويستفيد فهو مستحب، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وعظ الناس في المقبرة، لما أتوا إلى قبر ولما يلحد وجلس مع أصحابه ذكرهم عليه الصلاة والسلام وبين لهم حال العبد إذا وضع في قبره، وسألوه عن القَدَر وقالوا: هل نعمل في أمر مضى أو في أمر مستأنف؟ فقال: (في أمر مضى)، فقالوا يا رسول الله: كيف العمل ونحن قد فرغ من أمرنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، ثم تلا قوله سبحانه: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (5-10 الليل)، فالمقصود أنه -صلى الله عليه وسلم - ذكَّرهم وتلا عليهم بعض الأحاديث عليه الصلاة والسلام، فإذا تيسر تذكير الحاضرين ووعظهم فلا بأس بذلك، حسن إن شاء الله.  
 
7- أنا شاب أبلغ من العمر السادسة والعشرين، حصل لي حادث منذ ثلاث سنوات، ومن بعدها لم أستطع أن أتحكم بالخروج، مع ذلك حصل لي أيضاً شلل نسبي، هل يجوز لي أن أقرأ القرآن وأصلي بالتيمم، وهل يصلح التيمم على جدار المنزل؟
هذا السؤال مجمل، فإذا كان مراد السائل أنه لا يستمسك البول فإنه يصلي على حسب حاله، ويصلي بالتيمم، وهكذا إذا أصابه الشلل فصار لا يستمسك بوله بل يخرج فإنه يستنجي إذا دخل الوقت يتوضأ إذا دخل الوقت مثل المستحاضة، إذا دخل الوقت استنجى وتوضأ وضوء الصلاة ثم صلى ولو خرج شيء، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.. (16) سورة التغابن، لكن يتحفَّظ بأن يعصب على ذكره شيئاً حتى يخفف عنه النجاسة، كالمستحاضة تجعل في فرجها شيء يسد الدم في وقت الاستحاضة، وهو الدم الذي يجيء معها دائماً غير الحيض، فهذا والمستحاضة وأشباههم الواجب عليهم أنهم يستعملوا ما يخفف الخارج من قطن ونحوه ويتوضأ الواحد منهم إذا دخل الوقت، يستنجي ثم يتوضأ وضوء الصلاة ثم يصلي على حسب حاله، وإذا كان معه ما يمنع الوضوء لأن معه مرضاً يشق معه الماء فإنه يتيمم، يضرب التراب بيديه أو الجدار الذي فيه تراب يحكه فيضرب التراب ويمسح به وجهه كفيه، إذا كان وجد على الجدار جدار لبن إذا حكه وفيه غبار ضربه وإلا ضرب الأرض، هذا إذا عجز عن الماء.  
 
8- والدي حلف يميناً على عدم إدخال الفيديو في البيت، ونظراً لحالتي فقد أدخلت الفيديو دون علمه، ما الحكم؟
أولاً أنت عاصٍ في هذا الحال؛ لأن الواجب عليك طاعة والديك في المعروف، وهذا من المعروف، والفيديو لا يأتي بالخير لا يأتي بخير لا يأتي إلا بالشر، لأن الغالب على الفيديو أن يكون فيه الصور الخليعة والأغاني والملاهي، فليس لك أن تدخله حتى ولو كان سليماً، عليك أن تطيع والدك من باب سد الذريعة، فأنت عاصٍ بهذا وعليك التوبة إلى الله، وإخراج الفيديو، والوالد ليس عليه كفارة لأنه لم يعلم، لكن أنت العاصي وأنت الذي عليك التوبة إلى الله وإخراج الفيديو من البيت طاعةً لأبيك، وحذراً من شر الفيديو لأنه في الغالب لا يسلم أن يكون فيه ما يغضب الله من الصور الخليعة، والكلام المحرم والأغاني المنكرة، ونحو ذلك، نسأل الله لنا ولك الهداية.  
 
9- هل من الجائز أن يدعو الإنسان ربه لكي يبعده عن الفتن والابتلاء في الدين أو النفس أو المال أو الولد، رغم أنه قد جاء في كتابه العزيز قوله تعالى: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)) [العنكبوت:2]، وأيضاً قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155]^ وقوله تعالى على لسان بعض المنافقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند الخروج لبعض الغزوات: ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [التوبة:49]^ صدق الله العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله؟
نعم، لك أن تسأل، ولك أن تتعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ومن مضلات الفتن، فقد تعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفتن وصح ذلك عنه عليه الصلاة والسلام، فكونها تقع لا يمنع من التعوذ منها، هي تقع، وبعض الناس يضل بالفتنة ويهلك، فلا مانع من أن تسأل ربك تقول: اللهم أعذني من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعذني من مضلات الفتن، اللهم أعذني من الفتن بمالي وبولدي، تسأل ربك العافية من هذه الفتن، فالأموال فتنة والولد فتنة وبعض الزوجات وبعض الأقارب فتنة، فأنت تسأل ربك العافية، فقد تفتن بولدك فتضل بسببه، وقد تفتن بمالك فتضل بسببه، وقد تفتن بزوجتك فتضل بسببها، وقد تفتن بأصدقائك فتضل بسببهم، إلى غير ذلك، فسؤال الله العافية من الفتن أمر مطلوب شرعاً.  
 
10- في مرة من المرَّات حلفت على زوجتي وقلت: إذا استعملت أي نوع من العطور أو الحناء والتي تستعمل بالعطور أو جاملتِ بها لإحدى النساء وذلك أثناء وجودي بالشقة التي نسكنها فإنكِ تكوني طالق، ولم أتخذ هذا القرار إلا بعد جهد وتكرار ومحاولات لإقناعها؛ لتترك استعمالها أثناء وجودي، حيث أن هذه العطور والروائح تسبب لي صداعاً ومضايقات شديدة، علماً بأن الشقة لا تتسرب منها رائحة العطور بسرعة، وبعد مضي عدة أشهر نسيت زوجتي بهذا الحلف وأخذت زجاجة عطر وفتحتها وأدخلت أصبعها داخل الزجاجة ومسحت بها، وبعد ذلك تذكرت بالحلف وأسرعت إلى مكان آخر وأخبرتني بذلك، علماً بأنني كنت نائماً داخل المنزل، أرجو من سماحتكم إفادتي عما حدث مني جزاكم الله خيراً
إذا كانت المرأة فعلت ذلك نسياناً كما قلت في السؤال فليس عليك شيء، وليس عليها شيء، يقول الله سبحانه: ..رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا.. (286) سورة البقرة، وصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الله قال: (قد فعلت)، فالناسي ليس عليه شيء، والحمد لله، أما إن تعمدت ذلك وأنت تقصد منعها ولا تقصد فراقها وإنما قصدت منعها وتخويفها فإذا فعلت ذلك عمداً فعليك كفارة يمين، ولا يقع الطلاق، إذا كان المقصود منعها وتخويفها وتحذيرها، أما إن كان المقصود إيقاع الطلاق إذا فعلت فإنها إذا فعلت ذلك عمداً يقع طلقة واحدة بهذا الكلام الذي قلت، وإن كان عن نسيان فإنه لا يقع شيء، والحمد لله.  
 
11- (إن المؤمن إذا دعا ربه قال الله سبحانه وتعالى: يا جبريل! خلِّ دعاءه عندي، والكافر إذا دعا قال: يا جبريل اقضِ حاجته إني لا أحب أن أسمع صوته)، أجيبونا على هذا، جزاكم الله خيراً.
ما أعلم لهذا الحديث أصلاً، فالذي يظهر لي أنه موضوع لا صحة له ولا أساس له، دعاء الكافر لا يُرفع إلا أن يكون مظلوماً، فالمظلوم قد وعد بالإجابة، مثل ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، فالمقصود أن هذا الحديث الذي سألت عنه وهو أن دعاء المؤمن يقول الله: اتركه عندي، ودعاء الكافر تقضى حاجته في الحال فهذا لا أساس له.  
 
12- هنالك بعض الناس يقولون: إن الجنة عرضها السماء والأرض، يقولون أيضاً: أين تكون النار؟ وعندما تقول لهم: إذا أتى الليل أين يكون النهار؟ يقولون: إذا كان الليل في السودان مثلاً يكون النهار في أوروبا وأمريكا مثلاً، أفيدونا عن هذا، جزاكم الله خيراً.
الله سبحانه يقول: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ.. (21) سورة الحديد، وفي الآية الأخرى: ..عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ.. (133) سورة آل عمران، فليس بين هذا منافاة وبين الأرض، الجنة في السماء فوق السماوات السبع، فالجنة فوق، والله يخبر عن عرضها، فهي واسعة جداً وعظيمة جداً والأرض في أسفل، فلا منافاة بين هذا وهذا، فالله أخبر عن عرضها أن عرضها السماوات والأرض وهي فوق السماء السابعة، وسقفها عرش الرحمن كما جاءت به الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والأرض أسفل فهذه في مكان وهذه في مكان ولا منافاة بين هذا وهذا.  
 
13- يقول بعض الناس: كيف الله لا يهديك إلى الإسلام ويدخلك النار؟
الله حكيم عليم سبحانه وتعالى، خلق خلقاً إلى الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم، قدر أعمالهم، وخلق خلقاً آخرين إلى النار وقدر أعمالهم، وهو الحكيم العليم سبحانه وتعالى، فالذين قدرهم أنهم من الجنة يوفقون لأعمال أهل الجنة، والذين كتب الله أنهم من أهل النار يسيرون لأعمال أهل النار ويعملون بذلك، كما قال عز وجل: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (5-10 الليل)، فالجنة أهلها معلومون والنار أهلها معلومون، وكلٌ ميسر لما خلق له، وقد مضى في علم الله وقدره السابق كتابة هؤلاء وكتابة هؤلاء، وكل ميسر لما كتب الله له، كلٌ له مشيئة وله اختيار وله إرادة وله عمل، هذا يعمل بعمل أهل الجنة فيكون لها، وهذا يعمل بعمل أهل النار فيكون بالنار، وقدر الله سابق للجميع وحجته غالبة قائمة سبحانه وتعالى، وهو لا يعذب أحداً إلا بعمله لا بمجرد القدر القدر سابق، لا يقع في علم الله إلا ما يريد سبحانه وتعالى ولا يقع في ملكه غير ما يريد، فقد مضى علمه وقدره. لكن هؤلاء الناس منهم من يعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ومنهم من يعمل بعمل أهل النار فيدخلها بمشيئته وإرادته واختياره، كما أنه يأكل باختياره ويشرب باختياره ويزور من يشاء باختياره ويخرج ويدخل باختياره، هكذا يفعل المعصية باختياره، يشرك باختياره يزني باختياره يعق والديه يزني يشرب الخمر بأعمال يختارها هو، كما أنه يصلي ويصوم ويتصدق باختياره، فكما يثاب على هذه الطاعات يعاقب على هذه المعاصي، إلا أن يعفو الله عنه إذا كان مسلماً فقد يعفى عن بعض سيئاته لحسنات فعلها ولأعمال صالحة قدمها، قد يعفو الله عنه فضلاً منه وإحساناً وقد يعاقب على بعض السيئات التي يموت عليها ولم يتب، لكن كل شيء بقدره، القدر الماضي، ولا حجة في القدر لأن العبد له مشيئة وله اختيار وله إرادة وله عمل يستحق الثواب عليه والعقاب عليه.  
 
14- ما رأيكم في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ولقد تكرر في قول الناس أن بعض العلماء أجازوه، ويقومون به!
الاحتفال بالمولد ليس له أصل، بل هو من البدع التي أحدثها الناس في القرن الرابع وما بعده، والمشهور أن أول من أحدثه الطائفة المشهورة الذين يقال لهم الفاطميون، وهم حكام المغرب ومصر في المائة الرابعة والخامسة، أحدثوه في المائة الرابعة باسم علي والحسن والحسين وفاطمة، واسم النبي -صلى الله عليه وسلم-، واسم حاكمهم، ثم انتشر بعدهم، ولم يكن هذا في القرون المفضلة، ولا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلهذا ذكر المحققون من أهل العلم أنه بدعة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، يعني فهو مردود، ولا عبرة بما يفعله اليوم بكثرتهم لأنهم توارثوا هذا عن أسلافهم، والقاعدة التي درج عليها العامة والكفرة قبل النبي -صلى الله عليه وسلم-: ..إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) سورة الزخرف، فليس في اتباع الآباء حجة إذا كان عملهم ليس على أساس متين ليس على دليل، كما أن أعمال الكفار ليست حجة؛ ولهذا أنكر الله عليهم ذلك وأمرهم باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يجعل لهم عذراً في اتباع أسلافهم، بل عابهم على ذلك، فأنت أيها المؤمن كذلك، ليس لك أن تتبع أباك ولا جدك ولا أهل بلدك إلا فيما شرعه الله، أما ما نهى الله عنه فليس لك أن تتبعهم ولو كثروا، ولو أن أهل بلدك صاروا يشربون الخمر، فليس لك أن تفعله معهم، ولو كانوا يزنون كذلك، ولو كانوا يعقون والديهم ليس لك أن تفعل مثلهم، وهكذا إذا فعلوا البدع ليس لك أن تتبعهم، بل تدعوا لهم بالهداية، تنصحهم توجهم إلى الخير، ولا تفعل معهم ما حرم الله من البدعة، كما أنك لا يجوز لك أن تفعله معهم الزنا أو الخمر أو العقوق أو الربا أو ما أشبه ذلك. 

2K مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply