حلقة 786: الوفاء بالنذر - أحق الشروط وفاءا ما استحلت به الفروج - كلمة حول تيسير أمر الزواج - الفارق بين المكلف وغير المكلف - وجوب المبادرة إلى صلاة الجماعة - تفسير قوله (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ)

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

35 / 49 محاضرة

حلقة 786: الوفاء بالنذر - أحق الشروط وفاءا ما استحلت به الفروج - كلمة حول تيسير أمر الزواج - الفارق بين المكلف وغير المكلف - وجوب المبادرة إلى صلاة الجماعة - تفسير قوله (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ)

1-   امرأة سافر زوجها، فنذرت أن تصوم ثلاثة أشهر متتابعة عند عودته، وأن تذبح ثلاث ذبائح، وبعد عودته من السفر لم تفِ بالنذر، ومضى الآن ما يقارب السنة، ونظراً لظروفها ورعاية أطفالها لم تستطع صوم ثلاثة أشهر متتابعة ولا أن تذبح الذبائح، وسؤالها: ماذا عليها أن تفعل؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعـد: فالواجب على هذه الناذرة الوفاء بنذرها من الصوم، والذبائح؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، وقد مدح الموفين بالنذر فقال سبحانه: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) (7) سورة الإنسان. وذلك من صفات أهل الإيمان والتقوى، الوفاء بنذر الطاعة، فعليها أن تصوم ثلاثة أشهر متتابعة وعليها أن تذبح ثلاث ذبائح عند القدرة، والشيء في ذمتها، يبقى في ذمتها، حتى تقدر، فإذا قدرت للذبائح ذبحتها، ولو متفرقة، كل وقت واحدة، توزع للفقراء والمحاويج، ومتى استطاعت الصوم تصوم في الوقت الذي تستطيع، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، يقول سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (16) سورة التغابن. فإذا استطاعت الصيام صامت، وإلا فيبقى في ذمتها معلقاً إلى أن تقدر، وهكذا الذبائح، ونوصي الناذرة وغيرها بعدم العودة إلى النذر، الذي نذر لا ينبغي يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيء، وإنما يستخرج به من البخيل)، فالوصية للجميع، لجميع من يستمع لهذا البرنامج الوصية للجميع عدم النذر، بجميع أشكاله، النذر لا يرد قدراً ولا يأتي بخير، ولكن يستخرج من البخيل. لكن من نذر طاعةً لله فليوف بنذره، من نذر أن يطيع الله فليطعه. وفق الله الجميع.  
 
2- يقول : إنه تكلف مبلغاً كبيراً في الزواج، ورغم مضي فترة طويلة إلا أنه لم يستطع تسديد ما بقي عليه من المهر لأب زوجته، ويسأل: هل عليه أن يفي بكل ما كان في ذلكم العقد، وهل لعمه أن يطالبه شرعاً بدفع ذلك المبلغ؟
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج). فالواجب عليك أن تؤدي ما التزمت به، وما شرط عليك من المال إلا أن يسمح والدها ويتحمل، أو تسمح هي عن حقها، فإذا سمحت، أو سمح والدها فالحمد لله، أما ما داما يطالبان بالحق، فعليك أن توفي إذا استطعت، (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (16) سورة التغابن. يقول الله سبحانه: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) (280) سورة البقرة. إذا كنت معسراً يجب عليهما إنظارك أما إن كنت موسراً فالواجب عليك أن تؤدي ما التزمت به واستحللت به فرج المرأة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج). متفق على صحته، وفق الله الجميع.    
 
3-  لعل المستمع ينتظر كلمة من سماحتكم حول تيسير أمر الزواج؟
الزواج قد تم، إنما عليه الآن الوفاء بما التزم لكن نوصي غيره بتسهيل المهور وعدم التكلف، ينبغي للمؤمن أن لا يتكلف، أبو المرأة وأخوها وكذلك هي و أمها، ينبغي لهم التسامح في الأمور، وعدم التشديد، وأن تكون المهور على حسب حال الزوج لا يكلف ما لا يطيق، بل ينبغي التخفيف والتيسر في المهور، وفي الولائم أيضاً.   
 
4-   هناك رجل ضعيف العقل، ولكنه ليس مجنوناً إلا أنه لا يستطيع التمييز بين أشياء كثيرة، فهو لا يستطيع العد من واحد إلى عشرة -مثلاً- مهما حاولنا معه، هل يجب على مثل هذا الرجل الصيام، والصلاة وضبطها عليه، حيث أنه يكلف ببعض الأعمال مما يؤدي إلى عطشه، كالرعي؟
إذا كان يعقل أن الله أوجب عليه الصوم، والصلاة يفهم أنه خلق ليعبد الله، يميز فيما يتعلق بماله في ضبط ماله، وفي تصرفاته في ماله، فهذا من العقلاء يلزمه أن يؤدي ما أوجب الله عليه من صلاةٍ، وغيرها، أما إن كان عقله قد اختل ، وتبين خلل عقله وأنه من جملة المعتوهين الذين ليس لهم عقل يميزون به بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين ماله ومال غيره ونحو ذلك، فالعاقل بين إن كان عاقلاً فعليه التكاليف، وإن كان غير عاقل سقطت عنه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ). فالذي يشبه المجنون؛ لعدم ضبطه الأمور، وعدم حسن التصرف لأن عقله مفقود فلا تكليف عليه. إذا ً هذا هو الفارق بين المكلف، وغير المكلف؟ نعم.    
 
5-  إذا كنت أبعد عن المسجد مسافة ربع ساعة، إلا أني أسمع النداء بواسطة مكبرات الصوت، فهل علي إثم إن صليت في البيت جماعة مع إخوتي؟
ينبغي لك أن تسارع إلى الصلاة في المسجد، وأن تستعين بالله بالأقدام، أو بالسيارة، وأبشر بالخير العظيم؛ لأن الربع الساعة ليست بالكثير بالنسبة إلى أصحاب السيارات، وأصحاب القوة، أما إذا كنت يشق عليك ذلك؛ لكبر السن ونحو ذلك فلا بأس. والاعتبار ليس بصوت المكبر، ولكن بصوت المؤذن العادي، فإذا كان صوت المؤذن العادي يسمع في مكانكم عند هدوء الأصوات، وعدم وجود المشوشات وجب عليكم السعي؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر). قيل لابن عباس ما هو العذر؟ قال خوف، أو مرض. وجاءه -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى يقول يا رسول الله : هل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؛ لأنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد؟، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: (هل تسمع النداء للصلاة ؟ قال : نعم، قال : فأجب). فالواجب عليكم أن تجيبوا وأن تحضروا في المساجد إذا استطعتم ذلك، أما إذا لم تستطيعوا ذلك؛ لبعد المكان كما ذكرتم، أو لمرض، أو لخوف، فأنت معذورون في الصلاة في البيت، نسأل الله للجميع التوفيق، والإعانة. إذا لم يكن صاحب سيارة، هل تنصحونه بالاستئجار؟ ما دام لا يسمع صوت المؤذن لو كان بدون مكبر ما يلزمه، إذا كان صوت العادي، المؤذن العادي المعروف لو أذن ما سمعوه في محلهم؛ لبعدهم فلا حرج عليهم في الصلاة بالبيت، لكن إذا تجشموا المشقة وصبروا، وتحملوا هذا خير لهم وأصلح.  
 
6-   يسأل شرح حديث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، رواه مسلم، أرجو أن يتفضل سماحتكم بشرح هذا الحديث؟
هذا الحديث من أوضح الواضحات لا يحتاج إلى شرح يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)، يعني ينقطع عمله الذي يجري عليه بعد الموت إلا من هذه الثلاث: (صدقة جارية) قد وقف لها هو، وقف مسجد يصلى فيه، أو عمارة تؤجر، ويتصدق بأجرتها، أو أرضٍ زراعية يتصدق بما يحصل منها، أو ما أشبه ذلك. فهذه صدقة جارية يجري عليه أجرها بعد وفاته، ما دامت تنتفع بها الناس، (أو علم ينتفع به)، إما كتب ألفها، وانتفع بها الناس، أو اشتراها، ووقفها وانتفع بها الناس من كتب الإسلامية النافعة، أو نشره بين الناس وانتفع به المسلمون وتعلموا منه، وتعلم بقية الناس من تلاميذه، فهذا علم ينفعه، فإن العلم الذي مع تلاميذه، ونشره بين الناس ينفعه الله به أيضاً كما ينفعهم أيضاً، وهكذا الولد الصالح الذي يدعو له تنفعه دعوة ولده الصالح، كما تنفع دعوة المسلمين أيضاً، وإذا دعا له إخوانه، أو تصدقوا عنه نفعه ذلك.    
 
7-    يسأل تفسير بعض الآيات: ففي سؤاله الأول يسأل عن تفسير قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (( أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ))[سبأ:11]؟
هذا توجيه من الله سبحانه إلى داود عليه الصلاة والسلام أن يعمل السابغات وهي الدروع التي تلبس في الحرب، وأن يقدر في السرد يعني حلق الدرع تكون الحلقة بقدر ما يدخل فيها حتى لا يسقط الدرع فهو تعليم من الله -جل وعلا- لداود أن يحسن صناعة السابغات التي هي الدروع التي ينتفع الناس حتى يستفيد منها الناس وينتفعون بها في الجهاد ثم أمره بالعمل الصالح ، العمل الصالح يشمل جميع طاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله. فالمؤمن مأمور بالعمل الصالح وهو ترك معصية الله والقيام بأمر الله من شرع -سبحانه وتعالى-، هذا هو المشروع للجميع في عهد داود وفي عهد الأنبياء قبله، وفي عهد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، و بعده، فالمشروع للأمة العمل الصالح ولهذا قال: (واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير). والله يعلم أحوال عباده ويبصر أحوالهم وأعمالهم ولا تخفى عليه خافية -جل وعلا-، فالمشروع للجميع أتباع الرسل أن يعملوا صالحا، ولأتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يجتهدوا في عمل الصالح، قال -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) (8) سورة لقمان. فالمؤمن مأمور بالعمل الصالح، وهو طاعة الله ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسله، والصالح مأمور بالعناية بالصنعة، وإتقانها وعدم الخيانة فيها سواء كان يصنع الدروع، أو السيوف، أو البنادق، أو المدافع، أو غير ذلك، كل صالح مأمور بالعناية بإتقان الصنعة وعدم الخيانة والغش.   
 
8-   يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:78-80]؟
الذي خلق الخلق من الطين، وخلق آدم من الطين، وخلق ذريته من ماء مهين -سبحانه- هو الذي يحيي العظام، وهي رميم يوم القيامة، يعيدها كما بدأها، وتخرج من قبورها بعد ما يتم خلقها بإذنه -سبحانه وتعالى-، فيرجع كل شيء إلى ابن آدم مما ذهب منه، ويفنى منه كل شيء إلا عجز الذنب، ثم يعيده الله كما كان -سبحانه وتعالى- ويبعثه ليجازه بأعماله يوم القيامة، فالذي أحياه أول مرة من الطين، ومن ماء مهين هو الذي يعيدها يوم القيامة بعد ما صارت رميماً، وترابا، وهو الذي جعل من الشجر الأخضر ناراً أيضاً؛ بقدرته -سبحانه وتعالى- جعل من الشجر الأخضر ناراً، ومن الحجر ناراً ومن الكبريت ناراً هذا هو خلقه سبحانه وتعالى، يقول أئمة اللغة: (في كل شجر النار، و استمجد المرخ والعفار)، يعني المرخ والعفار ناره أكثر، إذا حك بعضه ببعض ثم هو الحطب توقد فيه النيران ويستوقد به الناس من الشجر الأخضر، ثم ييبس يستعمل توقد منه النار أيضاً، جميع أنواع الشجر، إذا ؟؟؟ قبل مجيء الكهرباء الناس على الله ثم على الحطب، فالمقصود أن الشجر إذا يبس يستوقد في النار، ينتفع به وبعض الشجر الأخضر كذلك يستوقد منه النار.     
 
9-   يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: (( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ))[طه:96]، يقول: إنه رجع إلى عدة مصادر، لكنه لم يفهم تفسير هذا الجزء من هذه الآية الكريمة، ويرجو من سماحتكم تفسيرها؟ جزاكم الله خيراً.
الله المستعان، هذا يؤجل إلى وقت آخر.   
 
10-  هل الإنسان في هذه الحياة مسير، أو مخير، مع اصطحاب جميع الأدلة؟
الإنسان مخير وميسر جميعاً، له الوصفان، فهو مخير لأن الله أعطاه عقل، وأعطاه مشيئة وأعطاه إرادة يتصرف بها، فيختار النافع ويدع الضار، يختار الخير ويدع الشر، يختار ما ينفعه ويدع ما يضره، كما قال تعالى: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (28-29) سورة التكوير. وقال -عز وجل-: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (67) سورة الأنفال. فالإنسان له إرادة وله مشيئة، ولهم أعمال، قال تعالى: (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (88) سورة النمل، (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (30) سورة النــور. فلهم أعمال، ولهم إرادات، ولهم مشيئة، وهم مخيرون، فإذا فعلوا الخير استحقوا الجزاء من الله -فضلاً منه- سبحانه وتعالى، وإذا فعلوا الشر استحقوا العقاب، فهم إذا فعلوا الطاعات، فعلوها باختيارهم ولهم الأجر عليها،وإذا فعلوا المعاصي فعلوها باختيارهم وعليهم وزرها وإثمها، والقدر ماض فيه، هم أيضاً مسيرون بقدر سابق، قال -جل وعلا-: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (22) سورة يونس. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس). وقال سبحانه: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) (22) سورة الحديد. وقال -جل وعلا-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (11) سورة التغابن. ولما سأل جبرائيل النبي عن الإيمان، قال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره). وقال -عليه الصلاة والسلام-: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)، فالله قدر الأشياء سابقاً، وعلم أهل الجنة وأهل النار، وقدر الخير والشر والطاعات والمعاصي، وكل إنسان يسير في ما قدر الله له، وكل ميسر لما خلق له، في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأصحابه ذات يوم: (ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة و مقعده من النار، قالوا: يا رسول الله ففيم نعمل؟ ففيم العمل، يعني ما دامت مقاعدنا معروفة من الجنة أو النار ففيم العمل؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما أهل السعادة، فميسر لأعمال أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فميسر لأعمال أهل الشقاوة. ثم تلا قوله -سبحانه-: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (5-10) سورة الليل. فأنت يا عبد الله عليك أن تعمل ولن تخرج عن قدر الله -سبحانه وتعالى-، عليك أن تعمل و تجتهد في طاعة الله، تسأل ربك التوفيق وعليك أن تحذر ما يضرك، وتسأل ربك الإعانة على ذلك، وأنت ميسر لما خلقت له، كل ميسر لما خلق له. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.   
 
11-  ما رأيكم في زواج رجل من امرأة رضع مع أختها الكبرى، علماً بأنهم تزوجوا ولهم أولاد؟
إذا كان رضع من أمها خمس رضعات، فأكثر فهو أخوها، والنكاح باطل، إذا ثبت ذلك بالبينة الشرعية، أما إذا كان الرضاع أقل من خمس رضعات، أو كان فيه شك ليس هناك من يضبطه فالزواج صحيح ولا يضره ذلك، والحمد لله.   
 
12-   يسأل عن الجوارب ولبسها، ولاسيما في الشتاء، فيقول: هل لبس جوزين من الجوارب يقومان مقام الخفين، وحتى إذا كان أحد الجوربين قد تشقق، أو فيه بعض الخروق وتظهر منه البشرة، وماذا إذا أصابته نجاسة، هل تؤثر على المسح عليه، وهل الماء المستعمل في الاستنجاء إذا أصابه  أثناء الاستنجاء، هل يغسل الجوربين أم لا، جزاكم الله خيراً؟
لا مانع من المسح على الجوربين ولو تعدد، ولو لبس عدة جوارب، إذا سترت القدمين فلا بأس أن يمسح عليهما، إذا لبسهما على طهارة والجورب الواحد يكفي إذا كان ساتر القدمين، إذا كان صحيحاً ساتر القدمين ولبسه على طهارة فإنه يمسح عليه يوم وليلة بعد الحدث يوم وليلة، إذا كان مقيماً، أما إذا كان مسافراً فإنه يمسح ثلاثة أيام بلياليها، ولو جمع الجوربين أو ثلاثة للدفء ويجعل بعضها فوق بعض وهي ساترة مسح عليها، ولو كان بعضها لا يستر إذا ستر أحدها فالباقي تبع المهم أن يستر أحدها، إذا ستر من الكعب إلى أطراف القدم، ستر القدم كله مع الكعبين يمسح عليهما، كما يمسح على الخفاف من الجلد أما إذا كانت تصف البشرة لا تستر سوى واحدة، أو أكثر ما ستر البشرة لا يمسح عليها لا بد أن يكون واحد منها ساتر، أو كلها ساترة، وإذا كانت نجسة لا يمسح عليها، بل يجب إزالتها حتى تغسل وتطهر من النجاسة، وإذا أصابه شيء من ماء الاستنجاء قبل أن تزول النجاسة يطهرها ويغسلها أما إذا كانت النجاسة قد زالت، وأصابه ماء بعد الطهر، ماء يعني استعمله المستنجي بعد ما زالت النجاسة، ماءً نظيفاً ما يضر، إذا كانت النجاسة قد زالت وطهر المحل، أما إن أصابه بعض الرشاش من الماء الذي تلطخ بالنجاسة، فإنه ينجس الجورب، وعليه غسل الجورب، ولا يمسح عليه حتى يغسله.   
13-  إذا اشتريت بضاعةً بثمن مؤجل، وبعتها قبل أن يأتي أجل سدادها هل لي أن أنتفع بثمنها في البيع، والشراء قبل أن يحين أجل السداد؟
نعم، لا بأس عليك، تنتفع بثمنها وإذا جاء وقت السداد سدد من ثمنها، ولا من غيره، ما يلزمك حتى يحضر الأجل.   
 
14-  إذا كانت ملابس الشخص مبللة بالماء، أو بدنه، ولامس ما هو نجس، أو يشك في نجاسته، هل يؤثر هذا على طهارة البدن، أو الملابس خاصة؟
إذا لمسها بيده وهي رطبة لا يشك في نجاسته ما عليه شيء، الأصل الطهارة، أما إن لمس شيئاً رطباً نجساً أو يده رطبة فيها ماء ولمس النجس يغسل يده فقط والباقي ما يضر، ولا يلمس بقية جسده بالنجاسة فإن لمس شيئاً من جسده بالنجاسة غسل ما أصابه ما لمسه فقط من بدنه ولا ينبغي له الوسوسة، ينبغي له أن يتقيد بما حصل فيه النجاسة فقط، في يده يغسلها لمس طرف ثوبه يغسل طرف ثوبه، لمس رجله برطوبة النجاسة يغسل طرف رجله، وهكذا.   
 
15-   أختنا لها قضية مع زوجها تقول فيها: أحببت أن أعرض على سماحتكم مشكلتي التي تؤرقني وتحرمني لذة العيش وراحة البال، فأنا امرأة متزوجة منذ تسعة أعوام، وأنا والحمد لله أصلي، وأتعبد الله، وألبس اللباس الشرعي، وأسير على هدي القرآن الكريم والسنة المحمدية في حياتي،  تقبل الله مني ومنكم ومن جميع المسلمين، أما زوجي وعمره أربعون سنة فلا يصلي ولا يتعبد، فقط يصوم شهر رمضان، وقد حاولت كثيراً أن أهديه إلى الطريق الصحيح، وأحثه على الصلاة والعبادة، وأقرأ له بعض الآيات والأحاديث النبوية التي تحث وتدعو إلى الصلاة وترغب فيها، وعقاب تارك الصلاة، ولكنه لا يقبل الهداية، وإن أنا ألححت عليه بدأ يسب ويلعن، وقال لي عدة مرات: إنني إن ألححت عليه فسوف يطردني من البيت، وأنا فكرت عدة مرات بطلب الطلاق منه، ولكن أهلي لا يستقبلونني وأولادي الثلاثة، وأنا في حيرة من أمري، وخاصة بعد أن سمعت أنه محرم على الزوجة أن تحيا مع زوج لا يصلي، ماذا أفعل؟ إنني في حيرة من أمري، وأكاد أفقد عقلي من كثرة التفكير، أفتني يا سماحة الشيخ جزاكم الله خيراً؟ 
الواجب عليك الذهاب إلى أهلك، والتخلص من هذا الزوج الظالم لنفسه؛ لأن ترك الصلاة كفر، وضلال، وقد ذهب جمع من أهل العلم -رحمة الله عليهم- إلى أن من تركها كفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها، وزوجك هذا ليس ببعيد أنه يجحد وجوبها بسبب عناده وتركه لها، وبكل حال فالصواب أن من ترك الصلاة عمداً كفر، وإن لم يجحد وجوبها أما إذا جحد وجوبها أو استهزأ بها هذا كافر بالإجماع، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، أخرجه مسلم في صحيحه، وقال -عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر). أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن بإسنادٍ صحيح. وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل -رضي الله عنه ورحمه-: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة. فذكر عن الصحابة أنهم يرون أن ترك الصلاة كفر، دون بقية الأعمال كالصوم ونحوه فالواجب عليك البعد عن هذا الرجل، والذهاب إلى أهلك، أو إلى مكانٍ تستقلين فيه أنت وأولادك، وابشري بالخير، والعاقبة الحميدة. نسأل الله له الهداية، نسأل الله أن يهديه وأن يعيذه من شر نفسه وشيطانه، وعليك بالاجتهاد في نصيحته بواسطة من يعرفه من الرجال الطيبين؛ لعل الله يهديه بأسبابهم، أما أنت فلا تمكثي عنده، ولا تمكنيه من نفسك، لا في جماعٍ ولا في غيره، هذا هو الصواب، وهو أرجح قولي العلماء في هذه المسألة ، ونسأل الله لك تفريج الكربة وتيسير الأمر، ونسأل الله له الهدية والرجوع إلى الصواب، ونسأل الله أن ييسر له من الإخوان الطيبين من يرشده ويعينه على طاعة الله ورسوله، وأن يرزقه الاستقامة، والبصيرة إنه سميع قريب.     

435 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply