حلقة 73: بيع الذهب بالذهب بزيادة - الاشتراط عند بيع الذهب - لحم الجزور هل ينقض الوضوء - اعتناق المذاهب وتركها - حكم صلاة من لم يتوضأ بعد أكل لحم الجزور - وقف الماء في طريق الناس

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

23 / 50 محاضرة

حلقة 73: بيع الذهب بالذهب بزيادة - الاشتراط عند بيع الذهب - لحم الجزور هل ينقض الوضوء - اعتناق المذاهب وتركها - حكم صلاة من لم يتوضأ بعد أكل لحم الجزور - وقف الماء في طريق الناس

1- إذا جاء شخص ما يحمل أنواعاً من الحُلي ذهباً، وقصده بدلا عنها من نوعها، فصاحب الذهب – البائع - قد يزن هذا الذهب ليشتريه بمثله ذهباً من نوعها حلي، ولكن يطلب زيادة على الذهب كبيرة، فهل هذا من الربا؟

فقد ثبت عن النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام- أنه قال في الذهب: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد). فإذا كان هذا الصائغ أو بائع الذهب يطلب الزيادة على الوزن وقع في الربا، فإذا كانت الحُلي الموزونة تزن عشرين مثقالاً وذهبه كذلك ولكن يريد المبذول زيادة من الأوراق ، من العملة الورقية، هذا لا يجوز ؛ لأنها تقابل جزءاً من المبذول من عنده فيكون باع الذهب بأقل منه ، والرسول قال: (مثلاً بمثل ، سواءً بسواء). فالحاصل أنه إذا باع ذهب بذهب لا بد أن يكونا مثلين، لا يزيد هذا على هذا ، لا من جنسه ولا من غير جنسه، فإذا زاد أحدهما ورقاً أو شيئاً آخر من السلع جاء الربا ؛ لأن الرسول قال: (مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد). وبهذا تعلم أن هذا البيع ربا.  
 
2- إذا كان صاحب الذهب الذي يريد بدلاً منه من نوعه، فإنه يبيعه على صاحب الدكان الذي يستبدله أو يبدله منه فيغريه بزيادة – يعني صاحب الدكان يغري صاحب الذهب بزيادة - ليزيد عليه من الناحية الأخرى - يعني في الذهب الذي سيعطيه هذا الذي أتى ليأخذ ذهباً- أما إذا لم يرد بدلا منه فإنه لا يعطيه تلك الزيادة في الثمن الذي يعطى في المبادلة، فهل هذا كذلك من الربا أم لا؟
هذا لا يصلح أيضاً ؛ لأنه بيع في بيع، عقدان في بيع، صفقتان في صفقة فلا يجوز، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل سلف وبيع). فهو يقول له: لئن شريت مني زدتك بكذا وإن ما شريت مني ما أزيدك، فالمعنى أنه شرط بيعاً في بيع، واشترط أيضاً زيادة إذا كان يشتري منه يزيده شيئاً ، وإن كان ما يشتري منه ما يزيده هذا الشيء، فلا يصلح.  
 
3- ما هو الدليل الذي استند عليه الإمام أحمد - رحمه الله- بإلزام آكل لحم الجزور بالوضوء، وكذلك الدليل باستثناء الأجزاء التي لا تنقض الوضوء من لحم الجزور؟
هذه المسألة ليست خاصة بأحمد ، بل قاله أحمد وجماعة كبيرة من أهل الحديث، وحجتهم ما ثبت عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام- من حديث جابر بن سمرة أنه سُئل - عليه الصلاة والسلام- قيل يا رسول الله : أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم ، فقيل له : أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : إن شئت). فخير في لحوم الغنم ولم يخير في لحوم الإبل بل أوجب ذلك. وحديث البراء بن عازب أيضاً وهو حديث صحيح أن النبي - عليه الصلاة والسلام- قال : (توضئوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم). فأمر بالوضوء من لحوم الإبل دون غيرها ، فهذا هو الحجة لأحمد ولغيره من أئمة الحديث الذي قالوا بهذا، وقولهم هو الصواب ، والذين خالفوهم احتجوا بحديث لا حجة فيه، وهو حديث جابر أنه قال: كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء من ما مست النار. فقوله : كان آخر الأمرين من النبي –صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء من ما مست النار. لا حجة فيه لأن هذا عام ومفسر بأنه أكل لحم غنم فتوضأ ثم صلَّى ، ثم أكل من بقية اللحم ثم صلى الصلاة الثانية ولم يتوضأ، وجاء في عدة أحاديث أنه أكل من لحم الغنم ولم يتوضأ فدل ذلك على أن ما مست النار نسخ الوضوء منه لأنه جاءت أحاديث كثيرة عنه - عليه الصلاة والسلام- أنه أكل من ما مست النار ثم صلَّى ولم يتوضأ. فدل ذلك على أن الأمر بالوضوء مما مست النار قد نسخ. وقال قوم إنه لم ينسخ ولكنه بقي للندب فقط. ولكن الأظهر النسخ ، لأنه قال في حديث البراء : (توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم). فدل على أنه غير مشروع ولا مستحب، قال : لا توضؤوا من لحوم الغنم). وفي اللفظ الآخر : (إن شئت). فدل ذلك على أنه لا يجب ولا يشرع، وإنما الواجب الوضوء من لحم الإبل خاصة، أما الوضوء من ما مست النار مثلما قال جابر نسخ : كان آخر الأمرين من النبي ترك الوضوء مما مست النار. هذا هو القول الفصل في هذه المسألة.  
 
4- هل يجوز لشخص أن يترك المذهب الذي هو عليه ويعتنق مذهبا آخر، ومتى يجوز له ذلك إذا كان جائزا؟
المذاهب الأربعة ليست لازمة للناس، والقول أنه يلزم كل طالب علم أو كل مسلم أن يعتنق واحداً منها قول فاسد، قول غير صحيح، الواجب الالتزام بما شرعه الله على لسان رسوله محمد - عليه الصلاة والسلام- وليس هناك شخص معين يلزم الأخذ بقوله لا الأربعة ولا غيرهم، فالواجب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم- والسير على منهاجه في الأحكام والتشريع، ولا يجوز أن يقلد أحد بعينه في ذلك، بل الواجب هو اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم-، والأخذ بما شرع الله على يده - عليه الصلاة والسلام- سواء وافق الأئمة الأربعة أو خالفهم، هذا هو الحق ، فيكون بهذا يعلم أنه لا يتعين أن يلزم مذهباً معيناً فإذا أخذ بقول أحمد في مسألة وانتسب إليه ثم رأى أن ينتقل إلى مذهب الشافعي في هذه المسألة نفسها أو في مسائل أخرى قام الدليل عليها فلا بأس ، أو مذهب مالك أو مذهب أبي حنيفة. المهم متابعة الدليل، فإذا كان في مسألة من المسائل عمل بأحمد ثم رأى أن الدليل مع مالك ، مع الشافعي ، مع أبي حنيفة ، مع الظاهرية ، مع غيرهم من السلف أخذ بذلك، العمدة على الدليل مثل ما قال الله - جل وعلا- : فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [(59) سورة النساء]. يعني في مسائل الخلاف، أما في مسائل الإجماع فلا كلام ، يجب على المسلم أن يأخذ بما قاله العلماء ولا يخالفهم لكن في مسائل الخلاف والنزاع طالب العلم ينظر في الدليل فإذا ظهر له الدليل مع أحمد أو مع مالك أو مع أبي حنيفة أو مع غيرهم أخذ بالدليل، واستقام عليه، لا متابعةً للهوى والشهوة، لا، ولكن متابعة للدليل ، أما كون الإنسان يتنقل بين مذهب فلان ومذهب فلان لهواه ، إذا ناسبه المذهب هذا في مسألة ذهب إليه، والآخر في مسألة ذهب إليه اتباعاً لهواه وشهوته فهذا لا يجوز ، هذا تلاعب، لا يجوز ، لكن إذ كان بالدليل، ينظر في الدليل وينظر في كلام أهل العلم ويرجح بالدليل لا لهواه بل للأخذ بالدليل فهذا مأجور ومشكور، وهذا هو الواجب عليه.  
 
5- هل الذين لا يتوضئون من لحم الجزور صلاتهم باطلة أم لا؟
كذلك سبق، سبق أنه سأل عن الأجزاء الأخرى التي لا تنقض من الجزور مثل الكرش والأمعاء وأشباه ذلك، ..... أحمد والجماعة أنه لا يتوضأ منها ، إنما يتوضأ من اللحم ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : (توضؤوا من لحوم الإبل). والكرش لا تسمى لحم عند العرب، ولا تسمى الأمعاء لحم والكبد والطحال وأشباه ذلك وإنما اللحوم المعروفة ، الهبر المعروف، فلهذا قال أهل العلم أنه يتوضأ من الهبر، من اللحم ، ولا يتوضأ من كرشٍ وأمعاء ونحو ذلك، هذا هو المشروع عند أهل العلم القائلين بنقض الوضوء من لحم الإبل، وقال جماعة: يلحق بذلك الكرش ونحوه وأنها كلها تلتحق باللحم؛ لأن الله لما حرم الخنزير حرم لحمه وشحمه وكل شيء، قالوا هذا يلحق باللحم، والقول الأول أظهر من جهة تعليق الحكم باللحم ، قال : (توضؤوا من لحوم الإبل). أما الخنزير فقد حرمه الله كله فلا ينظر في أمره بل كله حرام ، أما هذا شيء يتعلق بالعبادات، واللحم وتوابعه ليس بنجس، بل اللحم أباحه الله من لحم الإبل مباحاً لنا لكن الله علق بلحم الإبل الوضوء دون البقية فلا بأس أن يستثنى منه ما لا يسمى لحماً عند العرب، وإذا توضأ الإنسان من بقية الإبل مثل الكرش و...... والأمعاء مثل الأذن، مثل اللسان إذا توضأ منها فهو حسن من باب الاحتياط، من باب الخروج من الخلاف ، ومن باب الأخذ بالحيطة؛ لأن هذه تابعة للحوم وليست اللحوم تابعة، فهذا من باب الاحتياط حسن ، أما الوضوء الذي يلزم بلا شك فهو إذا أكل من اللحم. السؤال الأخر: يقول الذين لا يتوضئون من لحم الجزور صلاتهم باطلة أم لا نرجو الإفادة؟ ج/ نعم ، إذا كان لا يعتقد أن لحم الإبل لا ينقض بل يعتقد أنه ينقض ثم تساهل تبطل صلاته، أما إنسان يعتقد أنه لا ينقض ويرى أن لحم الإبل منسوخ وأنه تبع المنسوخات، يعتقد هذا أو قلد من قال ذلك باجتهاد ورأى أن هذا هو الأصوب عن تقليد أو عن اجتهاد ، وهذا الذي في نفسه، في اعتقاده أن هذا هو الأولى صلاته غير باطلة ، صلاته صحيحة حسب اعتقاده، مثل طالب العلم اجتهد ورأى أن لحم الإبل لا ينقض فصلاته ليست باطلة ؛ لأن هذا هو مقتضى علمه واجتهاده أو جماعة مقلدين للمذهب الشافعي، أبي حنيفة ، مالك، ممن لا يرى النقض من لحم الإبل ويرون أنه لا حرج عليه حسب اعتقادهم تقليداً أو اجتهاداً هؤلاء صلاتهم صحيحة ، لكن إنسان يعلم أن لحم الإبل ينقض وليس عنده شبهة في ذلك ثم يتساهل تكون صلاته باطلة لأنه صلَّى بغير وضوء.  
 
6- إنني أريد أركب ثلاجة أو برادة في الشارع في وقت الصيف، ولأن لي مسكن يقع على شارع عام، وأرغب في الأجر من الله - عز وجل- لي ولوالدي، وأنا مستعد بشراء الثلاجة وتركيبها وتركيب مصاريفها، إلا أن الماء الذي يأتي إليها يأتي من مصلحة المياه، فهل في ذلك شيء أم أنه يجب علي أن أوفر الماء من غير هذه المصلحة علماً أنني إذا جاء تسديد الفواتير فسوف أسدده من مالي الخاص، هل لي أجر في بذلك أم لا؟
لا نعلم في هذا بأس، بل مأجور ومشكور، هذا عمل صالح وطيب له أجر ولوالديه أجر. فالمقصود أن هذا عمل صالح لا نعلم فيه شيئاً ما دام أنه يأخذ بطريقة شرعية من المال المعروف الذي يسرته الحكومة، لا حرج فيه. 
 
7-   إنني لا أستطيع الصلاة بسبب مرضي في المعدة، من الهواء، أنني أتوضأ في كل صلاة وأكثر الأحيان فإني أصلي وأنقض الوضوء من نصف الصلاة، فأكمل الصلاة، هل الصلاة صحيحة أم لا؟
ما دام الحدث مستمراً فأنت في حكم صاحب السلس، فصلاتك صحيحة، ولو خرجت الريح مثل صاحب السلس، الذي يخرج منه الماء ، أو المستحاضة الذي يخرج منها الدم دائماً يتوضأ في الوقت. تتوضأ في الوقت - أيها السائل- ثم تصلي على حسب حالك ما دام الشيء مستمراً معك: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [(286) سورة البقرة]. ولو خرج في الصلاة ، ولو خرج في الوقت ، ما دام توضأت في الوقت ثم صليت كما أمر الله فخروج هذه الريح منك وأنت تصلي، أو قبل الصلاة، أو بعد الصلاة لا يضر ما دام مستمراً في حكم السلس، ومثل خروج الدم من المستحاضة التي يستمر معها الدم إلى وقت الحيض مثل خروج البول من صاحب السلس الذي استمر معه وليس له حيلة هذا معذور فاتقوا الله ما استطعتم. أيها السادة إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا...  

376 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply