حلقة 142: حكم التوسل بجاه النبي - حكم إقامة الجمعة لمن خرجوا إلى حول البلد - أهل السنة وتسميتهم بالوهابية - حكم القول للكافر يا سيد فلان - حكم صلاة وصوم من هجر أمه - حكم من حلف بالطلاق على زوجته بأن لا تذهب إلى بيت أهلها

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

42 / 50 محاضرة

حلقة 142: حكم التوسل بجاه النبي - حكم إقامة الجمعة لمن خرجوا إلى حول البلد - أهل السنة وتسميتهم بالوهابية - حكم القول للكافر يا سيد فلان - حكم صلاة وصوم من هجر أمه - حكم من حلف بالطلاق على زوجته بأن لا تذهب إلى بيت أهلها

1- قبل أن أتجه إلى العراق حلفت بالطلاق بالثلاث لزوجتي بأن لو ذهبتِ إلى بيت أهلك لا يكون لك ردة علي، إلا إذا كان هناك وفاة أو مرض خطير جداً، وأنا هنا لي سنة وستة أشهر، فما رأي فضيلتكم إذا أرسلت لها بأن تذهب لتزورهم؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا السؤال يختلف الجواب عنه بحسب نية المطلق، فإن كنت أيها السائل أردت بذلك منعها من الذهاب إلى أهلها، ولم ترد إيقاع الطلاق، وإنما قصدت المنع، فهذا له حكم اليمين، فمتى ذهبت إلى أهلها فإن عليك كفارة اليمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام، وهذا أفتى به جمع من السلف الصالح، وأفتى به أبو العباس ابن تيمية، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وابن القيم وجماعة من أهل العلم، لأنه ما أراد الطلاق والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وهذا إنما أراد منعها ولم يرد إيقاع الطلاق عليها، فتكون له نيته كما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إن كنت أردت إيقاع الطلاق عليها، إن ذهبت فإنه يقع الطلاق، فإنه يقع عليها طلقة واحدة، لأن إيقاع الطلاق بالثلاث في أصح قولي العلماء يعتبر واحدة لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: كان الطلاق على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، رواه مسلم في الصحيح، فهذا هو الذي وقع في عهد عمر -رضي الله عنه وأرضاه- والصواب والأرجح هو ما كان عليه الحال في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهد الصديق وفي أول خلافة عمر -رضي الله تعالى عنه-، فإذا كنت أردت الطلاق إن ذهبت فإن يقع عليها واحدة ولك مراجعتها ما دامت العدة، ومتى خرجت العدة ولم تراجع فلك العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعاً، إذا كنت ما طلقها قبل هذا طلقتين وهذا إن لم تكن أردت إلا بإذني، فإن كنت أردت بهذا الكلام إلا بإذنك، قلت علي الطلاق بالثلاث أنك ما تذهبين لأهلك إلا عند الوفاة أو المرض يعني أردت في نيتك إلا بإذنك، يعني أردت في قلبك إلا بإذنك فإنك متى أذنت لها فلا يقع شيء، لا كفارة ولا طلاق، متى أذنت لها أن تذهب إليهم فإنه لا يقع شيء، أما إن كنت قلت هذا الكلام وأنت لم ترد إلا بإذنك بل أطلقت الكلام، فإن كنت أردت منعها فقط فإنه كفارة يمين، على الصحيح من أقوال العلماء، أما إن أردت إيقاع الطلاق عند ذهابها إلى أهلها فإنه يقع عليها طلقة واحدة كما تقدم. والله ولي التوفيق.  
 
2- ما هو الحكم على المسلم الذي يقيم الفرائض، ويتوسل بجاه النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وهل يجوز رميه بالشرك؟
المسلم الذي يوحد الله ويدعوه وحده -سبحانه وتعالى- ويؤمن بأنه إله الحق، ويعتقد معنى لا إله إلا الله وأن معناها لا معبود حق إلا الله، ويؤمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وأنه رسول الله حقا، أرسله الله إلى العالمين إلى الجن والإنس، هذا يقال له مسلم، لأنه أتى بالشهادتين ووحد الله وحده وصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإنه يكون مسلما، فإذا أتى شيء من المعاصي فإنه يكون قدحاً في الإيمان ونقصاً في الإيمان كالزنا والسرقة والربا ولم يعتقد حل ذلك ولكن أطاع الهوى في فعل هذه المعاصي أو بعضها، فهذا يكون نقصاً في إيمانه وضعفاً في إيمانه. أما إذا توسل بجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: اللهم إني أسألك يا رب بجاه محمد أو بحق محمد، فهذا بدعة عند جمهور أهل العلم، ونقصاً في الإيمان ولا يكون مشركاً ولا يكون كافراً، بل هو مسلم، لكن يكون هذا نقصا في الإيمان وضعفا في الإيمان، مثل بقية المعاصي والبدع التي لا تخرج من الدين؛ لأن الدعاء ووسائل الدعاء توقيفية، ولم يرد في الشرع ما يدل على أن التوسل بجاهه -صلى الله عليه وسلم- من الوسائل الشرعية، بل هذا مما أحدثه الناس، فالتوسل بجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بجاه الأنبياء أو بحق النبي أو بحق الأنبياء أو بجاه فلان أو بجاه علي أو بجاه أهل البيت كل هذا من البدع والواجب ترك ذلك، لكن ليس بشرك، وإنما هو من وسائل الشرك وليس بشرك، ولا يكون صاحبه مشركا بل هو مسلم، ولكن أتى ببدعة تنقص الإيمان وتضعف الإيمان عند جمهور أهل العلم؛ لأن الوسائل في الدعاء توقيفية فالمسلم يتوسل بأسماء الله وصفاته كما قال الله -عز وجل-: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف: 180] ويتوسل بالتوحيد والإيمان كما جاء في الحديث: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)، هذا توسل بتوحيد الله وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات كما في حديث أصحاب الغار، الذي انطبقت عليهم صخرة لما دخلوا الغار من أجل المطر أو المبيت فانطبقت عليهم صخرة عظيمة، فلم يستطيعوا دفعها فقال بعضهم لبعض: إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، فدعوا الله بصالح أعمالهم، توسل أحدهم ببره لوالديه فانفرج من الصخرة بعض الشيء، ثم توسل الآخر بعفته عن الزنا، وأنه كان له بنت عم يحبها كثيرا، فأرادها عن نفسها فأبت عليه ثم إنها ألمت بها سنة وحاجة فجاءت إليه تطلبه العون، فقال لها: إلا أن تمكنيني من نفسك، فوافقت على أن يعطيها مائة وعشرين دينار من الذهب، فلما جلس بين رجليها قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف من الله –سبحانه- وقام عنها ولم يأت الفاحشة، وقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، ولكن لا يستطيعون الخروج، ثم توسل الثالث بأدائه الأمانة وأنه كانت عنده ...... لبعض العمال تركها عنده نماها وعمل فيها حتى صارت مالاً كثيراً من الإبل والبقر والغنم والرقيق فلما جاء صاحبها أداها إليه كلها كاملة، فقال: يا رب إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا. هذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحات من أسباب الإجابة، أما التوسل بجاه محمد -صلى الله عليه وسلم- أو بجاه فلان أو بجاه علي أو بجاه عمر أو بجاه الصديق أو بجاه أهل البيت أو ما أشبه ذلك، فهذا ليس له أصل، ولكن يتوسل بالإيمانه فيقول: اللهم بإيماني بنبيك، بإيماني بك بمحبتي لك، بمحبتي لنبيك -عليه الصلاة والسلام-، هذا طيب، هذه وسيلة طيبة أو يتوسل بالتوحيد، اللهم إني أتوسل إليك أنك أنت الله لا إله إلا أنت، بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، بأنك الواحد الأحد، كل هذا طيب، أو يتوسل إلى الله ببره لوالديه أو بالمحافظة على الصلوات أو بعفته عن الفواحش كل هذه أعمال صالحة، هذا هو الذي قرره أهل العلم وأهل التحقيق من أهل البصيرة، أما التوسل بجاه نفسه بجاه فلان أو بحق فلان، فهذا بدعة والذي عليه جمهور أهل العلم أنه غير مشروع. 
 
3- نحن إخوة في الله نخرج يوم الجمعة في سفرة إلى منطقة تقع ضمن حدود المدينة، ويبلغ عددنا عشرون ونقيم خطبة الجمعة مع الصلاة، فهل صلاتنا تجزئ، أو مقبولة أم لا؟
إن كنتم مسافرين، فالمسافرون ليس عليهم جمعة، إن كانت المسافة طويلة تعد سفراً، فإن المسافر ليس عليه جمعة ولا ......، وعليكم أن تصلوا ظهراً قصراً ثنتين، السنة أن تقصروها ثنتين وإن كنتم حول البلد، قريب من البلد تسمعون الأذان أو يمكنكم سماع الأذان فعليكم أن تصلوا جمعة مع الناس. فأما إن كنتم لستم مسافرين بعيدين عن محل الجمعة فإنكم تصلوا ظهراً، وليس لكم أن تصلوا جمعة؛ لأن الجمعة إنما تقام في المدن والقرى لا في الصحاري ولا في البوادي ولا في الأسفار، فالواجب عليكم إن كنتم قريبين أن تصلوا مع الناس جمعة، وإن كنتم بعيدين: فإن كنتم مسافرين في حكم المسافرين صليتم ظهرا قصراً هذا هو الأفضل، وإن كنتم قريبين لستم مسافرين ولكنكم لا تستطيعون حضور الجمعة لبعدكم فإنكم تصلونها ظهراً أربعاً، هذا هو الواجب، وهذا هو الذي قرره أهل العلم، والله أعلم. المذيع/ يعني الذين يخرجون للتنـزه يوم الجمعة؟ إن كانوا بعيدين يعني مثل سبعين كيلو ثمانين كيلو عن البلد صلوا ظهراً قصرا؛ لأنهم مسافرون، وإن كانوا قريبين في ضواحي المدينة ثلاثين كيلو عشرين كيلو خمسة وعشرين كيلو تقريبا أربعين كيلو هؤلاء يصلون ظهرا أربعاً ولا يصلون الجمعة، لكن إن كانوا قريبين يسمعون النداء طرف البلد، وجب عليهم أن يصلوا الجمعة مع الناس.  
 
4- يسمي بعض الناس عندنا العلماء في المملكة العربية السعودية بالوهابية، فهل ترضون بهذه التسمية؟ وما هو الرد على من يسميكم بهذا الاسم؟
نعم هذا لقب مشهور، هذا اللقب مشهور لعلماء التوحيد لعلماء نجد، ينسبونهم إلى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمة الله عليه- لأنه دعا إلى الله -عز وجل- في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، واجتهد في إيضاح التوحيد، وبيان الشرك في الناس، حتى هدى الله به الجم الغفير، ودخل الناس في توحيد الله، وتركوا ما هم عليه من أنواع الشرك الأكبر، من عبادة أهل القبور، ومن البناء على القبور وعبادة الأشجار والأحجار، والغلو في الصالحين، فصارت دعوته دعوة تجديدية إسلامية عظيمة نفع الله بها المسلمين في الجزيرة العربية وفي غيرها، رحمه الله رحمة واسعة وصار أتباعه ومن دعا بدعوته ونشأ على هذه دعوته في نجد يسمى بالوهابي، وكان هذا اللقب علماً على أهل التوحيد، كل من دعا إلى توحيد الله ونهى عن الشرك وعن التعلق بالقبور أو التعلق بالأشجار والأحجار وأمر بالإخلاص لله سماه وهابياً، وهو لقب شريف عظيم يدل على أن من لقب به من أهل التوحيد ومن أهل الإخلاص لله، وممن ينهى عن الشرك بالله، وعن عبادة القبور والأشجار والأحجار والأصنام والأوثان، هذا هو أصل هذه التسمية وهذا اللقب، فهو نسبة إلى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي الداعي إلى الله -عز وجل- رحمه الله رحمة واسعة، فقد نشأ في نجد وتعلم في نجد، ثم سافر إلى مكة والمدينة وأخذ عن علمائها من أهل السنة ثم رجع إلى نجد، فرأى ما الناس فيه من الجهل وعبادة القبور والغلو فيها والشرك بالله -سبحانه وتعالى- ودعاء الأموات والاستغاثة بهم والبناء على قبورهم؛ فدعا إلى الله، وأرشد الناس، ونهاهم عن الشرك، وبين لهم أن التوحيد هو حق الله -جل وعلا- على عباده، وأنه الذي دعت إليه الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وبين لهم معنى: لا إله إلا الله وأن معناها لا معبود حق إلا الله، فهي نفي وإثبات، تنفي الألوهية لغير الله، وتثبت العبادة لله وحده -سبحانه وتعالى-، كما قال عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ[الحج: 62]، وقال -سبحانه-: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة: 5]، وقال -عز وجل-: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[الأنبياء: 25]، وقال -سبحانه-: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ[الإسراء: 23]، وقال -عز وجل-: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[غافر: 14]، وقال -سبحانه-: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[البينة: 5]، فالشيخ -رحمه الله- محمد بن عبد الوهاب قام بهذه الدعوة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، وكان ذلك في العيينة وهي بلدة قريبة من الرياض، دعا إلى الله فيها ونشر التوحيد وصارت عنده حلقة عظيمة في التعليم، ثم انتقل لأسباب معروفة إلى الدرعية، وتلقاه أميرها محمد بن سعود وبايعه على الدعوة إلى الله -عز وجل-، وعلى نشر الإسلام في الدرعية وما حولها، فنفع الله بذلك وتعاون الشخصان: الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ محمد بن سعود جد العائلة المالكة الآن، فتعاونا في سبيل الدعوة وكان ذلك في عام ثمان وخمسين ومائة وألف في عام 1158هـ هذا بدء الدعوة في الدرعية بعد أن انتقل من العيينة، فانتشر الإسلام هناك وأزيلت القباب التي على القبور، وانتشر التوحيد بين الناس، وعرفوا حقيقة معنى لا إله إلا الله، ثم قامت دولة آل سعود في بقية الجزيرة وانتشر أمر التوحيد في أطراف الجزيرة فنفع الله بهذه الدعوة نفعا عظيماً، وظهر بها الحق وانتصر بها أهل التوحيد، وصارت علما لأهل التوحيد في كل مكان، ثم انتشر هذه الدعوة أيضا في اليمن وفي جهات كثيرة من الهند وغير الهند من الشام والعراق ومصر تلقها أئمة الهدى وعلماء الحق بالقبول، وساعدوا الشيخ محمد -رحمه الله- ودعوا بدعوته، وخالفه آخرون ممن غلب عليهم الجهل أو غلب عليهم التقليد لآبائهم وأسلافهم، أو غلب عليهم الهوى والتعصب لما هم عليه، لئلا يقول: الناس ليش ما علمتمونا؟ ليش ما نبهتمونا؟ فعادوا هذه الدعوة وكتبوا كتابات باطلة، ولكن نصر الله الدعوة وأهلها، واستقام أمر التوحيد في الجزيرة، وانتشر أمر الله بحمد الله، فصار أتباع هذه الدعوة ومن يدعوا إلى توحيد الله من علماء التوحيد من علماء نجد يلقب بالوهابي، فهو لقب معروف شريف، وليس بمستنكر، بل هو لقب لأهل التوحيد والإيمان، لأهل الدعوة إلى الله -عز وجل-، ولكن انتشر هذا اللقب، إذا رأوا من يدعوا إلى الله ويبين حقيقة التوحيد، وينهى عن الشرك، في أفريقيا أو في الشام أو في اليمن أو في جهات أخرى إذا رآه بعض الغلاة وبعض المنحرفين قالوا: هذا وهابي، حتى ينفروا الناس عن دعوته، وحتى يظن الناس أن هذه الدعوة دعوة باطلة، أو دعوة مخالفة للشرع، وهو غلط قبيح ومنكر ...... حقيقة ما دعا إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعا إلى توحيد الله، وهكذا الرسل جميعاً كلهم دعوا إلى توحيد والله، ونشروا دين الله -عليهم الصلاة والسلام- كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[النحل: 36]، هذه دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- جميعاً وهي دعوة النبيين وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام-، هو دعا إلى توحيد الله، وقام في مكة بالدعوة، وصار المشركون يسمون من أجاب دعوته الصابئ، كما يُقال للموحد الآن: وهابي، فمن أجاب دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة، قالوا له: الصابئ، وهكذا بعدما هاجر، لكن الله نصر الدعوة أيد نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وانتشرت الدعوة في مكة وفيما حولها، ثم هاجر -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة وانتصرت الدعوة، وقام سوق الجهاد، وصارت المدينة له معقل الإسلام، ومدينة الإسلام، والعاصمة الأولى للإسلام والحمد لله. والمقصود من هذا كله أن هذه الدعوة وهذا اللقب لقب لمن دعا إلى توحيد الله، من دعا إلى توحيد الله وأنكر الشرك يسميه بعض الجهلة: وهابي، لجهلهم بالحقيقة وعدم علمهم بالحقيقة. والحقيقة هي ما ذكرنا، أنها دعوة عظيمة إلى توحيد الله، وإلى اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعدم التقليد الأعمى والتعصب الأعمى، وعدم البدع والخرافات، وعدم الشرك والتعلق بالأموات والأشجار والأحجار أو بالأنبياء والصالحين، أو بالأصنام، فهذه الدعوة تحارب هذا الشرك، وتدعو إلى توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بمعنى لا إله إلا الله وتحقيقها، وتحقيق اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والتمسك بسنته وطريقته والاستقامة على ذلك، هذه هي دعوة الشيخ محمد -رحمه الله-.  
 
5- هل يجوز أن يقال للكافر يا سيد، مثل أن يكتب بالفاتورة أو غيرها (السيد فلان)، وهو يعلم أنه كافر، أو أثناء الحديث معه بالإنجليزي مثلا: مستر فلان، وإذا كان لا يجوز أن يقال للكافر: يا سيد فما الدليل؟
نعم، لا يقال للكافر سيد، ولا للفاسق سيد، لأنه ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا تقل للفاسق سيدا)، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الشيء، فلا ينبغي للمؤمن أن يقول للكافر والفاسق سيد، لأن هذا وصف رفيع، وصف عظيم، والسيد الرئيس والكفيل والفقيه، فلا ينبغي أن يقال للكافر بالله أو المعروف بالمعاصي الظاهرة لا يقال له: سيد، بل يدعى باسمه المعروف فلان، أو أبي فلان، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في عبد الله بن أبي، ما فعل أبو الحُباب، فإذا دعي بلقبه أو باسمه أو قيل: فلان المدعو كذا وكذا فلا بأس يكفي هذا. أما أن يقال: السيد فلان، أو يؤتى بما هو أعظم من ذلك فلا يجوز، لكونه كافراً أو فاسقاً معروفاً بالفسق، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 
 
6-   سمعت من بعض طلبة العلم إنكارهم على من خطب الجمعة وترك ما اعتاده الخطباء من ختم الخطبة الأولى من الجمعة بقول الخطيب دائما: أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، أو ختم الخطبة الثانية بقوله: إن الله يأْمر بالْعدْل والإحْسان[النحل:90] الآية، ومن ترك هذا أُنكر عليه، حتى قال طالب علم: ترك هذه الآية وعدم ختم الخطبة بها بدعة ومخالف للسنة؟
لا حرج في ترك ما ذكر، فلا حرج أن يترك الخطيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله، ولا حرج أن يترك الآية، إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ .....[النحل: 90]، كل هذا لا حرج فيه، فمن قال ذلك فلا بأس، ومن ترك ذلك فلا بأس، وختمها بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو بآية أخرى، كل هذا لا حرج فيه، والذي يقول: إن ترك هذا بدعة هذا غلط، وليس عنده خبر، والختم بهذه الآية يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يختم بهذه الآية، وأما: أقول قولي هذا وأستغفر الله فيروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي كل حال أن هذا ليس بأمر لازم، وختم الخطبة بأقول قولي هذا أو بالآية الكريمة كله ليس بلازم، بل إذا نوع الخطيب ختم الخطب بأنواع منوعة من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن آيات أخرى أو أحاديث كله حسن، حتى لا يظن الناس أن هذا شيء لازم؛ لأن الخطيب إذا التزم بهذه الآية وبقوله: أقول قولي هذا، يظن بعض الناس أن هذا شيء لازم وأنه سنة مؤكدة، وأن تركه بدعة، كما ظنه من قلت عنه، ولكن متى نوع الخطيب، فتارة يأتي بهذه الآية، وتارة لا يأتي بها، وتارة يأتي بقول: أقول قولي هذا وأستغفر الله، وتارة لا يأتي به، علم الناس أن الأمر واسع، وأنه لا حرج في ختم الخطب بهذه الآية أو بغيرها، وبقول: أقول قولي هذا أو بغيره، حتى لا يكون هذا الأمر واضحا للناس وبينا، فلا يقع الناس في الغلط، والله ولي التوفيق. 
 
7- هناك رجل طالب علم يصلي ويصوم ويتصدق لكن مع الأسف قد هجر أمه، فهل صلاته وصومه وصدقته تنفعه وهو هاجر لأمه لا يلتفت إليها، وهي مؤمنة تصلي وتصوم ونحن نعرفها بذلك؟
على كل حال هجره لأمه منكر وعقوق عظيم، يجب عليه التوبة إلى الله من ذلك، وعليه أن يرجع إلى برها والإحسان إليها، والأخذ بخاطرها، واستسماحها، هذا الواجب عليه، وليس له أن يبقى على الهجر، على العقوق، بل هذا منكر عظيم، وكبيرة عظيمة، فيجب عليه تركها، واستسماح والدته، وطلب رضاها، والتوبة إلى الله من ذلك -سبحانه وتعالى-. أما صلاته وصومه وعباداته فلا تبطل، بل عباداته صحيحة، وأعماله صحيحة إذا أداها على الوجه الشرعي، ولكن يكون إيمانه ضعيفاً، يكون إيمانه ناقصا بهذه المعصية، فإن المعاصي عند أهل السنة تنقص الإيمان، وتضعف الإيمان، ولكن لا تكفر صاحبها، إنما يكفر عند الخوارج، الذين يكفرون بالذنوب وهم ظلمة فجرة، بهذا قد أخطأوا وغلطوا عند أهل السنة. أما أهل السنة فيقولون لا: المعصية تنقص الإيمان، ولكن لا يكن صاحبها كافراً ولا مخلدا في النار، بل هو عاصي ومعصيته تنقص إيمانه، تضعف إيمانه تسبب غضب الله عليه، وعلى خطر منها من دخول النار، ولكن لا يكون كافراً حتى ولو دخل النار لا يخلد فيها هكذا أهل التوحيد عند أهل السنة والجماعة لا يخلدون في النار، إذا دخلوها بمعاصيهم فالحاصل أن هجر أمه معصية وكبيرة وهي من العقوق ولكن لا يكون ذلك من أسباب كفره ولا بطلان عمله إلا إذا استحل ذلك ورأى أن عقوق حلال، هذا يكون كافر نعوذ بالله، من استحل عقوق الوالدين وأنه حلال أو استحل الربا ورأى أنه حلال أو استحل الزنا ورأى أنه حلال هذا يكون كافر مرتد عن الملة، إلا أن يكون يجهل كالبعيد عن الإسلام الذي نشأ في بلاد بعيدة عن الإسلام يعلم فإذا بين له أن هذا مما فرضه الله طاعة الوالدين مما فرضه الله وأن عقوقهما مما حرمه الله إذا علم وبين له ثم أصر يكون كافراً نعوذ بالله. هذا طالب علم يا شيخ. إذا كان طالب علم على كل حال تكون كبيرته أشد نسأل الله العافية.  

484 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply