حلقة 145: حكم الزواج بمهر البنت، وحكم زواج الشغار - حكم قياس زكاة ما سقي من ماء السماء وزرع بالآلات على زكاة ما سقي بالنضح - هل على الراتب زكاة - ذبائح أهل الكتاب - من طلق زوجته وخرجت من العدة يعود إليها بعقد ومهر جديدان

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

45 / 50 محاضرة

حلقة 145: حكم الزواج بمهر البنت، وحكم زواج الشغار - حكم قياس زكاة ما سقي من ماء السماء وزرع بالآلات على زكاة ما سقي بالنضح - هل على الراتب زكاة - ذبائح أهل الكتاب - من طلق زوجته وخرجت من العدة يعود إليها بعقد ومهر جديدان

1- هل يجوز للرجل أن يتزوج بمهر ابنته أو يتفق مع رجل آخر كل واحد منهما يأخذ بنت الثاني زوجة له، بدون مهر أم لا؟ وماذا يسمى هذا في الشرع؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: فلا حرج في أن يتزوج الرجل من مهر ابنته لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنت ومالك لأبيك)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم)، فإذا أخذ من مهرها ما لا يضرها ودفعه في زوجة له فلا حرج، لكن لا يضرها بل يدع لها شيئاً ينفعها عند زوجها، ويغنيها عن الحاجة إلى الغير، ويكون سببا لوئامها مع زوجها وبقائها مع زوجها، هذا هو الذي ينبغي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا ضرر ولا ضرار)، فلا يضرها ويشق عليها، ولا يكون سببا لفراقها من زوجها بأخذه مهرها، ولكن لا حرج أن يأخذ منه شيئاً لا يضرها فيستعين به في حاجاته، بجعله مهراً لزوجة أو بغير ذلك. أما المسألة الثانية: وهي كونه يزوج ابنته على شخص آخر ليزوجه ابنته هذا لا يجوز، وهذا يسمى شغاراً في الإسلام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا شغار في الإسلام)، ونهى عن الشغار في الأحاديث كثيرة قال -عليه الصلاة والسلام-: (والشغار أن يقول الرجل: زوجني ابنتك وأزوجك بنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي) هذا هو الشغار، وهو حرام وفاسد، وهو أن يشرط كل واحد منهما نكاح الأخرى، كبنته أو أخته أو بنت أخيه، سواء كان هذا له أو لولده أو لابن أخيه ونحو ذلك، هذا كله لا يجوز، والصحيح أيضاً أنه لا يجوز ولو سمي مهراً حتى ولو سمي مهراً، وقد خالف في هذا من خالف من أهل العلم، وقالوا: لو سمي لكل منهما مهر العادة وتراضتا بذلك فلا بأس، ولكن هذا قول مرجوح وليس بصواب، والصواب أنه متى وقع الشرط بينهما فإن المهر لا يحل ذلك، سمو مهراً أو لا، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشغار ولم يستن، ولم يقل إلا أن يكون لهما مهر، وما جاء في حديث ابن عمر في تفسير الشغار أنه ليس بينهما صداق فهو من كلام نافع، ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو من كلام الراوي نافع، وكلامه ليس بحجة، الحجة في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، والنبي لم يفصل بين الشغار الذي فيه مهر والشغار الذي لا مهر فيه، ويدل على هذا ما رواه أحمد وأبو داود بسند جيد عن عمارة -رضي الله عنه- أنه كتب إليه أمير المدينة وذكر له أن بعض رجال قريش تزوج امرأة وجعل لها مهراً، وتزوجها شغار، فكتب إليه معاوية -رضي الله عنه- يقول له: فرق بينهما، فإن هذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يلتف معاوية إلى المهر، وهذا هو الصواب لأن العلة موجودة ولو فيه المهر، وهذه العلة لأن هذا الشرط يفضي إلى ظلم النساء، وإلى استحلال فروجهن من غير حق، وإلى انتزاع كثير من الحرمات بين الطرفين، وإلى تزويجهن بدون إذنهن، وهذه كلها نتائج وثمرات لهذا العقد الفاسد، وهي ثمرات خبيثة ونتائج رديئة. 
 
2- أسأل عن الحبوب الزراعية، فمعلوم أن الزرع الذي سقي بماء السماء والمطر فيه العشر، وما سقي بالنضح فيه نصف العشر، والفرق بينهما أن ما سقي بالنضح فيه مشقة ومؤونة كثيرة، فعدل إلى نصف العشر، وما سقي بماء المطر ليس فيه مشقة ولا مؤونة كثيرة، فلذلك فلم يعدل إلى نصف العشر بل فيه العشر، وفي زماننا هذا حتى فيما سقي بماء السماء والمطر مشقة ومؤونة كثيرة؛ لأنه يزرع بالآلات الأتوماتيكية فتحرق في زراعتها وقوداً كثيراً، وربما يوضع عليه أيضا سماد كيماوي، فيصرف فيه ثمن كثير، ويحصد بالآلات الأتوماتيكية، فتحرق أيضاً في حصادها وقودا كثيرا، ويصرف عليها مؤونة كبيرة، فهل يقاس هذا على ما سقي بالنضح لعلة المشقة والمؤونة حتى يخرج منه نصف العشر، أو لا يقاس فيخرج العشر؟
النبي -صلى الله عليه وسلم- علق الحكم في السقي، ولم يلتفت إلى ما بعد ذلك من جهة الحصاد ولا إلى ما قبل ذلك من جهة تسوية الأرضين هذا شيء آخر لا تعلق له بالزكاة، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- علق الحكم بشيء غير هذا، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يشرع للأمة كلها أولها وآخرها، ليست شريعته لأهل زمانه بل هي لأهل زمانه، وإلى من يأتي بعده إلى يوم القيامة، والله -عز وجل- يعلم من يكون في مستقبل الزمان من حدوث الآلات ومسيس الحاجة إلى الوقود في المكائن التي يحتاج إليها في الحصد وفي الذري وفي غير ذلك، فهذه الأشياء التي ذكرها السائل فيما يتعلق بالأراضي التي تزرع بماء المطر لا تؤثر في الزكاة، والواجب في ذلك هو العشر، لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)، رواه البخاري في الصحيح، وله أيضا شواهد، فهذا يدل على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يراع ما بعد السقي وما بعد تمام الزرع ولا ما قبل ذلك من حين البذر، وإنما الحكم مناط بالسقي، فما سقي بالعيون الجارية والأنهار والأمطار فهذا فيه العشر كاملاً، واحد من عشرة، من كل ألف مائة وهكذا، وما سقي بالدوالي بالمكائن بالإبل بالبقر أو نحو ذلك أو بالرش كل هذا فيه نصف العشر من أجل المؤونة التي تحصل في سقيه. والله ولي التوفيق. 
 
3- أعمل لمدة ثلاث سنوات متتالية وأتقاضى من عملي مبلغا وقدره ستة آلاف ريال تقريبا، ولكنني منذ عملت إلى الآن لم أزك منها شيئا، إلا أنني وجدت أي متسول أعطيه شيئا بسيطا، وأيضا النساء من أقاربي أعطيهم كلما زرتهم، لذلك أسأل هل علي ذنب في ذلك، وهل أزكي الآن، وكيف أحصر رواتبي؟
إذا كان هذه الرواتب تنفق وتصرف ولا تبقى سنة بل تنفقها في حاجاتك وصدقاتك النافلة فلا زكاة عليك، أما إن كان يبقى منها شيء يحول عليه الحول، فإن ما حال عليه الحول منها يزكى، وعليك أن تحفظ ذلك وأن تعتني بالذي ينفق والذي يبقى، فيكون للمدخر محل أو دفتر أو صندوق خاص، وما كان للنفقة يكون له محل آخر حتى لا يشتبه الأمر، فما حال عليه الحول من المدخرات من هذا الراتب، زكيته ربع العشر، من كل ألف خمسة وعشرون، وما أنفقته قبل الحول فليس عليك فيه زكاة. وما دفعته للسائلين أو إلى قراباتك بنية الزكاة وهم فقراء احتسب من الزكاة، إذا كنت نويته عند الدفع أنه من الزكاة وهن فقيرات النساء التي أعطيتهن فقيرات فإنه يحسب من الزكاة، وهكذا ما تعطيه السائلين للشحاذين، إذا كنت تحتسبه من الزكاة فإنه من الزكاة. أما ما أعطيت قراباتك أو السائلين من المال بغير نية الزكاة فإنه لا يحسب من الزكاة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل ما نوى).  
 
4- تعرفون عادة الذين أوتوا الكتاب مخالفة لعادات العرب في ذبح الذبائح، ولكن نحن نأكل من لحوم بقرهم وأغنامهم ومعزهم، فهل علينا إثم في ذلك أم لا؟
الله سبحانه أباح لنا طعام أهل الكتاب، فقال -عز وجل-: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ[المائدة: 5]، وأهل الكتاب هم اليهود و النصارى، وقد غيروا وبدلوا قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد حرفوا، ومع ذلك أباح الله لنا طعامهم والمحصنات من نسائهم، فدل ذلك على أنه لا حرج علينا أن نأكل من طعامهم، وطعامهم ذبائحهم أما الفواكه وأشباهها هذه تؤكل من جميع أجناس الناس حتى من غير أهل الكتاب، حتى الوثنيون بأصنافهم لا بأس أن نأكل من فواكههم وحبوبهم وثمارهم، بينما المحرم الذبائح، فالذبائح تحرم من غير أهل الكتاب، كالوثنيين والمجوس ومن لا دين له، هؤلاء ذبائحهم لا تحل للمسلمين مطلقا، وإنما يباح لنا ذبائح أهل الكتاب خاصة اليهود والنصارى، فإذا كنت لا تعلم كيف ذبحوا فكل والحمد لله ولا تسأل، ما دمت تعرف أن هذا من ذبائح أهل الكتاب اليهود والنصارى فيحل لك، لكن متى علمت أنهم ذبحوها ذبحا غير شرعي، مثلاً خنقوها خنقا فلا تأكل؛ لأنهم ليسوا أعز من المسلمين والمسلم لو خنقها حرمت، ولو ضرب رأسها حتى ماتت حرمت، ولو ضرب بدنها حتى ماتت حرمت، وهو مسلم كيف باليهودي والنصاري، اليهودي والنصاري أنقص من المسلم، فإذا أخل بالذبح وعرفت من ذلك أنه ذبح ذبحا غير شرعي بأن خنقها أو ضربها حتى ماتت فلا تحل، أو بوسيلة الكهرباء، نشل دمها من عروقها حتى ماتت، أو ضرب رأسها حتى فقأ رأسها فلا تحل، وكذلك لو تعاطى نوعا آخر غير هذه الأشياء المعروفة يعني غير الذبح، أو ذبحها لغير الله، أهل بها للمسيح أو للعزير أو لأصنام أخرى لا تحل، لأنه حرم ما أهل به لغير الله. أما إذا لم تعلم فأنت تأكل، أو علمت أنهم ذبحوها ذبحاً شرعياً في الحلقوم والمري والودجين، الشرعي هكذا في الحلقوم والمريء والودجين هذا الذبح الشرعي، إذا قطع الحلقوم والمريء والودجين هذا ذبح كامل، وإن قطع الحلقوم والمريء أجرأت، وإن قطع معهما أحد الودجين كان ذلك طيبا، ولكن الكمال في الذبح، أن يقطع الحلقوم والمريء والودجين جميعا، وهما العرقان المحيطان بالعنق، هذه الأربعة الأشياء إذا قطعها الذابح كان أكمل، وإن اكتفى بالحلقوم والمريء حلت على الصحيح، وإن قطع معهما أحد الودجين كذلك حلت، وإن قطع معهما قطع الأربع كلها صار هذا أكمل في الذبح. والسنة أن يسمي يقول: بسم الله، بل هذا واجب عند التسمية يسمي الله، فإذا نسي أو جهل الحكم فلا حرج، لو ذبح ولم يسم جاهلاً أو ناسياً سواء كان مسلماً أو كافراً فلا حرج. 
 
5- طلقت زوجتي والسبب أنها تخاصمت مع أمي ولدي منها أربع بنات، ولما طلقتها سافرت من المغرب إلى فرنسا، ومكثت بها ما يزيد على سبعة أشهر، ثم عدت إلى بلدي، ووجدت بناتي في أسوء حال، وأمي كبيرة في السن لا تستطيع رعايتهم، فلما وجدت تلك الحالة السيئة استرجعت زوجتي إلى أبنائها وأديت لها صداقها مرة أخرى، وهي الآن في بيتي مع أولادها، فهل علي من كفارة أو هل عملي هذا صحيح؟
إذا كان الطلاق طلقة واحدة أو طلقتين فإن العودة إليها بنكاح جديد لا بأس به، إذا كان الطلاق الذي وقع منك أيها السائل طلقة واحدة، قلت أنت طالق، أو أنت مطلقة ثم رجعت إليها بنكاح جديد لأنها خرجت من العدة فلا بأس، أو كانت طلقتين قلت أنت طالق أنت طالق أو أنت مطلقة أنت مطلقة، أو أنت طالق ثم طالق، أو أنت طالق وطالق تسمى طلقتين يبقى لها واحدة، فإذا راجعتها بعقد جديد فلا بأس، وهكذا لو قلت أنت طالق بالثلاث على الصحيح، يعتبر واحدة، خلاف قول الجمهور، الجمهور يمرورنها ويحرمونها بهذا، لكن الصحيح أنه إذا قال أنت طالق بالثلاث بكلمة واحدة أو مطلقة بالثلاث أو طلقت بالثلاث بهذا اللفظ أو بالكتابة تعتبر واحدة، لما ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان الطلاق على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- طلاق الثلاث واحدة، فلما كان عمر قال: (إن الناس قد استعجلوا في الأمر وكانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم)، أمضى عليهم الثلاث يعني بلفظ واحد، هذا القول ذهب إليه الجمهور رحمهم الله، ولكن الصواب أنها تحسب واحدة كما كان عليه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهد الصديق وأول خلافة عمر، يحسب واحدة، إذا قال: هي مطلقة ثلاثا، أو أنت طالق بالثلاث، أو كتب لها هذا، فهذا يكون طلقة واحدة على الصحيح، عملاً بحديث ابن عباس هذا، أما إذا قال أنت طالق ثم طالق ثم طالق تحسب ثلاث، يعني كررها، أو قال: أنت طالق وطالق وطالق، أو أنت مطلقة ومطلقة ومطلقة أو ما أشبه ذلك تحسب ثلاث، وإذا حسبت ثلاث لم تحل حتى تنكح زوجا آخر، إذا حسبت ثلاثا فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجا آخر نكاح رغبة، لا نكاح تحليل، بل نكاح رغبة فيطؤها، فإذا نكحها ووطأها ثم طلقها أو مات عنها حلت للأول، أما نكاح ليس فيه وطأ لا يحلها للأول، أو نكاح بنية التحليل يحللها للأول هذا نكاح باطل لا ينفع، يسمى صاحبه تيساً مستعاراً ما يصلح، ولا يحل للزوج الأول، فلا بد أن يكون الزوج الثاني زوجا شرعياً تزوجها للرغبة ثم طلقها بعد الوطء بعد النفوذ بها، أما مات عنها فإن تحل للأول بهذا النكاح الشرعي الذي فيه الوطأ وليس فيه نية التحليل.   

440 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply