حلقة 333: حكم من قال أن النبي يخطأ - أسباب النسيان - طرق لحفظ القرآن - مشروعية علم التجويد - حكم قراءة القرآن للمرأة في العذر الشرعي - حكم صيام كفارة القتل عمن قتل ومات ولم يصم

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

31 / 48 محاضرة

حلقة 333: حكم من قال أن النبي يخطأ - أسباب النسيان - طرق لحفظ القرآن - مشروعية علم التجويد - حكم قراءة القرآن للمرأة في العذر الشرعي - حكم صيام كفارة القتل عمن قتل ومات ولم يصم

1- سمعت من عالم إسلامي يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يخطئ هل هذا صحيح؟ وقد سمعت أيضاً أن الإمام مالك- رحمه الله- يقول: "كل منا راد ومردود إلا صاحب هذا القبر"، وهناك مجموعة من القضايا بودي أن أسأل عنها ولاسيما حديث الذباب: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه؛ لأن في أحد جناحية داء والآخر دواء) ، أرجو التكرم بمعالجة هذه القضايا، ولاسيما أن هناك أناساً تجرءوا على تكذيب الحديث الأخير الذي ذكرت لكم معناه؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فقد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام-ولاسيما خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - معصومون من الخطأ لما يبلغونه عن الله-عز وجل-من الأحكام, كما قال-عز وجل-: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى, فنبينا محمد-عليه الصلاة والسلام-معصوم في كل ما يبلغه عن الله من الشرائع قولاً وفعلاً هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم, وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر, وقد تقع الصغيرة لكنه لا يقر عليها بل ينبه عليها فيتركها, أما في أمور الدنيا فقد يقع الخطأ ثم ينبه على ذلك, كما وقع له - صلى الله عليه وسلم - لما مر على جماعة يلقحون قال: (ما أظنه يضره لو تركتموه) فلما تركوه صار شيصاً فأخبروه فقال-عليه الصلاة والسلام-: (إنما قلت ظناً وأنتم أعلم بأمر دنياكم أما ما أخبركم به عن الله فإني لن أكذب على الله), فبين-عليه الصلاة والسلام-أن الناس أعلم بأمور دنياهم كيف يلقحون, كيف يغرسون, كيف يبذرون, كيف يحصدون إلى غير ذلك من أمور دنياهم, كيف يعمرون مساكنهم إلى غير ذلك, وهذا الحديث رواه مسلم في الصحيح، أما ما يبلغه عن الله من أمور الدين من العبادات والأحكام هذا حلال وهذا حرام، إن الله أمر بكذا أو نهى عن كذا, أو أن هذا فيه كذا من النفع وهذا من فيه الضرر كذا هذا كله حق, ولا ينطق عن الهوى-عليه الصلاة والسلام-بل هو معصوم في ذلك-عليه الصلاة والسلام-, فقول من قال إنه يخطئ بهذا الإطلاق هذا غلط لا يجوز هذا الإطلاق ولا ينبغي أن يقال هذا الإطلاق، أما لو قال أنه قد يقع منه الخطأ في أمور الدنيا وينبه على ذلك, أو في بعض المسائل المعاصي الصغيرة هذا قاله جمهور أهل العلم, ولكنه لا يقر على الخطأ بل ينبه على ذلك فيبين للناس ما قد وقع من الخطأ, كما قد وقع في مسألة اللقاح تلقيح النخل, فبين لهم-عليه الصلاة والسلام-أنه قاله عن ظنه لا عن وحي من الله, فبين لهم أنه إذا كان ينفعهم فليعملوا به, فعلم بذلك أن أمور الدنيا إلى الناس, وأما ما يخبر به عن الله, أو يجزم به ويقول فيه كذا وكذا مثل ما أخبر عن أشياء كثيرة-عليه الصلاة والسلام-, أخبر عن الحبة السوداء أنها شفاء من كل داء, وأخبر- عليه الصلاة والسلام- عن العسل وأنه فيه شفاء كما أخبر الله به في كتابه العظيم فهذا كله حق, وهكذا ما أمر به من الأحكام من صلاة, وصوم, وزكاة, وصدقات كله حق, وهكذا ما نهى عنه من المعاصي والمخالفات كله حق بإجماع المسلمين ليس فيه خطأ بل كله حق, وكله نطق به عن حق-عليه الصلاة والسلام-، وقول مالك - رحمه الله تعالى-: "ما منا إلى راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر" هذا كلام صحيح تلقاه العلماء بالقبول, ومالك- رحمه الله- من أفضل علماء المسلمين, وهو إمام دار الهجرة في زمانه في القرن الثاني, وكلامه هذا كلام صحيح تلقاه العلماء بالقبول, كل فرد من أفراد العلماء يَرد ويُرد عليه قد يخطئ في بعض المسائل, أما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو لا يقول إلا الحق-عليه الصلاة والسلام- فليس يُرد عليه بل كلامه كل حق فيما يبلغه عن الله, وفيما يجزم به ويقول إنه كذا وكذا جازم هذا كله حق, وهكذا حديث الذباب أخبر به جازماً فقال: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ينزعه فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاء) هذا حديث صحيح رواه البخاري في صحيحه وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري, ومن حديث أنس - رضي الله عنه - وهو حديث صحيح تلقاه الأمة بالقبول, ومن طعن فيه فهو غالط وجاهل فلا يجوز أن يعول عليه, ومن قال إنه من أمور الدنيا وأنه داخل في حديث: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) فقد غلط؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جزم بهذا ما قال أظن جزم وأمر هذا تشريع من الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه قال: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه), هذا أمر منه - صلى الله عليه وسلم – وتشريع, وهو لا يغلط في الشرائع ولا يقول إلا الحق-عليه الصلاة والسلام-, ومن زعم أن هذا الحديث غلط أو مخالف للواقع فقد غلط هو وجهل وقال ما لم يحط به علماً, والرسول أعلم بذلك؛ لأنه لا ينطق عن الهوى-عليه الصلاة والسلام-, فالمشروع للمؤمن إذا وقع الذباب في شرابه من للبن أو ماءِ أنه يغمسه ثم يطرحه, ثم يشرب شرابه إذا شاء, ويأكل طعامه إذا شاء ليس فيه بأس, فالداء الذي في أحد جناحيه الذي يتقي به يزيله ما في الجناح الثاني ويبقى الشراب واللبن سليماً لا شيء فيه كما قاله المصطفى- عليه الصلاة والسلام-.  
 
2- قضية الأولياء ومن يُعتقد أنهم صالحون في بلدهم، لهم طرق يسأل عنها -سماحة الشيخ- ويرجو التوجيه لو تكرمتم؟
الأولياء هم المؤمنون, وهم الرسل-عليه الصلاة والسلام- وأتباعهم بإحسان هو الأولياء, هم أهل التقوى, هم أهل الصلاح, هم مطيعون لله ولرسول هؤلاء هم أولياء الله سواء كانوا عرباً أو عجماً, بيضاً أو سوداً, أغنياء أو فقراء, حكاماً أو محكومين هم أولياء الله, قال-سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم في سورة يونس: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ هؤلاء هم أولياء الله الذين أطاعوا الله ورسوله واتقوا غضبه فأدوا حقه, وابتعدوا عما نهى عنه- سبحانه وتعالى- هؤلاء هم الأولياء, وهم المسلمون الصالحون, وهم المهتدون, وهم أهل الإيمان والتقوى, ليسوا أهل الشعوذة ودعوى الخوارق الشيطانية, أو الكرامات المكذوبة لا ، هم المؤمنون سواء أعطوا كرامة أو ما أعطوا كرامة, أكثر الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - وهم أتقى الناس وأفضل الناس بعد الأنبياء, وهم أولياء الله ليس لهم كرامات خارقة؛ لأن إيمانهم قوي لا يحتاجون معه إلى خوارق, فليس من شرط الولاء أن يعطى خارقاً يخرق العادة بأن يعطى طعاماً من طريق لا يعرف, أو شراباً من طريق لا يعرف, أو أموالاً أو غير ذلك لا ، العلامة والصفة هي تقوى الله والإيمان بالله هذا هو الولي الذي اتقى الله- جل وعلا- فأطاع أوامره وترك نواهيه هؤلاء هم أولياء الله, وقال-سبحانه-في سورة الأنفال: وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ إن نافية معناه ما أولياؤه إلى المتقون, هؤلاء هم أولياء الله أهل التقوى الذين وحدوا الله, وأخلصوا له العبادة, وآمنوا برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ,وبسائر النبيين والمرسلين, وصدقوا بكل ما أخبر الله به ورسوله, وانقادوا لشرع الله, فأدوا ما فرض الله عليهم وتركوا ما حرم الله عليهم هؤلاء هم أولياء الله, ولكن مع ذلك ليس لأحد أن يعبدهم مع الله, فهم مخلوقون مربوبون ليس لهم تصرف في الكون, بل هم عبيد من عبيد الله كالملائكة, كما قالت الملائكة: بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ هؤلاء كذلك من الإنس عباد مكرمون, لا يجوز أن يعبدوا مع الله, فلا ينذر لهم, ولا يتمسح بقبورهم, ولا يطاف بها, ولا يدعون مع الله, كأن يقول يا سيدي اشفع لي, أو يا سيدي اشف مريضي, أو أنا في حسبك, أو أنا بالله وبك, أو ما أشبه ذلك, أو يقول المدد المدد عندما يقف على قبره من بعيد يتوجه إلى جهة بلده ويقول المدد المدد يا سيدي, أو يا فلان كل هذا من الشرك الأكبر, لا يجوز لأي إنسان أن يعبد الأولياء, أو يستغيث بهم, أو ينذر لهم, أو يطلب منهم المدد والعون والغوث هذا لا يجوز, هذا لله وحده يطلب من الله, ويجوز طلبه من المخلوق الحي الحاضر القادر لا بأس يقول يا أخي أغثني في هذا الأمر أنا عندي عائلة كبيرة, وعلي دين أغثني بقرض قال أقرضني بكذا وكذا, أو ساعدني بكذا وكذا, أو ساعدني على إصلاح السيارة تعطلت السيارة ساعدني فعلاً عنده أدوات غيار عنده معرفة يساعده في إصلاحها, أو في المزرعة يساعدك على الحرث, أو على بذر, أو على حصاد, أو في عمارة بيت تعمر بيتك يساعدك على تعمير البيت, وما أشبه ذلك من الأمور الحسية فلا بأس بهذا, كان الصحابة يتعاونون كان الصحابة يستغيث بعضهم في الحرب يقول أعني على كذا إذا تجمع عليهم جند من المشركين تجمعوا وتعاونوا في صده التعاون في قتاله, وهكذا يتعاونون فيما ينوبهم من الحاجات من الديون والحاجات الأخرى, والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته), هكذا يقول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) متفق على صحته من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -, ويقول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الآخر: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه, فالتعاون بين المسلمين أمر مطلوب, كما قال الله-عز وجل-: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى هذا ليس من الشرك, أما إذا دعوت الميت أو الغائب؛ لأنك تعتقد فيه سر, أو الجبل, أو الصنم, أو الشجر, أو الملائكة, أو إنسان حي لكن تعتقد فيه أن له تصرف ليس من جهة أمور حسية لا، بل تعتقد فيه تصرف وأنك ولو دعوته في ظهر الغيب سمع كلامك ونفعك, وأن له خصوصية في قضاء الحاجات, وأنه يعلم الغيب, أو أنه له سر يقضي به الحاجات هذا هو الشرك الأكبر, هذا اعتقاد أهل الشرك في معبوداتهم من دون الله, فالواجب التنبه لهذا الأمر, وأن يكون المؤمن عنده ميزة عنده فرق يفرق بين حال الميت وحال الحي, حال الشجر, والحجر, والصنم, وحال الحي القادر يسمع كلامك, أو تكاتبه مكاتبة, أو تكلمه بالهاتف بالتلفون, تقول أقرضني كذا, ساعدني على كذا, أو بالتلكس من هذه الوسائل الجديدة كأنه حاضر, أما أن تقول للميت, أو للشجر, أو للحجر, أو الجن, والملائكة تطلبهم وتسألهم هذا هو شرك المشركين هذا لا يجوز؛ لأنه يقع عن اعتقاد سر فيهم وأنك تراهم أهلاً لأن يتصرفوا في الكون, وأنهم عندهم مزية خاصة يستطيعون بها كذا وكذا, وإن لم تباشرهم بالكلام, وإن لم يحصل لهم قوة حسية, فهذا يقع لكثير من المشركين يعتقدون في معبوداتهم أنها تصرف في الكون, وأن لها كرامات بحيث تقضي لهم حوائجهم وتسعفهم بطلباتهم, وإن كانوا أمواتاً, وإن كانوا غائبين لا يسمعون ولا يعون, وهذا من الشرك الأكبر الذي قال الله فيه-سبحانه-: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا, وقال-سبحانه-: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ, وقال-سبحانه-: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ- سبحانه وتعالى-, فبين أن دعاء الأموات من دون الله, ودعاء الأصنام, ودعاء الأشجار والأحجار كله شرك, وفي الآية الأخرى قال كفر: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ, فوجب على كل من له أدنى بصيرة, وعلى كل مكلف, وعلى كل عاقل أن يحذر الشرك بالله بجميع أنواعه وصورة, وأن لا يدعوا إلا ربه-سبحانه وتعالى-ويخصه بالعبادة دون كل ما سواه-جل وعلا-, وأما الأمور العادية التي تقع بين الناس من طريق الأسباب الحسية فقد عرفت أيها المستمع أن هذه لا حرج فيها, هذه الأمور الحسية تقع بين الناس في أمور يحتاجون إليها, فيقول الإنسان لأخيه يسمع كلامه يقول يا أخي أقرضني كذا, ساعدني على كذا, أو يكتب له, أو يكلمه هاتفياً, أو بطريق التلكس أنك تساعدني بكذا, أو تتصل بفلان تقول له كذا, أو اشتري لي كذا هذه أمور عادية حسية لا حرج فيها. بارك الله فيكم  
 
3- إنني كثيراً ما أحفظ من الآيات من القرآن الكريم، ولكنني بعد فترة أنساها، وكذلك عندما أقرأ آية فلا أعلم هل هي صحيحة أم لا؟ ثم أكتشف بعد ذلك أنني كنت مخطئ،
المشروع لك يا أخي أن تجتهد في حفظ ما تيسر من كتاب الله, وأن تقرأ على أهل المعرفة من الإخوان الطيبين في المدارس, أو في المساجد, أو في البيت وتحرص على ذلك, يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه), فخيار الناس أهل القرآن الذين تعلموه وعلموه الناس وعملوا به, ويقول - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه: (أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان – إلى وادي في المدينة - فيأتي بناقتين عظيمتين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ قالوا: يا رسول الله! كلنا يحب ذلك، فقال-عليه الصلاة والسلام-: لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين عظيمتين, وثلاث خير من ثلاث, وأربع خير من أربع, وأمثالهن من الإبل), فهذا يبين لنا فضل قراءة القرآن وتعلم القرآن, فأنت يا أخي تتعلم تتصل بالإخوان الطيبين في المساجد, أو في المدارس, أو في حلقات تحفيظ القرآن حتى تستفيد, وحتى تقرأ قراءة صحيحة, وأما ما يعرض لك من النسيان فلا حرج عليه إذا نسيت بعض الشيء فلا حرج عليك فالبشر ينسى, يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون), وسمع مرة قارئاً يقرأ فقال: (رحم الله فلاناً لقد أذكرني آية كذا كنت قد أسقطها) يعني نسيتها, فالمقصود أن الإنسان قد ينسى بعض الآيات, والأفضل أن يقول نُسيت؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث أنه-عليه الصلاة والسلام-قال: (لا يقولن أحدكم نسيت آية كذا بل هو نُسِّي) يعني أنساه الشيطان, فلا يضرك يا أخي, أما حديث (من حفظ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -, والنسيان ليس في اختيار الإنسان، وليس في طوقه قد ينسى مهما كان, المقصود أن المشروع لك أن تجتهد وتحرص على الحفظ, وتستعين بالله, ثم بمن تيسر من الإخوان في حفظ ما تيسر من كتاب الله, ثم تدرس ذلك وتعتني به وأبشر بالخير. جزاكم الله خيراً  
 
4- يقول: أرشدوني على طريقة أحفظ بها كتاب الله تعالى؟
نوصيك بالعناية بالحفظ, والإقبال على ذلك, واختيار الأوقات المناسبة للتحفظ كآخر الليل, أو بعد صلاة الفجر, أو في أثناء الليل, في الأوقات التي تكون فيها مرتاح النفس حتى تستطيع الحفظ, ونوصك أيضاً باختيار الزميل الطيب الذي يساعدك, الزميل الطيب يعينك على الحفظ والمذاكرة, مع سؤال الله التوفيق والإعانة, تسأل ربك تضرع إليه أن يعينك, وأن يوفقك, وأن يعيذك من أسباب قطع الطريق, ومن استعان بالله صادقاً أعانه الله ويسر أمره. جزاكم الله خيراً   
 
5- أخونا يسأل أيضاً عن مشروعية علم التجويد والقواعد التي تضمنها هذا العلم ومن بينها أن الغنة تمد بمقدار حركة الإصبع؟
التجويد متلقى عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -, والقراء تلقوه عمن فوقهم, وتلقوه من فوقهم عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -, وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقوه عن نبيهم- عليه الصلاة والسلام- فهي قراءة متوارثة عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم حتى وصلت إلينا, فالمشروع للمؤمن أن يقرأ كما تلقى عن مشايخ القراءة؛ لأن هذا فيه تحسيناً للقراءة, وتجويداً لألفاظ القرآن حتى يؤديها كما نزلت, وما فيه من غنة, أو إظهار, أو إخفاء كل هذا من التحسينات ليس من الواجبات بل هو من التحسين للألفاظ والعناية بالتلاوة على خير وجه, وقد شجع النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس على الإحسان في القراءة, فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن), يعني يحسن صوته جاهراً به, وثبت عنه-عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (زينوا القرآن بأصواتكم) يعني حسنوا أصواتكم به حتى يستمده المستمع, وحتى يرتاح له المستمع, وحتى يستفيد منه المستمع, فالتجويد من الأشياء المشروعة لتحسين القراءة, ولتأثيرها في القلوب, وللتلذذ بها, ومن ذلك ما يتعلق بالغنة, ويتعلق بالمدود, ويتعلق بالتفخيم والترقيق إلى غير ذلك. بارك الله فيكم  
 
6-   إننا طالبات ندرس في مدرسة بنات، وفي حصة القرآن الكريم يأمرنا الأستاذ بقراءة القرآن ونكون في حالة العذر، ونستحيي أن نخبر الأستاذ، فنقرأ مرغمات، هل يجوز لنا هذا وإذا كان لا يجوز فكيف نعمل في أيام الامتحانات إذا صادفتنا ونحن في أيامنا
اختلف العلماء- رحمة الله عليهم- في قراءة الحائض والنفساء للقرآن الكريم, فذهب بعض أهل العلم إلى تحريم ذلك وألحقوهما بالجنب, وقالوا ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الجنب لا يقرأ؛ لأن الجنابة حدث أكبر, والحيض مثل ذلك, والنفاس مثل ذلك, فقالوا لا تقرأ الحائض, ولا تقرأ النفساء حتى تطهرا, واحتجوا أيضاً بحديث رواه الترمذي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن), وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يجوز للحائض أن تقرأ والنفساء كذلك عن ظهر قلب؛ لأن مدتهما تطول النفساء تأخذ أياماً كثيرة, والحائض كذلك تأخذ أيام وإن كانت النفساء أكثر منها, فلا يصح أن يقاس على الجنب، الجنب مدته قصيرة إذا فرغ من حاجته في إمكانه أن يغتسل ويقرأ, أما الحائض ليس في إمكانها ذلك حتى ينقطع الدم وهكذا النفساء, فهما في حاجة إلى القراءة, قالوا والحديث الذي فيه لا يقرأ (لا تقرأ الحائض ولا النفساء شيئاً من القرآن) حديث ضعيف, ضعفه أهل العلم لكونه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين والرواية عنه ضعيفة, وهذا القول هو الصواب أنه يجوز للحائض القراءة, وهكذا النفساء لما تقدم؛ لأن مدتهما تطول, ولأن القياس على الجنب لا يصح, ولأن الحديث الذي فيه النهي عن القراءة ضعيف, فعلى هذا لا بأس أن تقرأ الطالبة القرآن, وهكذا المدرسة في الامتحان وفي غير الامتحان عن ظهر قلب لا من المصحف بل عن ظهر قلب, أما إذا احتيج للمصحف فيكون من وراء حائل, تلبس قفازين تلمسه من دون القفازين, أو من وراء ثيابها الأخرى الصفيقة وتفتش عند الحاجة المصحف تنظر الآية، أو يحفظ عليها بعض زميلاتها حتى تقرأ إذا كانت لا تستطيع القراءة عن ظهر قلب, فالحاصل أنه لا بأس أن تقرأ عن ظهر قلب على الصحيح, وهكذا من المصحف من وراء حائل كالقفازين في اليدين, أو ثوب يجعل على اليدين تلمس به عند الحاجة, أو تمسك لها أختها الطاهرة حتى تطالع المصحف وهو في يد أختها الطاهرة كل هذا لا حرج فيه إن شاء الله على الصحيح من أقوال أهل العلم. جزاكم الله خيراً  
 
7- كان لي أخ يشتغل سائق في أرض زراعية، وحدث مرة أن اصطدم برجل كبير في السن فمات الرجل، سلم أخي نفسه للشرطة معترفاً بأنه اصطدم بالرجل لكن بدون قصد، فخرج أخي بكفالة، ولم يمض عام واحد حتى قتل أخي بيد طفل في العاشرة، فسامحه أبي وسامحت أمي، وكلنا سامحنا الطفل وأهله، أمي صامت شهرين متتابعين حتى تكفر عن أخي بعض ذنوبه، ما حكم صيامها، وهل علينا في جانب أخي من شيء
أحسنتم في التسامح والعفو, وأحسنت الوالدة في الصوم عن ابنها؛ لأن عليه كفارة, وهي عتق رقبة مؤمنة, فإذا لم يستطع صام شهرين متتابعين, وقد أحسنتِ والدته بصيام شهرين؛ لأن تحصيل الرقبة قد يتعسر في بعض الأحيان، وقد يعجز عنه القاتل، وهو لا يوجد إلا قليل، يوجد في بعض دول أفريقيا ولكنه قليل، فإذا تمكن من شراء العبد أو الأمة من عتق فهو مقدمٌ على الصيام، وإذا لم يتمكن صام شهرين متتابعين، ولما صامت أمك عنه فقد أحسنت في ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) يعني قريبه، وجاء أقرب الناس إليه، فقد أحسنت في ذلك. كأني بالوالدة لم تصم من أجل القتل الخطأ سماحة الشيخ، بل صامت للتكفير عن ذنوبٍ أخرى، ترشدونها إلى شيء لو تكرمتم؟ إن كانت صامت عن ابنها لأجل الصوم الذي عليه، بسبب قتل الشيخ الكبير، فهذا صحيح. فإن كانت صامت لغير ذلك هذا لا يجزي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فيستحب يشرع لها أن تصوم، أو أبوه إن كان أبوه موجود، أو أحد إخوانه، أو إحدى أخواته، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه). لو توزعت الأسرة الصيام. هذا فيه التتابع لا بد يصومه واحد. بارك الله فيكم سماحة الشيخ في ختام... 

362 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply