حلقة 296: العمل المشتبه حله من حرامه - حكم حلق اللحية - حكم أخذ الفوائد على الدين - من أنواع الجهاد للمرأة - تريد أن تقرض ووالداها يمنعانها - ضرب الطالبات الكسولات في أداء واجباتهن - حكم تأديب المعلم للطلاب بالضرب

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

46 / 50 محاضرة

حلقة 296: العمل المشتبه حله من حرامه - حكم حلق اللحية - حكم أخذ الفوائد على الدين - من أنواع الجهاد للمرأة - تريد أن تقرض ووالداها يمنعانها - ضرب الطالبات الكسولات في أداء واجباتهن - حكم تأديب المعلم للطلاب بالضرب

1- أعرض عليكم أنني مغترب، وتركت الأهل والوطن للبحث عن لقمة العيش، وكنت أعمل في شركة، وبعد فترة طلبت مني الشركة البحث عن كفيل للعمل لديه ونقله كفالتي؛ لأنها سوف تقوم بتصفية الشركة، وقد جلست مدة ثلاثة أشهر في البحث عن عمل آخر فلم أجد، وأخيراً بعد جهدٍ وعناءٍ ومشقة حصلت عملاً في جهة معينة، وقبل أن أتقدم في هذا العمل استخرت الله وصليت ركعتي الاستخارة، وقبل أن يتم نقل الكفالة على هذه الجهة كان أمامي عقبات كثيرة جداً، وكنت متوقعاً عدم نقل الكفالة، ولكن تسهلت الأمور بشكل لم أتوقعه، وتم فعلاً نقل الكفالة، وبعد أن استلمت العمل قال الناس: بأن العمل في مثل جهتك يعد حراماً، وطبعاً أنا لم أعرف ذلك نهائياً من قبل، وأنا حالي مستقيل من عملي في بلدي، ومن هنا أنا لا أستطيع ترك هذا العمل أو نقل كفالة على عمل آخر بسبب ليس في يدي، ولكن بسبب الأنظمة المتبعة، بل السفر نهائياً إلى بلدي، ما موقفي من هذا العمل؟ وما رأي سماحتكم في ركعتي الاستخارة؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فلا ريب أن المؤمن يبتلى في هذه الدنيا، تارةً بالأمراض وتارةً بالحاجة والفقر، وتارةً بتعسر الأعمال التي تعينه على لقمة العيش، وتارةً بغير ذلك، فالواجب على المؤمن عند الابتلاء التحمل والصبر ولزوم الحق والحذر مما حرم الله -عز وجل-، وقد صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)، فعليك يا أخي أن تشكر الله على ما يسر من النعمة والسراء، وأن تتحمل الصبر على ما يسوءك من قلة العمل أو صعوبة العمل، أو صعوبة لقمة العيش أو غير هذا مما يسوء الإنسان، لا بد من الصبر والتحمل. وأما استخارتك في عملٍ اشتبه عليك أمره هل تعمله أو ما تعمله فلا بأس، مشروعة الاستخارة في الأمور التي تشتبه، كأن يريد السفر ويشتبه عليه السفر هل هو صالح أم لا فيستخير، أو يريد الزواج من امرأة من بني فلان فيستخير هل زواجه بها مناسب طيب أم لا، أو يريد معاملة إنسان في تجارة فيستخير هل معاملته مناسبة أم لا، لا بأس، فهذا العمل الذي استخرت فيه إذا كان قد اشتبه عليك ولم تعلم أنه مناسب، واستخرت الله -جل وعلا- أن يشرح صدرك بما يرضيه، وأن يسهل لك هذا الأمر إن كان صالحاً مباحاً فهذا لا بأس، ثم إذا تبين لك بعد ذلك أن العمل غير صالح فلا مانع حينئذٍ من أن تستقيل وتؤثر ما عند الله، بل يجب عليك ذلك، ولكن بعد التثبت بعد سؤال أهل العلم بعد التبصر، فإذا ظهر لك بالأدلة الشرعية أو بفتوى أهل العلم المعتبرين أن هذا العمل لا يجوز، كالعمل في بنوك الربا، وكالعمل في بيع الخمور وبيع التدخين أو حق اللحى أو ما أشبه ذلك مما هو محرم، فإذا عرفت أن العمل محرم فاترك ذلك، ويعطيك الله أبرك منه، يقول الله -سبحانه وتعالى-: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[الطلاق: 3]، ويقول -سبحانه وتعالى-: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً[الطلاق: 4]، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (من ترك شيئاً لله) وفي لفظ: (من ترك شيئاً اتقاء الله عوضه الله خيراً منه)، فإذا كان هذا العمل اتضح لك بالأدلة الشرعية أو بفتوى أهل العلم المعتبرين أنه عملٌ لا يجوز فعليك أن تستقيل منه، وتلتمس عملاً آخر ولا تقل أنا ما أستطيع، ليس لك أن تعيش من الحرام، بل عليك أن تلتمس الحلال ولو سألت الناس عند الضرورة، ولو سألت الناس عند الضرورة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لقبيصة بن مخارق لما سأله: (يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجلٌ تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجلٌ أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال: فداداً من عيش ثم يمسك، ورجلٌ أصابته فاقة يعني حاجة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش)، وإذا كنت لست من أهل الغناء السابق، بل أنت من أهل الحاجة ولست من أهل الثروة، فأنت أعلم بنفسك، تحل لك المسألة من أجل الحاجة والفاقة، ولو ما شهد لك ثلاثة، ما دمت تعلم أنك من أهل الفاقة وأنه ليس عندك شيءٌ يقوم بحالك فلا مانع من أن تسأل ذوي الخير ومن تظن أنهم يستجيبون إما لأعطاءك من الزكاة، وإما مما أعطاهم الله من المال، حتى تجد ما يغنيك، ولا تحل بل تسأل ما يسد الحاجة، ومتى حصل لك ما يسد الحاجة كففت عن السؤال إلى وقتٍ آخر تحتاج فيه مع طلب العمل والجد في طلب العمل وطلب الرزق بالوسائل والطرق التي تستطيعها مما أباح الله -عز وجل -، أما أن تبقى في عملٍ محرم لأنك فقير فليس لك ذلك، وفق الله الجميع. سماحة الشيخ: إذا كان العمل يختلط حلاله بحرامه، ما الحكم والحالة هذه؟ ينظر في الأمر إن أمكنه أن يقتصر على الحلال ويميزه من الحرام يعمل بذلك، وإن كان لا يتمكن إلا من الحرام مع الحلال ....... يستقيل ويبتعد. المذيع/ نفس الحكم السابق. نعم.   
 
2- هناك أشخاص يحلقون لحاهم وهناك من يربيها من أجل الرياء -كما يقول-، ما الحكم والحالة هذه؟
الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم في الصحيحين، قال: (قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين)، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما- أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى، وقال: (وفروا اللحى، وقصوا الشوارب، خالفوا المشركين)، هكذا جاء في الحديث الصحيح، وروى مسلمٌ في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس)، فأمر -صلى الله عليه وسلم- بإرخاء اللحى، وأمر بإعفائها، وأمر بتوفيرها، وأمر بإحفاء الشوارب وقصها وجزها، فالواجب على المسلم أن يمتثل أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لأن الله -عز وجل- يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (7) سورة الحشر، ويقول -جل وعلا-: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ[المائدة: 92]، ويقول -سبحانه وتعالى-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ[النساء: 80]، فعليك يا عبد الله أن تطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما أمر وأن تنتهي عما نهى عنه، أما كونه يرائي هذا بينه وبين الله، ليس للناس إلا الظاهر، وعليه أن يتقي الله ويخلص لله في إعفاءها وتوفيرها، والله الذي يحاسبه، فالواجب عليه أن يتظاهر بالمظهر الشرعي، وأن يأخذ بالمظهر الشرعي، وأن يعفي لحيته ويوفرها، وأما كونه أراد رياءً فهذا ليس إليك، أنت لا تعلم ما في القلوب، بل الله يعلم ما في القلوب، فعليه أن يتقي الله، وأن يفعلها إخلاصاً لله وطاعةً لله ولرسوله -عليه الصلاة والسلام-. ولو فرضنا أنه فعلها رياءً فهو خيرٌ ممن حلقها، الذي حلقها تظاهر بالمعاصي والمخالفة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، أما هذا أظهر الطاعة وأظهر الخير وأخفى الرياء والله يحاسبه على نيته في الباطن، ليس للمخلوقين أن يحاسبونه، ولعله يرائي اليوم ويتوجه غداً إلى الإخلاص ويهديه الله إلى الإخلاص، لأن طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي قدرها بفعله وإظهار إعفاءها قد يغلب عليه بعد ذلك أن يقدرها في باطن أمره، وأن يخلص لله -عز وجل-، فالذي جعله يظهر الإعفاء والتوفير هو -سبحانه وتعالى- قادر على أن يجعل في قلبه الإخلاص، وأن يكون هذا العمل لوجه الله -سبحانه وتعالى-، فبكل حال إظهار الطاعة خيرٌ من إظهار المعصية، وأما الإخلاص فبين العبد وبين ربه
 
3- هناك أشخاص قدوة للجميع لكنهم يحلقون لحاهم، فما رأيكم؟
إذا عصى العالم ربه فليس بقدوة فيما عصى فيه ربه، اليهود علماء ومع ذلك عصوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يستجيبوا للحق فعابهم الله وغضب عليهم، فمن شابههم من العلماء فله نصيب من غضب الله بقدر معصيته، ومن شابه النصارى في التعبد بالجهالة والإعراض عن الدين فله نصيبه من الضلالة والتشبه بالنصارى، ولهذا قال سفيان بن عيينة -رحمه الله- أو الثوري: (من فسد من علماءنا ففيه شبهٌ من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبهٌ من النصارى)، فالواجب على المسلم أن يحذر الشبه بالطائفتين جميعاً، فإذا وجد من العالم معصية فلا يتأسى المعصية، بل ينصحه ويدعوا الله له بالهداية، ويجتنب الاقتداء به في ذلك، فالقدوة هو الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هو العالم المتبع لا العالم العاصي، فإذا عصى في حلق لحيته أو في إسبال ثيابه أو في أشياء أخرى من الأمور فالعامي لا يقتدي به في ذلك، بل يتأسى بأهل العلم الموفقين الذين اتقوا الله وتابعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم-. والأسوة في الحقيقة بالرسول، لأنه هو الأصل، هو الإمام -عليه الصلاة والسلام-، والعلماء الذين اتبعوه إنما اتبعوه لأنه أسوة -عليه الصلاة والسلام-، ولأنه الإمام المقتدى به، فأنت إذا اتبعت العلماء الطيبين في إعفاء اللحية وفي كل ما شرع الله فأنت بهذا متبعٌ للرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي تابعه العلماء في الحق، تابعوه فيما شرع لهم -عليه الصلاة والسلام-.   
 
4- شخص اقترض مبلغاً من شخصية اعتبارية، حوالي مليون ريال، تحت حساب ما يسمى جاري مدين، وبعد فترة اضطرته الظروف ولم يتمكن من التسديد، فوجد هذه الشخصية طيلة هذه المدة تأخذ فوائد بمعدل (10%)، فيرغب الانتهاء، فما هو العمل؟ كما أن الشخصية لم تعطه هذا المبلغ إلا مقابل عقار، والعقار أصبح الآن لا يساوي شيئاً، وإذا أرادت الشخصية أن تخصم الفوائد من رأس ماله فما الحكم أيضاً؟ أفيدونا عن هذه الأمور لو تكرمتم.
ليس للشخصية التي أشرت إليها أو اقترضت منها ليس لها أن تأخذ الفوائد، وليس لك أن تستجيب لها في ذلك لو طلبت، إنما عليك أن تؤدي المال الذي أخذته منها برأسه فقط، من دون زيادة متى يسر الله لك، وزال العسر، والله يقول -سبحانه وتعالى-: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ[البقرة: 280]، فعلى الجهة التي أقرضتك أن تنظرك حتى يتيسر أمر العقار فيباع فتوفي أو يتيسر لك أمرٌ آخر فتوفي منه، وأما أن تعطيهم فائدة من أجل التأخير فليس لك ذلك، وليس لهم ذلك، بل هذا عين الربا الذي كانت تفعله الجاهلية، وقال الله فيه -سبحانه وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ[البقرة: 278- 279] سورة البقرة، هذا الربا الذي تريد الجهة أن تحملك إياه لا يجوز تحمله، بل يجب إسقاطه عليك وعليهم، وعليك رأس المال أن تؤديه إليهم ويكفي، وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ لا تظلمون ببخس رأس المال، أو تأخيره بغير حق، ولا تظلمون بتحميلكم الفائدة الزائدة، لا هذا ولا هذا، وإذا أبت هذه الجهة فعليك أن تحاكمها إلى المحكمة الشرعية.  
 
5- إنني فتاةٌ ملتزمة، وقد هداني الله إلى طريق الحق، وحبب الله في قلبي الإيمان، حتى أصبحت أتقدم إلى كل عملٍ صالحٍ يقربني إلى الله، ولكن هناك أعمالٌ صالحة لم أستطع أن أصل إليها وذلك لأنني امرأة، فمثلاً: عظمت منزلة المجاهد في سبيل الله عند الله، وإنني أحب أن أكون في منزلتهم، والغريب في ذلك أن الأنبياء والصالحين اغتبطوا المجاهدين لعظم منزلتهم عند الله، وهم على منابر من نور، فسؤالي: هل هناك عملٌ للمرأة يعادل منزلة المجاهد سواءً كانت المرأة متزوجةً أو غير متزوجة؟ وهل المرأة إذا تمنت الجهاد وتوفاه الله بعد ذلك كتبت في منزلة الشهداء؟
أرجو لك أيها الأخت في الله الخير العظيم، وأن يكتب لك مثل أجر المجاهدين، لأن العبد إذا نوى الخير ومنعه مانعٌ شرعي أو مانعٌ حسي كالمرض فإنه يكتب له أجر العاملين، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح في غزوة تبوك: (إن في المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم حبسهم العذر)، قالوا: وهم في المدينة؟ قال: (وهم في المدينة)، وفي اللفظ الآخر: (إلا شركوكم في الأجر)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (إن العبد إذا مرض أو سافر كتب الله له ما كان من يعمل وهو صحيح مقيم)، هذا من فضل الله -عز وجل-، وقال في الحديث الصحيح: (الدنيا لأربعة ثم ذكر الأول: رجلٌ أعطاه الله مالاً وأعطاه علماً فهو يتقي في ماله ربه ويصل فيه -رحمه الله- ويعمل فيه بمقتضى العلم) هذا في أرفع المنازل، (ورجلٌ أعطاه الله علماً ولم يعطه مالاً فكان يقول: لو كان لي من المال مثل فلان لعملت فيه مثل عمله، قال: هذا بنيته فهما في الأجر سواء)، فأنت قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما قالت عائشة يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد، قال -عليه الصلاة والسلام-: (عليكن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة)، فجهادكن الحج والعمرة، فإذا تيسر لك الحج أو العمرة ووافق زوجك على ذلك، فهذا من الجهاد في حقكن، وعليك الجهاد بالمال إذا كان عندك مال تساعدين بالمال حسب الطاقة، فيكون لك أجر الجهاد بالمال، تسلمين من المال ما تستطيعين من الجهات التي تقبض المال للمجاهدين، ويكون لك نصيب المجاهدين وأنت تجاهدين بالمال، ونرجوا لك أيضاً أجر المجاهدين بأنفسهم لأنه منعك من الجهاد بالنفس العذر الشرعي، وهو أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن عليكن جهادٌ لا قتال فيه الحج والعمرة، وأن الله أسقط عنكن الجهاد بالنفس، وجعل عليكن الجهاد بالحج والعمرة والمال، كما في النصوص الأخرى لقوله -سبحانه-: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ[التوبة: 41]. وقد اختلف العلماء هل على المرأة جهادٌ بالمال على قولين، والأقرب والأرجح أن عليها جهاد بالمال لأنها داخلة في العموم، إذا كان عندها مالٌ وعندها سعة فإنها تجاهد من مالها مع قيامها بما يسر الله من الحج والعمرة. أختنا سماحة الشيخ تركز على موضوع كونها امرأة، والذي فهمته من سماحتكم أنها وإن كانت امرأة فعندما تحسن النية فإن لها ما للرجال؟ نعم، لأنه منعها العذر الشرعي، فإذا تركت الجهاد من أجل العذر الشرعي، وهي تود ذلك وتريده لولا هذا العذر كتب الله لها أجر المجاهدين، كالشيخ الكبير والمريض إذا كان حبسه العذر وهو يريد الجهاد لولا العذر كتب الله له أجر المجاهدين، والحمد لله، هذا فضله -سبحانه وتعالى-. كأني بالشيخ يقول: إن المرأة إذا أحسنت النية فقد تصل إلى مراتب لا يصل إليها الرجال. نعم، نعم، بنيتها.  
 
6- لقد عرفت منزلة المقرض عند الله، وأحب أن أخوض في هذا العمل، ولكن المشكلة أن والداي لا يرضيان بذلك؟
لك أن تقرضي من غير علمهما، لأنهما ليسا لهما أن يمنعاك من الأمر الشرعي، ولكن ينبغي أن تظهري طاعتهما في ذلك حتى لا يكون بينكما شر، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما الطاعة في المعروف)، وليس من المعروف منعك من التوسيع على إخوانك في الله وأخواتك في الله، ليس هذا من المعروف، وإذا كانا يخشيان ذهاب المال، فاحتاطي وأقرضي بالرهن بالضمان جمعاً بين المصالح، بين حفظ مالك وبين إرضاء والديك، وإذا كان لا يسمحان ولو بالضمان ولو بالرهن فأقرضي سراً ولا حرج عليك في ذلك. بارك الله فيك، هذا إذا كان القرض للبشر، لكن إذا كان لله -سبحانه وتعالى-. هذا العمل الصالح، تجتهد في الأعمال الصالحة مطلقاً، لكن إذا كان والداها لا يرضيان بأن تصوم مثلاً، ويقولان إن هذا يشق عليك أو كذا أو كذا فإنها تصوم سراً ولا تبدي لهما شيئاً من ذلك، أو في أيام الشتاء حتى لا يفطن لذلك، لأن طاعة الوالدين لها شأنٌ عظيم، وهما لهما العناية العظيمة بأولادهما من الرحمة والعطف والخوف على الولد والبنت، فإذا جاملتهما وأظهرت الموافقة على رأيهما فلا بأس بذلك من باب المجاملة، ومن باب تطييب النفس، حتى لا يكون في نفوسهما عليهما شيء، وهي تنهتز الفرص في الأوقات المناسبة، وإذا تركت الصيام طاعةً لهما فلا شيء، يرجى لها في ذلك الخير العظيم وثواب الصائمين، إن لم يتسير لها أن تصوم سراً لأنهما يعرفان ذلك، تدع الصيام ولا تشاق والديها، ليس لها أن تشاق والداها بل تلاحظ رضاهما، لأن برهما واجب، والصوم النافلة تطوع، فإذا كانا لا يسمحان ويشق عليهما وربما ضرباها أو هجراها تترك ذلك، من باب ترك المستحب لحفظ الواجب. إذن القرض في جانب الله –تعالى- لا يقتصر على القرض المادي المعروف للدينار والدرهم. نعم، نعم، إن تقرضوا الله قرضاً حسناً بالطاعة.  
 
7- أنا معلمة وقد قمت بواجبي في التعليم ابتغاء رضى الله، فلم أقصر فيه أو أتهاون عن بعض، ولكن قد تعتريني بعض المشكلات، فمثلاً: الطالبة تكون غير مجتهدة أو لم تؤد واجبها، فأنا بطبيعة الحال أقوم بضربها حتى لا تكرر هذا الإهمال، فما حكم ضرب الطالبات لتأديبهن، وما صحة قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (العصا لمن عصى)؟ نسبت هذا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أرجو أن تفيدوها سماحة الشيخ.
لا شك أن الواجب على المعلمة تحري أسباب نجاح الطالب والطالبة، فإذا كانت الطالبة تقصر وتتساهل في أداء واجبها فعليك أن تنصحيها وتوجهيها، وإذا لم ينفع النصح ولم تتأثر بالكلام فلا مانع من تأديبها التأديب الذي يعينها على أداء الواجب من دون خطر، تأديب ليس فيه خطر لا جرح ولا كسر ولكن تأديبٌ يحصل به المقصود، من تشجيعها على العمل، وتنشيطها على العمل، وأنت مأجورةٌ في ذلك، كما يؤدب الإنسان ولده على الصلاة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مروا أبناءكم لصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)، فالضرب للتأديب وكما يؤدب الرجل زوجته للقيام بحقه، أو بحق الله - سبحانه وتعالى -، لا بأس بها، فهذا من هذا الباب، تأديب الطالب وتأديب الطالبة عند وجود التقصير منهما والتساهل أمرٌ مطلوب، وفي مصلحتهما، لكن مع مراعاة عدم الخطر ذلك، وأما قولك في الحديث: (العصا لمن عصى)، فليس بحديث وليس بوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هذا من كلام العامة.  
 
8- عن تربية المعلم للتلاميذ يدور حديث وحديث في الصحافة وفي وسائل الإعلام، وكانت نتيجة ذلك الحديث أن ذهبت هيبة المعلم، وأصبح في مكان خوف من قبل بعض الطلبة الذين لم يؤدبوا كما يجب، لعل لسماحة الشيخ رأي في هذا وفقاً لشرع الله؟ الشيخ: وما هو الحديث؟ المذيع/ الحديث: أن تلك الصحافة أو وسائل الإعلام تلك لا ترى أن يقوم المعلم بضرب الطالب إطلاقاً. يعني يخوضون في هذا؟ المذيع/يخوضون في هذا حتى أن الطلبة قرؤوا هذا فأصبح المعلم بدون شخصية أمام تلاميذه
هذا خطأٌ من الصحافة، وهذا خطأ من الخائضين، بل ينبغي لمن يتكلم في هذا الشأن أن ينصح الطالبة والطالبات وأن يقول لهم عليهم أن يتقوا الله وعليهم أن يؤدوا الواجب، وعليهم أن يعينوا الأستاذ ويعينوا المُدرسة على ما ينفعهما، على ما ينفع الطلبة هكذا ينبغي، وعلى المعلم وعلى المُدرسة أن يقوما بالواجب من التأديب عند تمرد الطالب والطالبة، وعند عدم اكتراث الطالب والطالبة بما يوجه إليه الأستاذ أو المدرسة، هذا هو الواجب على من يتكلم في الصحافة، فيكون مع هؤلاء ومع هؤلاء، ينصح الطلبة والطالبات ويأمر الجميع بتقوى الله والعناية بالطلب والحرص على أداء الواجب، وأن يقوم بما وكل إليه، وأن يعد ما ينبغي أن يعده، وأن يحرص ويبذل وسعه، وعلى المعلم وعلى المعلمة أن ينظرا في ذلك فإذا ظهر لهما من الطالب أو من الطالبة أنهما مقصران وأنهما لم يبذلا الواجب فإنهما يؤدبان، أما لو كان الأمر بخلاف ذلك، يعني كان الطالب مقصر ما في حيلة، والمطلوب يعجز عنه مثل صغر سنه، وعدم تحمله هذا الشيء، فينبغي له أن يقدروا له ذلك، وأن ينصحوا الجهات المختصة بأن تخفف هذا المقرر، وتعوض عنه بمقرر آخر، أو تحذف ما يشق على الطالب ولا يتحمله الطالب؛ لأن الطالب له قدرة محدودة، فلا بد من كون المعلم أو المعلمة ينظران في هذا الأمر، فلا يحملان الطالب ما لا يحتمل، ولا يحملان الطالبة ما لا تحتمل، ولكن يكونان مع الطالب في الأمر الموافق، ومع الطالبة في الأمر الموافق، ويقومان عليه في الأمر الذي يريان أنه مقصرٌ فيه، هذا هو الواجب. لا هذا ولا هذا، لا الغلو في الأمر حتى يؤدب كل أحد، ولا التقصير حتى لا يؤدب كل أحد، ولكن من استحق التأديب لا يؤدب، ومن كان لا يقوى، ولا يستفيد أنه يقوى فهو يعامل بطرق أخرى من النصيحة أو العناية بالجهة المختصة حتى تخفف وتزيل العقبة التي لا يتحملها هذا الطالب أو هذه الطالبة، المقصود المعلم طبيب والمعلمة طبيبة، لا بد أن ينظرا في الأمر، فيؤدبا حيث يكون التأديب في محله، ويتوقفا عن التأديب حيث لا يكون في محله.

403 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply