حلقة 392: مصير االأطفال في الآخرة - حكم سماع الأنشيد المصحوبة بالموسيقى - حكم متابعة المأمومين للإمام إذا زاد ركعة خامسة - حكم القنوت في صلاة الفجر - ما حكم من أفطر سهواً في نهار رمضان

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

42 / 50 محاضرة

حلقة 392: مصير االأطفال في الآخرة - حكم سماع الأنشيد المصحوبة بالموسيقى - حكم متابعة المأمومين للإمام إذا زاد ركعة خامسة - حكم القنوت في صلاة الفجر - ما حكم من أفطر سهواً في نهار رمضان

1- كثيراً ما يتحدث الناس عن الأطفال، عن أمراضهم وعن عاهاتهم، وأيضاً عن مصيرهم في الآخرة، ماذا يقول سماحة الشيخ حتى يصحح عقيدة الذي يخطئون ويقولون: إن الأطفال لا ذنب لهم، فكيف يمرضون وكيف يصابون بالعاهات، وما هو مصيرهم في الآخرة؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله, وصلى الله وسلم على رسول الله, وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه, أما بعد: فإن الله-عز وجل- أخبر عن نفسه، بأنه حكيم عليم، وأنه- جل وعلا -يبتلي عباده في السراء والضراء, والشر و الخير، يختبر صبرهم, ويختبر شكرهم، والأطفال وإن كانوا لا ذنب عليهم, فالله يبتليهم بما يشاء لحكمة بالغة، منها اختبار صبر آبائهم, وأمهاتهم, وأقاربهم, واختبار شكرهم، وليعلم الناس أنه-جل وعلا-حكيم عليم يتصرف في عباده كيف يشاء، وأنه لا أحد يمنعه من تنفيذ ما يشاء- سبحانه وتعالى-، في الصغير والكبير، والحيوان والإنسان، فما يصيبهم من أمراض وعاهات لله فيه حكمة بالغة، التي منها يعلم الناس قدرته على كل شيء, وأنه يبتلي في السراء والضراء حتى يعرف من رزق أولادا سالمين فضل نعمة الله عليه، وحتى يصبر من ابتلي بأولاد أصيبوا بأمراض فيصبر ويحتسب فيكون له الأجر العظيم، والفضل الكبير، على صبره واحتسابه وإيمانه بقضاء الله وقدره، وحكمته، وأما مصيرهم في الآخرة فهم تبع أهليهم, فأولاد المسلمين في الجنة مع أهليهم, أجمع على هذا أهل السنة والجماعة، حكى الإمام أحمد وغيره من إجماع أهل السنة والجماعة على أن أولاد المسلمين في الجنة، أما أولاد الكفار، فقد سئل عنهم النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقيل له: يا رسول الله! ما ترى في أولاد المشركين، قال: الله أعلم ما كانوا عاملين، قال أهل العلم: معناه أنهم يمتحنون يوم القيامة حتى يظهر علم الله فيهم يوم القيامة، فهم من جنس أهل الفترات الذين لم تأتيهم الرسل، ولم تبلغهم الرسل، وأشباههم ممن لم يصل إليه رسول، فإنهم يمتحنون ويختبرون يوم القيامة، بأوامر توجه إليهم، فإن أجابوا صاروا إلى الجنة وإن عصوا صاروا إلى النار، وقد ثبت هذا في أحاديث صحيحة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعند هذا يظهر علم الله فيهم فيكونوا على حسب ما ظهر من علم الله فيهم، إن أطاعوا صاروا إلى الجنة, وإن عصوا صاروا إلى النار، هذا هو المعتمد فيهم, وهذا هو القول الصواب فيهم، وقال جماعة من أهل العلم: إنهم يكونوا في الجنة؛ لأنهم لا ذنب عليهم، فيكونون في الجنة كأولاد المسلمين, ولكنه قول مرجوح, والصواب أنهم يمتحنون ويختبرون يوم القيامة؛ لأن الله قال-سبحانه-:كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً(الإسراء: من الآية15)، فهو لا يعذب إلا بمعصية من المعذَّب، أو كفر من المعذَّب، والأطفال ليس منهم معصية ولا كفر، فلهذا يمتحنون يوم القيامة كما يمتحنوا الذين لم تبلغهم دعوة الرسل، فيمتحنون يوم القيامة بما يظهر أمر الله فيهم من طاعة أو معصية، والله ولي التوفيق.  
 
2- ابنتي تذهب إلى الروضة، رياض الأطفال، ولكن من بين الأشياء التي يؤدونها بالروضة أن المدرِّسة تفتح لهم المسجل، وتسمعهم الأناشيد الغير مبتذلة، مثلاً عن الأم والوطن وما شابه ذلك، ولكن تلك الأناشيد تكون مصحوبة بالموسيقى، فهل يجوز لي أن أدع ابنتي تذهب، وهل يكون علي ذنب إذا استمعت لمثل ذلك؟
هذا غلط من المدرسة, أما سماع الطفلة للأناشيد السليمة فلا حرج في ذلك، وهكذا الطفل، وهكذا غيرهما من الأناشيد التي ليس فيها محرم, إنما هي للتشجيع على الأخلاق الفاضلة, أو ما يتعلق بواجب الوطن عليهم، وواجب دولتهم ونحو ذلك، أما اصحابها بالموسيقى هذا غلط ولا يجوز، والواجب على القائم على الروضات منع ذلك، حتى لا يبقى هناك مانع من مجيء الأطفال إليهم، فعليك أنت وإخوانك أن تتصلوا بالمسئولين عن هذه الروضات حتى يمنعوا هذا الشيء؛ لأن هذا لا حاجة إليه, ويربي الأطفال الصغار على حب الموسيقى, والتلذذ بها, واستماعها بعد ذلك، فالطفل على ما ربي عليه، فعليكم أن تتصلوا بالمسئولين عن المدارس حتى يمنعوا ذلك, وحتى تسلم هذه الروضات مما يخالف شرع الله-سبحانه وتعالى-.  
 
3- اختلفت مع زميل لي في كيفية صلاة الجماعة لشخصين مثلاً، وفي وقت صلاة العصر إذا علمنا أن أحدهم قد نسي ولم يصل الظهر، ولكنه استدرك في وقت العصر، والسؤال: هل يدخل في صلاة الجماعة مع زميله لصلاة العصر على أن ينوي هو بصلاة الظهر، ثم بعد الفراغ منها يصلي العصر أم لا؟
ثانياً: أيهما يؤم الثاني إذا هم للجماعة، وكل منهما ينوي صلاة معينة، كأن نوى الأول لصلاة الظهر، والثاني لصلاة العصر، علماً أن كلاً منهما مستوفياً لشروط الإمامة؟
الجواب: نعم، إذا كان هكذا فلا مانع من أن يصليا جماعة، وأيهما أم صاحبه فلا بأس، فإن أم من يريد العصر صلى خلفه من عليه الظهر بنية الظهر، فإذا فرغ صلى العصر بعد ذلك حسب الترتيب الشرعي، وإن أم من عليه الظهر لكونه أقرأ أو أسن أو نحو ذلك صلى خلفه من عليه العصر في وقت العصر صلاها بنية العصر، هكذا يجب.
 
4- إذا قام الإمام بعد إتمام الصلاة وقبل السلام، وهم بأن يأتي بركعة زيادة عن الصلاة، واستدرك المأمومون بذلك وأرادوا التنبيه عن سهوه بقول سبحان الله، ولكنه مع ذلك أصر على الوقوف للزيادة، فما حكم ذلك، وماذا يعمل المأمومون بعده؟ أفيدونا أفادكم الله؟
الواجب على المأموين التنبيه؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: (من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال, ولتصفق النساء)، فالواجب على الإمام إذا نبوه أن يرجع إلا إذا كان يعتقد أنه مصيب وأنهم مخطئون فإنه يعمل بصواب نفسه لاعتقاده ويستمر حتى يكمل الصلاة باعتقاده، والذين نبهوه إن كانوا متيقنين أنه أطال وأنه مخطئ لا يقومون معه يجلسون يقرؤون التحيات, ويصلون على النبي-صلى الله عليه وسلم-, ويدعون, وينتظرونه حتى يسلموا معه؛ لأنه معذور وهم معذورون، هم معذورون باعتقادهم أنه مخطي، وهو معذور باعتقاده أنه مصيب وأنهم مخطئون، فكل منهما معذور باجتهاده وتقينه بزعمه صواب نفسه، فإذا سلم سلموا معه، أما إن كان ما عنده يقين, فالواجب عليه يرجع إذا كان من نبهه اثنين فأكثر، عليه أن يرجع إذا كان ليس عنده يقين إنما ظن فإنه يرجع كما رجع النبي-صلى الله عليه وسلم-لقول ذو اليدين لما نبهه, وسأل الناس وصوبوا ذو اليدين رجع النبي-صلى الله عليه وسلم-وأتم صلاته, ولم يعمل بقول ذي اليدين؛ لأنه واحد الواحد لا يلزم الرجوع إليه إلا إذا اعتقد الإمام أنه مصيب رجع، أما إذا كان المنبه اثنين فإنه يرجع لقولهما, ويبني على قولهما ويدع ظنه هكذا الواجب, وأما المأمومون فإنهم لا يتابعونه في الخطأ لا في الزيادة ولا في النقص، إن كان فيه زيادة يجلسون حتى يسلم ويسلموا معه، وإن كان فيه نقص ولم يمتثل وجلس في الثالثة من الظهر مثلاً أو العشاء, أو العصر، أو جلس في الثانية من الفجر أو الجمعة ولم يطعهم فإنهم يقومون يكملون، يكملون صلاتهم ويتمونها وإن خالفونه؛ لأنه أخطأ باعتقادهم.  
 
5- أصلي بجماعة وهو يصرون على قراءة دعاء القنوت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح، إلا أن يقيني من هذا الدعاء وحسب علمي من بعض المصادر الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأه في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح عند الابتلاءات فقط، فهل أعمل برأيهم وأخالف السنة، أم أعمل برأيي وأصيب السنة، أم أتنازل عن الإمامة تفادياً للخلاف؟ أفيدونا أفادكم الله؟
عليك أن تعمل بالسنة، وأن تنبههم على هذا، وترشدهم إلى ذلك، بالأسلوب الحسن، فإن القنوت دائماً في الفجر ليس من المشروع، بل هو محدث، ثبت في مسند أحمد- رحمه الله-, وسنن الترمذي, والنسائي, وابن ماجه عن سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي عن أبيه، أن سعداً قال: يا أبت! إنك صليت خلف رسول الله-صلى الله عليه وسلم-, وخلف أبي بكر, وعمر, وعثمان, وعلي- رضي الله عن الجميع-، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني محدث، فبين طارق أن هذا محدث، وثبت من حديث أنس, ومن حديث غير أنس كأبي هريرة, وجماعة أنه- صلى الله عليه وسلم-كان يقنت في النوازل في الصبح وغيرها, فإذا وقع ابتلاء من عدو وقع بالمسلمين, أو نزل بالمسلمين, أو سرية قتلت من المسلمين, أو ما أشبه ذلك، يدعو الأئمة في المساجد في الركعة الأخيرة في الفجر بعد الركوع بقدر النازلة، أياماً أو شهراً أو نحو ذلك، ثم يمسكون ما يستمرون، هذا السنة عند الحاجة والنازلة يدعى ويقنت لكن من غير استمرار, أما الاستمرار دائماً دائماً فهذا خلاف السنة، فعليك أن تقنعهم, وأن توجههم إلى الخير، فإذا لم يقنعوا ولم يحصل التئام بينك وبينهم فلا مانع من الانتقال عنهم إلى مسجد آخر وعدم مخالفة السنة.  
 
6- ما حكم من أفطر سهواً في نهار رمضان وأكمل باقي يومه صائماً، وما حكم من أفطر سهواً في صيام القضاء ولكنه أكمل باقي يومه صائماً أيضاً؟
إذا أكل الصائم أو شرب ناسياً في رمضان، أو في قضاء رمضان، أو في النذر, أو في الكفارات فصومه صحيح، يكمله ولا شيء عليه؛ لأنه ثبت في الصحيحين عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)، هكذا جاء في الصحيحين، وهذا من أصح الأحاديث عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-, وفي لفظ آخر خارج الصحيحين عند الحاكم وغيره: (من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)، هذا هو المعتمد.
 
7- هل يجوز قضاء أيام من رمضان يوماً بعد يوم؟
نعم يجوز، المتابعة أفضل إذا تيسر ذلك، فإن فرق بين أيام القضاء فلا بأس؛ لأن الله قال- جل وعلا-: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ(البقرة: من الآية185)، ولم يقل متتابعة-سبحانه وتعالى-، قال: فعدة، هذا يشمل المتتابعة والمفرقة، فالأمر في هذا واسع والحمد لله.
 
8- نويت العمل في المملكة، لكن الخروج من السودان لا يتم إلا عن طريق الحج، فحضرت وحجيت وبقيت أطلب العمل حتى الآن، ما حكم الحج والحالة هذه؟
لا بأس والحمد لله نويت الحج ولو كان لك نية أخرى، فإذا خرج الإنسان من بلده للحج، و لقصد آخر للتجارة, أو العمل, أو زيارة الأقارب فالأمر في هذا واسع والحمد لله, حجك صحيح، ونسأل الله أن يسهل لك العمل النافع المفيد المباح. لكن هذا يصوره أخانا في صورة احتيال سماحة الشيخ؟ جعله طريقاً ما فيه بأس، جعله طريقاً للعمل لا بأس، كأن يجعله طريقاً للتجارة، هو ملزوم يريد التجارة لكن لا طريق إلا الحج، فحج يؤدي المناسك وليتجه، صرح العلماء بهذا وأنه لا حرج، المكاري, والتاجر, وغيرهم.  
 
9- شائع لديهم أن الذي ليس له شيخ شيخه شيطان، وهكذا يستمر في التفصيل ويطيل في هذا الموضوع، بما توجهونهم سماحة الشيخ لو تكرمتم؟
هذا غلط عامي، وجهل فإن الإنسان إذا تعلم وتبصر في دينه، بسماع الحلقات العلمية، أو بتدبر القرآن واستفاد من ذلك، أو بقراءة السنة واستفاد من ذلك، ما يقال شيخه الشيطان، يقال قد اجتهد, وقد فعل ما ينبغي, لكن ينبغي له أن يجتهد في الاتصال بالعلماء, وسؤالهم علماء المعروفين بالعقيدة الطيبة؛ لأنه إذا كان ما يسأل أهل العلم قد يغلط كثيراً، لاعتماده على فهمه, وإذا حضر حلقات العلم وحضر المواعظ فله شيوخ كثيرون, فإن صاحب الحلقة العلمية, وخطبة الجمعة شيخ للسامعين، فلا يقال أنه ليس بشيخ لهم، الذي يحضر حلقات العلم, ويسمع خطب الجمع، وخطب الأعياد، والمحاضرات التي تعرض في المساجد وفي غيرها هؤلاء كلهم شيوخ له يستفيد منهم، وإذا اختص بأحد من علماء السنة، ليسأله عما أشكل عليه كان هذا من الكمال والتمام، ولا يقال من ليس له شيخ شيخه الشيطان، كل هذا ما له أصل، فإن طالب العلم لا بد أن يكون له شيوخ يسألهم ويستفيد منهم، والإنسان ما يتعلم بنفسه فقط، لا بد يحتاج إلى سماع العلماء في حلقاتهم, وفي خطبهم, وفي غير ذلك.   
10- أخذت من شخص قطعة أرض لكي أزرعها، واشترط علي أن أعطيه الزكاة سواء كان فقيراً أم غنياً، فقد أعطيته، فهل أديت الواجب علي وهذه الحالة أم لا؟
هذا العقد باطل، ولا يجوز أن تزرع أرضه بشرط أنك تعطيه الزكاة هذا لا يجوز، تتفق معه على الأجرة التي ترضاها ويرضاها ويكفي، أما شرط الزكاة فلا، ولو كان فقيراً ما يجوز صرف الزكاة له؛ لأن الفقراء كثيرون وهذه إجارة معاملة ما تكون بالزكاة تكون بأجور أخرى, وإذا كان فقيراً فلك أن تعطيه بغير شرط، لك أن تعطيه من الزكاة إذا أردت ذلك من دون شرط ولا يلزم، لك أن تعطي غيره من الفقراء, المقصود لا يجوز شرطها في الأجرة أبداً، لا قليلاً ولا كثيرا، بل يجب أن تكون الأجرة من غير الزكاة متفق عليها بينكما، أما كونك تعطيه من الزكاة أم لا هذا شيء آخر، لك أن تعطيه إذا كان من أهلها, ولك أن تحرمه وتعطي غيره، ليس عليك جناح في هذا، ولا يجوز أن تربط بالإجارة من كل الوجوه.  
 
11- لقد وجد بعض الناس عندنا وهم يحتكرون السلع الاستهلاكية وقت الوفرة، خاصة الحبوب، ثم القيام بتخزينها حتى تتصاعد أسعارها وتصبح جنونية -كما يقول- فيبيعونها وهم في أماكنهم بما يشتهون، فبماذا ينصح الإسلام أمثال هؤلاء، وما هو موقف الشرع من كسبهم هذا؟
المحتكر هو الذي يشتري السلع وقت مضايقة الناس، وقد جاء في الأحاديث لعن ذلك، والوعيد فيه، والنبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يحتكر إلا خاطئ)، وقال: (من احتكر فهو خاطئ)، أي فهو آثم، قال العلماء: "هم الذين يشترون السلع من الطعام ونحوه مما يحتاجه الناس في وقت الشدة، ويخزنه إذا اشتد الغلاء حتى يبيعه بأكثر هذا ما يجوز ومنكر وصاحبه آثم, ويجب على ولي الأمر-إذا كان في البلاد ولي أمر ينفذ أمور الشرع- أن يمنعه من ذلك، وأن يلزمه ببيع الطعام بسعر المثل، بسعر الوقت الحاضر الذي في الأسواق ولا يمكنه من خزانته, هذا إذا كان في وقت الشدة, أما الذي يشتري الطعام أو غير الطعام مما يحتاجه الناس في وقت الرخاء وكثرته في الأسواق وعدم الضرر على أحد، ثم إذا تحركت السلع باعه مع الناس من دون أن يؤخره إلى شدة الضرورة بل متى تحركت وجاءت الفائدة باعه فلا حرج عليه، وهذا عمل التجار من قديم الزمان وحديثه.
 
12- هناك من يقول بحرمة مصافحة المرأة الأجنبية، فهل هذا الكلام صحيح ونرجو الدليل؟
مصافحة النساء الأجنبيات لا تجوز، ولا شك في ذلك، وقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إني لا أصافح)، لما بايع النساء، ومدت له النساء يدها، قال: (إني لا أصافح النساء)، فدل ذلك على أنه لا يجوز، والمسلمون يتأسون به-صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وقالت عائشة- رضي الله عنها- فيما ثبت في الصحيح، لما ذكرت البيعة للنساء قالت: "وما مست يده يد امرأة قط، ما كان يبايعهن- عليه الصلاة والسلام- إلا بالكلام"، فهذه سنته- عليه الصلاة والسلام- عدم مصافحة النساء لا في البيعة ولا في غيرها، والله يقول- سبحانه-: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ(الأحزاب: من الآية21)،ويقول-صلى الله عليه وسلم-: (من رغب عن سنتي فليس مني)؛ ولأن مصافحتهن فتنة، ووسيلة إلى شر، حتى قال بعض أهل العلم: "إنها شر من النظر"، إذا مس يدها فتنة قد تكون شابة, وقد تكون يدها ناعمة، فالحاصل أن مس اليد فتنة، فهو من جنس النظر, أو أشد من النظر, وهو محرم فيكفي المؤمن ما ثبت في السنة, ولا يجوز له مخالفتها, ولا سيما في هذه المقامات الخطيرة، رزق الله الجميع التوفيق والهداية. الذين يصورون هذا سماحة الشيخ في صورة احتقار للمرأة ماذا يقال لهم؟ هذا ليس باحتقار, ولكنه إكرام لها وصيانة لها، وصيانة للمؤمن عن الإيقاع فيما حرم الله فيقول لها: يا أختي أو يا فلانة، ليس المقصود احتقارك, وإنما المقصود طاعة الله ورسوله، والبعد عن أسباب الفتن، فليس لها أن تصافح أخا زوجها، ولا زوج أختها، ولا ابن عمها ولا جارها في البيت، ولا غيرهم, ولكن تسلم عليهم بالكلام، وعليكم السلام، السلام عليك يا فلان، كيف حالك، مع الحجاب, والتستر وعدم كشف الوجه أو غيره، وهي متسترة محتجبة وتسلم بالكلام الطيب, رداً وبداء كيف حالك؟ كيف أولاد؟ إلى غير هذا كما قال الله- عز وجل- في كتابه العظيم في سورة الأحزاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ(الأحزاب: من الآية53)، بين سبحانه أن هذا هو الطهارة، التحجب والبعد عن الفتنة هو الطهارة لقلوب الجميع، قال- عز وجل-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ(الأحزاب: من الآية59), وقال-سبحانه-: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ.....الآية )(النور: من الآية31), واليد من الزينة.  
 
13- سمعت من أحد العلماء أن هناك ثلاثة أشياء تبطل الصلاة وهي: مرور الكلب الأسود أمام المصلي، ومرور المرأة الحائض، وأيضاً الحمار، فهل هذا الكلام صحيح، مع الدليل إذا كان صحيحاً؟
نعم صحيح، روى مسلم في صحيحه- رحمه الله- عن أبي ذر- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (يجزئ أحدكم في الصلاة أن يكون بين يديه مثل مؤخرة الرحل)، فإذا مر بينه وبينها المرأة, والحمار, والكلب الأسود، انقطعت صلاته، وفي لفظ آخر: (يقطع صلاة المرء المسلم المرأة, والحمار, والكلب الأسود)، أخرجه مسلم في الصحيح، وخرجه أيضاً من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-, وليس فيه ذكر الأسود، ولكن قاعدة الشرع، أن الحديث المطلق يقيد بالمقيد، قال له أبو ذر: يا رسول الله! ما بال الأسود من الأحمر والأصفر؟ قال: (الكلب الأسود شيطان)، بين- صلى الله عليه وسلم- أنه شيطان جنسه, وأنه الأسود هو شيطان جنس الكلاب فيقطع الصلاة دون بقية الكلاب، والحمار كذلك مطلقاً، وأما المرأة فجاء من حديث ابن عباس في عند أبي داود بسند جيد تقييدها بالحائض, فيكون رواية ابن عباس مقيدة لرواية أبي ذر، وأبي هريرة، وأنها المرأة البالغة يعني، التي قد بلغت المحيض، مثلما في الحديث الآخر يقول- صلى الله عليه وسلم-:( لا يقبل الله صلاة المرأة الحائض إلا بخمار)، فالحائض لها شأن وهي التي قد بلغت الحلم، وصارت محل الشهوة للرجال، فالصغيرة لا تقطع الصلاة، وإنما تقطعها المرأة التامة البالغة التي قد بلغت المحيض، هذه الثلاث تقطع الصلاة، وقد أشكل هذا على عائشة- رضي الله عنها-، وقالت: بئسما شبهتمونا بالحمير, والكلاب، فقد كنت أعتدل بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلم-، على السرير وهو يصلي، وهذا الذي قالته-رضي الله عنها-حسب اجتهادها مع كونها أفقه النساء، ولكن يخفى عليها أشياء, وهذا مما خفي عليها، فإن كونها على السرير، كونها مضطجعة بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلم- ليس مرور، المرور هو الذي يقطع، أما كونها مضطجعة أمام المصلي, أو جالسة أما المصلي هذا ليس بمرور ولا يقطع الصلاة، وإنما الذي يقطعه المرور فعائشة-رضي الله عنها-خشي عليها هذا الأمر، وكلام النبي-صلى الله عليه وسلم-مقدم عليها وعلى غيرها، فهو المشروع والمعلم- عليه الصلاة والسلام-، فالواجب طاعة أمره, واتباع شريعته, وإفهام النساء وغير النساء مراده-عليه الصلاة والسلام-. المذيع: شيخ عبد العزيز لا أدري هل هناك فرق بين المرأة إذا مرت أمام محرمها أو إذا مرت المرأة أمام رجل يصلي وهو من غير محارمها؟ لا فرق في ذلك، إذا مرت المرأة بين يدي المصلي سواء كان المصلي محرماً لها، أو أجنبياً أو امرأة أيضاً، حتى ولو كانت امرأة، إذا مر الحمار, أو الكلب, أو المرأة, بين يدي المصلي رجلاً أو امرأة قريباً أو بعيداً, زوجاً أو غير زوج، كلهم الحديث عام يعم الجميع. هل بينت الحكمة كما بينت في الكلب شيخ عبد العزيز؟ لا أذكر شيء في هذا. لعله يبحث هذا سماحة الشيخ، ولا سيما أن الكثيرين يثيرون حوله أكثر من سؤال؟ القاعدة التي عليها أهل العلم، تلقي ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- بقلب منشرح، وصدر رحب، سواء علمنا الحكمة أم لا نعلم الحكمة؛ لأننا نقطع ونجزم أن ربنا حكيم عليم، وأنه لا يأمر إلا لحكمة, ولا ينهى إلا عن حكمة، فقد تظهر للمؤمن وقد تظهر لطالب العلم, وقد تخفى, وقد يخفى بعضها ويظهر بعضها, فمن ظهرت له الحكمة هذا نور على نور، فضلٌ من الله، وإن لم تظهر الحكمة فليس له أن يعترض، عليه أن يتبع، ويلتزم بأمر الله، ولا يقول أيش الحكمة، فهذه الصلاة الآن الظهر أربعٌ والعشاء أربعٌ والعصر أربعٌ والمغرب ثلاث والفجر ركعتان، وقد يتنازع الناس في الحكمة، ما هي الحكمة في هذا، وربك هو الحكيم العليم سبحانه وتعالى، وإذا قيل أحد إن الظهر أو العصر أو العشاء وقته مناسبٌ للطول، فقد يقول آخر الفجر أنشط وأقوى في حق من نام مبكراً، فهو أنشط أن لا يصلي الفجر أربعاً، وأنشط أن يصلي صاحب المغرب ثلاثاً إذا كان مستريحاً العصر أو مستريحاً الظهر والعصر، فالحاصل أن هذا لا ينبغي أن يعترض عليه، بل علينا التسليم، والانقياد وطاعة الله ورسوله في ذلك، وهكذا في الصيام قد يقول قائل: ما الحكمة في جعل رمضان ثلاثين، الصيام في رمضان في الشتاء والصيف، في الشتاء براد، وفيه مشقة، والقيام فيه مشقة، .....القيام خمسة عشر، والشتاء ثلاثين، كل هذه تخرصات ليس للعبد أن يقولها، المهم يرضى ويسلم ويقبل شرع الله. وهكذا في الحج قد يقع في وقت الشتاء وقد يقع في وقت الصيف، وفيه مشاق، ومع هذا الله نظمه في وقتٍ معين سبحانه وتعالى، فعلينا أن نتبع ونسلم لأمر الله، ونخضع لحكمه سبحانه، وإذا بين لنا شيئاً من الحكم فهذا فضلٌ من سبحانه. بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء في ختام هذا اللقاء.... 

454 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply