حلقة 171: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا لماذا قدم كلمة التراب على كلمة العظام - هل صحيح أن الذي يقوم الليل لا تأكل الأرض جسده - طلاق الغضبان - حكم صيام من به مرض مزمن

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

21 / 50 محاضرة

حلقة 171: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا لماذا قدم كلمة التراب على كلمة العظام - هل صحيح أن الذي يقوم الليل لا تأكل الأرض جسده - طلاق الغضبان - حكم صيام من به مرض مزمن

1- قال الله تعالى في القرآن الكريم: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [المؤمنون:82]، يقول: لماذا قدمت كلمة التراب قبل العظام، بينما العظام هي تتحول إلى التراب، وهل هناك سرٌ بلاغيٌ في ذلك أم لا؟

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله, وصلى الله وسلم على رسول الله, وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: هذا السؤال لا أعلم معناً واضحاً أستطيع الجزم به في وجه تقديم التراب على العظام، ولكن قد يقال والله أعلم والعلم عند الله-سبحانه وتعالى- أنه قدم التراب؛ لأن التراب أشد في المعجزة ؛ لأن إعادة من كان تراباً أعظم من إعادة من هو عظام ولم تزل حاله عظاماً، فبدأ بالأشد وهو التراب على ما هو أخف وهو العظام, فإعادة من هو عظام أسهل في الظاهر من إعادة من قد ذهب وصار تراباً ، هذا هو الأظهر والله أعلم, أما الجزم فإلى الله-سبحانه وتعالى- هو أعلم بكل شيء؛ لكن هذا هو الظاهر أنه السر في ذلك البداءة بالأشد, بالأشد في القدرة, والأعظم في الدلالة على أن المعيد لهذا الإنسان قادر على كل شيء-سبحانه وتعالى- فإن إعادة من كان تراباً أشد في الظاهر من إعادة من كان عظاماً في القبر, فإذا ذكر هذا وهذا كان من باب بيان كمال قدرته- سبحانه وتعالى-، المقصود أنهم سألوا عن هذا؛ لأن من كان تراباً أشد ، بدؤا بالتراب؛ لأن إعادة من كان تراباً أشد وأدل على كمال القدرة ممن لم يزل عظاماً. 
 
2- رأيت والدي في منتصف الليل يصلي صلاة الليل ثمان ركعات، فسألته عن فائدة الصلاة في الليل فقال: إن الإنسان الذي يصلي في الليل لا تأكل الأرض جسده بعد وفاته، فهل هذا صحيح، وهل يبقى الإنسان في قبره إذا كان يصلي صلاة الليل والناس نيام، وهل الروح تبقى في الجسد بعد الوفاة أم تصعد إلى خالقها؟
صلاة الليل قربة عظيمة, وسنة مؤكدة قال الله- جل وعلا- في وصف عباد الرحمن, وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (الفرقان:64), وقال-سبحانه في وصف المتقين-, كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الذاريات:18), وقال الله لنبيه-عليه الصلاة والسلام-: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (المزمل:1-4), وقال-تعالى-:تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (السجدة:16), والآيات في هذا كثيرة تدل على فضل قيام الليل ،والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتهجد بالليل كثيراً -عليه الصلاة والسلام-, ويقول: ( أيها الناس أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام), فالتهجد بالليل من أفضل القربات ومن أعظم الطاعات، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأغلب يصلي إحدى عشر ركعة، يسلم من كل ثنين ويوتر بواحد- عليه الصلاة والسلام-، وربما أوتر بأقل من هذا, ربما أوتر بتسع, وربما أوتر بسبع, ربما أوتر بخمس، ولكن الأغلب أنه كان يصلي إحدى عشرة، وربما صلى ثلاثة عشر -عليه الصلاة والسلام- في الليل يطيل في قراءته, وركوعه, وسجوده-عليه الصلاة والسلام-. أما كونه لا تأكل الأرض جسمه إذا كان يصلي من الليل فهذا لا أعلم له أصلاً, لا أعلم في الأدلة الشرعية ما يدل على ذلك، وأما الروح روح المؤمن فإنها تعلق في شجر الجنة, تكون في الجنة يدخلها الله الجنة -جل وعلا- فتعلق في أشجارها كالطائر، شبه الطائر تعلق في أشجار الجنة وثمارها كما صح به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( روح المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة), وأما أرواح الشهداء فأخبر-صلى الله عليه وسلم-أنها تكون في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تعود إلى قناديل معلقة تحت العرش، فأرواح المؤمنين في الجنة مكرمة، لكن أرواح الشهداء لها شأن, ويعيد الله الأرواح إلى أجسادها إذا شاء، كما يعيدها عند السؤال حين يموت الإنسان ويوضع في قبره يأتي الملك فيسأله عن ربه, وعن نبيه, وعن دينه فيعيد الله له روحه, فيسمع السؤال 
 
3- أنا رجل متزوج من ابنة خالي قبل ستة عشر عاماً ولي منها خمسة أولاد، وقد حدث بعد مرور ثلاث سنوات من زواجنا أن حصلت مشكلة، وكنت وقتها في حالة عصبية ولكني أعي ما أقول، فقلت: أنت طالق ثلاث مرات، وهي ترفض ذلك، وتبين لي بعد ذلك أنها وقت الطلاق كانت حاملاً، وأنا كنت أنوي فراقها إلى الأبد، وبعد يومين جاءت وتوسلت وحاولت العودة ولكني رفضت ذلك، وكررت الطلاق مرةً أخرى، وبعد محاولةٍ منها ومن الأهل، واجتهاد من بعضنا في البحث عن حلٍ في هذا الطلاق، فقد رجعت وعادت الحياة بيننا طبيعية، إلى أن حدث مرةً أخرى وقبل خمس سنوات أن حصلت مشكلة أخرى، فغضبت ولكني أيضاً أعي ما أقول، فقلت لها: أنت السبب في كل هذا فأنت طالق ثلاث مرات، فجاء الجيران، وقال الجميع: فكر في الأطفال ومصيرهم، واعدل عن قرارك؛ لأنك كنت غضباناً، فقلت لهم: أنا في حالةٍ طبيعة، فاشهدوا، فهي طالق ثلاث مرات، وكنت أنوي إيقاع الطلقات الثلاث لئلا تعود الحياة الزوجية بيننا أبداً، علماً بأن الحادثتين الأخيرتين اللتين وقع فيهما الطلاق كانت في طهر جامعتها فيه، لكنها لم تتركني بل ظلت تحاول وتصر على الرجعة، فخوفاً على ديني قررت السفر من بلدي، وهي لا زالت مع أولادها، ومضى الآن خمس سنوات، ولكن بلغني أنها أصبحت مستقيمةً في كل شيء مؤدية لواجبتها الدينية وقد كان في بعدي عنها هذه السنين درساً لها، فهل بعد هذا يجوز لنا الرجوع إلى بعض بحياةٍ زوجية أم لا؟ فهي تمر بوضع سيءٍ جداً من الناحية المادية والاجتماعية، فقد طلب أهلها منها مغادرة بيتهم والخروج منه، وليس لها أحد إلا الله.
هذا في الحقيقة من السائل تساهل لا يليق, وكان الواجب على السائل أن يسأل أهل العلم قبل أن يعيدها إلى بيته, قبل أن يتصل بها لأن الطلاق الآن طلاق منكر, وطلاق مستوفٍ لشروط إيقاع الطلاق, وخصوصاً الطلاق الثاني؛ لأنه طلقها الطلاق الأول بالثلاث أنت طالق, أنت طالق، أنت طالق، وبحالة عصبية، هذه الحالة الأولى إن كان قد اشتد بك أيها السائل الغضب شدة تشبه فيها فاقد الشعور, تشبه فيها المعتوه، اشتد بك الغضب شدة لا تستطيع أن تملك نفسك ولا أن تمتنع من الطلاق، هذا لا يقع على الصحيح لكنك تقول أنك تعي ما تقول وأنك لست في حالة يعني تشبه حال فاقد الشعور, ثم إنك بعدما أشاروا عليك وزال الغضب أبيت إلا أن تعيد الطلاق مرة أخرى ، طلقتها وهي حامل فهي إن لم تطلق بالأول طلقت بالثاني الذي زال معه الغضب, فالواجب عليك فراقها وعدم الرجوع إليها، أما عودتها إليك بعد هذا كله فغلط, وعليك التوبة إلى الله مما فعلت ومن اتصالك بها, عليك التوبة إلى الله, وعليك النفقة على أولادك، يجب أن تنفق عليهم وتقوم بالواجب, وتسكنها وأولادها وتقوم بواجب النفقة عليها وعلى أولادها؛ لأنها تقوم عليهم, وتحضنهم وتربيهم فعليك أن تحسن إلى أولادك, وإلى أمهم لقيامها بخدمتهم وإحسانها إليهم, وعليك التوبة إلى الله مما فعلت, فقد أخطأت خطأً كبيراً حيث أعدتها إليك من دون فتوى شرعية من أهل العلم، والطلاق الأول والثاني، الأول ظاهرة الوقوع؛ لأن ما كان هناك عصبية، ذكرت أنك تعي ما تقول , وأنه ليس هناك شيء قد اشتد معك حتى أفقدك شعورك, أو حتى صرت شبه فاقد الشعور, ثم بعد هذا طلقت عندما أشاروا عليك بالرجوع إليها, وطلقتها طلاقاً مكرراً ثلاثاً هذا كله يدل على أنك راغب في تركها, وأنك حريص على إبعادها, وأنه ليس هناك غضب أزال شعورك, أو جعلك شبه فاقد الشعور, فالذي يظهر لنا من هذا الواقع أنها لا تحل لك, وأن الواجب عليك التوبة إلى الله مما سلف منك, والإحسان إليها, فإذا تزوجت زوجاً شرعياً وطلقها بعد الدخول بها بعد وطأها حلت لك بنكاح جديد لكن لا يكون بالتحليل، نكاح التحليل محرم إذا تزوجها إنساناً ليحللها لك هذا لا يجوز لكن إذا تزوجها إنسان راغب فيها, ثم دخل بها ووطأها ثم طلقها أو مات عنها فإنها تحل لك بعد العدة بنكاح جديد, هذا هو الذي نرى في هذه المسألة وهو ظاهر الأدلة الشرعية والله التوفيق. 
 
4- بينما كان راكباً إحدى السيارات العسكرية إذ تعرض لحادث انقلاب نتج عنه إصابته بكسر في العمود الفقري مما جعله طريح الفراش، وأفقده بعض الإحساس بأجزاء من جسده, وبما قد يخرج منه من نواقض الوضوء، وقد يحصل عنده أيضاً انسداد في المجاري البولية مما جعل الأطباء ينصحونه بالإكثار من الشرب باستمرار، فهو يسأل عن صيام رمضان ماذا يفعل فيه، وماذا يجب عليه فعله إن أفطر وهو بهذه الحالة، لا أمل في شفائه من هذا المرض، فهل عليه كفارةٌ وما هي؟. أيضاً يسأل بالنسبة للصلاة ، كيف يصلي وكيف يتوضأ ؟ وماذا يعمل لو انتقض وضوؤه دون شعور أو إحساس منه بذلك أثناء الصلاة ؟ كيف يتصرف في جميع هذه الحالات ؟.
أما الصوم فعليه أن يصوم إذا كان يستطيع الصوم ، عليه أن يصوم إذا كان يستطيع الصوم, أما إن كان الأطباء قرروا أنه يضره الصوم بسبب المرض الحاضر فإنه لا يصوم, وإذا قرروا أنه لا يرجى برؤه براءً يمكنه من الصوم فإنه لا يصوم أيضاً, وعليه إطعام مسكين عن كل يوم, كالشيخ الكبير, والعجوز الكبيرة الذين لا يستطيعان الصوم, فإنهما يكفران بإطعام مسكين عن كل يوم, فهكذا المريض الذي لا يرجى برؤه إذا قرر الأطباء أنه لا يرجى برؤه ، حكمه حكم الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، يطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من التمر, أو غيره من قوت البلد وهو كيلوا ونصف تقريباً، أما إن كان يرجى برؤه ويرجى شفاؤه ولكنه يضر في الصوم فإنه لا يصوم حينئذ، ولكن متى برئ وعافاه الله يصوم ولا يطعم, أما الصلاة فإنه يصلي على حسب حاله، عليك أيها الأخ أن تصلي على حسب حالك توضأ إن كنت قادراً على الوضوء بالماء يقرب لك الماء فتتوضأ، فإن لم تقدر تيمم بعد أن تمسح الخارج بالمناديل، الخارج من القبل والدبر إذا دخل الوقت تمسح أنت أو من يقوم عليك ممن يخدمك تمسح الخارج بالمناديل ثلاث مرات أو أكثر؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار فلا بد من ثلاث مسحات أو أكثر للقبل والدبر حتى يزال الأثر, وحتى لا يبقى أثر في الدبر والقبل ، وبعد هذا تتوضأ وضوء الصلاة إن قدرت وإلا فالتيمم يكفي ، تضرب التراب بيديك يحضر التراب في إناء أو في كيس, أو في خرقة، فتضرب في التراب يديك وتمسح وجهك وكفيك مرة واحدة وتصلي في الوقت، تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء ، وتصلي الفجر في وقتها حسب طاقتك, وأنت في فراشك على جنبك, أو مستلقياً, أو قاعداً حسب طاقتك فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ(التغابن: من الآية16), والنبي-صلى الله عليه وسلم- قال للمريض : (صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب, فإن لم تستطع فمستلقياً), هكذا قال النبي-صلى الله عليه وسلم – للمريض, وأنت مريض هذا هو الذي يجب عليك أن تصلي قائماً إن قدرت, فإن عجزت صليت قاعداً, فإن عجزت صليت على جنبك ، فإن عجزت صليت على مستلقياً إلى القبلة، تجعل رجليك إلى القبلة تجعل رجليك إلى القبلة وتشير بيديك, وتكبر الإحرام رافعاً يديك لركوع كذلك, تقرأ وتنوي الركوع وتكبر, وتنوي الرفع فترفع تقول سمع الله لمن حمده، وتنوي السجود فتكبر وتهوي إلى السجود وهكذا بالنية و بالكلام, أولاً تنوي الصلاة وتكبر, ثم تأتي بالمشروع من الاستفتاح و القراءة، ثم تنوي الركوع وتكبر وتقول سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم, سبحان ربي العظيم، وأذكار الركوع, ثم تنوي الرفع تقول سمع الله لمن حمده، بينة الرفع من الركوع ربنا ولك الحمد إلى آخره ، ثم تنوي السجود تقول الله أكبر ناوياً السجود, وتقول سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى ، إلى أخره, ثم تنوي الرفع تقول الله أكبر ناوي الرفع من السجدة الأولى، ربي اغفر لي ، رب اغفر لي ، رب اغفر لي ، ثم تكبر ناوي السجدة الثانية وهكذا بالنية والكلام المشروع, والله يقول- سبحانه-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا(البقرة: من الآية286), ويقول-عزوجل- فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ(التغابن: من الآية16) ويقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) والحمد لله. شفاك الله . لو كان قرر أنه لا يرجى برؤه من هذا المرض وكان الحكم كما تفضلتم أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ، لكن حصل أن برئ بعد ذلك فالله قادر على كل شيء فهل يقضي أو يكفي الإطعام؟ إن قضى فهو الأحوط ، وهو يجزئ على الصحيح؛ لأن فعله حال اعتقاد أنه معذور فإن شافاه الله ، اختلف العلماء منهم من قال يقضي ومنهم من قال لا يقضي ، فإن قضى فهو أحوط؛ لأنه ظهر أنه غير ميئوس منه لما برئ ظهر أن الواقع أنه غير ميئوس منه ما يقضي، وقال قوم فعل ما شرعه الله على اعتقاد أنه غير ــ البر فيجزؤه ذلك.

883 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply