حلقة 200: شرح قوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه - حكم الأضحية - هل المبيت بمنى واجب على الحاج - ذبح قبل أن يرمي - السبحة - الفرض والواجب - المكروه والمحظور - متمتع لم يجد الهدي - حجت برفقة نساء بدون محرم فهل يصح حجها

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

50 / 50 محاضرة

حلقة 200: شرح قوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه - حكم الأضحية - هل المبيت بمنى واجب على الحاج - ذبح قبل أن يرمي - السبحة - الفرض والواجب - المكروه والمحظور - متمتع لم يجد الهدي - حجت برفقة نساء بدون محرم فهل يصح حجها

1- قوله الحق سبحانه تعالى: ((أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا))[المائدة:96]، ويستفسر هل معنى ذلك: أنه يجوز للحاج أن يصطاد السمك ويأكل منه، ويطلب أن تتفضلوا بشرح معنى الآية الكريمة؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد: فالله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً... الآية، فربنا عز وجل، قد أباح للحُرم صيد البحر، وحرم عليهم صيد البر، فالمحرم له أن يصيد صيد البحر من السمك ويأكله، له صيده وله أكله، صيده ما يصيده فيه وطعامه ما يطفو عليه من السمك الميت، فإن البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته كما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، فما يطفو عليه هو طعام من السمك الصغار والكبار، قال هكذا هو حل له، وما يصيده بأنواع الآلات والشباك فهو حل له أيضاً سواء كان محرماً أو حلالاً بنص الآية الكريمة، أما صيد البر فلا،كالضبا والأرانب ونحوها ليس للمحرم أن يصيد صيد البر وإن كان في غير الحرم، فليس له صيد الحرم أيضاً سواء كان محرماً أو حلالاً، فصيد البر لا يجوز للمحرم إذا كان في غير الحرم، وإذا كان في الحرم حرم على المحرم وعلى غير المحرم. 
 
2- أود معرفة ما حكم الأضحية، وهل هي واجبة على الحاج، فقد ذكر لي بعض العلماء بأن الضحية ليست على الحاج وإنما هي على غيره؛ لأنه ليس على الحاج صلاة عيد الأضحى، والأضحية ما يذبح يوم النحر بعد صلاة العيد، أفيدونا أفادكم الله، وهل يأثم من تركها؟
الأضحية سنة مؤكدة، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحي بكبشين أملحين، يوم العيد أحدهما عن محمد وآل محمد، والثاني عن أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فالأضحية سنة لمن تيسر له ذلك وقدر عليه سنة مؤكدة، وقال بعض أهل العلم بوجوبها مع اليسار والقدرة وظاهر الأحاديث الصحيحة أنها سنة للحجاج وغيرهم؛ فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه ضحى بكبشين في حجة الوداع عليه الصلاة والسلام، مع ما فعل من ذبح البُدن، فقد نحر مائة بدنة عليه الصلاة والسلام في حجة الوادع وضحى بكبشين أملحين فهما سنة، وإذا ضحى الإنسان بواحدة عنه وعن أهل بيته كفى ذلك والحمد لله، وأما الهدايا فهي ما يذبح من أجل الإحرام من الحج والعمرة يقال له هدية ويقال له دم، يعني الواجب في الحج والعمرة، وهذه الدماء فيها تفصيل، قال تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فإذا أحرم بالعمرة والحج جميعاً حين جاء إلى مكة أو أحرم بالعمرة جاء منها وطاف وسعى وقصر وحل ثم أحرم بالحج فهذا يقال عليه هدي، يسمى هدياً وقد يسميه بعض الناس ضحية، ولكن الاسم المشروع المعروف هو الهدي، فعليه أن يذبح ذلك أيام النحر يوم العيد وأيام التشريق، هذا الهدي، وهو سبع بدنة أو سبع بقرة أو رأس من الغنم ثني من المعز أو جذع من الضأن، هذا يقال له هدي التمتع، وهدي القران أما إذا أحرم بالحج وحده جاء من بلاد ثم أحرم بالحج فقط ليس معه عمرة، لبى بالحج فبقي على إحرامه حتى وقف بعرفة وحتى رمى الجمار وطاف وسعى هذا ليس عليه دم؛ لأنه مفرد بالحج والدم إنما هو على من تمتع بالعمرة إلى الحج، وليس عليه ضحية فالضحية سنة مو بواجبة، فإذا ضحى بمنى أو في مكة هذا سنة، وأما الهدي الذي هو الذبيحة الخاصة من تمتع بالعمرة إلى الحج أو قرن بينهما فهذا دم واجب يسمى هدي، ويسمى ما يباح في منى هدي من التطوعات ومن الدماء التي يتطوع بها الإنسان تسمى هدياً وأما ما يذبح في يوم النحر في المدن والقرى والبوادي فهذا يسمى ضحية وهي شاة واحدة عنه وعن أهل بيته وإن ضحى بسبع بدنة أو سبع بقرة كفى ذلك والحمد لله. 
 
3- هل المبيت بمنى واجب على الحاج، فقد قرأت حديثاً لابن عباس جاء فيه: [[ إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت ]]، فأرجو من فضيلتكم أن توضحوا لنا هذه المسألة؟
المبيت في منى فيه خلاف بين أهل العلم، من أهل العلم من قال أنه واجب وهو الأرجح والأصح؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بات في منى وقال: (خذوا عني مناسككم)، ورخص للعباس وللرعاة في ترك المبيت، العباس من أجل السقاية و الرعاة من أجل الرعي في الليل، فلما رخص لهم دون غيرهم دل على وجوبه على غيرهم، وهذا هو الأرجح، ويرى بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب وروى عن ابن عباس وفي صحته عن ابن عباس نظر، فالأولى والأرجح والأقرب إلى الصواب إلى أنه يجب المبيت على الحجاج في منى، ليلة الحادي عشر والثاني عشر، في حق من تعجل، أما من لم يتعجل وبقي إلى ليلة الثالث عشر فإنه يبيت في الليلة الثالثة عشرة، وهذا هو الذي فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، وقد قال في الحديث الصحيح: (خذوا عني مناسككم)، يعني تعلموا مني واقتدوا بي في أعمال الحج عليه الصلاة والسلام، لكن من كان له عذر مثل الرعاة الذين يحتاج إلى الرعي بهم خارج منى أو كان من السقاة الحجيج في زمزم أو غيرها أو كان له عذر شرعي كالمرض يحتاج إلى نقله إلى المستشفى ولا يتيسر له البقاء في منى، أو ما أشبه ذلك من الأعذار التي تسوغ له ترك المبيت فلا حرج، وإلا فمن كان سليماً ليس له عذر فإنه يبيت في منى تأسياً برسول الله عليه الصلاة والسلام، واحتياطاً للدين. 
 
4- هل هناك إثم على الحاج لو ذبح قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يذبح، وهل يلزمه شيء، وما هي الكفارة؟
النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم العيد رمى الجمرة ضحى، ثم نحر هديه -صلى الله عليه وسلم- ثم حلق رأسه ثم طيبته عائشة رضي الله عنها ثم ركب إلى البيت فطاف به هذا هو السنة وقال: (خذوا عني مناسككم)، اللهم صلي عليه وسلم، هذا هو المطلوب من الحاج وهذا هو الأفضل، أنه يرمي سواء كان رجلاً أو امرأة يرمي أولاً جمرة العقبة يوم العيد بسبع حصيات ثم ينحر هديه إن كان عنده هدي، ثم بعد ذلك يحلق رأسه أو يقصر وبهذا حل التحلل الأول ويتطيب كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم الطواف بعد ذلك وليس له أن يأتي النساء حتى يطوف، وحتى يسعى إن كان عليه سعي بعد الرمي والحلق، أما إذا رمى وحلق فإنه يتطيب ويلبس المخيط ويغطي رأسه ويقلم أظفاره ويقص شاربه لا بأس، لكن لا يأت المرأة حتى يضيف إلى الرمي والحلق الطواف والسعي كذلك إن كان عليه سعي، لكن لو قدم بعضه على بعض فلا حرج، لو أنه حلق قبل أن يرمي أو نحر قبل أن يرمي أو طاف قبل أن يرمي، أو طاف قبل أن ينحر، فلا حرج في ذلك أو سعى قبل أن يطوف كما يفعل بعض الجهال، وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل يوم العيد عمن قدم وأخر في هذه الأمور، فقال: (لا حرج، لا حرج) عليه الصلاة والسلام، وقال له رجل: يا رسول، إني أفضت قبل أن أرمي، قال: (لا حرج)، وقال آخر: يا رسول الله، حلقت قبل أن أذبح، قال: (لا حرج)، وقال آخر: سعيت قبل أن أطوف، قال: (لا حرج)، فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال لا حرج، عليه الصلاة والسلام، وهذا من لطف ومن رحمته وإحسانه إلى عباده جل وعلا، فالحاج من الرجال والنساء مشروع له أن يفعل ما فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فيرمي أولاً يوم العيد، ثم ينحر هديه إن كان له هدي، ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل، ثم يطوف ويسعى إن كان عليه سعي هذا هو المشروع فمن قدم بعضه على بعض ولم يرتب فلا حرج عليه، بل مثل ما تقدم، فإذا حلق قبل أن يرمي أو طاف قبل أن يرمي أو نحر قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يذبح أو طاف قبل أن يذبح كله لا حرج، وهكذا لو سعى قبل أن يطوف على الصحيح، وإن كان خلاف قول الجمهور ولكن هو الصحيح، لأنه جاء به النص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن سعى قبل أن يطوف جاهلاً أو ناسياً فلا حرج عليه وسعيه صحيح. 
 
5- جاء في قول بعض العلماء: السنة أن ترمى الجمار في غير يوم الأضحى، وهناك حديث لجابر قوله: [[رمى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال]]، فهل معنى ذلك: أنه يجوز للحاج أن يؤخر رمي يوم إلى ما بعده، أو تأخير الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ولا شيء عليه؟
السنة أن الحاج يرمي يوم العيد سبع حصيات جمرة العقبة، وأما بقية الأيام فبعد الزوال في كل يوم، يرمي الجمرات الثلاث بإحدى وعشرين حصاة، يرمي كل واحدة بسبع بعد الزوال، هذا هو المشروع الذي فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي رواه جابر وغيره عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقد روى جابر وغيره رضي الله عن الجميع أنه رمى يوم العيد بسبع حصيات عليه الصلاة والسلام جمرة العقبة ثم حلق رأسه ووزعه على الناس، عليه الصلاة والسلام، ثم تطيب وركب البيت وطاف به عليه الصلاة والسلام، هذا هو المشروع، وإن أخر الرمي بسبب علة أو زحام ورمى بعد الزوال في اليوم الحادي عن جمرة العقبة أو أخر الجميع إلى يوم الثالث عشر أو الثاني عشر ورمى بالترتيب ورتب الجمار على ما شرع الله، فرمى جمرة العيد أولاً بالنية ثم رمى الجمار الثلاث عن يوم الحادي عشر ثم رماهن عن يوم الثاني عشر مرتباً أجزأه عند جمع من أهل العلم، ولكن الأولى والأفضل والسنة أن يفعل كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيرمي يوم العيد ضحى وإن رمى في آخر الليل من ليلة العيد أجزأ ولا سيما الضعفاء والعجزة، وإن رماها يوم العيد الضعفاء فهو أفضل إذا تيسر ذلك وبقية الجمار ترمى بعد الزوال، وإن شق بعد الزوال ولم يتيسر له أن يرمي بعد الظهر أو العصر رماه بعد الغروب عن اليوم الماضي، على الصحيح من أقوال العلماء، فله الرمي بالليل عن اليوم الماضي، ولكن إذا رمى بعد الزوال قبل الغروب يكون أحوط وأفضل، وإن شق عليه ذلك ولم يتيسر له الرمي رمى بعد الغروب عن اليوم الذي غابت شمسه هذا هو الصواب وهذا هو المختار، أما قبل الزوال فلا، لا يرمى قبل الزوال في أيام التشريق، لا بعد الفجر، ولا قبل الزوال إنما يرمي بعد الزوال، بعد دخول وقت الظهر، إلى غروب الشمس هذا هو الأفضل، فإن زحم أو شق عليه رمى بعد الغروب والحمد لله. 
 
6-  هل من الممكن أن أصلي جماعة أنا وأولادي، وأيضاً مع زوجتي؟
نعم، لا بأس أن تصلي جماعة مع أولادك وزوجتك في النوافل من صلاة الليل بعض الأحيان، من صلاة الضحى بعض الأحيان ــ الراتبة ولكن بعض الأحيان، كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيت أنس فصلى بأنس واليتيم خلفه وأم سليم خلفهم وصلى في بيت عتبان صلاة الضحى جماعة لما زاره عليه الصلاة والسلام لا بأس بهذا، لكن لو فاتتك الفريضة ــ فاتتك صلاة الفريضة في المسجد لأنك شغلت عن ذلك بمرض أو غيره ورجعت إلى البيت لا بأس أن تصلي بأولادك وأهلك في جماعة، ولكن ليس لك أن تتأخر عن الجماعة لا يجوز لك، أن تتأخر عن الجماعة بل يجب عليك أنت وأولادك يجب عليكم جميعاً أن تخرجوا إلى المساجد وأن تصلوا مع الناس، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر)، وقد ثبت في الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- هم أن يحرق على المتخلفين عن الصلاة في الجماعة بيوتهم، وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم)، فيدل على أن تخلفهم أمر ممنوع، وأنهم يستحقون أن يحرق عليهم بيوتهم بسبب تخلفهم عن هذا الواجب، وقد جاءه رجل أعمى إليه عليه الصلاة والسلام يقول له يا رسول الله: إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي فقال له عليه الصلاة والسلام: (هل تسمع النساء بالصلاة، قال: نعم، قال: فأجب)، وفي لفظ قال له: (لا أجد لك رخصة)، فإذا كان أعمى ليس له قائد يلائمه ليس له رخصة، فكيف بحال غيره، فالمقصود أن الواجب على كل مسلم أن يصلي في المساجد مع الناس، هو وأولاده ومن تحت يده من أيتام أو خدام يصلون في المساجد مع المسلمين وليس له أن يصلي في البيت لكن لو شغل عن هذا بمرض أو مريض صلى مع زوجته لا بأس، أو مع أولاده الصغار صلى معهم جماعة لا بأس أو أناس مرضى صلوا معه جماعة لا بأس، أما الأقوياء فيلزمهم أن يصلوا في المساجد، وليس لهم التخلف إلا من عذر شرعي كالمرض. 
 
7- يقول بعض الناس إن السبحة بدعة، وأنا دائماً استعمل السبحة بعد الصلاة؟
السنة في التسبيح بعد الصلاة وفي غيرها التسبيح بالأصابع، هذا هو السنة وهي التي فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنوصيك يا أخي بأن تسبح بأصابعك فإنها المسؤولة والمستنطقة فاستعملها في طاعة الله وسبح بها واترك السبحة، ترك السبحة أولى وأفضل وأحوط. 
 
8-  ما هو الفرض والواجب، مع التفضل بإعطائي أمثلة على ذلك؟
الفرض والواجب شيء واحد، وهو الذي يستحق الثواب فاعله ويستحق العقاب تاركه، يقال له فرض ويقال له واجب، ولكن بعض أهل العلم يستعمل الفرض فيما قامت الأدلة القوية على وجوبه، وما كانت أدلته أضعف من ذلك يسمونه واجباً، وإلا فالأصل الذي عليه أهل العلم أن الفرض والواجب شيء واحد، فيقال للصلاة فرض ويقال لها واجبة، ويقال لصلاة الجماعة فرض ويقال لها واجبة، ويقال للزكاة فرض ويقال لها واجبة، ويقال لصيام رمضان فرض ويقال له واجب، ويقال للحج مع الاستطاعة فرض ويقال له واجب، هذا هو المعروف عند جمهور أهل العلم، وهو الذي الشيء الذي قام الدليل على أنه لازم، يستحق العقاب تاركه، ويستحق الثواب فاعله، هذا يسمى فرضاً ويسمى واجباً، ولكن بعض أهل العلم مثلما تقدم قد يتسامحون فيطلقون الفرض على ما قويت أدلته فصارت واضحة جلية معلومة من الدين بالضرورة فيسمون ذلك فرضاً كالصلاة فرض والزكاة فرض ويسمون التسبيح في الركوع والتسبيح في السجود يسمونها واجب، يسمون التكبيرات ما عدا الأولى يسمونها واجبة، لأن أدلتها أقل من أدلة وجوب الصلاة في نفسها، وهكذا يسمون في الحج الرمي رمي الجمار يسمونها واجب يسمونها الواجب، ويسمون المبيت في منى واجب، ويسمون الطواف ركن وفرض ويسمون الوقوف بعرفة ركن وفرض لأن أدلته أظهر وأعظم وهكذا أمثلة عند أهل العلم. 
 
9- ما هو المكروه وما هو المحظور؟
المكروه عند أهل العلم هو الذي ينبغي تركه ولكن لا يأثم من فعله، لكن يكره فعله مثل التحدث بعد العشاء، بشي غير الأمور الضرورية لأنه قد يشغل عن صلاة الفريضة، قد يسبب السهر فكان النبي يكره النوم قبلها والحديث بعدها عليه الصلاة والسلام، وكثرة الحديث في المساجد في أمور الدنيا، مكروه ليس محرماً، مثل القيل والقال الذي ليس فيه فائدة مكروه، والمحظور هو الممنوع المحرم كالغيبة والنميمة وشهادة الزور والأيمان الفاجرة يقال لها محظور ويقال لها ممنوعة ويقال لها محرمة، مثل قطيعة الرحم وعصيان الوالدين وأكل الربا كل هذا يقال لها محظورة ويقال لها ممنوعة ويقال لها محرمة، وما دون ذلك من الأشياء التي ينبغي تركها ولكنها ليس في الأدلة ما يحرمها ويمنعها ولكنها مطلوب تركها يقال لها مكروه، مثل ما تقدم، مثل النوم قبل العشاء، مثل التحدث بعد العشاء بدون ضرورة أو حاجة ومثل ما تقدم من الكلام الكثير في المساجد في أمور الدنيا يكره مثل الكلام الكثير الذي ليس له فائدة، كونه يخوض في أشياء ما لها فائدة أو يسأل عما لا يعنيه، ترك هذا أولى ومكروه التدخل فيما لا يعنيه، مثل ترك النوافل ترك سنة الظهر مكروه، ترك سنة المغرب مكروه، ترك سنة الفجر مكروه. 
 
10- قدم متمتعاً بالعمرة إلى الحج، ولم يستطع أن يهدي، ثم أهل بالحج، فما الحكم في ذلك، وهل يلزمه شيء؟
إذا كان أهل بالعمرة وفرغ منها وأهل بالحج فعليه دم وهو سبع بدنة أو سبع بقرة أو رأس من الغنم، ثني من المعز أو جذع من الضأن، فإذا عجز عن هذا وجب عليه أن يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج والأفضل أن تكون قبل عرفة، فإن لم يصمها قبل عرفة صامها أيام التشريق في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فإن لم يتيسر ـــ عن ذلك فإنه يصومها مع السبعة في بلده، يصوم العشرة كاملة في بلده، كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة، ذلك لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، يعني من كان من أهل مكة ومن حولها فهذا لا شيء عليه، وإنما هذا على الذي يقدم من خارج مكة فهذا عليه من الهدي إذا أحرم بالحج والعمرة جميعاً أو أحرم بالعمرة ثم فرغ منها ثم أهل بالحج في أشهر الحج فهذا عليه الهدي الذي عرفت وهو سبع بدنة قد بلغ خمس سنين فأكثر وهي الثنية أو سبع بقرة قد تم لها سنتان وهي الثنية أو رأس من الغنم من المعز الثني ومن الضأن الجذع بلغ ستة أشهر فأكثر، فإن عجز عن ذلك ولم يتيسر له الهدي وجب عليه أن يصوم عشرة أيام منها ثلاثة يصومها في الحج قبل عرفات بعد حله من العمرة يصومها فإن لم يتيسر صومها صامها أيام التشريق فإن لم يتيسر ذلك صامها مع السبعة في بلاده وليس عليه شيء.  
 
11- هل يجوز استبدال الهدي بثمنه وتوزيعه على الفقراء عند عودتي إلى بلادي؟
لا يجوز الاستعاضة عن الهدي بالثمن لأن هذا خلاف شرع الله، وخلاف ما أوجب الله وإنما شرع الهدي وذبحه فيأكل منه ويطعم ويتصدق ويهدي والحمد لله، يذبح في منى أو في مكة وليس له أن يعتاض عن هذا بالثمن في بلده ولا في غير بلده، لا في مكة ولا في بلده، بل يجب عليه الهدي متى قدر، فإن عجز صام عشرة أيام كما تقدم. 
 
12- عند طوافه بالبيت الحرام طواف الإفاضة لم يستطع استلام الحجر الأسود من شدة الزحام، وكاد أن يختنق من مزاحمة الأقوياء للضعفاء، هل يلزمه شيء؟ وما حكم من يزاحم ويؤذي الضعفاء؟
ليس عليك شيء وليس له أن يزاحم بل إذا وازن الحجر كبر من بعيد، أشار إليه وكبر كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام كان ـــ وكبر عليه الصلاة والسلام، فلا ينبغي للمؤمن أن يزاحم ولا سيما القوي مع الضعفاء فإنه يضرهم ويؤذيهم، السنة للمؤمن ألا يزاحم فإن تيسر له تقبيل الحجر قبل الحجر واستلمه وقال: بسم الله والله أكبر، وقال: الله أكبر، فإن لم يتيسر له ذلك إلا بالمزاحمة أشار إليه من بعيد وكبر عند محاذاته والحمد لله، ولا تنبغي المزاحمة لأن فيها مضرة على الناس، لا في الطواف ولا في السعي ولا عند الحجر الأسود ولا عند الركن اليماني ولا عند مقام إبراهيم للصلاة، بل يصلي في الأماكن التي ليس فيها زحمة بعد الطواف ولا ينبغي له أن يزاحم لا عند صلاة الطواف ولا في الطواف ولا في السعي، ولا عند محاذاة الحجر الأسود ولا عند محاذاة الركن اليماني، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية. 
 
13- قدمت للحج بصحبة عدد من النساء ، وليس لي محرم وقد تجاوز عمري الخمسين عاماً، فهل يعتبر حجي صحيحاً،
لا يجوز للمسلمة أن تحج بدون محرم النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)، وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز الحج مع ثقات النساء بدون محرم، ولكنه قول مرجوح، والصواب ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)، لكن لو حجت مع النساء صح حجها وعليها التوبة إلى الله لأنها أخطأت وأثمت فعليها التوبة إلى الله والندم ألا تعود إلى مثل هذا وحجها صحيح إن شاء الله، لأنها قد أدت المناسك فصح مع الإثم في مخالفتها السنة في حجها بدون محرم الله ولي التوفيق وله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة وعليها التوبة من ذلك.  

393 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply