حلقة 543: شرح قوله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم والقضاء والقدر - النجاسة لا تنقض الوضوء - الاعتكاف وبعض أحكامه - لباس المرأة في الصلاة - خروج الدم هل يبطل الصوم؟ - عورة المرأة

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

43 / 50 محاضرة

حلقة 543: شرح قوله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم والقضاء والقدر - النجاسة لا تنقض الوضوء - الاعتكاف وبعض أحكامه - لباس المرأة في الصلاة - خروج الدم هل يبطل الصوم؟ - عورة المرأة

1- تسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11] تتساءل أختنا عن هذه الآية فتقول: مع أن الله هو الذي خلق الأنفس وهو الذي يتحكم بتغييرها، فكيف يستطيع القوم أن يغيروا ما بأنفسهم، ويغيروا ما كُتب عليهم؟ أرجو من سماحة الشيخ عبد العزيز أن يتفضل بالشرح الوافي حول هذا الموضوع جزاكم الله خيراً.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فالله سبحانه وتعالى هو مدبر الأمور وهو مصرف العباد كما يشاء سبحانه وتعالى، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة وهو سبحانه قد شرع لعباده الأسباب التي تقربهم منه وتسبب رحمته وإحسانه عليهم، ونهاهم عن الأسباب التي تسبب غضبه عليهم وبعدهم منه وحلول العقوبات فيهم، وما ذلك هم بهذا لا يخرجون عن قدره، هم بغير الأسباب التي شرعها لهم والتي نهاهم عنها، هم لا يخرجون بهذا عن قدره سبحانه وتعالى، فالله أعطاهم عقولاً، أعطاهم أدوات، وأعطاهم أسباباً يستطيعون بها أن يتحكموا فيما يريدون من جلب خير أو دفع شر، وهم بهذا لا يخرجون عن مشيئته كما قال سبحانه وتعالى: لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء رب العالمين، وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن هذا، قالوا له: يا رسول الله، إذا كان ما نفعله قد كتب علينا، وفرغ منه فلم العمل؟ قال عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسروا لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسروا لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى، فهكذا قوله جل وعلا:إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال، فأمره نافذ سبحانه وتعالى، لكنه جل وعلا يغير ما بالناس إذا غيروا، فإذا كانوا على طاعة واستقامة ثم غيروا إلى المعاصي غير الله حالهم من الطمأنينة والسعادة واليسر والرخاء إلى ضد ذلك بسبب معاصيهم وذنوبهم، وقد يملي لهم سبحانه وقد يتركهم على حالهم استدراجاً ثم يأخذهم على غرة ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما قال الله عز وجل: ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، قال سبحانه: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فالواجب الحذر، فعلى المؤمن أن يتقي الله وأن يلزم الحق، وأن يستقيم عليه وألا يحيد عنه إلى الباطل فإنه متى حاد عنه إلى الباطل فقد تعرض لغضب الله، أن يغير قلبه وأن يغير ما به من نعمة إلى جدب وقحط وفقر وحاجة وهكذا بعد الصحة إلى المرض، وهكذا بعد الأمن إلى خوف إلى غير ذلك، بأسباب الذنوب والمعاصي، و هكذا العكس إذا كانوا في معاصي وشرور وانحراف ثم توجهوا إلى الحق وتابوا إلى الله ورجعوا إليه واستقاموا على دينه، فإن الله يغير ما بهم سبحانه من الخوف والفقر، والاختلاف والتشاحن إلى أمن وعافية واستقامة وإلى رخاء وإلى محبة وإلى تعاون وإلى تقارب فضلاً منه وإحساناً سبحانه وتعالى، ومن هذه قوله تعالى: ذلك بأن لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالعبد عنده أسباب، عنده عمل، عنده إرادة، عنده مشيئة، ولكنه بذلك لا يخرج عن قدر الله سبحانه وتعالى، فالواجب عليه أن يستعمل ما استطاع من طاعة الله ورسوله، وأن يستقيم على ما أمره ربه وأن يحذر ما نهى الله عنه وأن يسأل ربه العون و التوفيق فالله سبحانه وتعالى هو المتفضل وهو الموفق وهو الهادي جل وعلا، وله الفضل وله النعمة وله الإحسان سبحانه وتعالى، بيده توفيق العباد وبيده هدايتهم وبيده إضلالهم فيهدي من يشاء ويضل من يشاء، سبحانه وتعالى. لعل الموضوع يحتاج إلى إعادة ملخصه شيخ عبد العزيز؟ الحاصل أن العبد له أسباب، العبد عنده أسبابه والله أعطاه أدوات وعقلاً يعرف به الضار والنافع والخير والشر، فإن استعمل عقله وأسبابه في الخير جازاه الله على ذلك بالخير العظيم وأدر عليه نعمه، وجعله في نعمة وعافية بعد ما كان في سوء وشر في معاصيه الأولى، فإذا تاب إلى الله وأناب واستقام فالله جل وعلا من جوده وكرمه يغير حاله السيئة إلى حالة حسنة، وهكذا العكس إذا كان العبد على طاعة واستقامة وهدى ثم انحرف وحاد عن الطريق واتبع الهوى والشيطان فالله سبحانه قد يعجل له العقوبة، وقد يغير عليه وقد يمهله سبحانه وتعالى فينبغي أن يحذر وينبغي ألا يغتر بإمهال الله تعالى له سبحانه وتعالى. شيخ عبد العزيز، الكثير يخوضون في موضوع القضاء والقدر لعل لكم توجيه؟ هذا باب خاضه الأولون أيضاً وغلط فيه من غلط، فالواجب على كل مؤمن وكل مؤمنة التسليم لله والإيمان بقدره سبحانه، والحرص على الأخذ بالأسباب النافعة والطيبة والبعد عن الأسباب الضارة، كما علم الله عباده وكما جعل لهم قدرة على ذلك، بما أعطاهم من العقول والأدوات التي يستعينوا بها على طاعته وترك معصيته سبحانه وتعالى. إذن لا تنصحون بالخوض في هذا الباب؟ لا ننصح ولا ينبغي عدم الخوض في هذا الباب، والإيمان بأن الله قدر الأشياء وعلمها وأحصاها، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه الخلاق العظيم القادر على كل شيء، وأن جميع الموجودات كلها بخلقه وتكوينه سبحانه وتعالى، وأن الله سبحانه أعطى العبد عقلاً وتصرفاً وأسباباً وقدرة على الخير والشر، كما يأكل ويشرب ويلبس وينكح ويسافر ويقيم وينام ويقوم إلى غير ذلك، كذلك يطيع ويعصي. هل هناك من شيء شيخ عبد العزيز تخشونها على الخائضين في القضاء والقدر؟ نخشى عليهم أن يحتجوا بالقدر، أو ينكروه؛ لأن قوماً خاضوا فيه فأنكروه، كالقدرية النفاة، قالوا لا قدر، وزعموا أنه يخلقون أفعالهم وأن الله ما ــ الطاعة ولا قدر عليهم المعصية، وقوم قالوا: بل تفضل الله بالطاعة ولكن ما قدر المعصية، فوقعوا في الباطل أيضاً، وقوم خاضوا في القدر فقالوا: إنا مجبورون وقالوا إنهم ما عليهم شيء عصوا أو أطاعوا لا شيء عليهم لأنهم مجبورون ولا قدرة لهم، فضلوا وأضلوا، نسأل الله العافية. من هم مجوس هذه الأمة شيخ عبد العزيز؟ هم القدرية النفاة، الذين نفوا القدر وقالوا الأمر أنف، فإن المجوس يقولون أن للعباد إلهين، النور والظلمة، فيقولون النور خلق الخير والظلمة خلقت الشر، فشابههم نفاة القدر حيث جعلوا لله شريكاً في أفعالهم أنهم يخلقون أفعالهم نسأل الله العافية. إذن القول الفصل في هذا ألا يخوض المسلمون في باب القضاء والقدر؟ نعم، يؤمنون بالقدر ولا يخوضوا في ذلك خوض المبتدعة، بل يؤمنوا بذلك ويسلموا لذلك، ويعلموا أن الله قدر الأشياء وعلمها وأحصاها وأن العبد له مشيئة وله إرادة وله اختيار، لكنهم لا يخوضون في ذلك عما قدره الله سبحانه وتعالى.  
 
2- إذا بال طفل في مكان ما، أي ليس في الحمام -أعزكم الله والسامعين- فمر شخص وهو لا يعلم أن هذا المكان به بول، وكان ذلك الشخص متوضئاً فداس على ذلك البول أو مشى عليه، فهل ينتقض وضوءه؟
إذا داس الإنسان على البول، أو على غيره من النجاسات لا ينتقض وضوءه ولكن إذا كان رطباً أو يراه رطباً غسلها إذا هي عليه، وأما إذا لم يعلم فلا شيء عليه، ولكن إذا علم وكان البول أو غيره رطباً غسل ما عليه، أو كانت رجله رطبة وداس على البول ونحوه غسلها غسل ما أصابها، أما إن كان محل البول يابساً أو كان محل النجاسة يابساً ورجله يابسة فلا شيء عليه لأنه لا يتأثر بذلك، وهكذا لو لم يعلم أن هذا نجس وصلى فإنه لا يضره ذلك، كما لو صلى في ثوب نجس لم يعلم بذلك، حتى فرغ من الصلاة فإنه لا يعيد على الصحيح، وهكذا لو صلى في بقعة نجسة يظنها طاهرة ولكن لم يعلم إلا بعد الصلاة، فصلاته صحيحة على الصحيح، وهكذا لو صلى وقد أصاب رجله أو يده نجاسة، ما علم بها إلا بعد الصلاة صلاته صحيحة على الصحيح، والحجة في ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلى ذات يوم في نعليه وكان فيهما قذر فأخبره جبرائيل عليه الصلاة والسلام أن فيهما قذراً فخلعهما ولم يعيد أول الصلاة، فدل ذلك على أنه إن لم يعلم معذور، فهكذا إذا كمل نعم.  
 
3- ماهو الاعتكاف، وإذا أراد الإنسان أن يعتكف فماذا عليه أن يفعل، وماذا عليه أن يمتنع، وهل يجوز للمرأة أن تعتكف في البيت الحرام، وكيف يكون ذلك؟
الاعتكاف عبادة وسنة والأصل أن يكون في رمضان، في أي مسجد تقام فيه الجماعة، كما قال تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد، فلا مانع من الاعتكاف في المسجد الحرام والمسجد المدني للرجل والمرأة، إذا كان لا يضر المصلين ولا يؤذي أحداً فلا بأس بذلك، والمعتكف يلزم معتكفه ويكثر من ذكر الله والعبادة، ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان كالبول والغائط ونحو ذلك، أو لحاجة الطعام إذا كان ما تيسر له أن يأتي بالطعام، يخرج لحاجته، فكان النبي يخرج لحاجته عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز للمرأة أن يأتيها زوجها وهي في الاعتكاف، وكذلك المعتكف لا يجوز له أن يأتي زوجته وهو معتكف، لأن الله قال: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد، والأفضل له ألا يتحدث مع الناس كثيراً، بل يلتزم العبادة والطاعة لكن لو زاره بعض إخوانه أو زار المرأة بعض محارمها أو بعض أخواتها في الله تتحدث معهم فلا بأس، كان النبي - صلى الله عليه وسلم-يزوره نساؤه وهو معتكف ويتحدث معهن ثم ينصرفن لا حرج في ذلك. إذن الاعتكاف هو لزوم المسجد؟ لزوم المسجد لطاعة الله جل وعلا، سواء قليل أو كثير لا يتحدد بيوم ولا بيومين ليس له حد محدود ليس في القلة ولا في الكثرة على الصحيح. وهو مشروع كما تفضلتم؟ عبادة مشروعة؛ إلا نذر صار لازماً بالنذر. وفي حق الرجل والمرأة سواء؟ نعم، ولا يشترط أن يكون معه صوم على الصحيح، لو اعتكف الرجل وهو مفطر فلا بأس في غير رمضان.  
 
4- ما حكم ظهور شعر المرأة أو ذراعها أو قدمها في أثناء الصلاة بدون قصد منها؟
الواجب على المرأة التستر في الصلاة، تستر شعرها وبدنها كله وذراعها وقدمها، في الصلاة أما الوجه فيكشف في الصلاة إلا إذا كان عندها أجنبي، ليس محرماً لها تغطي وجهها ولو في الصلاة، أما الكفان فاختلف العلماء فيهما والأفضل سترهما، فإن ظهرا فلا حرج في ذلك على الصحيح إن شاء الله، وإذا ظهر شيء من هذا بغير قصد أو شيء يسير وسترته في الحال لا يضرها ذلك، إذا انتبهت له وسترته. إذا كانت في بيتها تصلي غرفتها وغرفتها مغلقة وليس بها أحد شيخ عبد العزيز؟ ولو، لا بد من ستر هذا، ساعديها وبدنها كله ما عدا الوجه والكفين. هل يشترط أن يكون هناك غطاء جديد غير الملابس المعتادة شيخ عبد العزيز؟ ما يشترط، يكون عليها ملابس العادة قميصها وخمارها ويكون عليها ساتر أو عليها مثلاً جوارب كفى ذلك، وإن لبست زيادة جلباب فوق ذلك فهذا خير إلى خير. أرى كثيراً من النساء يحرصن على هذا الجلباب فإن كان لباسها فضفاضاً؟ ما هو بلازم.  
 
5- إذا كان الإنسان صائماً ونزل منه دم، فهل عليه أن يفطر أو يتم صيامه؟
لا يضره نزول الدم، إلا الحجامة إذا احتجم فالصحيح أنه يفطر بالحجامة وفيها خلاف بين أهل العلم، لكن الصحيح أنه يفطر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (أفطر الحاجم والمحجوم)، أما إذا رعف أو أصابه جرح في رجله أو يده وهو صائم فإنه صومه صحيح، لا يضره ذلك.  
6- تسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))[آل عمران:175]، وهل تنطبق هذه الآية على الذي يخاف وهو في منـزله؟
هذه الآية نزلت في قصة المسلمين في يوم أحد، لما كان الشيطان يخوف المسلمين من رجوع الكفار إليهم وقتالهم، قال الله جل وعلا: إنما ذالكم الشيطان يخوف أولياؤه، والمعنى أي يخوفهم بأوليائه، يعني يعظمهم في صدوركم، ويجعلهم عظماء في صدور المسلمين حتى يخافوهم وحتى يحذروهم فلا يجاهدوهم، فبين سبحانه وتعالى أن هذا غلط وأنه من الشيطان ونهاهم عن الخوف، فقال: فلا تخافوهم يعني لا تخافوا أعداء الله، الخوف الذي يجعلكم تجبنون عن قتالهم، أما الخوف الذي يوجب الإعداد لجهادهم والأهبة والحذر فهذا مطلوب قال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم، فالذي لا يخاف عدوه لا يعد له عدة، فالواجب أن يعد العدة لعدوه من السلاح والزاد، والقوة في الجهاد، وصف الصفوف، والتشجيع على القتال والإقدام ونحو ذلك، ولكن لا يخافهم خوفاً يجعله يجبن منهم ويتأخر عن قتالهم، هذا هو المنهي عنه، فإن الشيطان يعظم الكفار في صدور المسلمين حتى يخافوهم وحتى يجبنوا عن قتالهم فهذا هو المعنى في قوله:فلا تخافوهم، يعني لا تخافوهم الخوف الذي يمنعكم من جهادهم وقتالهم أو يجعلكم تجبنون عن قتالهم هذا هو المنهي عنه، أما الخوف الذي يوجب الإعداد لهم وأخذ الحذر فهذا مطلوب، على المسلم أن يخاف شرهم ويحذر مكائدهم فيعد العدة، عليه أن يعد العدة اللازمة من السلاح ومن الحرس ونشر العيون التي تعرف أحوالهم حتى لا يهجموا على المسلمين ولهذا قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم، وقال سبحانه: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيمليون عليكم ميلة واحدة، فدل ذلك على أنهم مأمورون بأن يأخذوا حذرهم وأن يخافوا شر عدوهم، ويخافوا مكائده ويكونون على حذر وعلى أهبة وعلى استعداد حتى لا يهجم عليهم العدو على غفلة وعلى غرة، فالمقصود أن الخوف المنهي عنه غير المأمور به، الخوف المنهي عنه هو الذي يدعو إلى الجبن والتأخر وتعظيم الكفار ونشر الذعر بين الناس هذا منكر، أما الخوف الذي معناه الإعداد لهم والجد في حفظ أماكن المسلمين وثغورهم حتى لا يهجم عليهم العدو هذا أمر مطلوب. إذن الآية الكريمة هي نص على باب الجهاد في سبيل الله، وليست على الخوف الذي ذكرته أختنا خوف الإنسان وهو في بيته؟ هذا شيء آخر، خوف البيت هذا لا وجه له، إذا كان البيت مأمون منغلق فالحمد لله، وإذا كان هناك شيء يخشى منه فالواجب على أهل البيت أن يسدوه، إن كان فيه مداخل عليهم أن يسدوها وإن كان هناك من يخشى منه يكون عندها من يؤنسها إلى غير ذلك من الأسباب المؤمن يأخذ بالأسباب.  
 
7- ماهي عورة المرأة للمرأة؟ مع العلم أن الأخوات المسلمات في الوقت الحاضر أصبحن يُظهرن أجزاءً كبيرة من ظهورهن، ومن بداية أقدامهن حتى الركبة، لا لحاجة ولا لضرورة إلا تلبية لموضة أصدرتها نساء الغرب والكافرات، وتشبهاً بهن، وأصبحت عادة، نرجو من سماحة الشيخ التوجيه، جزاكم الله خيراً.
عورة المرأة للمرأة ما بين السرة والركبة، كالرجل مع الرجل، لكن ينبغي للمرأة أن تعتاد الستر وأن تحرص على ستر بدنها عند نسائها وعند غيرهن من أهل بيتها، ينبغي لها أن تعتاد ذلك لئلا يفشو بينهن التساهل في هذا الأمر، فينبغي للمرأة أن تعتاد ستر بدنها، ستر فرجها وظهرها و .... لئلا يراها من لا يبالي بالتهجم على النساء من هنا ومن هنا من خادم وسائق وزوج أخت وأخي زوج ونحو ذلك، تكون متسترة حتى لو هجم أحد أو دخل عليهم من غير إذن أو وهن غافلات، فإذا هن متسترات، ولأنها إذا اعتادت التكشف عند النساء قد تعتاده في بيتها عند سائق وعند خادم وعند أخي زوج ونحو ذلك، فالحيطة والذي ينبغي للمرأة أن تكون في غاية من العناية بالستر والحشمة في جميع أحوالها، لكن لو رأت المرأة من المرأة ساقاً أو ظهراً أو ثدياً لا يضرها ذلك.  
 
8- يوجد حديث عند الإمام البخاري مروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن الميت يُعذب ببكاء أهله عليه، وحديث أخر عن سيدتنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ترفض هذا القول، وتقول: [[حسبكم القرآن: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))[الأنعام:164]]]، فما جوابكم أثابكم الله عن هذه المسألة، هل الميت يُعذب ببكاء أهله عليه، أم أنه ليس للإنسان إلا ما سعى، ولا تزر وازرة وزر أخرى؟
ليس هناك تعارض بين الأحاديث ولا بين الآية التي ذكرتها عائشة رضي الله عنها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، فقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، من حديث ابن عمر ومن حديث المغيرة ومن غيرهما في الصحيحين، ليس في البخاري وحده بل في الصحيحين في البخاري ومسلم جميعاً وفي غيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الميت يعذب بما يناح عليه)، وفي رواية البخاري: (ببكاء أهله عليه)، والمراد بالبكاء يعني النياحة، رفع الصوت، أما البكاء المراد بدمع العين هذا لا يضر، إنما الذي يضر النياحة رفع الصوت والرسول - صلى الله عليه وسلم- قصد بهذا منع الناس من النياحة على مواتهم وأن يتحملوا الصبر ويكفوا عن النوح، ولا بأس بدمع العين كما قال عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم، قال: (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون) الميت يعذب بالنياحة عليه من أهله، وكيفية العذاب الله أعلم بكيفية العذاب الذي يحصل له بهذه النياحة، وهذا مستثنى من قوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (164) سورة الأنعام، فإن القرآن والسنة لا يتعارضان، بل يصدق أحدهما الآخر، ويفسر أحدهما الآخر، فالآية عامة، والحديث خاص، والسنة تخص القرآن، وتبين معناه، فيكون تعذيب الميت بالنياحة عليه مستثنىً من الآية الكريمة، ولا تعارض بينها وبين الأحاديث، وأما قول عائشة رضي الله عنها فهذا من اجتهادها، وحرصها على الخير، وفهمها، وما قال قاله النبي صلى الله عليه وسلم مقدمٌ على قولها وعلى فهمها.

485 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply