حلقة 546: شرح الأثر ادرؤا الحدود بالشبهات - نصيحة للمتهاونين بصلاة الجماعة - حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن - تفسير قوله وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ - لم تقض ما أفطرته من رمضان لمدة من السنوات

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

46 / 50 محاضرة

حلقة 546: شرح الأثر ادرؤا الحدود بالشبهات - نصيحة للمتهاونين بصلاة الجماعة - حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن - تفسير قوله وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ - لم تقض ما أفطرته من رمضان لمدة من السنوات

1- في مسند أبي حنيفة للحارث حديث رواه عبد الله بن عباس عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ادرءوا الحدود بالشبهات)، أرجو أن تتفضلوا بشرح هذا الحديث، جزاكم الله خيراً.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد جاء في هذا الباب عدة أحاديث في أسانيدها مقال، لكن يشد بعضها بعضاً، منها الحديث الذي ذكر السائل: (ادرءوا الحدود بالشبهات)، وفي لفظ: (ادفعوا الحدود ما استطعتم)، والمعنى أن الواجب على ولاة الأمور من القضاة والعلماء والأمراء أن يدرءوا الحدود بالشبهة التي توجب الشك في ثبوت الحد، فإذا لم يثبت عند الحاكم الحد ثبوتاً واضحاً لا شبهة فيه فإنه لا يقيمه، ويكتفي بما يردعه على الجريمة بأنواع التعزير، ولا يقام الحد الواجب كالرجم في حق الزاني المحصن، وكالجلد مائة جلدة وتغريب عام في حق الزاني البكر، وكقطع اليد في حد السرقة، لا يقام إلا بعد ثبوت ذلك ثبوتاً لا شبهة فيه، ولا شك فيه، بشاهدين عدلين لا شبهة فيهما فيما يتعلق بالسرقة، وفي أربعة شهود عدول فيما يتعلق في حد الزنا، وهكذا بقية الحدود، فالواجب على ولاة الأمر أن يعتنوا بذلك وأن يدرءوا الحد بالشبهة التي توجب الريبة والشك في ثبوته، ومن ذلك إذا ادعى من يطلب إقامة الحد عليه الإكراه، وأن المرأة ادعت أنها أكرهت على الزنا وأنها ليست مختارة أكرهها الزاني وظلمها فإن هذه شبهة، يدرأ بها الحد، وهكذا إذا ادعى شارب المسكر ما يوجب الشبهة في إقامة الحد عليه وما أشبه ذلك، القاضي ينظر ويتأمل فإذا زالت الشبهة أقام الحد، وإذا قويت الشبهة وصار لها وجه درأ الحد بها.  
 
2- رجل قارب من العمر الثلاثين عاماً ويصلي في المنـزل غالباًَ، إلا أنه يحضر الجماعة في بعض الأوقات وفي الجمعة، ولكن لا يبدو عليه الحرص على ملازمة الجماعة، ووالدته تلح عليه في لزوم الجماعة، وهناك من اقترح عليها أن تظهر غضبها عليه، وألا تجالسه لعله يرجع، ولكنها تخاف عليه وتقول: أنصحك! أريد توجيهاً مفصلاً لهذا الرجل حول أدلة وجوب الجماعة، وما ينبغي للمسلم من طاعة الله وشكره على ما أنعم على الإنسان من نعم صالحة، ومن نعمة الصحة والشباب، والعافية وسعة الرزق وولله الحمد، وما هو الحكم الشرعي في مجالسته ومؤاكلته والحالة هذه؟ ونصيحة أخرى نرجو أن تتفضلوا بتوجيهها للأم وتوصيتها بأي أسلوب تستعمله مع هذا الشاب لعله أن يرجع؟
لا ريب أن الصلاة في الجماعة مع المسلمين في بيوت الله من أهم الفرائض، وهي شعار الإسلام، فالواجب على كل مكلف أن يعتني بذلك، وأن يبادر ويسارع إلى إقامة الصلاة في جماعة مع المسلمين، وأن يتباعد عن مشابهة أهل النفاق، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع للمسلمين الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولا أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم"، وفي لفظ: "لكفرتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -يعني الصلاة في الجماعة-، إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يعني من الصحابة، يؤتى بها يهادى بين الرجلين -يعني مريض أو كبير في السن- حتى يقام في الصف"، من شدة حرصهم على أداء الصلاة في الجماعة -رضي الله عنهم-، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر)، قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال: "خوف أو مرض"، يعني خوف إن خرج من البيت أن يقتل أو يسجن أو يضرب يعني البلاد غير آمنة، أو مرض يمنعه من ذلك. وفي الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتاه رجل أعمى فقال: يا رسول الله: ليس لي قائد يلائمي إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هل تسمع النداء بالصلاة؟) قال: نعم، قال: (فأجب)، رواه مسلم في صحيحه، وفي رواية أخرى عند مسلم: (لا أجد لك رخصة) فأخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يجد رخصة لأعمى ليس له قائد يلائمه أن يصلي في بيته، بل عليه أن يصلي في المسجد، فإذا كان الأعمى الذي ليس قائد يلائمه ليس له رخصة فكيف بحال الصحيح المعافى البصير، فأمره أعظم وقد هم -صلى الله عليه وسلم- أن يحرق على المتخلفين بيوتهم، كما في الصحيحين في البخاري: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى رجال لا يشهدون الصلاة -يعني في المساجد- أحرق عليهم بيوتهم)، هكذا يقول -عليه الصلاة والسلام-، وفي رواية لأحمد: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لحرقتها عليهم)، فالمقصود أن الصلاة في الجماعة في بيوت الله من أمر مفترض وأمر لازم، ومن شعار المسلمين ومن شعار أهل الحق، والتخلف عن ذلك في البيوت من شعار المنافقين، فلا ينبغي للمسلم أن يرضى بمشابهة أهل النفاق الذين قال الله فيهم -سبحانه-: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ[النساء: 142-143]، ذكرهم -سبحانه- بخمس صفات، خمس ذكر أنهم يخادعون الله والذين آمنوا، ما عندهم نصيحة ولا أمانة، عند المكر والخديعة والكذب، في معاملاتهم، والثانية: أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ما عندهم نشاط لعدم إيمانهم، إنما هو رياء، الثالثة: أهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، ذكرهم لله قليل، تغلب عليهم الغفلة، الرابعة: أنهم أهل رياء، يراؤن الناس بأعمالهم، ليس عندهم إخلاص، الغالب عليهم في أعمالهم الرياء والسمعة وطلب المحمدة، وليس عندهم إخلاص لله -سبحانه وتعالى-، والخامسة: أنهم مذبذبون ليس عندهم ثبات، وليس عندهم هدف مستقيم، بل هم تارة مع المؤمنين، وتارة مع الكافرين، ليس عندهم قاعدة ولا دين ثابت ولا إيمان صادق، فإن ظهر المؤمنون ونصروا فهم مع المؤمنين، وإن ظهر الكفار على المسلمين صاروا مع الكفار، هذه حال المنافقين، فكيف يرضى المؤمن أن يتشبه بهم في التخلف عن الصلاة في الجماعة. والوالدة التي نصحت ولدها بأن يصلي مع الجماعة قد أحسنت، وهذا هو الواجب عليها، والواجب عليها أن تستمر في ذلك، وأن تنصحه دائماً وتهجره إذا امتنع ولم يمتثل، تستعين عليه بالله ثم بمن ترى من أقاربه كأبيه وأخيه الكبير، وعمه ونحو ذلك، إذا كان له أقارب صالحين، إذا كان له أقارب صالحون تستعين بالله ثم بهم، والحاصل أن من يعرف بالتخلف عن الجماعة يستحق الهجر، ويستحق التأديب من ولاة الأمور حتى يستقيم، وحتى يحافظ على الصلاة في الجماعة. ثم من أعظم المصائب أن التخلف عنها في الجماعة من أعظم الأسباب لتركها بالكلية نعوذ بالله؛ لأن هذا مرض يوجد في القلب، الذي أوجد له التخلف سيجره في الغالب إلى الترك، وعدم المبالاة، فتارة يصلي وتارة لا يصلي، وقد يحمله على الرياء، إن من يسحيي منه صلى، وإن خلى له الجو ترك، وهذه حال المنافقين والعياذ بالله، فالواجب الحذر والواجب على الوالدة وعلى أقارب الرجل وعلى أصدقائه أن ينصحوه، وأن يعينوا والدته عليه، وأن يهجروه إذا استمر في باطله وتخلفه، نسأل الله الهداية للجميع. تسأل في آخر السؤال سماحة الشيخ عن مجالسته ومؤاكلته، وترجو منكم التوجيه جزاكم الله خيراً؟ تعمل ما هو الأصلح، إن رأت في مؤاكلته ومجالسته ما يعين على أدائه الواجب، والحفاظ على الصلاة فعلت ذلك واجتهدت، فإن لم ينفع ذلك، ولم يؤثر فيه، هجرته ولم تجالسه ولم تؤاكله، واستحق منها الغضب، أن تغضب عليه وأن تستعين بمن ترى من أقاربه وأهل الخير، في هدايته أو ردعه. هذا وهو يحضر بعض الجماعات ويحضر الجمعة؟ نعم، نعم، نسأل الله السلامة، لا بد من حضور الجميع، والعناية بالجميع، نسأل الله السلامة.  
 
3- ما حكم أخذ الأجرة على تدريس القرآن الكريم في مدارس تحفيظ القرآن الكريم؟
لا حرج في ذلك، الصحيح أنه لا بأس بذلك، لأن في أخذ الأجرة إعانة له على الاستمرار في التعليم والصبر عليه، ولأن كثيراً من الناس قد لا يستطيع أن يعلم بدون شيء، لأنه ليس له دخل يقوم بحاله، حتى يتفرغ للتعليم، فإذا أعطي أجرة على ذلك تفرغ للتعليم ونفع الناس، وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله)، وهذا يشمل التعليم، التعليم هو أهم ما يتدخل فيما يتعلق بالقرآن، تعليمه الناس وتوجيههم وإرشادهم، هذا يحفظ، وهذا يعلم، هذا من أهم المهمات ومن أفضل القربات، فإذا أخذ عليه أجرة تعينه على هذا الأمر العظيم فلا بأس.  
 
4- يسأل عن تفسير قول الحق -تبارك وتعالى- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[النور:60]؟
أوضح العلماء -رحمة الله عليهم- أنهن العجائز، اللاتي لا يلتفت إليهن ولا يرغب فيهن لكبر سنهن وضعفهن، وعدم تبرجهن بالزينة، هؤلاء لهم الكشف، تكشف عن وجهها وعن يديها لا بأس بذلك، واستعفافها وتسترها خير لها وأفضل، لأنه كما قيل: كل ساقطة لها لاقطة، وقد تبتلى بمن يفتن بها، لكن الأصل الجواز، إذا كانت بهذه الصفة، عجوز كبيرة السن لا تشتهى ولا يمال إليها ولا ترجو النكاح، ومع ذلك ملابسها وحالتها ليس فيها زينة، وليس فيها تبرج، لا من جهة الملابس ولا من جهة الكحل، ولا من جهة الأصباغ، ولا من جهة ما يفتن، بعيدة عن هذه الأشياء، فإذا كانت في حالة لا يرغب فيها لكبر سنها وعجزها وعدم تبرجها بالزينة فإنه لا حرج عليها في الكشف، يعني وضع الثياب التي على وجهها، ...... وجهها قالوا بعضهم ولا رأسها أيضاً؛ لأنها لا تشتهى، لكن تعففها مثلما قال ربنا: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ، تعففها بالتستر بالحجاب، أولى لها وأبعد لها عن الخطر.  
 
5- أن والدتي أخبرتني قريباًَ أنها في الماضي لم تقض أيام الحيض والنفاس وهو عن جهل منها في ذلك، وهي الآن كبيرة في السن لا تقدر أن تقضي هذه المدة الطويلة، وأيضاً مصابة بالسكر والضغط، وهي الآن في حيرة أيضاً من أمرها، هل الصدقة تُجزئ عن ذلك، وما هو مقدارها؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
أولاً: عليها التوبة إلى الله -سبحانه وتعالى- عما فعلت من الترك، والتوبة حقيقتها أمور ثلاثة: الندم على الماضي من السيئة، وعدم فعلها، والعزم الصادق ألا يعود فيها العبد، هذه التوبة، ندم على الماضي، وإقلاع من الذنب كله، خوفاً من الله -سبحانه وتعالى- وتعظيماً له، وأمر ثالث: وهو العزم الصادق ألا يعود في الذنب. فالوالدة التي سألت عنها -أيها السائلة- جزاك الله خيراً عليها أن تتوب إلى الله بالندم على ما مضى، الندم الصادق، وعليها مع ذلك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً، ما دام لا تستطع القضاء عليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً إذا كانت تستطيع، إذا كانت عندها قدرة مالية، تطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع، بصاع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومقداره كيلو ونصف تقريباً، من قوت البلد من رز أو تمر أو حنطة أو شعير ونحو ذلك، هذا هو الواجب عليها مع التوبة والاستغفار عما مضى، والله -سبحانه- يتوب على التائبين. وأنت جزاك الله خيراً أعينها على هذا الخير، إذا كانت تعجز عن بعض الكفارة وأنت تقدرين فأعينها والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فكيف بالوالدة. تقدم الرز صافي دون أن يكون معه شيء؟ وأيضاً عليها أن تعتني بعدد الأيام ولو بالظن إذا شق العلم ولو بالظن، يكتفى بالظن عند العجز عن العلم، في مقدار الأيام، وإذا كان مع الرز أو الحنطة إدام هذا أفضل وأفضل، من لحم أو سمن هذا كله طيب, وإلا فهو يكفي وحده، الطبيخ وحده والأزر وحده والحنطة وحدها تكفي، لكن إذا كان مع الرز ونحوه إدام صار أفضل.   
 
6- إن ذلك وقاية له من السيل، كذلك أراهم يزيدون حصباء فوق القبر بعد الدفن زيادة على ترابه الأصلي، كذلك يرشون عليه ماء، فما حكم ما يفعلون؟
كل هذا لا بأس به، الأفضل شبر وما حوله، وإذا زاد يسيراً بالحصباء أو نحوه فالأمر سهل في هذا، الأمر في هذا سهل، حتى تعلم القبور وتعرف، وحتى لا تمتهن، فإذا دفنوه في ترابه وجعلوا عليه حصباء حتى يثبت به التراب ويبقى، ورشوه بالماء حتى يبقى كل هذا لا بأس به، لأن في هذا حفظاً لترابه وبقاء له.  
 
7- إذا كان إمام المسجد ينتظر في بيته ولا يحضر إلى المسجد إلا عند الإقامة، ولا يشتغل في البيت بصلاة نافلة أو قراءة قرآن، فهل الأفضل له التبكير إلى المسجد قبل الإقامة؟
هذا لا نعلم فيه حداً محدوداً، ولا سنة واضحة، بل الأمر يرجع إلى الإمام فإن رأى أن حضوره إلى المسجد أصلح لقلبه وأنفع للناس ليقرأ ويصلي ما تيسر ويقرأ، وربما كان عالماً فيفتي الناس بما يسألونه عنه ونحو ذلك كان ذلك أفضل، وإذا رأى أن بقائه في البيت أصلح له، يقرأ في بيته، ويصلي الرواتب في بيته، ثم يأت عند إقامة الصلاة كما هو الغالب من فعل -عليه الصلاة والسلام-. المعروف من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يبقى في البيت فإذا جاء وقت الإقامة خرج إلى الناس -عليه الصلاة والسلام-، هذا هو الأصل في الإمام يبقى في بيته، ويشتغل بما يسر الله له من قراءة أو علم أو صلاة نافلة ونحو ذلك، ويحرص على الراتبة التي شرعها الله أربع قبل الظهر، وثنتين بعدها، وثنتين بعد المغرب وثنتين بعد العشاء، وثنتين قبل صلاة الصبح هذه رواتب حافظ عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإن فعلها الإمام في البيت، وفعل ما يسر الله له من الخير: دراسة القرآن، أو قراءة علم، أو تحفظ شيء ينفعه من العلم أو القرآن، فكل هذا طيب. فالأصل أن الإمام يبقي في البيت لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يأت وقت الإقامة، ويقيم الصلاة، فإذا رأى في حالة من الحالات، في قرية من القرى أو في بلد من البلدان أو مجيئه إلى الناس قبل الصلاة ينتظرها مع الناس في المسجد، يصلي ما كتب الله له مما شرع الله، ويقرأ القرآن، أو يسبح ويهلل في محل من المسجد حتى يحضر وقت الإقامة، كل هذا لا بأس به. والخلاصة أن الأصل والأفضل أن يكون في البيت، حتى يأتي وقت الإقامة اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حصل له أمر آخر يقتضي أنه يحضر في المسجد، وأن في ذلك مصلحة راجحة على بقائه في البيت فلا أعلم في هذا بأساً، بل ينبغي له أن يتحرى ما هو أقرب إلى المصلحة والنفع للمسلمين.  
 
8- علمنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن رفع الصوت في المساجد في أوقات الصلاة ولو بقراءة القرآن، وقد لاحظت أن معظم الإخوة المسلمين حيث أقيم يرفعون أصواتهم بقراءة القرآن، وخاصة في الأوقات بين الأذان والإقامة؛ لدرجة قد تجعلني في كثير من الأحيان لا أحسن الوقوف بين يدي الرحمن، فما العمل؟ وأرجو الله إن كان في تصرف هؤلاء الإخوة ما لا يجوز أن يُنبهوا على ذلك كثيراً، فإن الأمر قد عم جميع المساجد، حتى إنك إذا أخبرت أحدهم بما في هذا الأمر فإما أن يتعجب مما تقول، وإما أن يستمع إليك ثم لا يتوقف عن فعل ذلك العمل، هدانا الله جميعاً إلى سواء السبيل، وصاحب هذا السؤال أخٌ مصري يعمل في السعودية كما يقول، يبدو أن اسمه طارق حسين.
لا شك أن هذا واقع في المساجد، ولا شك أن الأفضل عدم الجهر بالصوت، وعدم رفع الصوت في الصفوف في المساجد، وأن الإنسان يقرأ وهو خافض صوته، حتى لا يشوش على من حوله من القراء والمصلين، هذا هو السنة، وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج ذات يوم للناس والمسلمون يقرؤون قد رفعوا أصواتهم، فقال: (كلكم يناجي الله، فلا يجهر بعضكم على بعض)، أو كما -عليه الصلاة والسلام-. فالمقصود أن السنة مراعاة من حوله من المصلين، وألا يجهر بقراءته فيشوش عليهم، ولكن يقرأ قراءة منخفضة ليس فيها تشويش بينه وبين نفسه، أو يرفع قليلاً لا يتعدى الضرر إلى غيره، ولكنه رفع قليل. فالحاصل أنه ينبغي له أن يراعي شعور المصلين، فلا يجهر به جهراً يشوش على مصل أو على قارئ. أما لو قدر أن من حوله يسمعون وينصتون له وليس فيها في ذلك أذى لأحد فلا بأس بالجهر الذي ينفع ما حوله، إذا فرضنا أنه في مكان من الصف حوله مستمعون يحبون أن يرفع صوته قليلاً حتى يستمعوا فهذا فيه نفع لهم ولا حرج فيه، ولأنه لا يضر أحدا، ولكن في الأغلب أنه يكون حوله مصلي وحوله قارئ، فالذي ينبغي له أن يخفض صوته وأن يكون بقدر ما لا يؤذي أحداً ممن حوله.  
 
9- أنه كثير الخجل، ولا يستطيع أن يؤم الناس رغم أنه في بعض الحالات يكون الأقرأ في فريضة من الفرائض، وإذا وجه إليه سؤال يرتعش كما يقول، ويرجو من سماحتكم التوجيه والنصح؟
الواجب على المؤمن وعلى طالب العلم أن تكون عنده همة عالية، والقوة والنشاط في إبلاغ الخير والدعوة إلى الخير، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا هو الواجب، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير) لكن المؤمن القوي الذي يعلم الناس ويصلي بهم إذا احتاجوا ويقرأ عليهم العلم، ويرشدهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر أفضل من المؤمن الضعيف العاجز الذي لا يستطيع أن يبذل ما ينفعه، ووصيتي لهذا السائل أن يتقي الله وأن تكون همته عالية، وأن يؤم الناس إذا كان أفضل الموجودين، فالواجب عليه أن يؤم الناس وأن يبادر بذلك، وأن يظهر علمه إن كان عنده علم، وأن يفتي السائل بما عنده من العلم عن الله وعن رسوله، وأن لا يخجل، فليس هذا محل خجل، الخجل للجاهل والفعل للمعصية، أما من يعلم الناس الخير ويفتيهم بالعلم الشرعي، ويسعى لمصالحهم لا يليق به أن يخجل ولا ينبغي له أن يجبن، ولا يليق به أن يتأخر، بل ينبغي له أن يتقدم، وأن يكون في المقدمة في كل شيء، حتى ينفع الناس ويرشدهم، ويكون إماماً في الخير، والله المستعان.

520 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply