حلقة 194: قراءة القرآن والإنسان لابس نعليه - زيارة القبور للرجال - الجمع والقصر في السفر - زكاة الحلي من الفضة - كيفية سداد الدين لصاحبه المجهول؟ - حكم حلق اللحية - من أدرك الركوع هل يلزمه قراءة الفاتحة؟

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

44 / 50 محاضرة

حلقة 194: قراءة القرآن والإنسان لابس نعليه - زيارة القبور للرجال - الجمع والقصر في السفر - زكاة الحلي من الفضة - كيفية سداد الدين لصاحبه المجهول؟ - حكم حلق اللحية - من أدرك الركوع هل يلزمه قراءة الفاتحة؟

1- إني عسكري في الجيش العراقي، وإني أقرأ القرآن عدة مرات وأنا لابس حذائي، فهل يجوز لي قراءة القرآن وأنا لابس الحذاء؟

لا حرج في أن تقرأ القرآن وأنت لابس نعليك أو خفيك, لا حرج في ذلك، فالمؤمن له أن يقرأ قائماً وقاعداً ومضطجعاً, ولابساً خفيه أو نعليه وحافياً، كل ذلك لا حرج فيه والحمد لله؛ لقول الله جل وعلا: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ(103) سورة النساء. ، ولقول عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه، فقولها -رضي الله عنها- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه يدل على أنه لا فرق بين كونه حافياً أو منتعلاً هكذا قالت عائشة -رضي الله عنها-، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه، ولا يسثنى من ذلك إلا الجنب، فالجنب لا يقرأ حتى يغتسل وأما غير ذلك فله أن يقرأ قائماً وقاعداً ومضطجعاً ومحتفياً ومنتعلاً, والحمد لله.  
 
2- هل يجوز للرجال زيارة القبور أم لا؟
زيارة القبور سنة مؤكدة ثابتة عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يزور القبور ويقول: "زورا القبور فإنها تذكركم الآخرة". وكان -عليه الصلاة والسلام- يُعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)، وفي رواية البخاري كان يقول -صلى الله عليه وسلم-: "يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد". فالسنة للرجال أن يزوروا القبور؛ لأنها تذكر الآخرة, وتذكر الموت وتعين على الاستعداد للآخرة، ويستحب له أن يقول ما علَّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه -عليه الصلاة والسلام- فيقول الزائر: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية، غفر الله لنا ولكم ورحمنا وإياكم), وما أشبه ذلك من الدعاء الطيب. أما النساء فلا، النساء لا يزرن القبور لأنه -صلى الله عليه وسلم- لعن زائرات القبور. فالنساء لا يزرن القبور وأما الرجال فيشرع لهم زيارة القبور ولكن لا يقولوا هجراً، يعني: لا يقولوا كلاماً سيئاً, فلا يجوز دعاء الأموات ولا الاستغاثة بالأموات, ولا طلبهم المدد كما يفعله بعض الجُهَّال. هذا منكر وشرك فلا يجوز لمسلم أن يدعوَ الأموات أو يستغيث بهم؛ لأن الميت قد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أما كونه يُسأل المدد أو العون أو الغوث سواء كان نبياً أو ولياً أو غيره فلا يجوز ذلك, بل هذا يختص بالله وحده هو الذي يُدعى ويُسأل, وهكذا يجوز مع المخلوق الحي الحاضر لا بأس تقول: يا أخي الحاضر أعطني كذا ساعدني بكذا أقرضني, ساعدني على بناء بيتي, على إصلاح سيارتي لا بأس، أما الميت فلا يسأل، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "إذا سألت فاسال الله وإذا استعنت فاستعن بالله". والله يقول سبحانه: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا(18) سورة الجن. وأما يفعله بعض الجهال عند بعض القبور يقول: يا سيدي فلان المدد المدد, أو أغثني أو اشف مريضي هذا كله منكر وكله من الشرك الأكبر، كما بين ذلك أهل العلم والله المستعان. والمقصود من هذا أنه يزور القبور ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة ولا يزيد على ذلك في طلبهم شيئاً من عندهم, لا يقول اشفعوا لي أو اشفوا مريضي أو المدد المدد أو ما أشبه ذلك، ولا يجوز أن يتخذ القبور محلاً للصلاة عندها أو الطواف بها أو الدعاء عندها، لا، إنما يزورهم كما زارهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وكما زارهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يسلمون عليهم ويدعون لهم بالمغفرة والرحمة ويحصل بهذا ذكر الموت وذكر الآخرة هكذا ثبتت السنة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- والله ولي التوفيق. أما تخصيص زيارة القبور بعد صلاة العيد كأنه يزور الأحياء والأموات فهذا ليس له أصل، ولم أعلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة أنهم كانوا يخرجون إلى البقيع بعد صلاة العيد, والخير في اتباع السلف الصالح، الخير في اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قال الله عز وجل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ(31) سورة آل عمران. فكونه يتخذ الزيارة للقبور بعد صلاة العيد طريقة متبعة الذي أراه ترك ذلك, أما إذا كان الأفضل له .... ذلك الوقت وزارهم لا لقصد أن هذا سنة، أو أن هذا وقت مناسب هذا لا بأس به يزورهم صباحاً أو مساء أو في الليل أو بعد صلاة الفجر،كلُّ هذا لا بأس به؛ لأن كونه خصص بعد صلاة العيد ويرى أن هذا قربة أو سنة خاصة هذا لا نعلم له أصلاً، أما إذا جاء وزارهم بغير قصد مر يوم العيد, أو بعد صلاة العيد أو في آخر نهار العيد وزار القبور, لا لقصد أن هذا سنة أو أن هذا الوقت مناسب فلا حرج في هذا.  
 
3- أنا موظف بأحد قطاعات الدولة، وأحصل على عطلة الأسبوع في بعض الأحيان، وأسافر إلى المنطقة التي يسكن بها أهلي، والتي تبعد عن مقر عملي بحوالي أربعمائة كيلو متر، فهل يجوز في خلال هذه العطلة الجمع والقصر مثل الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، علماً أنني شاهدت كثيراً من الناس يقتدون بهذا العمل؟
يشرع لك في الطريق من محل عملك إلى منطقة أهلك يشرع لك أن تجمع بين الصلاتين, وأن تصلي ركعتين لا بأس بهذا، خصوصاً القصر يسن لك أن تقصر، يسن لك أن تقصر حال الطريق، الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء ركعتين لا بأس، هذا مشروع، أما الجمع فلك أن تجمع ما دمت سائراً في الطريق غير نازل فالأفضل لك الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فإذا سافرت من محلك قبل زوال الشمس شرع لك أن تصلي الظهر مع العصر جمع تأخير, وهكذا إذا سافرت من محلك قبل غروب الشمس شرع لك أن تصلي المغرب والعشاء جمع تأخير, أما إن سافرت بعد الزوال أو بعد الغروب فإنك تجمع جمع تقديم فالعصر مع الظهر جمع تقديم, والمغرب والعشاء جمع تقديم إذا فارقت البلد بعدما ترتحل وتفارق معالم البلد, أما في منطقة أهلك إذا وصلت إلى منطقة أهلك فهذا محل نظر إن كانت منطقة أهلك هي محل سكنك وهي وطنك لو تركت العمل على رجعت إليه وتعتبره وطنك فلا تقصر فيه، إذا جئت أهلك تصلي أربعاً ولا تجمع، أما إذا كان محل أهلك ليس وطناً لك وإنما وطنك الذي عزمت على الاستقرار فيه والإقامة فيه هو محل العمل، فلا بأس أن تقصر في محل أهلك وفي منطقة أهلك إذا كانت الإقامة أربعة أيام فأقل، أما إذا عزمت أن تقيم عند أهلك أكثر من أربعة أيام فإنك تصلي أربعاً ولا تجمع، هذا هو الذي ينبغي وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، والله ولي التوفيق..  
 
4- يوجد عندي حُليّ من نوع الفضة لزوجتي، وهي لا تلبسه إلا في أوقات العيد والمناسبات، علماً أنه يمضي بعض الأحيان إلى ثمانية أشهر أو سنة كاملة لا تلبسه، فهل يجوز عليه الزكاة؟
نعم، إذا حال عليه الحول وهو يبلغ النصاب فإنها تزكيه, والنصاب في الفضة مائة وأربعون مثقالاً مقداره بالسعودي ستة وخمسون ريال سعودي من الفضة وغيرها أو ما يعادلها فإذا كانت هذه الحلية تبلغ هذا المقدار فإنها تزكَّى كل سنة ربع العشر، في كل مائة ريالان ونصف هكذا, هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم، فيه خلاف بين أهل العلم في حلية النساء هل تزكى أم لا تزكى، لكن الصواب أنها تزكى إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول هذا هو الأرجح من أقوال أهل العلم في ذلك.  
 
5- سبق وأن أخذت مبلغاً من المال من أحد زملائي في العمل عن طريق السلف، وصدر قرار بنقلي إلى المنطقة الشرقية ولم أقابل هذا الشخص لمدة لا تقل عن عشر سنوات، لذا أرجو الإفادة عن هذا المبلغ، ماذا أفعل به؟
الواجب عليك أن تسأل عن صاحبك أهل الخبرة وأهل المعرفة به تسأل عنه العارفين به بالمكاتبة بالهاتف بكل وسيلة, ومتى وجدته أرسلت حقه إليه، وإن كان قد مات تعطيه ورثته تسأل عن ورثته....... الحق فأما إذا عجزت ولم تعرف حاله ولا ورثته فإنك تصدق بها بالنية, تتصدق به على بعض الفقراء بالنية عن صاحبك, والله جل وعلا يثيبك على هذا وينفعه به, وأنت تبرأ بعد العجز وبعد الحرص على معرفة محله أو ورثته إن كان قد مات, إذا عجزت عن هذا كله فإنك تتصدق بهذا المال بالنية عن أخيك الذي مات تتصدق به عنه والله يؤجره ويبرئ ذمتك.   
 
6- إذا مات أحد أصدقائي هل يجوز لي أن أقوم عنه بزيارة مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة المنورة، وهل يجوز أن أقوم عنه بالعمرة؟
نعم، لا حرج عليك أن تحج عن أخيك محبك في الله أو أبيك أو أمك أو نحو ذلك من الأموات، لا حرج عليك أن تحج عنه أو تعتمر, هذا كله مشروع ولك في هذا أجر وللميت أجر, أما الزيارة عنه للمسجد فلا نعلم له أصل الزيارة,أو تنوب عنه هذا من الأعمال البدنية التي لم يرد فيها الأدلة الشرعية في النيابة, وهكذا الصلاة لاتصلي عنه ولا تزور عنه المسجد النبوي، بل هذا شيء يختص بالإنسان ولا ينوب فيه عن غيره، لكن تزوره لنفسك، تزور المسجد تصلي فيه تسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وتسلم على صاحبيه, وتزور البقيع وتسلم عليهم، وتزور الشهداء تسلم عليهم تزور مسجد قباء وتصلي فيه، هذا كله طيب لنفسك, أما أن تنوب عن غيرك في هذه الزيارة هذا غير مشروع فيما نعلم، وإنما تزور مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتصلي فيه؛ لأن الصلاة فيه مضاعفة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام"، فزيارة القبور سنة فإذا زرت المسجد زرت قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقبر صاحبيه وسلمت عليه وعلى صاحبيه -عليه الصلاة والسلام- ورضي الله عنهما- ويشرع لك -أيضاً- أن تزور البقيع وتسلم على أهل البقيع من الصحابة ومن فيه من غيرهم, ويستحب لك أن تزور-أيضاً- قبور الشهداء وتسلم عليهم, ويستحب لك أن تزور مسجد قباء وتصلي فيه ركعتين أو أكثر كل هذا مشروع، لكن لا تنوب في هذا الأمر بل تفعله عن نفسك، هذا هو المشروع.  
 
7- ما هو الحكم فيمن حلق لحيته، وهل هناك دليل قرآني على ذلك؟
حلق اللحية أو قصها كله محرم ممنوع، لا يجوز للمؤمن أن يقص لحيته ولا أن يحلقها لما ثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين". هكذا قال -عليه الصلاة والسلام- فيما صح عنه، كما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-. وقال -أيضاً -عليه الصلاة والسلام-: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس". وفي لفظ- "ووفروا اللحى". رواه مسلم في الصحيح. هذا يدل على وجوب إعفاء اللحية وتكريمها وتوفيرها وإرخائها, وفي نص القرآن الكريم يقول الله -عز وجل-: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ(80) سورة النساء. ويقول سبحانه في الآية الكريمة الأخرى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7) سورة الحشر.ويقول سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ – يعني أمر النبي -صلى الله عليه وسلم– أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63) سورة النــور. هذا وعيد عظيم لمن خالف أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فالواجب على الأمة اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وطاعة أمره وترك نهيه, هذا هو الواجب على جميع الأمة. وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل يا رسول الله، من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى". رواه البخاري. فنصيحتي لجميع المسلمين في كل مكان أن يوفروا اللحية, وأن يكرموها ويرخوها وأن يحذروا حلقها وقصها، وألا يتأسوا بمن فعل ذلك من الناس اليوم، فقد كثر من فعل ذلك اليوم, فلا ينبغي للمؤمن أن يتأسى بمن فعل ذلك, ولكن يأخذ بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويطيعه -عليه الصلاة والسلام- ويعفي لحيته ويكرمها طاعة لله واتباعاً لشريعته والله ولي التوفيق.  
 
8- إذا أقيمت الصلاة ولم أقرأ مع المصلين سورة الفاتحة ولكن أدركت الركوع، وسمعت من الكثير من الناس أنه إذا لم تقرأ الفاتحة يلزمني ألا أسلم مع الإمام، ويلزمني إكمال الركعة التي لم أدرك فيها قراءة الفاتحة مع الإمام والمصلين؟
الصواب في هذه المسألة أن المسلم إذا أدرك الإمام وهو راكع فإنه يركع معه وتجزؤه الركعة ولا يلزمه قضاؤها هذا هو الصواب وهو الذي عليه جمهور أهل العلم, الأئمة الأربعة أبو حنيفة, ومالك, والشافعي, وأحمد, وجمهور أهل العلم، كلهم يرون أن الركعة مجزئة وأن صلاته صحيحة كاملة, وليس عليه قضاء الركعة. والحجة في ذلك ما ثبت في صحيح البخاري -رحمه الله- عن أبي بكرة الثقفي -رضي الله عنه- أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله عن ذلك, فأخبره أبو بكرة أنه هو الفاعل. فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "زادك الله حرصاً ولا تعد". فلم يأمره بقضاء الركعة ولكنه نهاه أن يعود إلى الركوع دون الصف, وأمره أن يصبر حتى يصل الصف ثم يركع في الصف. فهذا هو الواجب أن المؤمن لا يعجل، فإذا جاء والإمام راكع لا يعجل حتى يصل الصف ثم يركع مع الناس، وتجزؤه الركعة ويكون معذوراً في عدم قراءة الفاتحة؛ لأنه ما أدرك القيام، ومعلوم أن قراءة الفاتحة أمر مطلوب من المأموم وغيره بل فرض، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". ولكن هذا الذي أدرك الركوع معذور؛ لأنه فاته القيام فصار معذوراً, هذا هو الصواب, وهكذا لو نسي القراءة المأموم أو جهل حكمها يحسب أنها لا تلزمه فإن صلاته صحيحة ومجزئة, ولا يلزمه قضاء شيء, أما من علم حكم الله فإنه يقرأ الفاتحة بعد أن أدرك القيام, يقرؤها مع الإمام في سكوت الإمام فإن لم يسكت الإمام قرأها سراً لنفسه، ثم أنصت لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها". هذا العموم يستثنى منه من أدرك الركوع لحديث أبي بكرة. والقاعدة الشرعية أن العام يخصص بالخاص، السنة العامة تخصص بالسنة الخاصة وهكذا الآيات القرآنية العامة تخصص بالآيات المخصصة, وتخصص بالسنة أيضاً، فحديث أبي بكرة يخصص عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وبهذا يتضح للسائل أن الركعة مجزئة, وأنه ليس عليه القضاء. هذا هو الصواب والذي عليه جمهور أهل العلم. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن عليه قضاء الركعة، ولكنه قول مرجوح لما عرفت من الأدلة والله ولي التوفيق.   
 
9- يوجد عندنا في تونس الفساد بأنواعه وأشكاله، وأنا كشاب مسلم أقرأ في المعهد، وأركب الحافلة والسيارة، وأدخل السوق، ففي المعهد مثلاً مهما أغض بصري لا بد أن أرى عورات الطالبات، وذلك لأنهن لا يرتدين الزي الإسلامي، وربما أتكلم أنا وطالبة، وذلك؛ لأن هذه الحالة في مجتمعنا التونسي عادية، وفي الركوب في الحافلة أو السيارة في أكثر الأيام يحدث زحام شديد، فيلتصق جسد الأنثى بجسد الذكر، وأنا يحدث لي ذلك دائماً, وفي بعض الأحيان يلتصق بي شارب خمر، فأشم منه رائحة الخمر، وفي السوق أرى وأسمع كل ما أكره هذه الحالة التي أعيشها وأنا كمسلم ملتزم بديني وأعرف أن هذه الحالة مخالفة لديني وعرضت عليكم حالتي فبماذا تفيدوني وتساعدوني يرحمكم الله؟
نسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق وصلاح الحال، ونسأله أن يوفق الحكومة التونسية والعلماء والمسؤولين فيها لما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يصلح أحوال الشعب التونسي وأحوال المسؤولين وأن يوفقهم لما يرضيه, وأن يعين المسؤولين جميعاً على أداء حق الله والقيام بأمره -سبحانه وتعالى- أما أنت أيها السائل فالواجب عليك غض البصر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب طاقتك, تغض بصرك عن النساء في المعهد وغيره. وإذا كانت الدراسة مختلطة في المعهد اترك هذه الدراسة وانتقل إلى دراسة غير مختلطة في تونس أو غيرها؛ لأن الاختلاط بين البنين والبنات خطر عظيم ويخشى منه عاقبة وخيمة، فينبغي لك يا أخي أن تحرص على أن تكون دراستك في محل غير مختلط، وإذا بليت بهذه الدراسة فعليك بغض البصر والحذر, والواجب عليك فيما أرى أن تلتمس دراسة غير مختلطة حتى تسلم من مغبة هذا الاختلاط، وهكذا في السيارة وفي القطار وفي أي حافلة. عليك أن تجتهد في غض البصر والنصيحة لإخوانك المسلمين فإذا رأيت المرأة التي قد تكشفت وتبرجت تنصحها لله وتقول لها: يا أمة الله هذا لا يجوز، اتَّقِ الله, راقبي الله تستري البسي كذا وافعلي كذا. وإذا رأيت من يشرب الخمر أو رأيت منه رائحة الخمر تنصحه لله وتخبره أن الخمر محرمة وأنها لا تجوز, وأن الواجب على المسلم طاعة الله ورسوله وتبين عواقبها السيئة وما فيها من الشر العظيم, وهكذا التدخين تبين أنه منكر وأنه يضر ضرراً عظيماً فالمؤمن هكذا ينصح. يقول الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر(71) سورة التوبة. هذه صفة المؤمنين والمؤمنات. فعليك أنت يا أخي وعلى كل مؤمن وعلى كل مؤمنة التناصح في الحافلة, في القطار في السيارة في كل مكان, في المدرسة في المعهد في كل مكان التناصح واجب بين المسلمين, وبهذا يقل الشر ويكثر الخير, وهكذا قوله جل وعلا: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104) سورة آل عمران وهكذا قوله سبحانه: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه(110) سورة آل عمران. وهكذا قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع قبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". فعليك يا أخي وعلى جميع إخوانك المسلمين التناصح فيما بينكم في تونس وفي غيرها, وعليكم جميعاً التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر بالحكمة, بالكلام الطيب بالأسلوب الحسن, حسب الطاقة, نسأل الله للجميع التوفيق والهداية. 

386 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply